5 محافظين وإصلاحي واحد.. ما أبرز برامج مرشحي الرئاسة الإيرانية؟
تظهر المؤسسات الحكومية الإيرانية انحيازها لتيار بعينه من المرشحين
يخوض مرشحو الانتخابات الرئاسة الإيرانية المبكرة المقررة في 28 يونيو/حزيران 2024 سجالا كبيرا حول الملفات الداخلية والخارجية للبلاد سعيا لاستقطاب الناخبين.
ووافق مجلس صيانة الدستور، الذي يشرف على الانتخابات والتشريعات، في 9 يونيو 2024 على خوض ستة مرشحين للرئاسيات بعد مقتل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي.
وتحطمت طائرة رئيسي في منطقة جبلية شمال غرب إيران قرب حدود أذربيجان في 19 مايو/أيار 2024، وأدت لمقتله بجانب وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، وستة آخرين من الركاب والطاقم بينهم محافظ تبريز مالك رحمتي، وإمام صلاة الجمعة في ذات المدينة محمد علي هاشم.
سباق انتخابي
وتضم قائمة المرشحين لشغل منصب الرئيس الرابع عشر لإيران، محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الإيراني والقيادي السابق في الحرس الثوري وهو من غلاة المحافظين.
وكذلك سعيد جليلي كبير المفاوضين السابق في الملف النووي ومدير مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي لأربع سنوات وهو من المحافظين، وعلي رضا زاكاني رئيس بلدية طهران المحافظ.
كما تشمل القائمة التي أعلنتها لجنة الانتخابات عبر التلفزيون الرسمي كلا من مسعود بزشكيان النائب الإصلاحي، ومصطفى بور محمدي وهو من غلاة المحافظين ووزير داخلية سابق، وأمير حسين قاضي زاده هاشمي وهو سياسي محافظ.
وفور إعلان القائمة النهائية للمرشحين المعتمدين لخوض رئاسيات إيران بدأت الأنشطة الانتخابية رسميا بالظهور.
إذ يحمل كل من هؤلاء الستة برامج انتخابية، خلقت نوعا من السجال الداخلي، كونها تسلط الضوء على علاقة إيران مع الغرب وواقع الشعب الذي أنهكته العقوبات الغربية على البلاد، لا سيما الأميركية منها.
اللافت أن موقف بعض المرشحين لرئاسة إيران، من الملفات الكبرى مثل "الاتفاق النووي" الذي تعمل طهران لإحيائه من جديد، وصل به الحد لوصفه بـ"الكارثة".
وهذا الأمر يعكس وضوح حالة التشدد تجاه إحياء الاتفاق النووي الذي أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب منه في مايو/أيار 2018، خاصة أن الأخير يستعد لخوض سباق الرئاسة الأميركية من جديد في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 ويطمح لولاية ثانية.
وأمام ذلك، يمكن قراءة طبيعة التنافس بين خمسة من المحافظين وإصلاحي واحد لقيادة البلاد البالغ عدد سكانها 85 مليون نسمة، وتعاني من ضغوط اقتصادية متزايدة، بما في ذلك العقوبات الدولية وارتفاع التضخم.
وهناك مدرستان في العمل السياسي العام في إيران، الأولى تتمثل في المحافظين الذين يعتمدون الأسس التقليدية التي غالبا ما تكون ذات طابع أيديولوجي صارم، في حين يعتمد الإصلاحيون على الأساليب المتحركة ذات الطابع المتحرر من القيود.
إذ سجل الاقتصاد الإيراني نموا بنسبة 5.7 بالمئة منذ بداية 2024 وحتى مارس من العام ذاته، حيث تستهدف طهران تحقيق نمو إضافي بنسبة ثمانية بالمئة في العام المذكور.
فقد أعلن المرشح محمد باقر قاليباف، الذي يشغل حاليا منصب رئيس البرلمان، أن إحدى أولويات حملته الانتخابية مواجهة وتخفيف تأثير العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي.
وأكد على الأهمية الإستراتيجية لإيران بصفتها "المفتاح الذهبي"، مشيرا إلى العلاقات القوية والقيمة التي تربطها باللاعبين العالميين الرئيسين مثل روسيا والصين والهند وباكستان ودول آسيا الوسطى.
ويتضمن نهج قاليباف الاستفادة من الصداقات الدولية لتعزيز قدرة إيران الاقتصادية والسياسية على الصمود في مواجهة العقوبات التي أعيد فرضها على إيران بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015.
وشدد قاليباف على أهمية توحيد "جبهة الصمود" خلف مرشح واحد قبل الانتخابات لتقديم إستراتيجية متماسكة، كما دعا إلى تدريب الكوادر الدبلوماسية لتعزيز المفاوضات الدولية والجهود الدبلوماسية الإيرانية.
و"جبهة الصمود" (بايداري) تمثل صقور المتشددين ولها كتلة كبيرة في البرلمان الإيراني.
أما المرشح سعيد جليلي فقد حدد مجموعة شاملة من الأولويات الاقتصادية ضمن برنامجه الانتخابي، بهدف تحقيق الانضباط المالي من خلال ضمان التوازن بين الإيرادات والنفقات العامة.
ودعا جليلي إلى حماية العملة الوطنية والحفاظ على قيمتها، مشيرا إلى أن إستراتيجيته الاقتصادية تتضمن زيادة الدخل من النقد الأجنبي، وتعزيز الشفافية المصرفية والاقتصادية، وتنفيذ تدابير لمراقبة وتنظيم النظام المصرفي.
وأكد التزامه بتوظيف المهنيين المتعلمين في مختلف القطاعات لدعم اقتصاد طهران والاستفادة من الذكاء الاصطناعي على مدى السنوات الأربع المقبلة لمنع التدهور الاقتصادي في البلاد.
لكن المفاوض النووي السابق المحافظ سعيد جليلي قال إن إيران ليست بحاجة إلى إصلاح علاقاتها مع الغرب.
من جانبه، جعل المرشح علي رضا زكاني قضايا المرأة محورا رئيسا في حملته الانتخابية، وأصر على عدم وجود من يفرض الحجاب في إيران، ونفى أي اتهامات من هذا القبيل.
وسلط زكاني الضوء على جهوده خلال فترة عمله في بلدية طهران، حيث عمل بنشاط على تعزيز دور المرأة.
وأشار إلى أن 10 بالمئة من المسؤولين في البلاد من النساء، مؤكدا التزامه بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
وأكدت حملة زاكاني أيضا على أهمية تعزيز مشاركة المرأة في الحكم وضمان الاعتراف بمساهماتها وتقديرها في المجتمع الإيراني.
برامج انتخابية
بينما يروج مسعود بزشكيان المرشح الإصلاحي الوحيد، إلى أن إدارته لن تكون استمرارا لسياسات الرئيس الأسبق حسن روحاني.
وبصرف النظر عن ولايتي الإصلاحي روحاني المتتاليتين، أكد بزشكيان على رؤيته ونهجه تجاه مستقبل إيران.
وتركز حملته على تقديم حلول جديدة وإظهار التزامه بأسلوب حكم مختلف، بهدف معالجة مخاوف واحتياجات الشعب الإيراني بشكل أكثر فعالية.
وكشف خلال برنامجي "بدون مجاملة" و"حوار خاص" على التلفزيون الإيراني أن ممتلكاته تشمل مزرعة في مدينة أرومية ومنزلا في تبريز وآخر في طهران.
وقال "أطفالي حافظوا على كرامتي"، مضيفا أن أبناء أخيه عاطلون عن العمل اليوم، و"لا أحد في عائلتي متورط بالفساد الاقتصادي".
وحول القضايا المهمة في البلاد، أشار بزشكيان إلى أن أجور الموظفين والعمال لا تكفي لدفع الإيجار، وأكد أن الدين لا ينص على تقييد شخص بسبب ملابسه.
ودعا أيضا إلى تخفيف القيود المفروضة على الإنترنت في إيران حيث تعد فيسبوك وإنستغرام وتلغرام وإكس من بين منصات التواصل الاجتماعي المحظورة.
أما المرشح مصطفى بور محمدي فقد لخص في مقطع فيديو نشره سجله الحافل في الخدمة العامة.
وقد شرح بالتفصيل المبادرات والمشاريع المختلفة التي قام بها لصالح إيران ومواطنيها. وتسلط حملته الضوء على خبرته وإنجازاته كحامل رئيس لاستقطاب الناخبين.
وذكر بور محمدي أنه أشرف على توزيع مخصصات البنزين إلكترونيا، مضيفا أنه يملك "سجلا من الخدمات"، حيث حقق تقدما أثناء توليه عدة مناصب في الحكومات السابقة.
وألقى رجل الدين الوحيد المرشح لمنصب رئيس الجمهورية، باللوم على العقوبات الدولية في "عرقلة الاقتصاد" و"جعل المعاملات المالية مستحيلة".
أما المرشح أمير حسين قاضي زاده هاشمي، فقد قدم رؤى حول سنوات تكوينه وعلاقته المبكرة مع المرشد الإيراني السابق الخميني.
واستذكر هاشمي دوره في نشر بيانات الخميني في شبابه، مسلطا الضوء على "التزامه الراسخ بالمبادئ الثورية التي شكلت مسيرته السياسية".
وأمام ذلك، ظهرت حالة المناوشات الكلامية والتصريحات المضادة بين المرشحين وأنصارهم ومن يدعمونهم من المسؤولين السابقين أو أصحاب النفوذ في إيران.
إذ شن الأصوليون والمقربون من الحكومة هجماتهم على الدبلوماسية الإيرانية في فترة حكم حسن روحاني ووزارة خارجية محمد جواد ظريف، وادعوا أن هذه الدبلوماسية جلبت الخراب والدمار للاقتصاد الإيراني، بعد إبرام "كارثة" الاتفاق النووي.
في المقابل، راحت صحف الإصلاحيين لعدّ الاتفاق النووي إنجازا حققته الدبلوماسية الإيرانية، حيث خلصت البلاد من العقوبات الدولية والحظر الاقتصادي الخانق على إيران منذ سنوات.
واستشهدوا بكلمات ظريف، في 17 يونيو 2024 عندما دافع بقوة عن الاتفاق النووي والمفاوضات مع الغرب.
أما صحيفة “خراسان” فقد كانت استثناء بين صحف الأصوليين، حيث دعت هذا التيار إلى عدم التركيز على قضية الاتفاق النووي والمفاوضات مع الغرب.
ورأت الصحيفة في تقرير لها نشر 20 يونيو 2024 أن الشارع الإيراني في هذه القضية بالتحديد يميل إلى موقف الإصلاحيين، وبالتالي فإن التركيز على هذا الموضوع في الانتخابات الرئاسية سيعني في المحصلة أن الفائز سيكون مرشح الإصلاحيين مسعود بزشكيان، وفق الصحيفة.
بدورها، قالت صحيفة "كيهان"، المقربة من المرشد علي خامنئي، في 20 يونيو 2024 إن الإيرانيين لن ينسوا ما جلبته حكومة روحاني والتيار الإصلاحي على إيران.
وكتبت: "لن ننسى التضخم فوق 60 في المئة، ومضاعفة العقوبات، ودبلوماسية التضرع والخنوع، وتعطيل المصانع وانقطاع الكهرباء، وكارثة الاتفاق النووي، وارتفاع سعر الدولار 10 مرات، ومضاعفة أسعار السكن 700 في المئة".
"خطاب دعائي"
بدورها، نقلت صحيفة "كار وكاركر" العمالية، في 20 يونيو 2024 جزءا من كلام مسعود بزشكيان حول العقوبات، وآثارها المدمرة على الاقتصاد الإيراني، وأكدت أن هناك مجموعة من المستفيدين في إيران من العقوبات.
وعنونت الصحيفة حول الموضوع، نقلا عن مرشح الإصلاحيين مسعود بزشكيان قوله: "أبناء المنتفعين من العقوبات يعيشون في رغد ورفاه، والمواطنون يعيشون تحت الضغوط الاقتصادية".
وضمن هذا السياق رأى الكاتب والمحلل السياسي، حسن بهشتي بور، أن الدعم السخي الذي يقدمه وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف هذه الأيام لمرشح التيار الإصلاحي بزشكيان سيكون له تأثير كبير على نتيجة الانتخابات.
وأكد في مقال له بصحيفة "آرمان ملي"، في 19 يونيو 2024 أن ظريف يحظى بشعبية وقبول كبير في أوساط الشارع الإيراني.
واستدرك الكاتب بالقول إن تزكية ظريف لمرشح بعينه لا تكفي لكي نجزم بأن الشارع سيصوت له، وإنما يجب أيضا أن يكون ذلك الشخص صاحب سجل نظيف وبرنامج انتخابي يقنع الناخب.
ولفت إلى أن المواطن الإيراني كانت لديه تجربة الانتخابات الرئاسية التي جاءت بحسن روحاني (2013 - 2021)، إذ زكاها الإصلاحيون الكبار أمثال محمد خاتمي.
لكن في المحصلة رأى الشارع أن روحاني لم يلبِّ كل ما وعد به، وأن الكثيرين أصيبوا بالإحباط من أدائه، لا سيما في دورته الثانية، وعلى هذا الأساس فإن تلك التجربة سيكون لها تأثير على طريقة تصويت الإيرانيين هذه المرة.
كما سلطت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية في 20 يونيو 2024 الضوء على الهجمة الشرسة التي يشنها التيار الأصولي ووسائل إعلامه على المرشح الإصلاحي الوحيد مسعود بزشكيان.
وشبهت الحالة بما جرى للرئيس الأسبق محمد خاتمي، حيث هاجمته وسائل إعلام الأصوليين الذين يسيطرون على مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الرسمية ومعظم الوكالات والوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة.
ولفت الكاتب الإصلاحي، علي باقري، في تصريح للصحيفة أن هذه الهجمة ضد بزشكيان كانت متوقعة، في ضوء نتائج استطلاع الرأي التي تظهر تقدمه بشكل كبير على باقي المنافسين.
وأضاف: الغريب في الأمر تجييش مؤسسة الإذاعة والتلفزيون- التي من المفترض أن تكون محايدة في التعامل مع المرشحين للرئاسة- كل طاقاتها من أجل تخريب صورة وسمعة مرشح بعينه.
كما قال باقري لصحيفة "اعتماد" إن معظم مشكلات البلاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية سببها نهج السياسة الخارجية لإيران.
اللافت أنه بعد تصريحات ظريف الأخيرة التي عرى فيها كثيرا من الحقائق، شن الأصوليون حملة واسعة لتخريب وتشويه التيار الإصلاحي وإنجازاته على صعيد الدبلوماسية والاقتصادية والقضايا المجتمعية.
وذكر الكاتب أن انحياز المؤسسات الحكومية لتيار بعينه لم تنحصر على مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، بل شملت بلدية طهران ووزارة الخارجية وبعض المؤسسات والوزارات الأخرى، حيث شمروا على سواعدهم للدفاع عن مرشحي التيار الإصلاحي والهجوم على مسعود بزشكيان وظريف.
وأكد أن هذا الانحياز سيخلق قطبية في الشارع الإيراني خلال الفترة القليلة المقبلة.
أما صحيفة "هفت صبح"، فقد ذهبت في تحليل لها، للقول إن الإصلاحيين والأصوليين سيصعدون من خطابهم الدعائي لكسب المزيد من الأصوات من الشريحة التي لا تزال لم تحسم أمر المشاركة في الانتخابات الرئاسية.
ولفتت الصحيفة في 20 يونيو 2024 إلى أنه مع اقتراب موعد الانتخابات تتوجه الأنظار إلى مرشحي التيار الأصولي الخمس، حيث يتوقع أن ينسحب بعضهم لصالح البعض الآخر.
لكنها رأت أن شخصيتين هما جليلي وقاليباف لن يكونا مستعدين للانسحاب، إذ إن كلا منهما يطمع في الفوز، ويأمل أن يكون رئيسا للبلاد.
وذكرت الصحيفة أن نسبة سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف معا ستكون 50 بالمئة، وفي حال انسحب قاضي زاده وزاكاني فسترتفع هذه النسبة إلى 55 بالمئة.
كما يتوقع أن نشهد تحالفا منظما بين الأصوليين لمنع تكرار تجربة انتخابات عام 2013، التي فاز بها روحاني بعد تشرذمهم وانقسامهم، حسب الصحيفة.
وفي غياب استطلاعات الرأي، يُنظر إلى قاليباف وجليلي وبزشكيان على أنهم المرشحون الأوفر حظا للحصول على ثاني أعلى منصب في إيران بعد منصب المرشد.
ويظل المرشح الأبرز هو محمد باقر قاليباف (62 عاما)، عمدة طهران السابق الذي تربطه علاقات وثيقة بالحرس الثوري شبه العسكري في البلاد.
إذ ألقى خامنئي خطابا في الأسبوع الأول من يونيو 2024 أشار فيه إلى الصفات التي أبرزها أنصار قاليباف، حيث عُدّت إشارة محتملة إلى دعم المرشد لرئيس البرلمان.
ومع ذلك، يتذكر الكثيرون أن قاليباف، بصفته جنرالا سابقا في الحرس الثوري، كان جزءا من حملة قمع عنيفة ضد طلاب الجامعات الإيرانية عام 1999.
كما ورد أنه أمر باستخدام الرصاص الحي ضد الطلاب في عام 2003 أثناء عمله كرئيس لشرطة البلاد.
وترشح قاليباف للرئاسة في عامي 2005 و2013 دون جدوى. وانسحب من الحملة الرئاسية لعام 2017 لدعم رئيسي في محاولته الرئاسية الفاشلة الأولى.
وقد فاز رئيسي عام 2021، التي شهدت أدنى نسبة مشاركة على الإطلاق في انتخابات رئاسية في إيران.