حدود صارمة.. صحيفة عبرية تكشف "كواليس" ملامح الشرق الأوسط الجديد

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

وسط تكتم بخصوص أجندتها، عقدت "قمة حوار الشرق الأوسط-أميركا" (MEAD)، في العاصمة واشنطن، يومي 9 و10 سبتمبر/أيلول 2025.

وتحت عنوان: "كواليس رسم ملامح الشرق الأوسط"، كتب رئيس تحرير صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، زفيكا كلاين، ما رصده في القمة التي حضرها مسؤولون من الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية.

دبلوماسي مسلم يغادر القاعة

وقال: "استيقظتُ صباح 9 سبتمبر في أحد فنادق واشنطن، وتفقدت إشعارات قنوات تليغرام ثم مواقع إخبارية إسرائيلية، فشاهدت الخبر: "تقارير عن انفجار في الدوحة".

"بعد دقائق، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه استهدف قادة من (حركة المقاومة الإسلامية) حماس في العاصمة القطرية، لكن الشبكات الأميركية استغرقت وقتا أطول بكثير لتوضيح هذا الأمر الذي كان الإسرائيليون بالفعل يتناولونه في الدردشات العائلية ومجموعات غرف الأخبار".

هذا التأخر الزمني كان تذكيرا صغيرا بمدى اختلاف إيقاع تدفق المعلومات في بيئاتنا الإعلامية. بحسب ملاحظة كلاين.

وتابع: "بعد بضع ساعات، دخلت "قمة حوار الشرق الأوسط-أميركا"، التي انعقدت هذا العام في فندق فاخر بواشنطن؛ حيث القهوة مثالية والممرات تضج بالهمسات".

وأردف: "دبلوماسي مسلم أعرفه ألغى حضوره على الفور، لكن معظمهم ظلوا في القاعة، وافتُتحت القمة في صباحٍ اتسم بالاضطرابات الإقليمية، وهكذا انتهت أيضا في مساء الأربعاء، حينما كانت أميركا تحاول استيعاب خبر مقتل تشارلي كيرك أثناء إلقائه كلمة في إحدى الجامعات".

ووصف الصحفي الإسرائيلي هذا المشهد بأنه "صدمتان في عاصمتين.. وممر مؤتمر ساهر حتى الفجر".

وأفاد بأن من مؤسسي هذا الحوار يعقوب كاتس، وهو سلفه في رئاسة تحرير "جيروزاليم بوست" وصديقه، مشيرا إلى أن كاتس وشركاءه نجحوا في تحويله إلى مساحة يتحدث فيها صناع القرار كبشر عاديين.

"فيختبرون أفكارهم ويطرحون سيئها جانبا، وأحيانا يكتشفون أن أولئك الذين دربوا على ألا يثقوا بهم، يتحدثون بعقلانية".

وأوضح كلاين أن قواعد المؤتمر في غاية الصرامة، فلا يمكنك ذكر أسماء المشاركين أو اقتباس كلامهم دون إذن، الأمر الذي يثير إحباط الصحفيين.

وقال: "تجلس أمام قائد سابق في إحدى الدول العربية، تستمع إلى أفكار مُتزنة وبراغماتية، ومع ذلك يجب أن تُبقي دفتر ملاحظاتك وجهاز التسجيل مغلقين".

ورغم ذلك، هناك حكمة في هذا النهج -وفق التقرير- فالتغيير الحقيقي عادةً ما يبدأ بهدوء، في غرف تُتيح للناس المجازفة بأفكارهم دون أن تتحول إلى مقاطع فيديو تنتشر على الفور.

وتابع: "كلما تقدمت في العمر، زاد تقديري للمحادثات البعيدة عن التداول الإعلامي، وهذا الأسبوع، هناك أكثر من 300 مشارك في الحوار تذكروا أهمية التواضع، والصبر، والتخلي عن اليقين، مقابل فوضى الاستماع".

وأردف: "يبدو الوصول إلى هؤلاء الأشخاص أمرا خياليا، لكنه يتحول بغرابة إلى أمر طبيعي، فيمكنك تناول مشروب مع مسؤول أميركي رفيع المستوى، ثم تناول غداء كوشير مع صحفي عربي يسعى لفهم الناخبين الإسرائيليين وروح الدعابة الإسرائيلية".

واستطرد: "وهناك أيضا هؤلاء المليارديرات الذين يهتمون حقا بإسرائيل والشعب اليهودي، وهم متاحون ومنفتحون على الحوار". مشيرا إلى أن "هذا متاح بشكل طبيعي على مدار يومين، وهذا هو سحر "حوار الشرق الأوسط-أميركا".

مشهد مشحون

وأضاف: "خلال يومين حافلين، شارك العشرات من كبار المسؤولين من الشرق الأوسط وإسرائيل والولايات المتحدة، وجاءت الفعاليات في ظل مشهد مشحون: قصف الدوحة، وتجدد الحديث عن صفقة الأسرى، والعملية الجارية في غزة".

وقال: "بموافقة المنظمين، يمكن ذكر بعض المشاركين: وزير الشؤون الإستراتيجية [الإسرائيلي] رون ديرمر، ورجل الأعمال [المبعوث الأميركي للشرق الأوسط] ستيف ويتكوف، والمدير السابق لجهاز الشاباك رونين بار، وعضو الكونغرس مايك والتز".

وللمرة الأولى منذ السابع من أكتوبر 2023، يظهر "بار" في منتدى عام؛ حيث قدم قراءته للأحداث خلال العامين الماضيين. وبحسب كلاين، رأى البعض هذه المشاركة أنها كانت أبرز ما في المؤتمر؛ ووافقهم الصحفي الإسرائيلي على ذلك.

وأفاد بأن هذا هو المؤتمر الثالث للحوار، وقد تحول الآن إلى محطة ثابتة لا مجرد تجربة.

وأكد الصحفي الإسرائيلي على أن الدوحة كانت بمثابة الظل من الحوار، موضحا أن الصدمة كانت بادية على الحضور.

وقال: "أخبرتني وفود خليجية أنهم لا يتعاطفون مع حماس، لكنهم في الوقت نفسه لا يمكنهم قبول ضربة إسرائيلية داخل دولة مجاورة، والعديد منهم أكدوا أنهم يسعون لعلاقات أعمق مع إسرائيل ويدركون أن الحكومات تتغير في الأنظمة الديمقراطية".

"ومع ذلك، يُنظر إلى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، اليمينيين المتطرفين، على أنهما علامة خطر بسبب مواقفهما المعادية للعرب وللإسلام".

وما يفضله الخليجيون ويعلنون عنه صراحة -وفق التقرير- هو تشكيل ائتلاف أكثر اعتدالا في إسرائيل، وقبل كل شيء إنهاء الحرب بما يجعل التواصل العلني مع إسرائيل أسهل في المستقبل.

في المقابل، أشار كلاين إلى أنه سمع من الإسرائيليين كلاما مختلفا، وهو نفس الكلام الذي يسمعه في سيارات الأجرة [في إسرائيل] وعلى موائد السبت، وفق وصفه.

وقال الإسرائيليون في الحوار: إنه يجب القضاء على قيادة حماس في الدوحة، وهو ما جعل كلاين يقول بأن "الفجوة بين الغريزة العامة للإسرائيليين والواقع الدبلوماسي واسعة، وتتسع مع استمرار الحرب".

وأفاد التقرير بوجود انقسام آخر خيّم على أركان اللوبي؛ حيث أقرّ العديد من الأميركيين، بمن فيهم يهود، بأن التعبير عن الدعم الشعبي لإسرائيل بات أصعب.

فيما بدا بعضهم وكأنه يبرر موقفه خشية أن يُساء تفسيره، أصرّ آخرون على أن إسرائيل يجب عليها أن تقرر بنفسها ألا تتحول نصائح الشتات إلى ضغوطٍ عليها.

وتابع الصحفي الإسرائيلي: "على المنصة وخارجها، فإن كل مسؤول أميركي حالي استمعت إليه انتقد قصف الدوحة، أما داخل إسرائيل، فلا يزال الدعم لتلك الإجراءات الحازمة مرتفعا"، مشيرا إلى أن هذا التباين يزيد من خطر سوء التفاهم.

وأكد على أن الفجوات في السياسات كانت واضحة في كل شأن. فبخصوص السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، أبدى المشاركون العرب قلقهم من الحديث عن الضم، وكان معظم المشاركين الأميركيين كذلك.

وقد كرروا جميعا، بعبارات مختلفة أن الأولوية يجب أن تكون للترتيبات الأمنية، والتطبيع الإقليمي، والروابط الاقتصادية، فالضم، كما قالوا، يضع العربة ليس فقط أمام الحصان، بل وأمام الطريق نفسه.

اعتراف من الداخل

وتحدث كلاين عما وصفه بـ "اعتراف من الداخل"، قائلا: إن "اليمين الإسرائيلي والمحافظين والمتدينين، يعانون من مشكلة لغوية لا تقتصر على القواعد النحوية".

وأوضح: "كثير من القادة يجدون صعوبة في التعبير بالإنجليزية، ويفشلون في متابعة وسائل الإعلام الأجنبية، أو يُظهرون لا مبالاة تجاه الدبلوماسية".

وحذر من أننا في عام 2025، أي أن كل شيء يُترجم ويُقتطع ويُنشر، والكلمات لا تبقى داخل الوطن، مشيرا إلى أن "حركة الاستيطان تحديدا، بحاجة لتعلّم فنون مخاطبة مَن لا يشاركونهم سرديتهم، سواء في الولايات المتحدة أو في المنطقة".

وقال: "أتمنى لو كان بوسعي أن أنشر الاقتباسات التي بقيت عالقة في ذهني، لكن لا أستطيع. فالقواعد هي القواعد".

"ما أستطيع قوله هو أنه على مدى يومين جلس أشخاص نادرا ما يجتمعون معا، وتحاوروا دون صراخ، وطرحوا أسئلة لم يكن يفترض أن تُطرح، وحاولوا تخيّل صباحٍ تكون فيه التنبيهات على هواتفنا مجرد أمر اعتيادي لا صدمة مفاجئة".

وختم قائلا: "قد يبدو ذلك أمرا صغيرا، لكنه ليس كذلك. ففي منطقتنا، هكذا تبدأ الأمور الكبرى".