إطالة العدوان.. هذه مخططات شركة "فوغبو" الأميركية لبناء رصيف غزة
"الميناء قد يدفع القوات الإسرائيلية للبقاء في غزة على نحو دائم"
منذ إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عزمه إنشاء رصيف بحري على ساحل قطاع غزة ليكون منفذا لنقل المساعدات الدولية للسكان المحاصرين هناك، بدا واضحا أن مؤسسة دولية ستتولى مهمة تشغيل الميناء وجمع تمويلاته من الدول.
وخطة إنشاء ميناء مؤقت الذي أوعز بايدن للجيش الأميركي في 7 مارس 2024، بتنفيذه على ساحل غزة، لن تموله الولايات المتحدة، بل حثت شركاءها وحلفاءها على تقديم الإسهامات المالية لإنجاز المشروع والإسراع بجلب كميات كبيرة من المساعدات إلى شاطئ غزة.
تخطيط فوغبو
وستتولى التخطيط التجاري للميناء العائم شركة فوغبو (Fogbow) الأميركية، وهي شركة استشارية تضم مسؤولين سابقين في الحكومة الأميركية من وزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية، بالإضافة إلى مسؤولين سابقين في الأمم المتحدة.
و"فوغبو" ستتولى تسليم المساعدات في غزة من خلال الممر البحري الجديد حيث ستلعب دورا رئيسا في جهود تأمين السفن والتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية والأمم المتحدة وقطاعات من سكان قطاع غزة على الأرض.
وسيسمح المشروع بتسليم نحو 200 حاوية مساعدات تعادل حمولة شاحنة إلى غزة يوميا، وسيكون ذلك أقل من حمولة 500 شاحنة من المساعدات التي تم تسليمها يوميا إلى غزة قبل بدء العدوان في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي خلّف أكثر من 33 ألف شهيد وبات 2.3 مليون فلسطيني هناك على شفا المجاعة.
كما ستشمل تلك الشحنات إلى الميناء المؤقت، أكثر من مليوني وجبة ومياه وملاجئ مؤقتة وأدوية.
وتنشغل “فوغبو” للخدمات اللوجستية، هذه الأيام في تأمين التكلفة المالية من الدول حتى تبصر الخطة النور، ولا تلقي بالا في هذه المرحلة للتعقيدات المتعلقة بتوصيل المساعدات داخل غزة، فهي ليست من مهمتها والتي لم تحسم بعد من هي الجهات التي ستتولى إدارة عملية توزيع المساعدات لأهالي غزة.
وحسب ثلاثة مصادر تحدثوا لوكالة “رويترز” البريطانية، فإن التكلفة المتوقعة للمشروع البحري التجاري تبلغ نحو 200 مليون دولار لمدة ستة أشهر، وقدر أحد المصادر التكلفة بنحو 30 مليون دولار شهريا.
ويقول مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، في تقرير له مطلع يناير/ كانون الثاني 2024، إن "جميع سكان قطاع غزة جائعون، أي 2.2 مليون إنسان، وتمر عليهم أيام وليال دون أن يتناولوا أي طعام تقريبا".
وأضاف أن "البحث اليائس عن طعام لا يتوقف للحظة، لكنه في معظم الأحيان لا يُسفر عن نتيجة، فيبقى السكان جائعين، بمن فيهم الرضّع والأطفال والنساء الحوامل أو المُرضعات وكبار السن".
وبالنظر إلى هيكلية “فوغبو” فإن أبرز مسؤوليها ومؤسسيها هو مايكل باتريك مولروي المؤسس هو الآخر لمركز “لوبو” للدراسات الأمنية والإستراتيجية والمسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية، حيث أسس هو وآخرون من عسكريين سابقين في الولايات المتحدة شركة “فوغبو” للأمن.
وحسب المعلومات عن شركة “فوغبو” هي تعمل كشركة خاصة محدودة في إنجلترا، منذ مطلع يونيو/ حزيران 2010، وتشارك في أنشطة الاستشارات الإدارية بخلاف الإدارة المالية.
في السابق، عمل نائب رئيس "فوغبو" ميك مولروي متخصصا في العمليات البحرية في مركز الأنشطة الخاصة التابع لوكالة المخابرات المركزية الأميركية.
وأنهى حياته المهنية في القطاع العام كنائب مساعد لوزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط.
ويضم المعهد المذكور العديد من متقاعدي وكالة المخابرات المركزية (مثل دوغلاس لندن) والبحرية (مثل درو مولينز) وضابط مشاة البحرية سام موندي، الذي عمل لفترة وجيزة مستشارا لـ "مجموعة جونز الدولية" في الرياض، والتي تدرب هيئة الأركان العامة السعودية.
ويقود “فوغبو” سام موندي، وهو فريق سابق في مشاة البحرية كان يقود القوات في السابق في الشرق الأوسط، وميك مولروي، ضابط شبه عسكري سابق في وكالة المخابرات المركزية ومساعد وزير الدفاع للشرق الأوسط.
ولبدء عملها، استعانت "فوغبو" بستيفن فوكس وروب فيب، المديران المؤسسان لشركة “Veracity WorldWide” و"بروك جيرو".
أما فوكس فهو عضو سابق في مديرية العمليات التابعة لوكالة المخابرات المركزية، وقد خدم في بوروندي وفرنسا والجزائر.
بينما فيب فقد عمل لفترة في شركة “Diligence”، إلى جانب عمله في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية.
فيما جيرو وهو عضو سابق في قيادة العمليات الخاصة لقوات مشاة البحرية الأميركية، وحاليا هو المدير الإداري لشركة “Veracity” البريطانية، لكنها الآن لا تشارك في عمليات "فوغبو".
كذلك استعانت شركة "فوغبو" بديميتريس غرايمز، الضابط السابق في سرب طائرات المراقبة والاستطلاع التابع للبحرية الأميركية، والذي شغل عددا من المناصب في شرق البحر الأبيض المتوسط.
ومن خلال عمله في السفارة الأميركية بأثينا، ساعد في تنسيق عملية الإجلاء البحري للمدنيين الأميركيين المحاصرين في بيروت أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006. ولذا، فإن غرايمرز خبير في الخدمات اللوجستية المعقدة في مرحلة التسليم النهائي، وقد عمل في هذا المجال ضمن القطاع الخاص مع شركة أمازون العالمية.
جمع التمويلات
وتتجول الشركة على عواصم العالم لعرض مشروعها الخاص، لإنشاء الميناء الذي سيُستخدم لنقل المساعدات الإنسانية من قبرص إلى غزة عبر البحر.
وبمجرد إنشاء البنية التحتية للمشروع، سيكون الميناء قادرا على استيعاب ما يصل إلى ثلاث ناقلات يوميا مليئة بعدة أطنان من المعدات والمواد الغذائية.
وإذا انتهى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فمن الممكن أن يظل المرفق مفيدا لإعادة إعمار القطاع؛ نظرا لأن نقاط الدخول الأخرى في مصر والأراضي المحتلة ستكون خاضعة للتقلبات السياسية.
وكشفت شبكتا "سي إن إن" و"بي بي سي" عن المشروع جزئيا بداية مارس 2024، لكنهما ذكرتا أن غياب التفاصيل يثير قلق أعضاء الكونغرس الأميركي البارزين من كلا الحزبين (الجمهوري - والديمقراطي الحاكم).
فعلى سبيل المثال، دعا رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ مارك وارنر ورئيس العلاقات الخارجية بن كاردين إلى تقديم إحاطات حول المشروع في منتصف مارس 2024.
لكن رغم قلق المشرعين الأميركيين من تمويل المشروع الذي يحمل اسم "خطة الشاطئ الأزرق"، فقد أعطت الحكومة الأميركية الضوء الأخضر لتنفيذه ما طمأن العديد من الدول الأخرى المهتمة به.
فبالنسبة للبيت الأبيض، يعد مشروعا للقطاع الخاص من هذا النوع مهما لأنه يوفر الإغاثة لغزة دون مشاركة رسمية من الولايات المتحدة.
وبينما ذكرت شبكة "سي إن إن" أن قطر مستعدة لمنح 60 مليون دولار للمشروع، فإن العديد من الدول الأخرى مهتمة أيضا بالتعهد بتقديم مساعدات مالية.
ووفقا لمسؤولين في أوروبا والخليج، فقد تعهدت الإمارات بمبلغ 230 مليون دولار، وأبدت دول الخليج الأخرى مثل السعودية والكويت والبحرين استعدادها للمساهمة بما يتراوح بين 50 مليون دولار و100 مليون دولار.
وبالإضافة إلى واشنطن ودول الخليج، تجري شركة "فوغبو" مباحثات حول هذا الشأن في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأستراليا واليابان.
وستدفع الحكومات الراغبة في تمويل المشروع الأموال إلى منظمة مستقلة غير ربحية يجرى الآن إنشاؤها، وستكون مسؤولة عن التوريد لشركة "فوغبو".
لكن "فوغبو" لديها خطط بديلة لجمع الأموال لضمان استمرار عملياتها التشغيلية للرصيف البحري.
إذ إنه بحسب شبكة "بي بي سي" فقد أطلعت "فوغبو" مجموعة من الحكومات الأوروبية والشرق أوسطية على خططها حتى على المدى الطويل، إذ تخطط شركة "فوغبو" لإنشاء مؤسسة يديرها المانحون للمساعدة في توصيل المساعدات إلى غزة.
ولأن المشروع لا يمكن تنفيذه إلا بموافقة إسرائيل، فقد زار ممثلو "فوغبو" تل أبيب نهاية مارس 2024 حيث ستنفذ مرحلتا البنية التحتية والنقل تحت إشراف إسرائيلي.
وسيتابع الجيش الإسرائيلي المشروع عبر عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في سماء قطاع غزة.
وبالمثل، تخضع أسماء المقاولين الفلسطينيين الذين سيقدمون الخدمات اللوجستية على الأرض للفحص السري من قبل المخابرات الإسرائيلية.
ومن الجانب الإسرائيلي، يشارك منسقو أعمال الحكومة الإسرائيلية وحكومة الحرب في مناقشة العملية.
وفق ما أفاد به المتحدث باسم البنتاغون، باتريك رايدر، فإن العملية ستتضمن بناء رصيف عائم في البحر يسمح للسفن بتسليم المساعدات، والتي ستحمل بعد ذلك على سفن الدعم البحرية ثم تفرغ على جسر عائم.
وسيوجه هذا الجسر المكون من مسارين، والذي يبلغ طوله حوالي 1800 قدم، إلى الشاطئ -بتأمين من أفراد غير أميركيين لم يحدد هويتهم- ثم ستصل الشاحنات بعد ذلك إلى الجسر لالتقاط ونقل المساعدات.
ويبدأ الممر البحري من جزيرة قبرص، حيث ترسو سفن المساعدات وتخضع للتفتيش، ثم تنطلق المساعدات إلى الميناء ومنه إلى القطاع.
وعلمت "بي بي سي" أن شركة "فوغبو" تبحث في تجريف الشاطئ للسماح للصنادل البحرية (قارب كبير مسطح القاع) بالاقتراب بدرجة كافية من الشاطئ بحيث يمكن تفريغ المساعدات على الشاحنات.
مهام محدودة
وأبحرت سفن تابعة للجيش الأميركي لنقل معدات إلى البحر الأبيض المتوسط.
ووفقا للبنتاغون، تتضمن الخطة مكونين رئيسين يجب تجميعهما - رصيف عائم كبير يتكون من شرائح فولاذية وجسر ورصيف من مسارين بطول 1800 قدم (548 مترا).
وسيتم تجميع الجسر في البحر و"دفعه" إلى الشاطئ، مما يسمح للقوات الأميركية بتجنب وضع أقدامها في غزة.
وتؤكد صحيفة "الغارديان" البريطانية أن المساعدات نقلا عن مسؤولين أميركيين ستخضع لفحص من قبل المفتشين الإسرائيليين الذين سيوجدون في ميناء "لارنكا" القبرصي، وهذا يعني سيطرة إسرائيل على عملية تدفق المساعدات بحجة "التدقيق الأمني".
وضمن هذه النقطة، تقول مجلة "إنتيليجنس أونلاين" إن مصادرها في تل أبيب تنفي جدوى المشروع، وهو الأمر الذي قد يحبطه بالكلية، وفق المجلة.
وضمن هذا السياق، فسرت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية الزخم الذي اكتسبته خطة بناء الميناء بأنها نابعة من "اليأس المتزايد في غزة"، مؤكدة أن بناء رصيف بحري للمساعدات "لن يعالج الجوع والمرض في القطاع".
ويجدر القول هنا إن فعالية الميناء المؤقت تتجاوز فعالية إسقاط المساعدات من الجو، غير أنها أقل بكثير من جدوى إرسال المساعدات عن طريق البر.
حتى إن المشرعين الأميركيين ما يزالون يؤكدون رغم ترحيبهم بفكرة بايدن، أن الطريق الأكثر مباشرة وفعالية لوصول المساعدات إلى الفلسطينيين يأتي عبر النقل عبر الحدود.
بحسب مسؤولين أميركيين فإن بناء الرصيف والجسر سيستغرق 60 يوما لإنشائه، وسيتطلب على الأرجح ما يصل إلى 1000 فرد عسكري أميركي لإكماله.
لكن هذا الجدول الزمني الممتد يعكس الطبيعة المعقدة للمشروع، وخاصة في ظل تزايد الإحباط في إدارة المشروع إزاء رفض الحكومة الإسرائيلية الواضح الاعتراف بمدى إلحاح الأزمة الإنسانية، رغم الضغوط المتزايدة من جانب واشنطن حول تسهيل وصول المساعدات للمدنيين بغزة.
وبما أن تطوير مفهوم الرصيف المؤقت جزئيا جرى من قبل "فوغبو"، وأنها لن تتدخل في توزيع المساعدات، فإن الولايات المتحدة لا تزال تحاول تحديد من سيكون على الجانب الآخر من الجسر لتلقي المساعدات وتوزيعها داخل غزة.
وقال شخصان مطلعان على الخطة لـ"بي بي سي" إن قوات الدفاع الإسرائيلية ستدير الأمن "الخارجي" لمنع حشود المدنيين من الوصول إلى الشاطئ ولجعل المنطقة آمنة، وستكون مسؤولية التوزيع على عاتق الفلسطينيين المحليين غير المسلحين.
ومع ذلك، فقد أصدرت 25 منظمة غير حكومية، بما في ذلك “العفو الدولية”، بيانا مشتركا قالت فيه إنه "يجب على الدول التأكد من أن الممر البحري لا يضفي الشرعية على الاحتلال العسكري البري الإسرائيلي المطول للقطاع من خلال استغلال ضرورة المساعدات".
وضمن هذه النقطة تقول دراسة لمركز "المسار للدراسات الإنسانية": "يبدو أن هذا التحذير من استغلال المساعدات مرده إلى سببين، الأول هو أن إنشاء الميناء في نحو شهرين ثم تشغيله يعني ضمنا أن الإدارة الأميركية تقر بأن الإبادة الإسرائيلية على القطاع ستستمر وسيطول أمدها، وأن واشنطن لن تسعى لإيقافها بشكل كامل".
ولهذا السبب كتب الباحث الإسرائيلي، تسفي باريل، مقالا في صحيفة “هآرتس” العبرية حمل عنوان "الميناء الذي تبنيه الولايات المتحدة يمكن أن يحول إسرائيل إلى قوة شرطة في غزة"، ما يعني أن الميناء قد يدفع القوات الإسرائيلية للبقاء في غزة على نحو دائم.
والسبب الثاني، وفق المركز المذكور هو أن "آلية إدخال المساعدات للقطاع ستستخدم -على الأرجح- لابتزاز الشعب الفلسطيني وإضعاف حكومة قطاع غزة وسلطة حركة حماس في القطاع ويتأتى ذلك عبر توزيع المساعدات عن طريق جهات أخرى غير الحكومة في غزة".
ووفق الدراسة ذاتها "تزداد أهمية ورقة المساعدات إذا ما أخذ في الحسبان ضرورتها للشعب الفلسطيني الذي يعاني من الحصار الإسرائيلي، إذ يعد هذا الملف أحد الملفات البارزة في الحرب (الإبادة) الدائرة، إن لم يكن الأبرز".
المصادر
- US could take 2 months and 1,000 troops to construct floating pier to deliver aid to Gaza, Pentagon says
- How the US military plans to construct a pier and get food into Gaza
- "بتسيلم": 2.2 مليون شخص في قطاع غزة يعانون الجوع
- الميناء الأمريكي في غزة.. الأهداف والجدوى والمخاطر
- Inside Fogbow's floating pier operation to resupply Gaza