خالدة ضياء بدلا من الشيخة حسينة.. هل تستبدل بنغلاديش ديكتاتورة بأخرى؟

12

طباعة

مشاركة

يقصد بكلمة "البيجوم"، السيدة المسلمة رفيعة المقام، وهو اللقب الذي تحمله "خالدة ضياء" رئيسة وزراء بنغلاديش السابقة، بينما غريمتها "حسينة"، تحمل لقب "الشيخة" الذي ارتبط بها بفرض أن عائلتها كلها قتلت في بنغلاديش في انقلاب عسكري.

لكن زعيمة المعارضة في بنغلاديش "البيجوم خالدة ضياء" وغريمتها السياسية "الشيخة حسينة واجد" تستند كلتاهما إلى موروث سياسي لم تصنعاه، بل تركه "الزوج" للأرملة في حالة "خالدة"، و"الأب" للابنة في حالة "حسينة".

ومن عجائب السياسة في بنغلاديش، رغم أنها دولة مسلمة، أن هاتين الامرأتين هما اللتان تديران عجلة السياسة في بلدهما منذ 33 عاما، بينما كلاهما متهم بالديكتاتورية والفساد، وإن كانت حالة "حسينة" أكثر من صارخة.

لذا لم يكن من المستغرب فور نجاح ثورة بنغلاديش وهروب الديكتاتورة حسينة واجد، وأمر رئيس بنغلاديش محمد شهاب الدين، 5 أغسطس 2024 بالإفراج عن خالدة ضياء، بعد 6 سنوات في السجن، أن يتم طرح أسمها بدل "الشيخة حسينة".

أما لماذا يشجع الجيش البنغالي عودة "خالدة" للحكم فيرجع لأمرين: الأول صراع الجيش مع غريمتها حسينة، التي أعدمت ضباطا لانقلابهم على أبيها مؤسس بنغلاديش، والثاني أنها معادية للهند التي كانت تتحكم في نظام حكم "حسينة" ولها نفوذ واضح في البلاد أزعج الجيش.

لماذا خالدة ضياء؟

فور نجاح الثورة، أصدر مكتب الرئيس البنغالي بيانا أكد أن اجتماعاً (مع الجيش وأحزاب) برئاسة "شهاب الدين: قرر بالإجماع الإفراج فوراً عن رئيسة الحزب الوطني البنغلادشي خالدة ضياء"، في مؤشر قوي على عودتها للحكم.

قرار إطلاق سراح خالدة اتخذه اجتماع ضم الرئيس وقائد الجيش واكر الزمان، ورؤساء القوات البحرية والجوية، وكبار قادة أحزاب المعارضة، بما في ذلك الحزب الوطني البنغالي والجماعة الإسلامية.

"خالدة ضياء الرحمن" هي أرملة "ضياء الرحمن"، الضابط والرئيس السابق لبنغلاديش، الذي اغتيل في انقلاب تم عام 1981.

وقد تولت زعامة حزب زوجها (الديمقراطي البنغالي)، وانتخبت لرئاسة وزراء بنغلاديش فترتين: من 1991م حتى 1996م، ثم من 2001م حتى 2006.

وبذلك كانت أول امرأة في تاريخ البلاد تتقلد هذا المنصب، وثاني امرأة مسلمة في العالم تتولى منصب رئاسة حكومة ديمقراطية بعد بينظير بوتو في باكستان.

كانت بدايتها السياسية القوية في عام 1991 حين هزم حزبها (الحزب الوطني البنغالي) حزب "عوامي" بزعامة حسينة، التي رفضت النتيجة وقالت إنها "غير نزيهة".

وفي عام 1996 تولت "خالدة" رئاسة الوزراء لولاية ثانية، ولكنها استقالت بعد شهر بسبب إضرابات واحتجاجات عمت البلاد بسبب الفساد والقمع، لتدخل الشيخة حسينة إلى المشهد بقوة وتستلم منصب رئيسة الوزراء في انتخابات جديدة.

وحاولت خالدة العودة للحكم حين شكل الحزب الوطني عام 1999 تحالفا معارضا من 4 أحزاب وفاز حزبها بثلثي مقاعد البرلمان في الانتخابات التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول 2001، ليعاد انتخابها رئيسة للوزراء عام 2001 حتى 2006.

وقد حكم على خالدة عام 2018 بالسجن 17 عاما بتهمة الفساد، وسجنت عامين قبل إطلاق سراحها تحت قيود شديدة، ثم تدهورت صحتها في أبريل/نيسان 2019، وأصيبت بتليف الكبد المتقدم والسكري ومشاكل في القلب.

ورفضت رئيسة الوزراء الشيخة حسنية عام 2023 طلب أسرة خالدة السماح لها بالسفر إلى ألمانيا لإجراء عملية لزراعة الكبد.

ومع أنه وجهت لها اتهامات بالديكتاتورية لقمعها قوي سياسية كما دخلت السجن بتهم فساد واختلاس أموال، قيل إنها كانت مخصصة لجمعيات خيرية، يبدو أن السلطة تقترب منها مجددا، لتستبدل بنغلاديش ديكتاتورة بآخري. 

أما السبب، بخلاف هروب غريمتها وخلو الساحة لها، فهو أن حزب خالدة ضياء، مؤيد للجيش، وهي فرصة ربما يراها الجنرالات مناسبة للسيطرة على رئيسة الوزراء الجديدة والحكم من خلالها سواء هي أو نجلها الأكبر لو تنحت بسبب مرضها.

فخلال فترة حكمها لم تختلف خالدة ضياء عن حسينة في الممارسات الديكتاتورية وسجنت معارضين كما وجهت لها اتهامات بالفساد.

الجماعة الإسلامية

يبدو أن إصرار الجيش على عودة خالدة وحزبها للحكم، بعد هروب حسينة له صلة بمحاولات تحجيم ومنع الجماعة الإسلامية التي تعتنق فكر جماعة الإخوان المسلمين، من تولي الحكم، إذ إنها ثالث قوة سياسية، في بنغلاديش وأصبحت الثانية بعد انتهاء حكم حسينة وحزبها "عوامي".

وهناك تقديرات سياسية البنغالية تشير إلى أن مبادرة الجيش والرئيس بإطلاق سراح خالدة ضياء هو "مؤشر قوي" على عودتها للحكم و"رغبة الجيش في أن تحكم هي أو يحكم هو من خلالها".

فبعد هروب حسينة، بات الحزب الوطني البنغلاديش وزعيمته خالدة ضياء هو المرشح الأبرز لتولي الحكومة حال إجراء انتخابات جديدة، ويليه في الشعبية حزب الجماعة الاسلامية الذي سبق أن شارك معها الحكم في حكومة سابقة.

لكن معاناة خالدة ضياء من مشاكل صحية، تقيد حركتها بعد إطلاق سراحها، ربما يؤثر على عودتها لوهج ومقعد السلطة، حيث ظهرت بعد إطلاق سراحها وهي على كرسي متحرك.

وهناك تقديرات ترشح ابنها "طارق الرحمن"، الذي يعد خليفتها المحتمل، ليقود الحزب الوطني البنغالي في الحكم، لكنه يعيش في المنفى في المملكة المتحدة منذ 2008، وهو متهم في قضايا فساد.

وفور إطلاق سراحها قال البنغاليون إن ظهورها بكثافة في وسائل الإعلام يشير لتجهيزها للحكم.

أكدوا أن حرص قادة الجيش على الظهور المكثف مع الرئيس البنغالي والإيعاز له بإطلاق سراح "ضياء" ربما جاء لتفويت الفرصة على صعود الإسلاميين من حزب الجماعة الإسلامية للسلطة.

وأشاروا إلى أن قيام الولايات المتحدة بالترحيب بدور الجيش في ركل رئيسة الوزراء الشيخة حسينة وتوليه السلطة مؤقتا، ربما يشير ايضا لتنسيق بين الجيش وأميركا للمجيء بخالدة ضياء ودعمها، لتفويت الفرصة على حزب الجماعة الإسلامية.

حيث أشادت الحكومة الأميركية 5 أغسطس/آب 2024 بجيش بنجلاديش على "ضبط النفس" وحثت على تشكيل حكومة مؤقتة بطريقة ديمقراطية بعد استقالة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة.

وتقول صحيفة "هندوستان تايمز" 5 أغسطس/آب 2024 إن هناك خمسة مرشحين محتملين كخلفاء للشيخة الهاربة "حسينة" أبرزهم خالدة ضياء، وشفيق الرحمن، أمير الجماعة الإسلامية في بنغلاديش. 

وتضيف لهما "طارق رحمن" الابن الأكبر للرئيس السابق ضياء الرحمن ورئيسة الوزراء خالدة ضياء، وهو رئيس الحزب الوطني البنغالي  بالإنابة. 

"جي إم كوادر": رئيس حزب جاتيا، الذي يشغل حاليًا منصب زعيم المعارضة في برلمان بنغلاديش، وشغل سابقًا منصبي وزير التجارة ووزير الطيران المدني والسياحة من عام 2009 إلى عام 2014، و"سجيب وازد" الابن الأكبر للشيخة حسينة، رغم أن فرصه ضعيفة.

وأصدر الدكتور شفيق الرحمن بيانا يهنئ فيه الشعب "بتحرير البلاد والعباد من قبضة الحكومة الدكتاتورية" ويدعوهم إلى "الحفاظ على الأمن والنظام في البلاد".

أمير الجماعة الإسلامية شكر الله عز وجل في بيان أدلى به يوم 5 أغسطس "على تحرير البلاد والعباد من يد الدكتاتور مقابل دماء مئات الشهداء".

شكر الطلاب والمعلمين والمثقفين والصحفيين والمحامين والشعراء والكتاب والمجتمع المدني وأفرادا من مختلف المهن والأحزاب السياسية "على الدور الفريد الذي لعبوه في إنجاح هذه الحركة (الثورة).

ودعا قادة ونشطاء الجماعة الإسلامية البنغالية على جميع المستويات، الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور والأحزاب السياسية والناس على جميع المستويات إلى التعامل مع الوضع بصبر وجلد، "مع توخي الحذر بشأن أمن أماكن العبادة والمنازل والممتلكات الخاصة بأتباع الديانات المختلفة".

وقد ظهر طلاب المدارس الدينية وهم يحرسون المعابد الهندوسية حتى لا يهاجمه مشبوهون يحاولون حرف الثورة عن مسارها خاصة عملاء الهند الذين تم ضبط كثير منهم يرتدي زي الجيش البنغالي.

نفوذ الهند

فور طرح اسم خالدة ضياء لتقود بنغلاديش مجددا، بعد هرب حسينة صديقة الهند، أثارت نيودلهي ضجة كبيرة مفتعلة، محذرة من تدهور العلاقات بين البلدين، ونشرت اللجان الهندية وحزب بهاراتيا الهندوسي المتطرف أكاذيب عن استهداف المعابد الهندوسية رغم ظهور أعضاء الجماعة الإسلامية وهم يحمونها.

وقد رد الدكتور جوبيندا برامانيك، الأمين العام، للحزب الوطني الهندوسي في بنغلاديش، نافيا أكاذيب الهند عن اعتداء المسلمين أو أنصار المعارضة (الحزب الوطني والجماعة الإسلامية) على المعابد الهندوسية.

أكد أن "زعماء الحزب الوطني البنغالي والجماعة الإسلامية أصدروا تعليمات إلى مسؤوليهم بضمان عدم مهاجمة منازل الهندوس وحماية المعابد، ولم تقع أي حادثة هجوم على المعابد والهندوس".

ويبدو أن الحملة الهندية ضد بنغلاديش لها علاقة بخسارة نيودلهي نفوذها هناك الذي كانت تؤمنه لها الهاربة "حسينة"، ومحاولة ابعاد خالدة ضياء عن الحكم لأن العلاقات بين بنجلاديش والهند كانت متوترة تحت حكمها السابق.

 فخلال فترة حكمها زعمت الهند أنها واجهت تحديات تتعلق بـ "الإرهاب عبر الحدود"، في إشارة لدعم بنغلاديش المعارضة الهندية المسلمة عبر الحدود.

وفي تقريرها السنوي لعامي 2004 و2005، خلال حكم خالدة، أعربت وزارة الداخلية الهندية عن قلقها إزاء "أنشطة الجماعات الإرهابية التي تعمل انطلاقاً من "أراضي بنجلاديش". 

ويقول محللون هنود إن الهند في طريقها إلى خسارة بنغلاديش، لأن الثورة في بنغلاديش ليست ضد نظام حسينة واجد فقط، بل ضد حليفها الرئيس كذلك وهو النظام الهندوسي في الهند ويخشون أن يزيد هذا من تقارب بنغلاديش مع باكستان على حساب الهند.

وقد كشفت صحيفتا "هندوستان تايمز" و"بيزنس توداي" الهنديتان، يوم 6 أغسطس/آب 2024 أن الهند حذرت رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة من المخاطر المحتملة حال تعيين الجنرال واكر الزمان قائدا للجيش في يونيو/حزيران 2023.

وأشارتا إلى أن القرار السريع الذي اتخذه الجيش بالإفراج عن زعيمة المعارضة خالدة ضياء من الحزب الوطني البنغالي، يشير إلى عودتها للحكم وخسارة الهند نفوذها هناك.

كما أن الجماعات الإسلامية، "قد تكون على استعداد للعب دور أكثر نفوذاً في السياسة في البلاد في المستقبل"، وفق التقرير.

وقد توقع تقرير لشبكة التلفزيون الهندية "سي إن إن نيوز 18" يوم 6 أغسطس/آب 2024 أن تنشب أزمة في بنجلاديش مع الهند وأشارت إلى "مخاوف كبيرة في الهند" حال تولت خالدة ضياء أو حزب الجماعة الإسلامية السلطة.

تساءل: هل يواصل النظام الجديد سياسة الشيخة حسينة في الحفاظ على الهند والتعاون مع نيودلهي على الجبهة الإستراتيجية والأمنية الأوسع؟

وأجاب الموقع "إن التاريخ يخبرنا أن الزعماء والحزب الذي يوشك على تولي السلطة في بنجلاديش لديهم سجل مشوه، شوهه دعمهم لعناصر معادية للهند، وربما يعود أحد هؤلاء الزعماء إلى الساحة السياسية السائدة في بنجلاديش"، في إشارة لخالدة ضياء.

ورأى الموقع الهندي، أن "عودة خالدة ضياء إلى الساحة السياسية في بنجلاديش ليست علامة إيجابية مستقبلا بالنسبة للهند، ففي عهد ضياء، من عام 1991 إلى عام 1996، ثم من عام 2002 إلى عام 2006، نشطت حركات التمرد في شمال شرق الهند"، بفعل دعم بنغلاديش لقوى انفصالية إسلامية.

وقد زعمت مصادر استخباراتية هندية بارزة، في تقرير آخر لشبكة التلفزيون الهندية "سي إن إن نيوز 18" 5 أغسطس 2024 أن هناك "مؤامرة من قبل المخابرات الباكستانية لإزاحة الشيخة حسينة في ظل سعي باكستان لتشكيل حكومة معادية للهند في بنغلاديش".

قالت إن "المخابرات الباكستانية كانت تشعر بأن حكومة رابطة عوامي مدعومة من الهند ويجب إزالتها"، لذا "استخدمت الطلاب لخلق التوتر في بنغلاديش حيث تريد تأسيس حكومة معادية للهند من خلال إزاحة الشيخة حسينة".

أيضا أزعج نيودلهي فك حصار السلطة عن حزب الجماعة الإسلامية وعودته لممارسة نشاطه بقوة وفتح مقاره عقب انهيار حكم الشيخة حسينة وهروبها، خاصة أن الجماعة الإسلامية تدعم حركات إسلامية هندية تكافح البطش الهندوسي عبر حدود البلدين.

وقد أحرق متظاهرون المركز الثقافي الهندي في العاصمة دكا، ونشرت فيديوهات لقوات هندية تغادر بنغلاديش على عجل وشائعات غير معروفة صحتها عن اعتقال عملاء للمخابرات الهندية في بنغلاديش، والسبب هو دعم الهند للدكتاتورة حسينة.

ثورة أم انقلاب؟

فور انتصار ثورة بنغلاديش وهروب الشيخة حسينة للهند، دارت نفس التساؤلات التي أصبحت تثار علنا في مصر بعد ثورتها عام 2011 التي أجهضها الجيش عام 2013 بانقلاب عسكري، وهي: هل ما جرى ثورة أم انقلاب؟

سبب السؤال تأكيد صحف هندية أن قائد الجيش هو الذي أجبر رئيسة الوزراء على الهرب من البلاد وجهز لها طائرة عسكرية، وأن ما جرى كان انقلابا لإحضار خالدة ضياء القريبة من الجيش والمعادية في الوقت نفسه للهند.

وقد وصفت "شويتا شاليني"، المتحدث الرسمي باسم حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي المتطرف الحاكم في الهند، عبر منصة "أكس" (تويتر) ما جرى بأنه انقلاب.

حيث زعمت أن ما حدث كان "مجرد احتجاجات طلابية اتخذ شكل انقلاب عسكري"، و"الانقلاب العسكري يأمر بالإفراج عن خالدة ضياء فورًا مع تغيير الحكومة".

وزعمت أن الهندوس في بنغلاديش، وعددهم 7 بالمئة، "يتعرضون لتهديد واضح".

أيضا بدأت حسابات هندوسية هندية تقول إن ما جرى ضد الشيخة حسينة كان مؤامرة ضد الهند من قبل قوى أجنبية، بحجة أن "خالدة ضياء معادية للهند دائمًا".