بعد 3 سنوات من الانقلاب.. كيف تحول عسكر ميانمار من حماة الشعب إلى خصومه؟
بعد ثلاث سنوات من الانقلاب الذي منع حكومة منتخبة من تولي السلطة، يبدو أن المجلس العسكري في ميانمار بدأ في الانهيار.
إذ تتصاعد الضغوط على قائد المجلس الجنرال، مين أونج هلاينج، للتنحي لتمهيد الطريق للمصالحة الوطنية الشاملة والعودة إلى الديمقراطية.
وكان الانقلاب قد وقع في ميانمار في 1 فبراير/شباط عام 2021، عندما عزل الجيش الأعضاء المنتخبين ديمقراطيا من الحزب الحاكم في البلاد.
وأعلن حينها رئيس الجمهورية بالنيابة، مينت سوي، قانون الطوارئ لمدة عام ونقل السلطة المعلنة إلى القائد العام للقوات المسلحة مين أونغ هلاينغ.
كما أعلن أن نتائج الانتخابات العامة، التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020 باطلة.
وفي غضون أربعة أشهر فقط بعد الانقلاب في ميانمار، اعتقلت قوات الأمن أكثر من 4 آلاف شخص، وسط احتجاجات مؤيدة للديمقراطية في جميع أنحاء الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا.
ونشر موقع "يوراسيا ريفيو" الأميركي مقالا للباحث والمراسل الميداني سوبير بوميك، رصد فيه الغضب المتصاعد ضد المجلس العسكري في ميانمار.
مطالبات بالتنحي
وقال الكاتب: "في 14 يناير/كانون الثاني 2024، في تجمع صغير في إحدى بلدات ميانمار، صاح الراهب البوذي المتشدد المؤيد للجيش، باوك كوتاو، بأعلى صوته مطالبا "هلاينج" بالتنحي عن إدارة الدولة، وأن يتولى نائبه الجنرال، سوي وين، المسؤولية".
وأضاف أن "الجمهور هتف تأييدا لكلامه، مثلما رأينا في مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي".
وعلى الإنترنت، أطلق الصحفيون والمدونون المؤيدون للجيش خطابات مماثلة ضد الجنرال هلاينج في الأيام الأخيرة، في وقت فقد فيه الجيش البورمي السيطرة على ما يقرب من 40 موقعا لصالح قوات المتمردين العرقيين.
وقال كو مونج مونج، أحد مستخدمي اليوتيوب المؤيدين للجيش: "يجب أن يستقيل هلاينج من منصبه كقائد أعلى للقوات المسلحة".
بدوره، صرح السفير الهندي السابق، غوتام موخوبادهياي، أنه "لم يكن من الممكن، قبل بضعة أشهر فقط، تصور مثل هذه التصريحات العلنية ضد الزعيم القوي للمجلس العسكري في ميانمار وقائد قواتها المسلحة".
ويقول المطلعون على شؤون الجيش إن كبار الضباط المعتدلين نسبيا الذين يتطلعون إلى وقف سلسلة الهزائم العسكرية يطالبون بأن يتولى "سو وين" المسؤولية.
وأفاد الكاتب بأن "رئيس المخابرات العسكرية البورمية السابق الجنرال، ميات تون أوو، ووزير الداخلية السابق، سوي هتوت، يقودان الجناح المناهض لهلاينج، ويحظون بدعم معظم الضباط ذوي الرتب الوسطى".
وسبب ذلك -وفق المقال- أن ضباط الرتب الوسطى "يشعرون أن هلاينج لجأ إلى انقلاب 1 فبراير/شباط 2021، عندما عُرقل طموحه في الوصول للرئاسة من قِبل حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية".
ويقود الحزب الحائزة على جائزة نوبل، أونغ سان سو تشي (77 عاما)، والتي تقضي أحكاما بالسجن تصل إلى 33 عاما، بعد إدانتها في سلسلة من المحاكمات رفعها الجيش ضدها.
وفي مارس/آذار 2023، قررت اللجنة الانتخابية التي شكّلتها المجموعة العسكرية الحاكمة حلّ الحزب الذي كان حاكما قبل الانقلاب.
سلسلة هزائم
وقال عميد في الجيش الميانماري، استسلم أخيرا لتحالف المتمردين: "لقد أدى هذا الانقلاب غير المدروس إلى سلسلة من ردود الفعل التي دمرت البلاد وسينتهي الآن بتدمير الجيش".
وأضاف العميد في محادثة مع كاتب المقال "بوميك"، بشرط عدم الكشف عن هويته: "يحاول بعض كبار الضباط إيجاد طريق خروج للجيش".
وقال الكاتب: "لا عجب أنه للمرة الأولى منذ الاستيلاء على السلطة، يجد هلاينج نفسه في أضعف موقف له".
وأوضح أن سبب ذلك هو "تصاعد الغضب بشأن قيادته بعد سلسلة من الهزائم التي مني بها الجيش في ساحة المعركة، في هجوم كاسح شنته الجماعات المتمردة بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2023".
وحتى الآن، فقد المجلس العسكري السيطرة على ما لا يقل عن 35 بلدة، وفقا للموقع الإخباري "ميانمار بيس مونيتور".
وعلى الرغم من أن وقف إطلاق النار، الذي توسطت فيه بكين، أدى إلى وقف الاشتباكات بالقرب من الحدود الصينية، لكن في مناطق أخرى لا يزال القتال مستمرا.
وكان المجلس العسكري -الذي لم يتناول أي تفاصيل بشأن الهزائم في ساحة المعركة- قد اعترف في السابق بفقدان السيطرة على بعض الأراضي.
وعشية ذكرى الانقلاب، قبل أيام، مدد "هلاينج" حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر أخرى للسماح للجيش بالاضطلاع بمهام "إعادة الأمة إلى حالة طبيعية من الاستقرار والسلام".
وقال دبلوماسي من جنوب شرق آسيا لوكالة "رويترز"، طالبا عدم نشر اسمه: "هناك إحباط عميق داخل الجيش يطال هلاينج شخصيا، ومن المؤكد أن البعض يحب أن يرى رحيله".
وأردف الدبلوماسي أن "الجيش يكافح لتجنيد جنود وإجبارهم على الذهاب إلى الخطوط الأمامية، وكل ذلك يتسبب في رد فعل سلبي ضد هلاينج".
لكن بوميك استدرك قائلا إن "خسائر الجيش في ساحة المعركة قد لا تؤدي إلى الانهيار، وليس من الواضح ما إذا كان من الممكن إبعاد هلاينج أو مَن قد يحل محله، بما في ذلك نائبه الحالي سوي وين".
ومع ذلك، أكد بوميك أن الأحداث أضرت بمكانة هلاينج ومكانة جيش ميانمار، المعروف باسم "تاتماداو"، والذي تتهمه الأمم المتحدة بارتكاب انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان في البلاد.
تعيينات مثيرة للجدل
وأورد المقال سببا آخر لغضب بعض الضباط من هلاينج، وهو شعور كبار الضباط بالاستياء من اختياراته الأخيرة لمناصب رئيسة.
وخاصة اختيار اللواء، تو يي، كنائب لوزير الداخلية، رغم أنه أدار في السابق مراكز استجواب سيئة السمعة في البلاد.
ويقال إن "يي" ضغط على الكثير من القادة الميدانيين للقتال حتى الموت أو مواجهة الإعدام، وذلك عندما بدا أنهم سيخسرون كل شيء خلال المعارك مع المتمردين.
وقال كبير مستشاري ميانمار في مجموعة الأزمات الدولية، ريتشارد هورسي، "إن أداء الجيش الضعيف في ساحة المعركة يعد مخزيا من قبل القوميين وغيرهم من المؤيدين للجيش، الذين أطلقوا انتقادات علنية غير مسبوقة ضد هلاينج".
ومن بين أولئك الذين يطرحون أسئلة صعبة على النظام وزعيمه صحفيون مؤيدون للمجلس العسكري، وفقا لرصد أجرته "رويترز" في الأسابيع الأخيرة للعديد من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وذكر المقال سببا آخر للغضب الشعبي، وهو انقطاع التيار الكهربائي، والصدمات المتكررة في إمدادات السلع الأساسية بما في ذلك الوقود، والارتفاع الكبير في الأسعار بشكل يؤثر على الأسر العادية.
وأوضح أن هذا يؤدي إلى مزيد من تآكل الدعم للمجلس العسكري في ميانمار.
حكومة المنفى
من جانبها، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية -حكومة المنفى التي تتألف من أشخاص من حزب سو تشي، إلى جانب ثلاث جماعات متمردة متحالفة معها- أنها منفتحة على التفاوض مع الجيش إذا استوفى ستة شروط.
وعدّد وزير خارجية حكومة الوحدة الوطنية، زين مار أونغ، تلك الشروط، قائلا إن "على الجيش العودة إلى ثكناته، وقبول السيطرة المدنية لإنهاء التدخل العسكري في السياسة".
هذا فضلا عن "الموافقة على تمهيد الطريق لحوار شامل مع جميع المعنيين بهدف استعادة الديمقراطية، والعمل على جعل ميانمار اتحادا حقيقيا".
ووفق المقال، فلم يكن هناك رد فوري من المجلس العسكري على بيان حكومة الوحدة الوطنية.
وحسب الكاتب، فإن أمام المعارضة وقتا محدودا قبل أن يتوقف القتال في أجزاء كثيرة عندما تهطل الأمطار الموسمية في يونيو/حزيران تقريبا.
ويرى السفير الأميركي السابق، سكوت مارسيل، أن المعارضة "أمامها الآن فرصة حقيقية إلى حد بعيد لهزيمة الجيش، على الأقل إجباره على التنازل عن قدر كبير من السلطة السياسية".
"لكن من الصعب التنبؤ بالمدة التي قد يستغرقها هذا الأمر"، حسب تقييمه.
ويعتقد الكاتب أن "هذا يعتمد إلى حد كبير على كيفية تطور الديناميكيات الداخلية داخل الجيش".
وختم بالقول: "إذا تحول الغضب داخل الجيش إلى تمرد من نوع ما، فإن أيام هلاينج كقائد ستصبح معدودة".