تراجع الاستثمار الأجنبي في الأردن.. مشاكل هيكلية أم حرب غزة؟
"الأردن تراخى منذ الأزمة العالمية عام 2008 ما أدى لهروب كثير من المستثمرين"
"رأس المال جبان"… مقولة تكاد تنطبق على الوضع الاقتصادي في الأردن مع تراجع الاستثمار الأجنبي المتدفق لهذا البلد خلال الربع الأول من 2024.
فقد أظهرت بيانات البنك المركزي أن إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر والمتدفق إلى الأردن تراجع خلال الربع الأول من العام 2024 بنسبة 17.7 بالمئة.
تراجع الاستثمار الأجنبي
ووفقا للبيانات، التي نشرت في 22 أغسطس/آب 2024 فإن إجمالي الاستثمار المباشر المتدفق للأردن وصل خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 144 مليون دينار مقارنة مع 175 مليون دينار خلال الفترة ذاتها من عام 2023.
وكانت البيانات الأولية لميزان المدفوعات الصادرة عن البنك المركزي الأردني تشير إلى أن إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى المملكة خلال الربع الثاني من عام 2023 بلغت 383.8 مليون دولار، بارتفاع نسبته 85.7 بالمئة، مقارنة مع الربع المقابل من عام 2022.
وتجاوز الدين العام 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في هذا البلد الصغير الذي تضرر بشدة من أزمات المنطقة المتلاحقة.
لا سيما تدفق اللاجئين السوريين وجائحة كوفيد، وأخيرا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المتواصل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 والذي خلف أكثر من 40 ألف شهيد.
لكن حتى قبل السابع من أكتوبر، واجهت السلطات الأردنية ضغوطا كبيرة إذ تجاوز معدل البطالة في الأردن 22,3 بالمئة عام 2023، بحسب تقارير البنك الدولي، وهي نسبة ترتفع في صفوف الشباب إلى 46 بالمئة.
ويؤكد الخبراء الاقتصاديون أنه لا يمكن فصل البيئة الاستثمارية المحلية عن نظيرتها في الإقليم.
وقد دعا ملك الأردن عبدالله الثاني في ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى أهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص للتكيف مع الظروف الاقتصادية بعد حرب غزة.
وأوضح الملك أنه بسبب آثار الحرب فإن الاقتصاد الأردني بعد 7 أكتوبر 2023 لن يكون كما كان قبل ذلك.
كما أكد على أهمية التعاون والتنسيق بين القطاعات الإنتاجية كافة لمساعدة الاقتصاد الأردني على تجاوز هذا الكساد الاقتصادي المتوقع.
ولهذا توقع الخبراء الاقتصاديون الأردنيون أن تشهد المملكة الأردنية تراجعا في تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى الأردن، مما سيترك آثارا سلبية على النمو الاقتصادي في الأمدين القريب والبعيد، وحثوا الحكومة على اتخاذ تدابير وقائية للتعامل مع الوضع بشكل سريع.
وقد توقع الكاتب الأردني المختص بالشأن الاقتصادي حيدر المجالي في مقال له بصحيفة "جوردان تايمز" نشرت في 17 ديسمبر 2023، بتأثر قطاع الاستثمار والأعمال بشكل كبير بسبب العدوان على غزة.
وقال المجالي: "ستتأثر مدخلات عمليات الاستثمار والإنتاج بسبب ارتفاع التكاليف وأسعار الطاقة والتأثير على خطوط الإنتاج والصادرات وغيرها من المؤشرات السلبية".
وأضاف: “قد يؤدي هذا إلى أن تصبح الصناعات الأردنية غير قادرة على المنافسة ومكلفة، وأن يقود إلى خلق بيئة استثمارية طاردة”.
ويعتقد أن هذا من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى خفض مساهمة القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي من 25 بالمئة إلى 17 بالمئة.
لكن هذه القراءة للواقع الاقتصادي للأردن، سبقها مؤشرات على واقع معيشي صعب يعاني منه المواطن الأردني بالأساس، قبل إثارة البعض المخاوف من ضرورة حماية الاستثمارات الأجنبية من الهروب.
إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة الباروميتر العربي في يوليو/تموز 2022 أن 63 بالمئة من الأردنيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما يفكرون في الهجرة بسبب المصاعب الاقتصادية.
أسباب ذاتية
ومع ذلك، يمكن القول إن العدوان على قطاع غزة أدى إلى زيادة الضغوط على الحكومة الأردنية، وهو ما ظهر جليا في الانخفاض الكبير بالسياحة خلال خريف عام 2023، مما ألحق المزيد من الضرر بالاقتصاد الضعيف.
لكن في المقابل، ما يزال الأردن يتلقى تمويلات مالية دولية ومساعدات من بعض الدول على رأسها الولايات المتحدة.
فقد أعلن البنك الدولي مطلع يوليو 2024 أنه سيقدم تمويلا على شكل قروض بقيمة 700 مليون دولار لبرنامجين جديدين في الأردن بهدف تعزيز الاستثمار في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية.
وأوضح في بيان أن البرنامجين يستهدفان "تدعيم رأس المال البشري في الأردن، من خلال استثمارات مستهدفة في مجالات التعليم والصحة والمساعدات الاجتماعية، فضلا عن تعزيز قدرة الأسر الأردنية على الصمود في وجه الصدمات".
ويجدر هنا التذكير بأن واشنطن تقدم للأردن الذي يعاني من ضائقة مالية حوالي 1.5 مليار دولار في شكل مساعدات سنوية.
وأمام ذلك، يثير الوضع في الأردن العديد من الأسئلة حول سبب عجز عمّان عن إصلاح اقتصادها على الرغم من تلقيها مبالغ هائلة من المساعدات الخارجية - حوالي 3.5 مليارات دولار سنويا.
وبدلا من تنفيذ إصلاحات هيكلية لحل القضايا المالية والاقتصادية في الأردن، يلقي البعض في الداخل الأردني باللوم على الموارد المحدودة، والقدرة المالية المحدودة، والاضطرابات الإقليمية، ولكن هذه ليست سوى أعراض لضعف البنية الاقتصادية الأردنية.
وضمن هذا الإطار، قال الأكاديمي والخبير الاقتصادي الأردني مازن مرجي، لـ "الاستقلال": "إن تراجع الاستثمار في الأردن خلال الربع الأول من عام 2024 فيه ما هو متعلق بما جرى في غزة وأيضا بالتوتر في المنطقة.
وهو ما أثر على الاستثمار المباشر لكون رأس المال جبان، فهو يبحث عن استثمارات مربحة في مناطق آمنة إضافة إلى المنافسة بين الدول التي تقدم مزايا للمستثمرين.
وأضاف مرجي: “لذلك الاستثمارات تبحث عن توفر عناصر البيئة الاستثمارية وما يتعلق بالسوق، وعليه فإن الأردن كان يسوق نفسه سابقا قبل 15 عاما بأنه بوابة للشرق الأوسط وهذا الأمر انتهى منذ زمن”.
فلم يعد الأردن كذلك كون سوقه صغيرا وبالتالي تراجع الاستثمارات لم تبدأ اليوم ولكن منذ سنين طويلة.
وأردف: “الأردن مر في فترات ليس فيها نسب نمو مناسبة لجذب الاستثمارات الناجحة وخلق فرص عمل”.
وراح مرجي يقول: "لذلك الأردن بدأ يفقد الكثير من المزايا التي كان يتمتع بها عندما بدأ فيها منذ عام 1990 حينما صدر قانون تشيع الاستثمار".
وألمح إلى أن "الأردن تراخى منذ الأزمة العالمية عام 2008 ثم عندما جاءت أزمة كورونا مما أدى إلى هروب كثير من المستثمرين".
وتابع قائلا:"التراجع الحالي بنسبة 17 بالمئة في الربع الأول من عام 2024 يوازيه تراجع في الاستثمار العالمي وبالتالي رغم النسق العام، هناك مشاكل تتعلق بالسوق الأردنية وقدرة الحكومة على تحفيز الاستثمار من خلال توفير بيئة وفرص استثمارية مناسبة".
وذهب مرجي للقول: “مع تراجع الاستثمار في الأردن والذي يحلو للحكومة أن تربطه بأزمات المنطقة فإن هذه الأزمات لن تنتهي ولذلك ينبغي على الأردن أن يعالج الأسباب الذاتية لتراجع الاستثمار والعمل على المحافظة على إبقاء المستثمرين في هذا البلد”.
بل على العكس هناك حتى فقدان للمستثمرين من الأردنيين وخاصة أن الحوافز وحدها لا تكفي بل هناك أمور تتعلق بوجود البيروقراطية وعدم نجاح فكرة النافذة الاستثمارية الواحدة التي لم يتم تطبيقها ما يعني حدوث مزيد من تراجع الاستثمار.
وأمام ذلك، يطالب الخبراء الحكومة الأردنية بتبني سياسات اقتصادية جريئة واتخاذ إجراءات تحفيزية للتغلب على تحديات الحرب وما بعدها لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وحماية قطاعات الدولة المختلفة، والتي تشمل حماية الاستثمارات الأجنبية في هذا البلد.
إذ ارتفع إجمالي الدين العام للأردن إلى نحو 46.1 مليار دولار حتى نهاية أكتوبر 2023، ليشكل ما نسبته 89.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
" شماعة الأحداث"
وضمن هذه الجزئية، قال رئيس المنتدى الاقتصادي الأردني خير أبو صعيليك، إنه لا يمكن تعليق أي تباطؤ في العمل بالأردن على شماعة الأحداث الجيوسياسية في الإقليم.
وأضاف أبو صعيليك في محاضرة ألقاها في منتدى "مسارات" بحضور عدد من الاقتصاديين، في 22 أغسطس 2024 أن "الحرب الغاشمة في غزة كان لها تأثيرات سلبية واضحة على الاقتصاد الوطني الأردني، حيث تراجعت نسبة النمو إلى 2 بالمئة بعد أن اختتمت عام 2023 عند 2.6 بالمئة".
وأوضح أن "كلفة شحن البضائع في ميناء العقبة ارتفعت بنسبة 100 بالمئة نتيجة اضطراب حركة الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع الدخل السياحي وانخفاض الاستهلاك وانحراف الإيرادات العامة للنصف الأول من عام 2024 بمقدار لا يقل عن نصف مليار دينار عن الإيراد المقدر في الموازنة العامة".
ودعا أبو صعيليك الى "إجراء تعديلات على البرنامج التنفيذي للأعوام 2023-2025 تأخذ في الحسبان الإجراءات اللازمة لتجاوز الآثار الاقتصادية لحرب غزة، من بينها التيسير الكمي وتعزيز قدرة القطاع السياحي، خاصة الفنادق التي تراجع دخلها في النصف الأول من عام 2024 بنسبة 26.2 بالمئة".
كما دعا إلى "زيادة النمو الاقتصادي من خلال تعزيز الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية وتحسين الأهمية النسبية لصافي الصادرات لتكون قادرة على إنتاج سلع وخدمات قابلة للتصدير".
ومن المعروف أن الاستثمار الأجنبي المباشر يسهم في تغطية عجز الحساب في ميزان المدفوعات للدولة، ويعد الركن الأساس لتعزيز النمو.
ولهذا، هناك من يتوقع أن يتحسن تدفق الاستثمار الأجنبي للأردن مع توجه الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية العالمية لخفض أسعار الفائدة؛ بهدف تحفيز النمو، وتنشيط الأسواق.
لكن ما هو مهم في هذه المرحلة هو "مواصلة المجتمع الدولي دعم للأردن في مواجهة التحديات الاقتصادية، مثل المنح الخارجية والقروض والتسهيلات المالية وتقديم المساعدات"، كما يقول المختص بالشأن الاقتصادي حيدر المجالي في مقال بصحيفة “جوردان تايمز”.
وقد تمكن الأردن من التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حول برنامج جديد للإصلاح المالي والنقدي بقيمة 1.2 مليار دولار يمتد لعام 2028.
وهذا ما دفع وزير المالية الأردني محمد العسعس للقول، خلال خطاب الموازنة العامة للسنة المالية 2024 أمام مجلس النواب، إن هذا “البرنامج يمثل قوة دعم كبيرة للأردن في هذه الظروف”.
كما "يقدم رسالة لا لبس فيها للمستثمرين حول منعة واستقرار الاقتصاد الأردني أمام الصدمات الخارجية، والمصداقية التي يتمتع بها في وفائه بالتزاماته، وجديته في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية"، وفق قوله.