"الكتائب الإسلامية" بالسودان.. كيف صارت قوة إنقاذ ضد حميدتي والإمارات؟

داود علي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

في 30 يونيو/ حزيران 2024 سعت مليشيا الدعم السريع “الجنجويد”، لاحتلال "سنجة" عاصمة ولاية سنار وسط السودان، فيما وقفت قوات الجيش بمشاركة كتائب الحركة الإسلامية ضد سيطرة المليشيا على هذه المدينة الإستراتيجية. 

وفي معركة أخرى غير بعيدة، حاولت قوات الجنرال محمد حمدان دقلو حميدتي المدعومة إماراتيا إخضاع عاصمة السودان بجانبيها "الخرطوم وأم درمان" بالكامل، لتستنفر كتائب الحركة الإسلامية نفسها وتسهم في تعطيل تقدم المليشيا. 

وهو ما أكده الناطق باسم الدعم السريع "الفاتح قرشي" في 2 يوليو/ تموز 2024، بالقول إن الجيش السوداني بمساعدة كتائب الحركة الإسلامية المتحالفة معه دمروا جسر الحلفايا، الرابط بين مدينتي الخرطوم بحري وأم درمان.

وأشار إلى أن الكتائب الإسلامية ساعدت الجيش في تدمير الجسر لإعاقة تقدم وهجوم القوات (المتمردة).

خبراء عسكريون سودانيون أكدوا أنه لولا إسناد الكتائب الإسلامية للجيش السوداني، لكانت نتيجة المعارك أسوأ كثيرا، ولأصبحت المليشيا المتمردة في أوضاع ميدانية أفضل، ولأخضعت كثير من الولايات بسهولة.  

فكيف استطاعت كتائب الحركة الإسلامية لعب ذلك الدور المتقدم في الحرب؟ وكيف نشأت؟ وما أبرز وحداتها؟ ومن أهم قادتها؟ 

الظهور الأول 

بالحديث عن كيفية تأسيس كتائب الحركة الإسلامية في السودان، فإنها تخضع لمرحلتين أساسيتين، الأولى قديمة ترجع إلى بداية حكم الإسلاميين عقب ما يعرف بـ "انقلاب الإنقاذ" ويطلق عليه أيضا من جانب الإسلاميين "ثورة الإنقاذ الوطني" في 30 يونيو 1989، والذي مهد لحكم الرئيس السابق عمر البشير. 

وقتها تم تأسيس قوات "الدفاع الشعبي" المنتمية لجماعة الإخوان المسلمين السودانية. 

وكانت "قوات الدفاع الشعبي" قوة شبه عسكرية، رفعت شعار "جهاد - نصر - استشهاد"، وتم عدها ضمن تكوينات القوات المسلحة السودانية بموجب القانون. 

وذلك بسبب تدشينها على يد نظام الحكم كقوة نصف عسكرية يتم تشكيلها من المواطنين السودانيين، وهي أشبه ما تكون بقوات "الباسيج" الإيرانية

وبالفعل باتت قوات الدفاع الشعبي تمثل قوة احتياطية للقوات المسلحة السودانية. وبعد تأسيسها في عام 1989، زاد حجمها بعدما تم دمج العديد من المليشيات القبلية في جميع أنحاء السودان فيها فباتت قوة رادعة يحسب لها حساب. 

وحسب تقرير قسم البحوث الفيدرالية التابع لمكتبة الكونغرس للعام 2004 فإن قوات الدفاع الشعبي كانت تتألف من 10 آلاف عضو فاعل مع أكثر من 85 ألف عضو احتياطي.

وتم نشرها جنبا إلى جنب مع وحدات من الجيش النظامي ضد مختلف الجماعات المتمردة، بما فيهم تلك الموجودة في دارفور. 

التشكيل الحالي 

لكن كتائب الحركة الإسلامية بعد سقوط حكم البشير أعادت تشكيل نفسها مرة أخرى في صورة جديدة. 

بل يعود الأمر إلى أواخر عهد البشير في ديسمبر/ كانون الأول 2018، عندما أُعلن لأول مرة عن وجود "كتائب الظل"، تابعة للحركة الإسلامية السودانية. 

وذلك حين أعلن الأمين العام السابق للحركة، علي عثمان محمد طه، مقولته الشهيرة: "لدينا كتائب ظل تعرفونها". 

وظهرت هذه الكتائب بقوة عندما اندلعت الحرب بين الجيش والجنجويد في أبريل/ نيسان 2014.

وقتها أعلنوا عن أنفسهم وعن مشاركتهم في القتال إلى جانب الجيش ضد المتمردين، وضد من أسموهم "الخونة والعملاء"، التابعين لجهات أجنبية (الإمارات).

وفي 7 يناير/ كانون الأول 2020، أُعلن بشكل مباشر عن كتيبة تحمل اسم "كتيبة البراء بن مالك" وهي أقوى تشكيلات الحركة الإسلامية، وكان لها دور كبير في إسناد الجيش ودحر قوات الدعم السريع في عدة مواقع.  

انضمت عناصر كتيبة "البراء بن مالك" التي يقودها، المصباح أبو زيد، إلى القتال بجانب الجيش بعد أيام من اندلاع الحرب، وتمركزت بشكل أساسي في محيط الخرطوم وأم درمان. 

وبحسب تقرير لموقع "الحرة الأميركي في 28 فبراير/ شباط 2024، فإن عناصر كتيبة "البراء بن مالك"، تلقوا تدريباتهم بواسطة الجيش السوداني، وعلى يد جهاز الاستخبارات السوداني أيضا. 

ونشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في 10 أبريل 2024، أن قوات الحركة الإسلامية تحديدا كتيبة "البراء بن مالك" تكبدت العديد من الضحايا في مواقع مختلفة.

وذكر منها بوجه خاص إحدى أكثر المعارك دموية وشراسة لمقاتلي الكتيبة وهم يدافعون عن الوحدات العسكرية في الخرطوم.

وقد أصيب قائد الكتيبة المصباح أبو زيد، في قتال بالخرطوم، وزاره رئيس المجلس السيادي، القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، في مستشفى عطبرة.

وبحسب الموقع البريطاني، فإن كتيبة البراء بن مالك لها تمثيل في فرقتين عسكريتين على الأقل، هما سلاح المدرعات والمشاة، كما أن لهم وجودا قويا داخل قوات الاحتياطي المركزي.

حسم معركة أم درمان 

ولا يغفل أن أحد أهم الأدوار التي لعبتها كتائب الحركة الإسلامية عموما، و"البراء بن مالك" خصوصا، هو دورهم في صد هجوم الدعم السريع على مدينة "أم درمان" ومنع سقوطها. 

ففي 4 فبراير 2024، أعلن الجيش السوداني في بيان، أن فرق سلاح المدرعات جنوب الخرطوم، وبمساعدة المقاومة الشعبية، نفذت عملية عسكرية نوعية ناجحة على خطوط العدو (الدعم السريع) وكبدتهم خسائر فادحة في العتاد والأرواح.

ولأول مرة منذ بدء الاقتتال بين طرفي الصراع في السودان بدأت قوات الجيش السوداني تتمركز في سوق مدينة أم درمان الرئيس بعد طرد مليشيا الدعم السريع.

وبفضل إسناد الكتائب الإسلامية القوي، نشرت الصفحة الرسمية للقوات المسلحة في 8 فبراير 2024، مشاهد مصورة لـ عبد الفتاح البرهان، وهو يتفقد المواقع الأمامية للقوات المسلحة بمنطقة أم درمان. 

وقد وأوردت صحيفة "سبق" المحلية السودانية في 5 فبراير أن "كتائب الحركة الإسلامية" أخرجت فرقا خاصة بينها "استخبارات المقاومة في أم درمان القديمة".

وهي المدينة التي تمثل جزءا مهما من العاصمة، ويتقاسم السيطرة عليها الجيش والدعم السريع.

وساعدت الفرق الجيش في هجومه المباغت وهي تضم كوادر شعبية مدربة ومنتقاة مهمتها جمع المعلومات حول أماكن وجود "الدعم السريع" ورصد تحركاتهم، ومعاونة الأجهزة العسكرية في تصويب الضربات الجوية والمدفعية لمراكزها.

البنيان المرصوص

وهناك مجموعة أخرى نافذة من كتائب الحركة الإسلامية التي تقاتل بجانب الجيش السوداني، وهي كتيبة "البنيان المرصوص".

وتعد "البنيان المرصوص" من أكبر الكتائب، وتستمد قوتها وعناصرها من قوات الدفاع الشعبي.

وما يميز هذه الكتيبة تحديدا أنها تضم عناصر من جهاز الأمن والمخابرات الوطني السابقين ممن تركوا العمل بعد الإطاحة بنظام البشير عام 2019، ما جعلها أكثر تنظيما وقدرة على إدارة المعارك. كما تحظى بثقة بالغة بين جنرالات القوات المسلحة.

وفي 20 مايو/ أيار 2024، ذكر موقع "الراكوبة" السوداني أن تلك الكتيبة تحديدا خضعت لتدريبات متقدمة على مختلف الأسلحة.

ويوجد أفرادها بجانب قوات الجيش جنبا إلى جنب في عدة مواقع بمدن العاصمة الثلاث (الخرطوم - أم درمان - بحري).

معركة صفرية

وفي قراءته لأسباب مشاركة هذه القوات مع الجيش بالقتال، يقول الصحفي السوداني محمد نصر، إنه بغض النظر عن طبيعة العلاقة التنظيمية مع الإخوان المسلمين، سواء بالقرب أو البعد أو الانتماء السابق، لكن جميع تلك التشكيلات في الأساس يغلب عليها الطابع الإسلامي". 

وأضاف لـ"الاستقلال": “هذا أمر طبيعي لخطورة الوضع، والإسلاميون يعلمون منذ اللحظة الأولى أنهم مستهدفون، من قبل الدعم السريع الممولة إماراتيا”.

وتابع: وبطبيعة الحالي تسعى الإمارات إلى سحق الإسلاميين وعلى رأسهم الإخوان، والقضاء عليهم داخل السودان، كما حدث في مصر، وحاولوا أن يفعلوه في اليمن وليبيا. 

ولفت الصحفي السوداني إلى أن الإسلاميين يدركون أنهم مستهدفون أيضا من قبل اليسار والشيوعيين نظرا للتاريخ الدموي الكبير بينهم منذ تأسيس الجمهورية.

و"بالتالي فلا حل إلا خوض المعارك وحمل السلاح جنبا إلى جنب بجوار الجيش، فالسقوط هنا معناه النهاية، وبالتالي نحن أمام معركة صفرية كتب على الإسلاميين خوضها لا محالة"، يختم نصر.