بعد اختفائه.. لماذا أعاد السيسي اتحاد القبائل للأضواء في "حفل النكسة"؟

12

طباعة

مشاركة

كانت مفاجأة غير مفهومة أن يتولى "اتحاد القبائل العربية"، رعاية وإخراج حفل في ذكرى نصر حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 ويدعو رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي لحضوره.

ويرأس هذا الاتحاد رجل الأعمال السيناوي المثير للجدل إبراهيم العرجاني (50 عاما)، ودشنه مطلع مايو/أيار 2024. وسميت الفعالية المذكورة بـ"حفل النكسة"، بعد أن استحضر السيسي خلالها هزيمة يونيو/حزيران 1967 بدل الحديث عن انتصار أكتوبر.

وكان الهدف من الفعالية، إظهار الدعم الشعبي للسيسي عبر الاتحاد، الذي حشد موظفين ومواطنين في 50 حافلة مع وجبات وأموال.

بدا وكأنه التدشين الثاني، أو إعادة إحياء نشاط "اتحاد القبائل العربية والعائلات المصرية" باسمه الجديد، بعد اختفائه عدة أشهر.

ولم يكن من المعتاد أن تنظم جمعيات أهلية أو منظمات مجتمع مدني حفلات جماهيرية كبيرة يحضرها عشرات الآلاف من المصريين تزامنا مع ذكرى انتصارات 6 أكتوبر قبل 51 عاما، وظل الأمر قاصرا على مؤسسات الدولة والقوات المسلحة.

لذا رأى سياسيون ومحللون مصريون أن السماح لاتحاد القبائل العربية بترتيب احتفال، ودعوته السيسي للحضور، يعد مؤشرا مهما على أنه يحظى بمكانة مرموقة لدى النظام، وحصل بذلك على شهادة اعتماد رسمية بشرعية دوره.

لماذا عاد؟

وتشير تقديرات لتيارات سياسية مختلفة إلى أن عودة نفوذ العرجاني واتحاد القبائل ربما له صلة بسعي النظام للتغلب على حالة الضعف في الأحزاب المدنية التي شكلها جنرالات الجيش لدعم نظامه، وفشلت، خاصة "مستقبل وطن"، الذي يعد الحزب الرئيس للسلطة.

ويبدو أن السيسي يحاول خلق ظهير جديد حقيقي للسلطة يبدو نابعا من الشعب، لكن الاعتماد على اتحاد يرتكز على المكونات القبلية وكبار العائلات لسد فجوة كبيرة، قد يكون رهانا خاسرا بسبب سمعة العرجاني السيئة، ولأن مصر لا تعرف القبلية.

وقبل الحفل الذي دعا له اتحاد القبائل في 26 أكتوبر 2024، أعلن رئيسه إبراهيم العرجاني تعيين وزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار أمينا عاما للاتحاد، ووزير الزراعة السابق السيد القصير أمينا عاما مساعدا.

ويشير تعيين وزيرين سابقين لدى اتحاد القبائل، إلى أن دوره ذو صبغة سياسية، وأن هناك تناغما وتشاركا بين الاتحاد والسلطة في مصر.

وظهر الاتحاد مجددا بعد غياب غامض، بسبب تكهنات حول عدم رضا الجيش عن دوره، بوصفه ينافس المؤسسة العسكرية بمليشياته، ويقسم مصر لقبائل وعائلات.

طرحت دعوته السيسي لحفل انتصار أكتوبر، كأنه جهة رسمية، تساؤلات حول أسباب إخراجه من القمقم مجددا بعد فترة تجميد له، لاعتراض جهات عسكرية وسيادية على تمدده من سيناء للعاصمة القاهرة ومحافظات أخرى.

وعاد الاتحاد بعد إبعاد ذراع السيسي الأيمن، مدير المخابرات السابق، عباس كامل، من منصبه، وتغيير قيادة الجيش العليا بما فيها وزير الدفاع ورئيس الأركان.

فهل كان هناك خلاف مكتوم بين الجيش أو جهات سيادية، مع السيسي حول إنشاء اتحاد القبائل تسبب في غياب العرجاني والاتحاد، ثم عادا مع غياب قادة هذه الأجهزة السيادية التي عارضت تمدد نفوذه واتحاده؟

أم أن السيسي قرر الاستعانة بالاتحاد لبناء "حاضنة شعبية جديدة"، بدلا من "أحزاب الجنرالات" الكرتونية التي ظهرت عقب انقلاب 2013، وتحولت لحصد المكاسب، وفشلت في تنمية شعبية رئيس النظام؟

بحيث يكون اتحاد القبائل هو "الظهير الشعبي" الجديد للسيسي والحاضنة لحشد دعم لنظامه، بدلا من داعميه التقليديين، وهم الكنيسة المصرية وبعض المستفيدين من النظام وقوى الجيش والشرطة، الذين احترقت صورتهم.

وأشار تقرير سابق لـ "الاستقلال" إلى أن "اتحاد القبائل" الذي يعد بمثابة "مليشيا السيسي" فجر خلافا بين أجنحة النظام المصري، وأغضب المؤسسة العسكرية خاصة بعدما وصف المتحدث باسم الاتحاد "مصطفى بكري"، بأنه "فصيل من الجيش".

تساؤلات أخرى طُرحت لتفسير عودة الاتحاد، منها تصعيد "العرجاني" ليكون أشبه بقائد مليشيات الدعم السريع في السودان محمد حميدتي.

ويدعم العرجاني مع رجل الأعمال المثير للجدل صبري نخنوخ حكم السيسي بقوة المليشيات حال اندلاع ثورة ضده.

وذلك، في ظل مخاوف من أن يقود تدهور الاقتصاد والغلاء إلى تصاعد الغضب الشعبي، وبرغم انتهاء تجربة "حميدتي السودان" لصدام مع الجيش وتفكك الدولة.

ويشار هنا إلى أن "اتحاد قبائل سيناء" نشر سابقا صورة للعلم المصري مقسوما نصفين، الأول علم مصر وبه نسر صلاح الدين الذهبي وسطه، والنصف الآخر به الشعار الخاص بالاتحاد.

تفكيك الدولة

وبسبب الدور الذي لعبه العرجاني وقبائل في سيناء مع الجيش، الذي سلحهم لمواجهة تنظيم الدولة، زاد نفوذه وظهرت مليشيات مسلحة له تسمى "فرسان الهيثم"، أصبحت تنافس المؤسسة العسكرية.

ومع تراجع نفوذ ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة، تحول دور ونفوذ "العرجاني" العسكري لـ "اقتصادي".

كما أصبح مسؤولا عن "بيزنس الجيش" في سيناء، يتولى عقد الصفقات ويتقاسمها مع المؤسسة العسكرية، حسبما اعترف هو ضمنا في حوارات سابقة مع صحف أجنبية.

ليصبح "العرجاني"، رقما وزعيما سياسيا، حتى قارنه سياسيون ومحللون بقائد الدعم السريع محمد حميدتي في السودان، وانتشرت تكهنات بأنه قد ينافس دور الجيش، ويطمح أن يكون وريثا للسيسي.

فبعدما كان نفوذه قاصرا على سيناء، تمدد للعاصمة ومحافظات مصرية أخرى بإعلانه تدشين "اتحاد القبائل العربية" مطلع مايو 2024، وبدا هذا الاتحاد كأنه بديل للحكومة المصرية في قضايا داخلية وخارجية مثل قضية فلسطين.

انتشار هذا الكيان الجديد من سيناء إلى الدلتا والصعيد ومدن القناة، وتزايد نفوذ إبراهيم العرجاني لحد إعلان اتحاد القبائل أنه سيعمل على إقامة دولة فلسطينية، أثار حملة انتقادات، لأنه بدأ يظهر منافسا للدولة المصرية والجيش.

مصريون تساءلوا: ما هي الصفة القانونية لهذا التنظيم؟ هل هو حزب سياسي أم جمعية أهلية؟ وهل يسمح الدستور بالتقسيم القبائلي للمواطنين؟

وما صلة اتحاد القبائل بالسياسات الخارجية للدولة المصرية، لدرجة أن يكون له دور في تحديد مستقبل فلسطين؟

وكيف يقيم الاتحاد، الذي يدعي حماية فلسطين، احتفالية باذخة تُكلف الشعب أموالا باهظة، ولا يراعي المجازر التي تجرى في غزة ولبنان؟

وأكثر من ذلك، منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة قبل أكثر من عام، ظهر اسم العرجاني وشركة "هلا" إلى العلن، خاصة عند الحديث عن تنقل الفلسطينيين إلى خارج القطاع.

فهذا الرجل الذي يمتلك مجموعة واسعة من شركات البناء والعقارات والأمن، فرض رسوما باهظة على كل من أراد الخروج من غزة، وصلت إلى 5 آلاف دولار عن كل شخص، قبل إغلاق معبر رفح كاملا بعد اجتياحه من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

ويعد العرجاني أحد رجال الأعمال المصريين القلائل الحاصلين على ترخيص لتصدير البضائع إلى غزة من مصر، وهو أحد قيادات قبيلة الترابين في سيناء.

وكان سابقا يحارب الجيش قبل أن يجرى منحه نفوذا كبيرا.

وقبل حوالي 15 عاما، كان العرجاني يقضي عقوبة في السجن بتهمة خطف العشرات من ضباط وجنود الشرطة بعد حادث قتل فيه شقيقه على يد ضابط عند نقطة تفتيش في شبه جزيرة سيناء المصرية. وأطلق سراحه بعد نحو عامين.

وتساءل السياسي “يحيى القزاز”: هل “اتحاد القبائل العربية بديل عن الدولة؟ وشيخه بديل عن رئيس الدولة؟”

ووصف، عبر حسابه على إكس، فعالية الاتحاد بأنها "احتفال تفكيك الدولة المصرية إلى قبائل عربية وعائلات".

ودعا لتفكيك هذا الاتحاد لأنه يدمر الدولة، وإلا يكون السيسي هو المسؤول عن تفكيك الدولة وتحويلها إلى قبائل متصارعة.

حاضنة أم حماية؟

ما يؤكد أن الهدف من الاحتفالية التي دعا لها الاتحاد هو إبراز أن هناك "حاضنة شعبية" للسيسي، قول العرجاني إنه "أنشئ لجمع القبائل العربية كافة في مصر داخل كيان واحد يقف خلف القيادة السياسية".

قال، في تصريحات لـ "العربية.نت" و"الحدث.نت" السعوديتين 27 أكتوبر 2024، إن الاتحاد "يسعى ليكون رقما مهما على الساحة الوطنية، دون أن يكون بديلا للأحزاب السياسية الحالية".

وكان لافتا تأكيده أن الاتحاد "يصطف خلف الجيش ويدعم ما تتخذه القيادة والقوات المسلحة من قرارات لحماية الأمن القومي المصري والعربي".

ويُعتقد أنه حاول بهذا التصريح، تصحيح "خطأ" سابق، أغضب المؤسسة العسكرية وتسبب في اختفاء الاتحاد بعد إطلاقه، حين وصف مصطفى بكري، هذا الجسم بأنه "فصيل من الجيش".

ويبدو أن تنظيم حوار مع العرجاني كان هدفه الرد على ما أثير من جدل كبير حول دور هذا الاتحاد، والأسئلة العديدة حول ماهيته، وما إذا كان أصبح مليشيا، وعن سبب اختيار الرجل القوي في سيناء لرئاسته.

وقد ربط موقع "العرب"، الإماراتي خلال تقرير نشره في 28 أكتوبر 2024، بين موعد الحفل، الذي حشد له اتحاد القبائل، وبين حالة التململ الداخلي بمصر، جراء قرارات زيادة أسعار الوقود والغلاء.

لكنه زعم أن "هناك رسالة سياسية مفادها أن الكتلة الصامتة، التي تشكل ظهيرا لنظام الحكم في مصر منذ عام 2014، تدعم التوجهات الحالية ومقتنعة بوجوب المضي قُدما في مسار الإصلاح الاقتصادي".

بيد أن تقديرات سياسية لمعارضين مصريين، تشير إلى أن تزامن الحفل مع رفع أسعار الوقود للمرة الثالثة خلال عام 2024، وتصاعد الغضب الشعبي، يشير لمحاولة نظام السيسي إظهار وجود دعم شعبي له مع ذلك، رغم التململ من الغلاء وإفقار المصريين.

والأكثر أهمية، أن هناك "رسالة أساسية" من وراء إعادة إبراز دور اتحاد القبائل، عبر هذه الاحتفالية الضخمة، هو أنه، بمليشياته، في حماية النظام، ولكن في صورة حاضنة شعبية، وفق هذه التقديرات.

يدعم هذه التقديرات، كلمة السيسي في الحفل، والتي بدا فيها مهموما ومضطربا، وشبه ما يحدث في مصر حاليا، بأجواء ما بعد نكسة (هزيمة) حرب 1967.

وروى "مصدر صحفي"، لـ "الاستقلال"، نقلا عن مسؤول سيادي سابق، ترجيحه وصول "تقارير أمنية" للسيسي تحذر من غضب شعبي يتسع بسبب توالي رفع أسعار الوقود، وما يترتب عليها من ارتفاع السلع كلها.

كما رجح أن يكون هذا هو سبب تصريحات السيسي في 20 أكتوبر 2024 التي دعا فيها إلى مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي، في حال تسبب برنامجه للإصلاح الاقتصادي إلى ضغط "لا يتحمله الناس".

ويقول الصحفي "قطب العربي" إن "تأسيس هذا الاتحاد جاء بهدف صناعة ظهير شعبي، قادر على الحشد والتعبئة التي فشلت فيها الأحزاب، وكان الاختبار الأكثر أهمية له هو الحشد لاحتفالية انتصارات أكتوبر".

وأوضح، في مقال بموقع "عربي 21" 27 أكتوبر 2024، أن "المستهدف هو إبراز حشد شعبي ضخم يمثل ظهيرا شعبيا للسيسي الذي تآكلت حاضنته الشعبية على مدار السنوات الماضية تباعا".

وبيّن أن حاضنة نظام السيسي عقب انقلاب يوليو 2013، أصبحت 3 أصناف من المصريين هي: 

"أولا"، بعض القطاعات الشعبية التي غرّتها وعوده، وانطلت عليها أكاذيبه، وتعرضت لعمليات غسيل دماغ إعلامي مكثف، وهؤلاء تململوا حين تبخرت وعود السيسي بالرخاء وانتشر الغلاء الفاحش وتبخرت مدخراتها في البنوك.

والصنف "الثاني" قوى سياسية ونخب فنية وثقافية ونشطاء وحقوقيون معارضون للإخوان ولفترة حكمهم.

وهذه بدأت تتململ مع خيبة أملها في العودة لحكم مدني، كانت تتوقع أن تكون هي قادته، ومع صدمتها في تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير، وفشله في أزمة سد النهضة، وبسبب اتساع الاعتقالات بين صفوفها.

و"الثالث"، طائفيون تملكهم خوف -غير مبرر-على عقيدتهم وشعائرهم في ظل حكم الإخوان، ونشروا هذه المخاوف بين طائفتهم.

وهم كتلة مسيحية تعبر عنها بشكل أساسي الكنيسة، ولا تزال في معظمها داعمة للنظام مع استمرار مخاوفها، لكنها ليست بنفس صلابتها السابقة مع ظهور أصوات جديدة معارضة للنظام سواء على خلفيات سياسية.

وفي ظل هذا التآكل المستمر لحاضنة النظام، لجأ السيسي للبحث عن طريقة لتجديد هذه الحاضنة، بعيدا عن الأحزاب التي تأسست في مكاتب الأجهزة الأمنية وتتنافس على الحصول على نصيب أكبر من كعكة السلطة بجواره.

لذا اتجه إلى تأسيس تشكيل شعبي غير حزبي، هو اتحاد القبائل العربية والعائلات المصرية، بزعم أنه يمثل كل المصريين.

ويقول "العربي" إن سماح السيسي بهذا الحشد بينما يرفض السماح بأي تظاهرات أخرى، وهناك المئات بل الآلاف من المعتقلين بتهم التظاهر، كان لإظهار وجود حشود شعبية داعمة له.