خيار طرحه الإيرانيون.. هل تضطر إسرائيل إلى إيقاف حرب غزة تجنبا للرد الإيراني؟

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل انتظار الرد الإيراني على اغتيال الاحتلال الإسرائيلي، رئيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسماعيل هنية في طهران نهاية يوليو/ تموز 2024، تحدثت تقارير غربية عن تأخير إيران لردها مقابل إفساح المجال أمام مفاوضات لإيقاف العدوان على قطاع غزة.

هذه التقارير أثارت تساؤلات عن مدى رضوخ إسرائيل لقبول التوصل إلى اتفاقات تقضي بإيقاف العدوان على غزة مقابل تجنب الرد الإيراني انتقاما لاغتيال إسماعيل هنية، وهل سيضغط الغرب عليها لإتمام مثل هذا الاتفاق؟ 

انتقام مؤجل

وفي معلومات تفسّر تأخر الرد الإيراني، كشف ثلاثة مسؤولين إيرانيين كبار أن "التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة نتيجة للمحادثات المأمولة هذا الأسبوع فقط سيؤخر الانتقام، لكن لن يمنع إيران من الرد المباشر على إسرائيل لاغتيال هنية على أراضيها"، حسبما ذكرت وكالة "رويترز" في 13 أغسطس/ آب 2024. 

ونقلت الوكالة عن أحد المسؤولين الإيرانيين، الذي وصفته بأنه مسؤول أمني كبير (لم تكشف هويته)، قوله إن "إيران وحلفاء مثل حزب الله سيشنون هجوما مباشرا إذا فشلت محادثات غزة أو إذا شعرت أن إسرائيل تطيل أمد المفاوضات. دون ذكر المدة التي ستسمح بها إيران للمحادثات بالتقدم قبل الرد".

ومع تزايد خطر اندلاع حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط بعد اغتيال هنية، وقائد حزب الله فؤاد شكر، انخرطت إيران في حوار مكثف مع الدول الغربية والولايات المتحدة في الأيام الأخيرة بشأن سبل معايرة الرد، حسبما قالت المصادر.

ووصفت ثلاثة مصادر حكومية إقليمية (لم تكشف هويتها) محادثات مع طهران لتجنب التصعيد قبل محادثات وقف إطلاق النار في غزة، التي من المقرر أن تبدأ في 15 أغسطس في قطر.

وقال مصدران إن "إيران تدرس إرسال ممثل إلى محادثات وقف إطلاق النار، في ما سيكون الأول منذ بدء الحرب في غزة. ولن يحضر الممثل الاجتماعات بشكل مباشر لكنه سيشارك في مناقشات خلف الكواليس للحفاظ على خط اتصال دبلوماسي مع الولايات المتحدة أثناء التفاوض".

ونقلت الوكالة عن مصدرين كبيرين مقربين من حزب الله اللبناني (لم تكشف هويتهما) قولهم: إن "طهران ستمنح المفاوضات فرصة لكنها لن تتخلى عن نواياها في الرد". وقال أحد المصدرين إن وقف إطلاق النار في غزة من شأنه أن يمنح إيران غطاء لرد "رمزي" أصغر.

ومن دون تحديد شكل الدعم، قال اثنان من المصادر الإيرانية إن "إيران ستدعم حزب الله وحلفاء آخرين إذا أطلقوا ردودهم الخاصة على مقتل هنية والقائد العسكري الأعلى لحزب الله، فؤاد شكر، الذي قتل في ضربة ببيروت في اليوم السابق لاغتيال هنية في طهران". 

إيقاف مستبعد

وبخصوص مدى خضوع إسرائيل للقبول بإيقاف الحرب تجنبا للرد الإيراني، استبعد عبد الله الأسعد الخبير العسكري، رئيس مركز "رصد" للدراسات العربية، موافقة الاحتلال على هذا الخيار، لأنها ترى أن “أي هجوم إيراني على اغتيال هنية هو أمر طارئ على الحرب في غزة”.

وأضاف الأسعد لـ"الاستقلال" أن "إسرائيل تقول إن لديها مشروع حرب تقوم به حاليا، ويتضمن العديد من المراحل، ولم تنهها بعد، لذلك أعتقد أن أي طارئ أو عارض جديد، لا يوقفها في الوقت الحالي عن إكمال مراحل حربها التي شنتها على غزة".

ولفت إلى أن "الغرب لا يستطيع الضغط على إسرائيل في موضوع إيقاف الحرب لأن الولايات المتحدة سبق أن حاولت كثيرا من أجل وقف الهجمات على غزة، ولكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفض ذلك، وأدى ذلك إلى تردي العلاقة بينه وبين الرئيس الأميركي جو بايدن".

وأعرب الخبير العسكري عن اعتقاده بأن "إسرائيل لن توقف هجماتها على غزة بسبب الرد الإيراني الذي لن يكون بالحجم المأمول الذي ينتظره الجميع، لذلك فإن تل أبيب غير آبهة لها يحصل من تداعيات في الإقليم كله، وهذا نتيجة الدعم الأميركي لها".

وأكد الأسعد أن "إسرائيل تستند إلى الوسائط والإمكانات الغربية في شن هجماتها منذ 7 أكتوبر 2023، وهذه الأساطيل الأميركية التي جاءت إلى المحيطات أخيرا، هي داعمة لها، وهذا يشير إلى استمرار الدعم بشكل غير متوقف منذ بداية الحرب على غزة وحتى اليوم".

من جهته، قال الباحث العراقي في الشؤون الدولية، إياد ثابت، إن "الرد الإيراني يتعلق باستشهاد هنية في قلب طهران، وغير مرتبط بوقف أو استمرار العمليات في غزة، وهذا يعني أن إيران مضطرة للرد حتى وإن كان ردا شكليا لا يسبب أي ضرر لإسرائيل".

وأوضح لـ"الاستقلال" أن "عدم الرد الإيراني على إسرائيل يجعل قادة المقاومة الفلسطينية تمتنع عن زيارة إيران مستقبلا، لأن الثقة ستنعدم بطهران، وربما كان استهداف هنية الغرض منه أيضا منع قادة حماس من التوجه إلى إيران أو العراق أو لبنان أو اليمن في حال غادروا قطر".

تلاعب بالوقت

على الصعيد ذاته، قال الخبير في شؤون الأمني والإستراتيجي الإيراني، فراس إلياس، في سلسة تغريدات على منصة "إكس" في 13 أغسطس، إن "إيران تحاول عبر التلاعب بتوقيت الرد والهجوم، تشكيك القيادة العسكرية الإسرائيلية بمدى جدية إيران بالرد من عدمه".

وأوضح إلياس، قائلا: "رغم أن مثل هذا التلاعب يوفر لإيران فرصة تشتيت ذهنية القيادة الإسرائيلية حول مدى وقوة الرد، لكنه من جهة أخرى سيمنح إسرائيل فرصة تفريغ أي رد من خاصية توازن الردع الذي تبحث عنه إيران، وهو ما يعني أن القيمة ليست بالرد، بل بنتائجه العملية".

ولفت الخبير إلى أن المسؤولين الإيرانيين يحاولون الترويج إلى مفهوم "الدولة الحكيمة في الداخل الإيراني، وتحديدا الرئيس مسعود بزشيكيان ومعه محمد جواد ظريف (مستشار الرئيس) والتيار الإصلاحي، وذلك في سياق الرد على إسرائيل". 

وبيّن إلياس أن "مختصر هذا المفهوم، أنه على إيران أن تتصرف بحكمة، وعليها أن تفكر بتكاليف الرد، وليس مجرد الرد بحد ذاته، لأن عدم الرد قد يكون مفيدا أكثر، والأكثر أهمية أن أي رد ينبغي ألا يجبر إسرائيل على الرد".

وفي تدوينة أخرى، قال إلياس إنه "لا يوجد في العقيدة العسكرية الإيرانية الجديدة مفهوم الحرب الشاملة، فهذا المفهوم غادرته إيران بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن العشرين، واستعانت بدلاً من ذلك بفكرة الحرب بالوكالة والحروب اللامتماثلة (حرب سيبرانية واستخبارية وحروب عصابات)".

وأشار إلى أن "أحد أبرز الدروس المستفادة من الحرب العراقية الإيرانية من وجهة نظر المخطط العسكري الإيراني، أن البحث عن نصر في معركة طويلة قد يتحقق دون الدخول المباشر بها (حروب بالوكالة)، طالما أن العدو يطمح لذلك، ويمكن الدخول فيها عندما لا يريد العدو ذلك (حروب لا متماثلة)، لأن الكلف العسكرية ستكون مختلفة بالحالتين".

وشدد على أن "إيران تدرك أن الهدف العسكري الإسرائيلي اليوم يتمثل بجرها لحرب يريدها نتنياهو أن تكون بشروطه وزمانه ومكانه، وهو ما جعل طهران تفكر حتى الآن في طريقة للرد، بشكل يحقق الهدف الإيراني المتمثل بشن هجوم فوق مستوى المعركة ودون مستوى الحرب، وبالشكل الذي يجعل إسرائيل تغادر فكرة التصعيد على جبهات محور المقاومة". 

وبحسب إلياس، فإنه "لا قيمة لإيران بدون إسرائيل، ولا قيمة لإسرائيل بدون إيران، فكل دولة بنت وجودها وتأثيرها على وجود وتأثير الأخرى، ولذلك لا تنتظر أن تدمر إحداهما الأخرى لأجل عيون العرب، فهما مختلفتان مع بعضهما، متفقتان عليك".

وفي 31 يوليو 2023، قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) "بهذا العمل جر النظام الصهيوني المجرم والإرهابي على نفسه أشد العقاب... ونعد من واجبنا الثأر لدماء (هنية) التي سُفكت على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية".