مقترح مصري لإدارة غزة يلقى قبول حماس ورفض فتح.. ما القصة؟
"الحل الأمثل يكمن في تشكيل حكومة تكنوقراط بتوافق وطني"
في محاولة لإيجاد حل بشأن مستقبل قطاع غزة، أبدت حركة المقاومة الإسلامية حماس مرونة عالية تجاه مقترح مصري، تتخلى بموجبه عن إدارة الجيب المحاصر، بينما تتحفظ حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” على الفكرة.
وأثارت قضية اليوم التالي لما بعد الحرب الإسرائيلية على غزة نقاشات طويلة على مدار أكثر من عام، حيث ترفض تل أبيب أي دور لحماس أو السلطة الفلسطينية في حكم القطاع.
وهو ما دعا مصر لمحاولة إيجاد حل يقطع الطريق على إسرائيل التي تواصل عدوانها على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وترفض إنهاءه قبل "القضاء على حماس".
آخر الحلول
الحل الأخير، يكمن في تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة على طريق تطبيق ما جرى التوافق عليه وطنياً من اتفاقات شاملة لتحقيق الوحدة الوطنية والإنهاء الكامل للانقسام وآثاره المتعددة.
وأعلن وفد قيادة حماس عن موافقة الحركة على مقترح تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي عبر آليات وطنية جامعة، مؤكداً في بيان، أنه أجرى حواراً معمقا مع حركة فتح التي يقودها الرئيس محمود عباس، في ختام مباحثاته في القاهرة.
وأبلغ الوفد موافقة الحركة على المقترح المصري، وأجرى لقاء مع قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بحثا فيه مجمل التطورات السياسية والميدانية في قطاع غزة والضفة الغربية، وفق بيان أصدرته حماس في 5 ديسمبر.
كما أجرى "لقاءات مع عدد من الشخصيات الوطنية والاعتبارية الفلسطينية الموجودة في القاهرة، حيث جرى وضعهم في صورة اللقاءات التي عُقدت مع فتح وموقف الحركة تجاه المقترح المصري في الإطار الوطني".
ورغم موافقة حماس، لم يصدر بيان رسمي من حركة فتح يفيد بموافقتها على المقترح، وسط حديث عن عرقلته.
وجاءت هذه التحركات بهدف التوصل إلى تفاهم حول تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة غزة بشكل كامل بعد الحرب، وفق ما أعلنه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2024.
وتأتي هذه الاجتماعات في سياق مساع مصرية متواصلة لإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي بدأ عام 2007 عندما سيطرت حركة حماس على القطاع.
وشهدت السنوات الماضية جولات عديدة من الحوار بين الحركتين برعاية مصر ودول أخرى، لكنها لم تنجح في تحقيق المصالحة.
وكانت آخر محاولة لإنهاء الانقسام الفلسطيني جرت من قبل الصين التي جمعت الحركتين وفصائل أخرى في يوليو/تموز 2024 دون تقدم عملي.
ففي 23 يوليو 2024، اتفقت الفصائل على إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية بتوقيعها على إعلان بكين في العاصمة الصينية، مع تبني "حكومة مصالحة وطنية مؤقتة" إدارة غزة بعد الحرب.
وجرى التوقيع على الإعلان خلال الحفل الختامي لحوار المصالحة بين الفصائل، الذي استضافته بكين بحضور ممثلين عن 14 فصيلا شاركوا في اللقاء بحضور وزير الخارجية الصيني وانغ يي، لكن لم تتجاوز هذه الخطوة الإطار النظري.
ولكن، تعد هذه المرة الأولى التي تطرح فيها فكرة عودة السلطة الفلسطينية (وليس حكومة مصالحة) لإدارة غزة علنا، وذلك بعد أكثر من 13 شهرا على اندلاع العدوان على القطاع.
وفي كلمته خلال المؤتمر الوزاري لإغاثة غزة والذي عقد في القاهرة في 2 ديسمبر، قال عبد العاطي إن الطرفين يناقشان تشكيل لجنة إدارية لإدارة القطاع والإشراف على المساعدات والمعابر، مع ضمان سيطرة السلطة على الأمور الحياتية في القطاع بشكل كامل.
تفاصيل اللجنة
وبالحديث عن اللجنة، قالت وثيقة تعريفية مكونة من صفحتين إنها "ستعمل على إدارة قطاع غزة وتكون مرجعيتها الحكومة الفلسطينية".
وبينت الوثيقة التي نشرها عدد من وسائل الإعلام أن اللجنة ستكون مسؤولة عن المجالات كافة (صحية، اقتصادية، تعليمية، زراعية، مرافق خدمية وحيوية)، بما يشمل أعمال الإغاثة ومعالجة آثار الحرب وإعادة إعمار قطاع غزة.
وتتشكل اللجنة بالتوافق الوطني، ويصدر الرئيس مرسوماً بتعيينها لتمارس مهامها وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها في أراضي الدولة الفلسطينية.
وجاءت محددات تشكيل اللجنة في ستة بنود، في مقدمتها الحفاظ على وحدة أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة على حدود عام 1967 (الضفة الغربية، القدس، قطاع غزة).
والمحدد الثاني يتضمن "تأكيد التواصل بين الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية واللجنة في غزة".
أما الثالث فينص على متابعة اللجنة للنظام السياسي الفلسطيني دون أن يؤدي تشكيلها إلى فصل غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية.
رابعا، يراعى في تشكيل اللجنة اختيار عناصر وطنية فلسطينية مهنية من المستقلين الكفاءات لتنفيذ مهامها.
خامسا، تعمل اللجنة على إدارة جميع الجهات المحلية بالقطاع والتنسيق معها والاستفادة منها بما يخدم المواطن الفلسطيني في المجالات كافة.
وأخيرا، تستمر اللجنة في أداء أعمالها بالقطاع إلى أن تزول الأسباب التي أدت إلى تشكيلها، أو لحين إجراء الانتخابات العامة أو اعتماد أي صيغة أخرى متوافق عليها وطنيا بقرار من رئيس دولة فلسطين.
وبحسب الوثيقة، تتشكل اللجنة من 10- 15 عضوا من الشخصيات الوطنية ذات الكفاءات والمشهود لها بالنزاهة والخبرة والشفافية.
ويتكون الهيكل التنظيمي للجنة من رئيس ونائب ومسؤولين لملفات المساعدات، والتعليم، والصحة، والاقتصاد، ومسؤول الحكم المحلي، ومسؤول إعادة الإعمار، ومسؤول للتواصل مع الجهات المحلية والمنظمات الدولية، إضافة إلى ممثل عن هيئة المعابر.
ونصت الوثيقة على تشكيل هيئة دعم وإسناد وطنية من الجهات المحلية في القطاع وبما يضمن أداء اللجنة مهامها المنوطة بها بصورة كاملة دون أي عقبات أو عوائق نظرا للأوضاع الراهنة هناك بالتعاون مع الجهات الرقابية الرسمية.
فتح تعرقل
وبعد الإعلان المصري وإبداء حركة حماس الموافقة على تشكيل اللجنة، تحدثت وسائل إعلام محلية عن قرب إصدار عباس مرسوما رئاسيا لإعلان موافقته عليها.
فيما قالت مصادر مصرية إن وفد حركة فتح طالب بمنحه مهلة إضافية تمتد لأسبوع لدراسة الورقة مع عباس.
لكن ذلك لم يحدث أي تطور، وسط أنباء عن رفض اللجنة المركزية لحركة فتح لهذا المقترح وعدم صدور بيان رسمي من الأخير يوافق عليه، ما يشير إلى احتمال موت الفكرة في مهدها.
وانعكس الرفض في تصريحات عدد من قيادات فتح، وأبرزهم أمين سر اللجنة المركزية للحركة جبريل الرجوب الذي قال خلال مؤتمر صحفي، في 3 ديسمبر "إنه من الخطأ القبول بمناقشة موضوع اللجنة، لأنها مقدمة لتكريس للانقسام".
وأعرب عن أمله في أن ترحب حركة حماس بالسلطة والحكومة لتتحمل مسؤوليتها في غزة، مضيفا “لا لجنة هنا، ولا لجنة هناك، ما حدا وصيّ علينا”.
وأردف: “أهم شيء أن تبقى إرادتنا حرة ومستقلة وقرارنا نابعا من واقعنا ومنسجما مع طموحاتنا ويحمي مصالحنا دون علاقة بأجندة ومصالح أطراف أخرى”، في إشارة على ما يبدو إلى مصر التي طرحت الفكرة. وقال الرجوب إن هذا هو موقف اللجنة المركزية لحركة فتح.
كما هاجم محمود الهباش المستشار الديني لرئيس السلطة محاولة تشكيل لجنة لإدارة غزة “لأنه تكريس للانقسام”، مقدرا أن الحل الوحيد هو تولي السلطة للحكم في القطاع.
وقال الهباش خلال تصريحات تلفزيونية في 4 ديسمبر: “الحل الوطني والأخلاقي والسياسي الوحيد، والذي يمكنه أن يخرج بقطاع غزة والقضية الفلسطينية من الأزمة الراهنة يجب أن يكون أساسه تولي السلطة مقاليد الأمور”.
وبين أن “إسرائيل تريد إبقاء قطاع غزة بعيدا عن الضفة الغربية، ولذلك أي تعاطٍ مع أي فكرة أو مقترح يتماهى مع هذا سيكون مضرا بالمصلحة الوطنية وسيكون مرفوضا منا ومن الشعب الفلسطيني”.
كما هاجم أمين عام حزب الشعب بسام الصالحي لجنة “الإسناد المجتمعي”، قائلا إن تشكيلها "لا يُقدم شيئاً فعلياً لوقف العدوان على الفلسطينيين في غزة”.
وأوضح خلال تصريح صحفي في 7 ديسمبر، أن تسويق تشكيل اللجنة على أنه مفتاح لحل سحري سيوقف العدوان على غزة أمرٌ “مُضلل”.
ورأى أن تلك اللجنة تهدف إلى إلهاء الفلسطينيين بخلافات جديدة وخلق حالة من الجدل حولها وحول تشكيلها وأهدافها ومهامها.
وفي خضم الجدل والرفض الفتحاوي، تبحث حماس عن أي حل يقود في النهاية إلى إنهاء العدوان على غزة، وإن كان عبر أفكار جزئية ومرحلية.
ما البديل؟
ويقول المحلل السياسي حسام الدجني إن التصريحات الصادرة عن القيادة الفلسطينية وبعض التسريبات من اللجنة التنفيذية، تعزز سيناريو إفشال هذا المقترح.
وفي حديث لـ"الاستقلال"، أوضح أن ذلك يعود لعدة أسباب من بينها “إدراك القيادة خطورة تشكيل اللجنة وهي سقف أدنى من الحكومة ويمكن أن تعزز الانقسام”.
ولكن ما سبق يطرح سؤال: ألم تدرك القيادة تلك المخاطر قبل أسابيع من الحوارات وكأن شعبنا في غزة يعيش ترف الانتظار؟
وتساءل: ثم ما الذي يمنع أن يرافق قرار رفض اللجنة الإعلان عن تطبيق مخرجات اتفاق بكين وأحد بنوده تشكيل حكومة تكنوقراط بتوافق وطني؟
والسبب الثاني برأيه يعود إلى رغبة أطراف بالقيادة الفلسطينية انتظار ما ستؤول له نتائج الحرب في غزة على مستقبل ومكانة حركة حماس.
وتابع: “بغض النظر عن أي السبب المرجح أو كليهما فإن المشهد الفلسطيني لا يحتمل الرفض دون وضع حلول وخيارات وبدائل”.
ويعتقد أن “الحل الأمثل يكمن في تشكيل حكومة تكنوقراط بتوافق وطني بشكل عاجل وسريع لأن التحديات كبيرة تتطلب تغليب المصلحة الوطنية العامة على المصالح الحزبية”.
بدوره، ألمح الكاتب الفلسطيني مصطفى إبراهيم إلى عدم وجود توافق أو إجماع على تشكيل اللجنة المذكورة، وأنه لن يكتب لها النجاح في ظل رفض استمرار التشرذم والانقسام الداخلي وأيضا رفض إسرائيل لمثل هذا المقترح.
وتابع خلال مقال نشره موقع “المنتدى الفلسطيني” في 5 ديسمبر: “على مدى عقود من الزمن لم نستطع النظر بجدية في تجاربنا السابقة واستغلال الفرصة وحالنا الكارثي وفتح نقاش عام حول مشروعنا الوطني”.
وتساءل: لماذا لجنة إسناد، وقد جرى تشكيل حكومة جديدة قبل ستة أشهر استجابة للضغوط الأميركية والأوروبية، ولماذا لم نذهب نحو تعزيز مؤسساتنا الوطنية التمثيلية، وتحدي الموقف الاسرائيلي وعودة السلطة لحكم القطاع؟
وبين أن الأسئلة المشروعة الآن: هل سيعتمد الرئيس اللجنة، ومهامها؟ وهل ستوافق اسرائيل على وجودها في غزة؟ وهل ستعمل مباشرة في حال وقف إطلاق النار وإعلان التهدئة؟ وكيف ستعمل بوجود الجيش الاسرائيلي؟
ورأى أن “الفرصة مازالت قائمة لاستعادة الحيوية لمؤسساتنا الوطنية، بدل خلق أجسام إدارية تعزز الانقسام، ومن غير المعلوم إذا كانت إسرائيل ستوافق عليها وعباس سيصدق على عملها من عدمه".