خفر السواحل الليبي.. قوة مثيرة للجدل يساوم بها الدبيبة حلفاءه الأوروبيين

داود علي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

تعمل طرابلس تحت قيادة رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، على ترسيخ نفسها كلاعب رئيس في إدارة عملية الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط.

وخلال الفترة الأخيرة استضافت ليبيا سلسلة من الاجتماعات الدولية رفيعة المستوى، عرضت فيها قدراتها التشغيلية واستطاعتها التحكم في عمليات الهجرة غير الشرعية.

وفي إطار ذلك، استضافت طرابلس، في 17 يوليو/ تموز 2024، "منتدى الهجرة" برعاية ومبادرة من الدبيبة.

حيث شارك في المنتدى رئيس تشاد محمد إدريس ديبي، ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، ورئيس حكومة تونس أحمد الحشاني، ورئيس وزراء مالطا روبرت أبيلا.

وأعلن الدبيبة خلال المنتدى أن هدفه الحد من ظاهرة الهجرة غير النظامية عبر طرق مختلفة، في مقدمتها مراقبة الحدود، تحت شعار "حلول عملية بشراكات إستراتيجية".

لذلك صب جل اهتمامه على قوة "خفر السواحل"، التي ستكون بمثابة الذراع الأمني المتحكم في إدارة عملية السيطرة. 

ولا يغفل أن قوة "خفر السواحل" الليبية تحظى باهتمام بالغ حتى من قبل القوى الدولية المتعددة، وخاصة الاتحاد الأوروبي. 

فكيف سيتم تطوير سلاح خفر السواحل؟ وما هي المهام المنوطة به؟ وما هي التحديات التي يواجهها؟

قوة (GACS)

بالحديث عن المعلومات التفصيلية الرسمية حول خفر السواحل الليبي، فإنها قليلة ومحدودة. خاصة أنه في مرحلة ما قبل حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، كان خفر السواحل الليبي غير منظم ويرتبط بالفصائل والمليشيات الليبية.

وفي 27 يوليو 2019، تواصل موقع "مهاجر نيوز" الخاصة بشؤون المهاجرين، مع المفوضية الأوروبية للسؤال عن خفر السواحل الليبي.

وكان رد المفوضية بأنها لا تعرف عدد السفن والطائرات التي يمتلكها خفر السواحل الليبي ولا عدد الأفراد العاملين فيه. 

ويزيد من المسألة تعقيدا عدم وجود موقع رسمي لقوة "خفر السواحل" على شبكة الإنترنت فيما عدا حساب على موقع "إكس" متوقف منذ عام 2019.

لكن وفقا للوكالة الأوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية (فرونتكس)، تمتلك ليبيا حاليا قوتين لمهام خفر السواحل.

الأولى هي الإدارة العامة للأمن الساحلي (GACS)، والتي تنضوي تحت نطاق حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وهي المعترف بها دوليا.

الثانية خفر السواحل (LCG)، وهي جزء من الوحدات البحرية الليبية التابعة لمليشيات الجنرال الانقلابي المسيطر على شرق ليبيا خليفة حفتر المدعوم إماراتيا.

وفي 25 يوليو، نشرت مجلة "أفريكا إنتيليجنس" الفرنسية، أن خفر السواحل الليبي يرغب في إضفاء الطابع الرسمي على منطقة البحث والإنقاذ لقوارب المهاجرين حتى خارج حدود ليبيا، تحديدا من قبل السلطات التونسية. 

وحددت طرابلس بالفعل من جانب واحد المنطقة، والتي اعترف بها بموجب اتفاقية هامبورغ للبحث والإنقاذ لعام 1979، برعاية المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة.

وتمتد منطقة البحث والإنقاذ التي يغطيها خفر السواحل الليبي غرب طرابلس حاليا إلى المياه الإقليمية التونسية.

وتقوم سفن خفر السواحل الليبية بعمليات الإنقاذ وإعادة القوارب هناك بالتنسيق مع السلطات التونسية. 

إذ تأمل حكومة الدبيبة في الحصول على موافقة رسمية من تونس خلال الأشهر المقبلة، حتى تتمكن من تغطية هذه المنطقة البحرية دون الحاجة إلى إعلام تونس بهذا النوع من العمليات مسبقا.

وتعد مسألة المهاجرين قضية ساخنة في كل من تونس وليبيا، وأوضح رئيس الحكومة التونسية أحمد الحشاني خلال منتدى الهجرة، أن تونس لا تريد أن تكون دولة مضيفة للمهاجرين.

دور أوروبي 

وبحسب "أفريكا إنتيليجنس" لا يزال بإمكان حكومة الدبيبة الاعتماد على الاتحاد الأوروبي لدعمها في تعزيز عمليات خفر السواحل.

ومن المقرر أن تمنح حكومة الدبيبة هذا العام مقرا لمركز تنسيق الإنقاذ البحري على الواجهة البحرية لطرابلس. حيث إنها تدار حاليا من مكاتب في قاعدة أبو ستة البحرية في طرابلس. 

وتجدر الإشارة إلى أن إنشاء مركز تنسيق الإنقاذ البحري (الذي سيتعاون مع خفر السواحل الليبي)، كان جزءا أساسيا من برنامج الاتحاد الأوروبي المتكامل لدعم إدارة الحدود والهجرة في ليبيا.

والذي تشرف عليه وزارة الداخلية الإيطالية، وخصص 42 مليون يورو للبرنامج في مرحلته الأولى في عام 2017، تليها 16 مليون يورو أخرى في العام التالي.

لكن عضوة البرلمان الأوروبي أوزليم ديميريل أعربت في رسالتها إلى المجلس الأوروبي في يناير/ كانون الثاني 2024، عن قلقها إزاء افتقار هذا البرنامج إلى الشفافية المالية.

وبعد ثلاثة أشهر، رد المجلس بأنه لا يستطيع الوصول إلى هذه المعلومات.

ومع ذلك وفقا للقانون الدولي، لا يمكن إنزال المهاجرين المضبوطين في البحر إلا في مكان يعد آمنا.

لكن العديد من المنظمات غير الحكومية انتقدت الاعتقالات التعسفية والتعذيب والأعمال القسرية التي يتعرض لها المهاجرون الذين ينزلون في ليبيا.

ومع ذلك يعلم الدبيبة مدى أهمية قوة خفر السواحل لأوروبا، وأنها منذ سنوات وضعت إستراتيجية لتأهيلها. 

ففي 25 فبراير/ شباط 2021، أعلن قائد عملية "إيريني" فابيو أغوستيني أن الطريقة الأفضل لوقف الهجرة غير النظامية، تتم عبر المساعدة على تفكيك الشبكات التي تتاجر بالبشر، من خلال تدريب خفر السواحل الليبي.

وقال "أغوستيني" في تصريحات خاصة لموقع “يورو نيوز”، إن عملية إيريني الأوروبية (بدأت مطلع أبريل/ نيسان 2020)، تهدف لجعل الليبيين أكثر استقلالية للتعامل مع الأمور الأمنية في مياههم الإقليمية.

محورية إيطاليا

ومع ذلك لابد من الإشارة أن اهتمام أوروبا، تحديدا إيطاليا، بقوات "خفر السواحل الليبي، يعود إلى ما قبل ولاية الدبيبة (بدأت ولايته في 15 مارس/آذار 2021). 

وفي 27 يوليو 2019، نشر موقع "دويتشه فيله" الألماني، نقلا عن مصادر في الاتحاد الأوروبي، أن ما مجموعه 336 مليون يورو قد سلمت لخفر السواحل الليبي منذ عام 2014.

وذلك من خلال برامج تتعلق بالمهاجرين في ليبيا في إطار صندوق الاتحاد الأوروبي الائتماني لإفريقيا.

وذكرت المصادر أنه تم إنفاق 91.3 مليون يورو منها على تدريب وتجهيز خفر السواحل الليبي، من بين عدة أمور أخرى. 

وتم استثمار مبلغ 91.3 يورو في "الإدارة المتكاملة للحدود والهجرة" والتي تتضمن برنامجين، يتشارك كل منهما مناصفة في المبلغ الإجمالي. 

ويهدف البرنامج الأول، الذي تم تبنيه في يوليو 2017 ، إلى "تعزيز قدرات إدارة الحدود لدى السلطات الليبية" ، من بين أمور أخرى.

أما البرنامج الثاني، والذي تم تبنيه في ديسمبر 2018 وتنفذه وزارة الداخلية الإيطالية، فيشمل "دعم خفر السواحل الليبي، وبالأخص مركز تنسيق الإنقاذ البحري (MRCC)، وشراء وصيانة زوارق الدوريات".

حيث تقوم روما بتدريب وتجهيز وتمويل وتنسيق عمليات خفر السواحل الليبي بشكل مباشر بعد اتفاق عقد بين الحكومة الإيطالية (يسار الوسط في ذلك الوقت) مع ليبيا منذ فبراير 2017 بهدف إعادة السفن والمهاجرين إلى ليبيا. 

ونتج عن الصفقة خفض عدد المهاجرين الذين يصلون إلى الساحل الجنوبي لإيطاليا بشكل كبير. ومنذ ذلك الحين قامت سفن البحرية الإيطالية المتمركزة في طرابلس بتنسيق جهود خفر السواحل الليبي.

انتهاكات حقوقية 

ولا يغفل أن "خفر السواحل" الليبي متهم بانتهاكات واسعة فيما يخص حقوق الإنسان، خاصة تعمده إعاقة عمليات إنقاذ المهاجرين الذين تغرق مراكبهم في البحر المتوسط.

وهو ما حدث عندما اتهمت مؤسسة خيرية ألمانية، خفر سواحل ليبيا بتهديد أفراد طاقمها خلال محاولتهم إنقاذ مهاجرين في البحر، ما تسبب في غرق مهاجر منهم.

وفي 3 مارس 2024، أعلنت منظمة "أس أو أس هيومانيتي" الخيرية الألمانية، والتي تدير سفينة الإنقاذ "هيومانيتي1"، أن "خفر سواحل" طرابلس استخدم العنف وأطلق الرصاص الحي في الماء على الطاقم.

وذكرت المؤسسة أنها تمكنت بالفعل من إنقاذ 77 مهاجرا، لكن كثيرين آخرين أجبروا على الصعود على متن قارب تابع لخفر السواحل الليبي، ما أدى إلى فصل ستة أفراد عن عائلاتهم على الأقل.

وكذلك كشفت منظمة الإنقاذ الأوروبية "سي ووتش" في أكتوبر 2022، بأن خفر السواحل، هدد بإسقاط طائرتها المستخدمة لمراقبة البحر بحثا عن مهربين وقوارب مهاجرين.

ورغم تلك الانتهاكات، لكن ما يجعل اهتمام أوروبا بدعم خفر السواحل الليبي والعمل على توسيع نشاطه، هو إدراكهم أن "أمن طرابلس من أمن أوروبا" كما أورد موقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 21 يوليو 2024،

وذكر أن الدبيبة، انخرط منذ البداية بنشاط مع الشركاء الدوليين. فدعا شخصيات رئيسة مثل رئيس وزراء مالطا روبرت أبيلا وممثلين عن قيادة الولايات المتحدة في إفريقيا لمناقشة الجهود التعاونية والتدريب لخفر السواحل.

وأوضح أن دور ليبيا كنقطة انطلاق رئيسة للمهاجرين، وخاصة من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يتجلى في وجود ما يصل إلى 2.5 مليون أجنبي فيها. حيث دخل 70 إلى 80 بالمئة منهم بشكل غير قانوني، وفقا للشرطة الليبية.

بينما تقدر المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 706 آلاف مهاجر كانوا في ليبيا في بداية 2024، على الرغم من أن المسؤولين الليبيين يزعمون أن العدد الفعلي يتجاوز مليوني مهاجر.

ويعد تمركز عدد كبير من المهاجرين في طرابلس والشق الغربي من البلاد عموما، بمثابة عامل ضغط يستند إليه الدبيبة في تدعيم موقفه داخليا وخارجيا.

وفي 13 يوليو 2024 كشف تقرير للإذاعة الفرنسية الحكومية "RFI" عن ممارسة حكومة الدبيبة "لعبة مزدوجة" في تعاطيها مع ملف الهجرة.

وقال إن "الدبيبة يعمل على تحقيق منافع مادية وسياسية، حيث يشتكي من توافد أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين وفي نفس الوقت يطلب من الاتحاد الأوروبي ضخ المزيد من المال للاحتفاظ بهم".