"واجب شرعي وأخلاقي".. هل يجوز تحويل أموال الأضاحي لصالح غزة؟
“أهل فلسطين أولى بثمن الأضحية من ذبحها في بلداننا”
تتواصل دعوات العلماء والرموز الإسلامية إلى بذل كل أشكال الدعم للشعب الفلسطيني ولمقاومته الصامدة، وخاصة على المستوى المالي، بما يعزز معنى الجهاد وروح المقاومة في الأمة الإسلامية ككل.
ويواجه الشعب الفلسطيني حربا دموية يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدعم عسكري ومالي أميركي وغربي، وكذا وسط ضعف وتخاذل عربي وإسلامي، فضلا عن أداء محدود للمنظمات الدولية المعنية بالسلام والإغاثة وحقوق الإنسان.
للضرورة أحكام
وفي هذا الصدد، أفتى العلامة المغربي المقاصدي، أحمد الريسوني، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بجواز "بذل ثمن الأضحية لأهل فلسطين".
وشدد الريسوني في مقال نشره موقع "إطلالة بريس" المغربي في 4 مايو/أيار 2024، أن "ذلك مبرئ ومجزئ، وزيادة.. وفيه أضحية وتضحية، ونسك وجهاد…".
وأوضح أنه "من كان ميسورا واستطاع أن يضحي في أهله وبلده، وأن يرسل مثل ثمن أضحية إلى أهله في فلسطين، فذلك أتم وأفضل"، مبرزا أن "هذا لن يؤثر في شيء على شعيرة الأضحية ودوامها.. بل سيجعلها أكثر توازنا واعتدالا..".
وتوقف الريسوني عند “اختلاف الفقهاء في أيهما أفضل: إقامة شعيرة ذبح الأضحية، أو التصدق بثمنها على المحتاجين”.
وقال إن “بعض العلماء، خاصة من الصحابة والتابعين، ذهبوا إلى تفضيل بذل الصدقة على الأضحية. فعن بلال رضي الله عنه قال: (ما أبالي لو ضحيتُ بديك، ولَأَنْ أتصدق بثمنه على يتيم أو مغبر أَحب إليَّ من أن أضحي به)”.
ولكن، يستدرك الريسوني، جمهور الفقهاء على القول بـ"أفضلية الأضحية على مطلق التصدق بثمنها.. فالصدقة أبوابها مفتوحة على الدوام، أما الأضحية فهي شعيرة من شعائر الإسلام، وهي ستة مأمور بها أمر خاص، لمناسبة خاصة لا تكون إلا مرة في السنة، كما أنها هي نفسها متضمنة للصدقة وإكرام الفقراء.. فهي صدقة وزيادة".
ونبه إلى أن "هذا القول هو الراجح المعتمد، في الأحوال العادية وشبه العادية. ولكن للضرورة أحكام.. والحالات الاستثنائية لا بد أن يُـقدر لها قدرُها، ويفتى فيها بخصوصها.. ومن ذلك حالة إخواننا في قطاع غزة، من أرض فلسطين، ويليهم أهل مدينة القدس، وأهلُ الضـفة بصفة عامة..".
وشدد على أن "هذه الحالة التي نشاهدها ونعايشها، قد استجمعت كل معاني الضرورة، وكل أشكالها ودرجاتها.. بل وقع فيها من الضرورات ما لم يكن يتصوره أحد..".
وبناء عليه، يقول الريسوني، "فإن أهل فلسطين، وأبناءهم المجاهدين، يجب أن يحظَوا بالأولوية القصوى، في كل ما يمكن من أشكال الرعاية والدعم والنصرة، ومن ذلك إمدادهم ورَفدهم بالجهاد المالي، الواجب على عموم المسلمين.. ولهم الأولوية في أموال الزكاة، وكذا ثمن الأضاحي".
جهاد ومقاومة
وأكد الباحث الأكاديمي بالرباط، محمد عوام، أن “ما ذهب إليه الدكتور الريسوني صحيح وسليم في ميزان المقاصد، وفي ميزان الأولويات والترتيبات، وما ينبغي أن يُقدم أو أن يؤخر”.
وأوضح عوام لـ"الاستقلال"، أنه "ينبغي أن نفهم أنه من الناحية الشرعية، تعد الأضحية سنة وعند بعض العلماء سنة مؤكدة، وهي ليست واجبا ولا فرضا، وكذلك الجهاد، لأنه مفروض على الكفاية، أي واجب كفائي".
واستدرك: "لكن إن كانت الأمة في ورطة، أو تكالب عليها الأعداء، فقد يصير هذا الواجب الكفائي عينيا، وخاصة حين يداهم العدو ويهاجم بلاد المسلمين، فلابد من المواجهة والجهاد وبذل الغالي والنفيس"، مشددا على أن "هذه أمور مقررة عند علماء المسلمين منذ زمن بعيد جدا، أي منذ مجيء الإسلام".
وذكر عوام أننا "اليوم أمام غطرسة كبيرة من الصهيونية الفاشية والطاغية، والتي سيطرت على العالم، وأمام طغيان غربي يدعم هذه الصهيونية المجرمة، ولذلك لابد من دعم الجهاد الفلسطيني والمقاومة بكل غال ونفيس، ومن ذلك أن تُدفع لهم ثمن الأضاحي".
وأبرز الباحث الأكاديمي، أن "أهل فلسطين أولى بثمن الأضحية من ذبحها في بلداننا، لأنهم اليوم يبادون بشكل جماعي، في وقت تواطأ وتكالب عليهم العالم، ولذلك وجب على المسلمين أن يضحوا بكل موجود ويدفعوا بالأضحية إلى هؤلاء".
واستشهد عوام بقول ابن الجوزي إن "الفقيه من نظر في الأسباب والنتائج وتأمل المقاصد"، منبها إلى أن “ما نراه ونسمعه يوميا من جرائم في حق أهل فلسطين تؤكد أن الأولوية هي لإنقاذهم مما هم فيه من ظلم”.
وأكد أن “إنقاذ المسلمين أولى من إقامة الأضحية، بل إنه من المقرر شرعا أن بعض الواجبات الفردية قد تُعطل أو تؤخر عن وقتها لإنقاذ مسلم، كالذي يغرق مثلا أو خلال إجراء عملية جراحية”، معتبرا أن “ما يقع بفلسطين شبيه بهذا”.
من جانبه، قال الكاتب العام للمرصد الوطني لمناهضة التطبيع، عزيز هناوي، إن "فتوى العلامة الريسوني تدخل في إطار الهبة الشعبية وهبة الأمة لتقديم الدعم بكل السبل للمقاومة وللشعب الفلسطيني".
وشدد هناوي لـ"الاستقلال"، على أن "هذا هو حد أدنى من الواجب تجاه صمود المقاومة وحاضنتها الشعبية، هذا الشعب الصابر الذي قدم أكثر من 40 ألف شهيد، وأكثر من 80 ألف جريح".
وأردف "لذلك فتحويل أموال الأضحية إليهم هو مساندة لهم في صمودهم الأسطوري أمام الآلة الصهيو-أميركية، وأما الدمار الهائل والحصار المستمر".
ونبه هناوي إلى أن "فتوى العلامة الريسوني لا تخص الشعب المغربي فقط، بل هي موجهة للأمة الإسلامية ككل، بأن تجعل من عيد أضحاها عيدا لأجل فلسطين، وأن تكف من نمط الاستهلاك الفردي الذاتي وتفكر في الأمة ككل".
صعوبات الإيصال
ولأن بعض أبناء الأمة قد يشتكون من صعوبات في طرق إيصال هذا الدعم المالي لفلسطين، أكد كل من عوام وهناوي أن "هذا ليس بمبرر للتخلف عن دعم أهل غزة والمقاومة".
وقال الباحث المقاصدي عوام، إن "على كل مسلم البحث عما يناسبه لبذل الغالي والنفيس لأجل دعم الشعب الفلسطيني، وأن يقف في وجه كل العراقيل ويتجاوزها".
ونبه عوام لـ"الاستقلال"، إلى أن "العراقيل موجودة منذ زمان، وأن هذه العراقيل والتخاذل هي التي أضاعت القضية الفلسطينية".
واسترسل: "هذه القضية كان ينبغي أن تُحسم منذ بدايتها، لو أن العالم الإسلامي خاض الجهاد بكل معانيه، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي والعسكري، لكي يحرر فلسطين والمسجد الأقصى".
وبعد أن نوه عوام إلى التحرك الطلابي الذي يشهده العالم الغربي دعما لفلسطين، دعا "أبناء الأمة العربية والإسلامية إلى التعبير الصريح عن دعم فلسطين بكل السبل، بما فيها المالية، ومن ذلك الاستجابة لهذه الدعوة التي بعث بها الدكتور الريسوني".
بدوره، قال الكاتب العام للمرصد الوطني لمناهضة التطبيع، هناوي، إن "لكل شعب ولكل ساحة طرقها وأساليبها لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، وإيصال هذا الدعم إليهم".
ونبه هناوي إلى أننا "إزاء لحظة حرجة وتاريخية، ولذلك مطلوب من الأمة أن تهب لنجدة أهلنا في فلسطين عامة وفي غزة خاصة".
وأردف “كل شعب عربي ومسلم عليه أن يدعم أهلنا بفلسطين ماديا بالطرق التي يراها مناسبة، مؤكدا أن ”هذا الدعم هو عنوان من عناوين الالتزام والانخراط تجاه فلسطين، تلك التي تقاوم العدو وتناضل من أجل تحرير مقدسات المسلمين".
من جانبه، دعا المفكر المغربي، أبوزيد المقرئ الإدريسي، الشعوب العربية إلى "دعم فلسطين ومقاومته بكل وسائل الدعم الممكنة، وعلى رأسها الدعم المالي".
جاء ذلك في محاضرة للمقرئ الإدريسي بعنوان: "مستقبل القضية الفلسطينية في ضوء طوفان الأقصى"، بمدينة طانطان جنوب المغرب، في 5 مايو 2024.
وقال المتحدث ذاته، إن “على المسلمين مواصلة دعم القضية الفلسطينية عبر ثلاثة مستويات أساسية، وأولها بالدعاء والتضرع إلى الله العلي القدير لنصرة عباده من المجاهدين في سبيله والمدافعين عن مقدساته”.
وثانيها، وفق المقرئ الإدريسي، عبر الدعم المالي عن طريق التبرع لإعمار المناطق التي دمرتها الآلة الحربية للعدوان الغاشم، وبما يمكن من توفير حاجيات الشعب الفلسطيني الغذائية والدوائية وغيرها.
وأضاف "وثالث وسائل الدعم عبر المرابطة الإعلامية والميدانية، باستثمار كل المنابر والوسائط الافتراضية والواقعية، للتعريف بعدالة قضية الشعب الفلسطيني".
واسترسل المقرئ الإدريسي: "وكذا نصرة أهل فلسطين وغزة بالوقفات والاحتجاجات السلمية، والندوات والمحاضرات والابداعات الفكرية، وغيرها مما يدعم صمود الشعب الفلسطيني وثباته على أرضنا المباركة".