مزايدة وابتزاز.. ماذا وراء مطالبة الصدر بإطلاق سراح مسلحيه من السجون؟
أثار مطلب زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، من حكومة الإطار التنسيقي الشيعي، برئاسة محمد شياع السوداني، بالإفراج عن معتقلي "جيش المهدي"، تساؤلات عدة عن توقيت هذه الدعوة، خصوصا أن الصدريين كانت لديهم أغلبية برلمانية، ونفوذ في الحكومة السابقة.
و"جيش المهدي" مليشيا مسلحة شكلها مقتدى الصدر عام 2003، لمحاربة القوات الأميركية في العراق، لكنه اتهم بعدها بممارسة عمليات اختطاف وقتل آلاف العراقيين السُنة، أثناء المواجهات الطائفية التي شهدتها البلاد، والتي بلغت ذروتها عامي 2006 و2007.
وبدعم أميركي، شنت حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، حملة عسكرية واسعة ضد "جيش المهدي" عام 2008، وخصوصا في البصرة ومحافظات جنوبية أخرى سميت "صولة الفرسان"، قتل واعتقل فيها المئات من الصدريين خلال مواجهات استمرت لأسابيع عدة.
توقيت لافت
رغم أن التيار الصدري كان يمتلك أغلبية برلمانية في دورتين بين عامي 2018 إلى 2022، ونفوذه بحكومة مصطفى الكاظمي (2020 إلى 2022)، والتي كانت توصف بـ"الصدرية"، لكن الصدر لم يطالب بالإفراج عن معتقلي "جيش المهدي"، إلا في ظل حكم خصومه بالإطار التنسيقي.
وكتب الصدر خلال تدوينة له على منصة "إكس" في 25 يناير/ كانون الثاني 2024، قائلا: "مع قرب يوم استشهاد الإمام موسى بن جعفر (حفيد علي بن أبي طالب)، أجد من المصلحة المطالبة بالإفراج عن سجناء ما يسمونه بـ(التيار الصدري)".
وصنف الصدر سجناء التيار بالقول: "هو إما سجين مقاوم، والسلطة الحالية تدّعي دعمها للمقاومة فلا داعي لبقائه في السجن، وإما بريء فهي تدّعي العدل ولا داعي لاستمرار بقائه في السجن، وإما مذنب فهو قد أخذ قسطاً من السجن ليس بقليل".
وأردف: "فإذا تعهّد خطيا بعدم تكرار ذنبه فالإفراج عنه متعيّن، وسنعينه على التوبة. لتكن أقرب جمعة لاستشهاد الإمام موسى الكاظم، جمعة للمطالبة بالإفراج عن السجناء".
— مقتدى السيد محمد الصدر (@Mu_AlSadr) January 25, 2024
وبعد هذه الدعوة بيومين، طالب عضو مجلس النواب، كامل العكيلي، القريب من التيار الصدري، رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بإصدار عفو عن معتقلي "جيش المهدي".
وقال العكيلي، في خطاب موجه للسوداني: "نثمن جهودكم المبذولة لخدمة عراقنا الحبيب، آملين تفضلكم بالموافقة والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لإصدار عفو عن معتقلي جيش الإمام المهدي، كونهم قد قاوموا المحتل (الأميركي) وعملياتهم البطولية كانت لإخراج القوات المحتلة للحصول على السيادة الكاملة".
ومع مرور أيام على مطالبة زعيم التيار الصدري بالإفراج عن معتقلي "جيش المهدي"، لكن الحكومة العراقية، وقوى الإطار التنسيقي الشيعي لم تعلق عليها بأي تصريح حتى نهاية يناير.
لكن المحلل السياسي هاشم الكندي المقرب من الإطار التنسيقي، قال خلال مقابلة تلفزيونية في 28 يناير، إن “الموضوع يتعلق بالقضاء فهؤلاء صدرت بحقهم أحكام لأفعال ارتكبوها، ولا علاقة للحكومة أو قوى الإطار به، وإن موضوع العفو الخاص يصدر بمرسوم عن رئيس الجمهورية حصرا”.
أسباب متعددة
وبخصوص أسباب توقيت مطلب الصدر بالإفراج عن معتقلي "جيش المهدي"، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، علي المساري، إن "هذه الخطوة يفسرها البعض بأنها إحدى خطوات العودة التدريجية للتيار الصدري إلى المشهد السياسي. لكن حتى الآن لا يوجد رد على مطلبه".
في انتخابات عام 2021، فازت كتلة التيار الصدري بالمرتبة الأولى، لكنها استقالت في يونيو 2022 بعدما أخفقت في تشكيل حكومة أغلبية سياسية بعيدة عن الإطار التنسيقي، ثم أعلن زعيم التيار مقتدى الصدر "الاعتزال نهائيا" من العملية السياسية في 29 أغسطس من العام نفسه.
وأوضح المساري لـ"الاستقلال" أن "الصدر قد يكون يستغل مطالبة السوداني وقوى الإطار التنسيقي بإجلاء القوات الأميركية من العراق، وبالتالي يريد إحراجهم ويحقق شيئا لأتباعه المسجونين، خصوصا أنه وصفهم بالمقاومين".
وأكد الباحث أن "المطلب لا يخلو أيضا من ضغط داخلي يتعلق بإسكات الأصوات التي تطالب الصدر بالإفراج عن ذويهم، لأن أهالي المسجونين يوصلون لزعيم التيار طلبات بهذا الخصوص".
وأضاف المساري، أن "مطلب زعيم التيار الصدري في الوقت الحالي، بالإمكان تفسيره أيضا بأنه مزايدة على جمهوره من الصدريين، وابتزاز لخصومه من قوى الإطار التنسيقي الشيعي".
ولفت إلى أن "المطلب ربما يراد به جس نبض حكومة الإطار التنسيقي، فإذا أفرج عن مجموعة محاكمة من الصدريين، فإنه قد يفتح بابا لعودة الصدر إلى العملية السياسة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي من المقرر إجراؤها في عام 2025".
ثلاث ابواب لعودة الـصـدر
الاولى: التوافق، وقد اغلقها سابقا ولن يعود منها.
الثانية: الاحتجاج، يحتاج إلى مشروع استراتيجي ونخبة وطنية وجماهير واعية لفتحها ولن يفتحها بمفرده.
الثالثة: المقاومة، وهي الأقرب له خصوصا بعد تحريك ملف جيش المهدي.
عودة الـصـدر مهمة ..#معارضون— د. صلاح العرباوي (@SalahAlarbawi) January 27, 2024
من جهته، علق السياسي العراقي، صلاح العرباوي، على مطلب زعيم التيار الصدري، عبر منصة "إكس" في 27 يناير، قائلا: ثلاثة أبواب لعودة الصدر، وواحدة منها والأقرب له هي "المقاومة"، خصوصا بعد تحريك ملف "جيش المهدي".
وعلى الصعيد ذاته، كتب الناشط العراقي، علاء الأسدي، عبر حسابه بمنصة "إكس"، قائلا: "لأنهم (معتقلي جيش المهدي) لم يبيعوا عقيدتهم وينشقوا عن قائدهم (الصدر) وبقوا أوفياء لذلك هم في السجون، ولو كانوا من المنشقين لتم الإفراج عنهم".
لأنهم لم يبيعوا عقيدنهم وينشقوا عن قائدهم بقوا اوفياء لذلك هم في السجون لو كانوا من المنشقين لتم الإفراج عنهم #افرجوا_عن_سجناء_التيار_الصدري
— علاء أبوزيدان الاسدي (@AlaaAbzidan1) January 25, 2024
“اختبار صدري”
وعن أسباب عدم مطالبة الصدر في وقت سابق بالإفراج عن معتقليه خصوصا أنه كان يمتلك الأغلبية البرلمانية، قال عضو التيار الصدري عصام حسين، إن "التيار عندما كانت له كتلة سائرون 54 نائبا في الدورة البرلمانية (2018 إلى 2021)، قوى الإطار رفضت إصدار عفو عن المعتقلين".
وأضاف حسين خلال مقابلة تلفزيونية في 28 يناير، أنه "بعدها عندما كان التيار يمتلك الأغلبية أيضا- قبل استقالة نوابه في يونيو 2022- لم يستطع إصدار قانون العفو لأنه يتطلب اتفاقات وليس مساومات سياسية، رغم أنه كانت من أولويات التيار الصدري إقرار هذا القانون".
ولفت إلى أن "التيار الصدري كان لديه لجان داخلية شكلها مقتدى الصدر بنفسه من عدد من المحامين، وتمكنت من إطلاق سراح المئات من المعتقلين، لكن بقيت حاليا مجموعة هم من صدرت بحقهم أحكام بالسجن المؤبد من 15 إلى 25 عاما، لاستهدافهم القوات الأمنية".
وأوضح أن "الإطار التنسيقي ينتظر موافقة الجانب الأميركي لإطلاق سراح معتقلي التيار الصدري، لأن الصدر يريد الإفراج عن مقاومي قوات الاحتلال الأميركي حصرا، وهؤلاء كبدوا الأخير خسائر جسيمة".
وتابع: "من يدير الحكم اليوم (الإطار التنسيقي) يقول نحن حكومة شيعية وأبناء التيار الصدري المعتقلون هم من الشيعة، فعليهم الإفراج عنهم وإثبات أنهم بالفعل ليسوا غير ذلك".
وأشار إلى أن "الإطار التنسيقي أراد منح التيار الصدري قبل مدة (لم يكشف تاريخها) إدارة محافظتي النجف وميسان، لكن الصدر رفضها، وهو اليوم يتقدم بهذا الطلب للإفراج عن المعتقلين، وأن الإطاريين قادرون على إنتاج قانون للعفو في البرلمان، لذلك يريد أن يختبرهم".
ورجح حسين أن "يكون عدد معتقلي التيار الصدري حاليا بالمئات، وأن أغلبهم جرى اعتقاله عام 2008، لذلك الصدر يطلب بالإفراج فقط عن البريئين من الاقتتال الطائفي، كونه شكّل لجانا داخلية، ولم يدافع سوى عن المقاومين للاحتلال الأميركي".
وبعد الانسحاب الأميركي من العراق أواخر عام 2011، تسلمت السلطات العراقية المئات من أتباع مقتدى الصدري ممن كانوا أفرادا في مليشيا "جيش المهدي"، وما زال الكثير منهم في تلك السجون، فيما أفرج عن بعضهم خلال السنوات الماضية.
منذ سنوات يطالب المعتقلون الصدريون بالإفراج عنهم، بداعي أن نشاطهم كان لمواجهة المحتل الأميركي بعد عام 2003، فيما كان الصدر ينأى بنفسه عن تبني المطالبة بإطلاق سراحهم لاتهامات تلاحقهم بانخراطهم في الاقتتال الطائفي، وهي تهمة ملاصقة لـ"جيش المهدي" حتى اليوم.