تناكف الغرب.. لماذا تركز روسيا على توثيق علاقاتها مع صرب البوسنة؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

تواصل روسيا التأكيد على نفوذها السياسي في منطقة البلقان مناكفة للغرب، وذلك من خلال إظهار علاقتها المميزة مع "جمهورية صرب البوسنة" (صربسكا).

وقلد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زعيم صرب البوسنة "ميلوراد دوديك" وسام ألكسندر نيفسكي الذي يعد من أرفع الأوسمة الروسية وذلك خلال اجتماع لهما في قازان، عاصمة جمهورية تتارستان الروسية، وفق ما أفاد الكرملين في 22 فبراير/شباط 2024.

"صرب البوسنة" 

وتلقى دوديك الوسام الذي يعد إشارة إلى العلاقات الوثيقة بين الزعيمين، "لمساهمته في تطوير التعاون بين الاتحاد الروسي والبوسنة والهرسك وتعزيز الشراكة مع جمهورية صربسكا"، وفقا لبيان الكرملين.

وأشاد بوتين بالعلاقات "طويلة الأمد" و"البناءة تماما" بين موسكو وجمهورية صربسكا، قائلا: "أتوقع إلى حد كبير أن نفعل المزيد في علاقاتنا"، وفق الكرملين.

وأضاف قائلا: "نعلم أن الوضع في الجمهورية ليس سهلا. نحن مستعدون لمناقشة هذا الأمر أيضا".

وروسيا حليف تاريخي لصربيا والصرب، لكن العلاقة الوثيقة بين بوتين، ودوديك، أثارت المخاوف، خاصة أن الأخير يعارض منذ أشهر هيكلية الحكم في البوسنة بعد حرب التسعينيات.

لكن بالمقابل يتعهد دوديك بمواصلة معارضة أي خطوات لتقريب البوسنة من حلف شمال الأطلسي "الناتو" "رغم الضغوط المستمرة".

وقال دوديك (64 عاما) بحسب ما نقل عنه تلفزيون صربسكا الرسمي "ليس من المنطقي ولا الطبيعي أن نقبل عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)".

ويتهم الرئيس الروسي، حلف شمال الأطلسي عقب مساندته أوكرانيا لصد الهجوم الروسي في فبراير 2022 بالمشاركة بصورة غير مباشرة "في جرائم نظام كييف".

وميلوراد دوديك هو الزعيم السياسي لصرب البوسنة (صربسكا) منذ 2006، أحد الكيانين السياسيين اللذين يشكلان اتحاد البوسنة والهرسك.

والشعوب الثلاثة المكونة لاتحاد البوسنة، هم الصرب الأرثوذكس والكروات الكاثوليك والبوشناق المسلمين.

وكثير ما لوح زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك، لحليفته صربيا بأنه يفكر بجدية في إعلان استقلال جمهورية الصرب المتمتعة بالحكم الذاتي كدولة مستقلة عن بقية البوسنة.

وأثارت النزعة القومية الصربية المتشددة لدوديك وموقفه المؤيد لروسيا مخاوف من أن البوسنة قد تقسم مرة أخرى على أسس عرقية بعد مرور أكثر من ربع قرن على انتهاء حربها الطاحنة.

وأنهت اتفاقات دايتون للسلام لعام 1995 التي رعتها الولايات المتحدة ما يقرب من 4 سنوات من الحرب في البوسنة التي قُتل فيها نحو 100 ألف شخص، عن طريق تقسيم البلاد إلى منطقتين تتمتعان بالحكم الذاتي، جمهورية صربيا التي يسيطر عليها الصرب والاتحاد الذي يتقاسمه البوسنيون والكروات وتربطهما حكومة مركزية ضعيفة.

وخلال السنوات الـ25 التي قضاها في السلطة إما كرئيس للمنطقة أو للوزراء، عمل دوديك على تعزيز الحكم الذاتي لمنطقة الصرب.

ويقيم صرب البوسنة احتفالات في ذكرى 9 يناير/كانون الثاني 1992، تاريخ تأسيس جمهورية صرب البوسنة.

لكن الاحتفال في هذا التاريخ يقابل بردود فعل في البلاد لأنه يعد بداية الإبادة الجماعية ضد البوسنيين.

مناكفة الغرب

و"جمهورية صرب البوسنة" بقيادة دوديك "تحافظ على علاقات منتظمة مع روسيا"، ولهذا تخشى موسكو انضمامها إلى المعسكر الغربي في هذا التوقيت الحساس الذي تتزايد فيه العقوبات الأميركية والأوروبية على الكرملين.

وقد أكد دوديك لبوتين خلال اللقاء الأخير أنه "يحاول تثبيط أي احتمال لانضمام البوسنة والهرسك إلى العقوبات ضد روسيا"، على الرغم من أن الغرب "يحاول حرفيا إقناعنا بذلك"، وفق قوله.

واتجاه روسيا لتوثيق علاقاتها أكثر مع "جمهورية صرب البوسنة" يتماشى مع رغبة الكرملين في توسيع دائرة الحلفاء في المنطقة وإبعادهم عن المعسكر الغربي خاصة عقب غزو أوكرانيا.

ولهذا فإن موسكو تسير نحو توطيد العلاقة مع الحليف دوديك لإبعاده عن مسألة التكامل مع الاتحاد الأوروبي مستقبلا.

ولهذا يقول الخبراء إنه يمكن أن يدعم زعيم صرب البوسنة التكامل مع الاتحاد الأوروبي اليوم، وغدا يقترح بدلا من ذلك انضمام جمهورية صربسكا إلى مجموعة البريكس الساعية لتكوين كتلة "موالية للشرق ومعادية للغرب" بقيادة الصين وروسيا.

علاوة على ذلك، وكما أشار بوتين في مؤتمره الصحفي السنوي في ديسمبر/كانون الأول 2023، فإن تقييماته للموقف في البوسنة والهرسك تحاكي ببساطة آراء دوديك.

وحينها عد ذكر بوتين للبوسنة والهرسك وجمهورية صربسكا، خبرا سيئا للمنطقة برمتها، وهذا يعني أنه على الرغم من الحرب في أوكرانيا، فإن روسيا ستستمر في دعم تصريحات دوديك وأفعاله الانفصالية، ولو لفظيا فقط.

وكان دوديك المقرب من الكرملين، وقع في يوليو/تموز 2023 قانونا يلغي سلطة الممثل السامي الدولي في البوسنة، داخل الكيان الصربي ما ينذر بمزيد من التوترات في الدولة الواقعة في البلقان والمنقسمة طائفيا.

وميلوراد دوديك مستهدف بعقوبات أميركية وبريطانية بعد أن ضاعف التهديدات الانفصالية في السنوات الأخيرة.

بالمقابل، فإن روسيا مرتاحة لتأكيدات زعيم صرب البوسنة، بأنه لا يمكن أن تكون بلاده جزءا من "الناتو".

وقال دوديك في حديث لوكالة "سبوتنيك" في 23 مايو 2023: "فيما يتعلق بالعضوية، تعرضت صربيا للقصف من قبل الناتو، لا يمكننا أن نكون جزءًا من هذه القوة التي ألحقت أضرارا جسيمة بالشعب الصربي".

هناك من يرى أن سياسات دوديك الانفصالية في منطقة البلقان، وتحديدا في البوسنة، تهدد بالانزلاق مجددا إلى مستنقع الدم.

وخاصة أن دوديك الطامح لتقسيم البوسنة، يسعى لأن يقدم نفسه منقذا للروس أمام الحصار الغربي الذي يهدد صادراتهم الطاقية، على أمل تلقي الدعم الروسي له في مساعيه للانفصال عن سراييفو.

ولا سيما أن دوديك تحدث في خطابات كثيرة عن رغبته في إنشاء "الوطن الصربي الكبير"، وهو مصطلح يعود إلى سنوات الحرب التي عرفتها البلاد بداية تسعينيات القرن العشرين.

ويصطف إلى جانب دوديك في هذا الطرح القوميون الصرب الذين يرون أن بين المسيحيين والمسلمين صراع تاريخي ديني.

"بوابة نفوذ"

وسبق أن احتجت البوسنة والهرسك في أكثر من مرة على الدعم الروسي لطموحات دوديك الانفصالية.

ولا سيما في ظل إرسال موسكو ممثلين رسميين عنها لحضور فعاليات إحياء "عيد جمهورية صرب البوسنة" المحظور قانونا، والذي تعده سراييفو، تدخلا روسيا في الشأن الداخلي.

وضمن هذا السياق، يشير تقرير نشره المعهد الهولندي للعلاقات الدولية "كلينجينديل"، إلى أن روسيا تسعى إلى تحقيق 3 أهداف في منطقة غرب البلقان.

أولا، يسعى الكرملين إلى إبراز مكانة القوة العظمى على مستوى العالم. 

ثانيا، يسعى إلى عرقلة التكامل الأوروبي الأطلسي في المنطقة من خلال محاربة التعاون مع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وإثارة حالة عدم الاستقرار.

وثالثا، يستخدم الكرملين البلقان، وخاصة قضية كوسوفو، كحجة لأجندة سياسته الخارجية في أماكن أخرى، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن هيمنته على جيرانه القريبين.

وفي 2008، أعلنت كوسوفو استقلالها من جانب واحد، ما تسبب بتوترات مع صربيا، التي لا تزال تعدها إقليما يتبع لها.

وعلى المستوى السياسي، وفق التقرير، يمتد نفوذ روسيا بشكل خاص إلى الساسة (المؤيدين) للصرب، الذين يستخدمون خطابات مماثلة وينظرون إلى روسيا كمؤيد خارجي للترويج لأفكارهم الخاصة. 

وعلى وجه الخصوص، يظل موقفها بشأن كوسوفو، والدعم الروسي لزعيم جمهورية صرب البوسنة ميلوراد دوديك، وصلاتها بالكنيسة الأرثوذكسية، بمثابة نقاط دخول مهمة للنفوذ السياسي الروسي في المنطقة ككل. 

وعندما يتعلق الأمر بالنفوذ العسكري، فإن روسيا تسعى إلى الحفاظ على تعاونها العسكري مع شريكتها الرئيسية صربيا، في حين تدعم أيضا عسكرة جمهورية صربسكا.

وتبدو بلغراد راضية عن درجة تعاونها الحالية مع موسكو، لكنها تسعى إلى تجنب أن تصبح موطئ قدم لروسيا في البلقان.

وبينما "تقدم روسيا نفسها كشريك لصربيا وجمهورية صربسكا على وجه الخصوص، فإنها تلجأ أيضا إلى أدوات خبيثة أثبتت فعاليتها في كثير من الأحيان في تشكيل البيئة السياسية في غرب البلقان"، وفق "كلينجينديل".

ويضيف التقرير أنه "في ظل افتقارها إلى الوجود العسكري في المنطقة، تدعم روسيا الشخصيات والمنظمات القومية اليمينية المتطرفة، التي تشبه بشكل عام جماعات الجريمة المنظمة أكثر من المنظمات شبه العسكرية، لتحقيق هدفها المتمثل في زعزعة الاستقرار من خلال إثارة الاستقطاب والمشاعر المعادية للغرب".