الدور الإسرائيلي والأميركي في السودان.. أبعاد جديدة بعد تشكيل حكومة موازية

إسرائيل يمكن أن تلعب دورا في إعادة بناء الهياكل الحاكمة وتقديم الدعم التكنولوجي في السودان، وفق المقال
فيما يقف السودان على حافة اضطراب طويل الأمد، وتحقيق القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان تقدما في العاصمة الخرطوم، يثير الإعلان عن تشكيل حكومة موازية تساؤلات ملحّة حول مستقبل البلاد.
هذه الإدارة المنافسة، التي اكتسبت شرعيتها عبر ميثاق سياسي في نيروبي وأُعلن عنها لاحقا في دبي، يقودها قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بـ "حميدتي"، إلى جانب حركات متحالفة مع قواته.
ويأتي هذا التطور في سياق الحرب المدمرة التي تعصف بالسودان منذ عام 2023، والتي تصاعدت حدتها في أبريل/نيسان 2024، وسط انقسامات سياسية عميقة وتهديدات أمنية مستمرة، مما يقوّض أي آمال في قيام حكومة وطنية موحدة.

استغلال الفوضى
ويرى العميد (احتياط) في الجيش الإسرائيلي، يوسي كوبرفاسر -الذي ترأس سابقا شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية للجيش وعمل مديرا عاما لوزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية- أن إيران وروسيا تسعيان إلى استغلال الفوضى في السودان.
ونشر كوبرفاسر، مقالا لدى "معهد القدس للإستراتيجية والأمن" (JISS)، الذي يترأسه، أكد فيه أن على الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، أن تلعب دورا محوريا في الشأن السوداني.
وفي مقابلة مع "سكاي نيوز عربية"، أوضح إبراهيم الميرغني، إحدى الشخصيات البارزة في الحكومة الموازية الجديدة، أن الهدف الأساسي لها هو ضمان الأمن وتقديم الخدمات الأساسية للمدنيين العالقين وسط المواجهات العسكرية المستمرة. وشدد على الحاجة الملحة لحماية السكان، مشيرا إلى التداعيات الكارثية للاشتباكات بين الجيش و"الدعم السريع".
وتسعى هذه الحكومة الموازية، التي تقدم نفسها كقوة استقرار، إلى سد الفراغ الإداري في المناطق المتضررة من الحرب.
ومع ذلك، تواجه هذه المبادرة معارضة داخلية شديدة، فقد رفض تحالف القوى الثورية الديمقراطية المدنية، المعروف باسم تحالف صمود، بقيادة الجيش تشكيل الحكومة الموازية.
كما عارض رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، هذه الخطوة، داعيا إلى حل سياسي يمنع تفكك البلاد إلى فصائل متناحرة ويحول دون تعميق الانقسامات القائمة في لحظة شديدة الخطورة. وبدورها، أعلنت مصر رفضها الحكومة الموازية.
وتساءل المسؤول الإسرائيلي السابق: هل يمكن إيجاد أرضية وسط بين الحكومة الموازية وتحالف صمود؟
وقال: "ربما يتطلب تحقيق الاستقرار المستدام اعتراف الطرفين بالمصالح المشتركة بينهما، وأبرزها ضرورة مكافحة الإرهاب والتصدي للتدخلات الخارجية".
وأوضح أن "أحد أخطر التهديدات هو تنامي النفوذ الإيراني في السودان، فقد سعت طهران منذ فترة طويلة إلى ترسيخ علاقاتها داخل المؤسسة العسكرية السودانية، خاصة بين القوات الموالية للجنرال البرهان".
وأكد كوبرفاسر أن "هذا النفوذ إذا تُرك دون رادع، فقد يحوّل السودان إلى ساحة صراع بالوكالة، مما يجذب عناصر متطرفة ويزيد من زعزعة استقرار المنطقة".
"لذا، قد يكون تشكيل جبهة سودانية موحدة -تشمل الحكومة الموازية وتحالف صمود- ضروريا لمواجهة الطموحات الإستراتيجية الإيرانية ومنع السودان من يصبح بيدقا في صراعات جيوسياسية أوسع نطاقا"، بحسب المسؤول الإسرائيلي السابق.
وتابع: "لا تقتصر محاولات التأثير على السودان على إيران وحدها، بل تسعى قوى دولية وإقليمية أخرى إلى استغلال الوضع لصالحها".
"فروسيا تستفيد من أزمات السودان عبر دعم طرفي النزاع، بينما تتعاون في الوقت ذاته مع الجيش السوداني لتأمين قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر".
"أما مصر، فإنها تقف إلى جانب الجيش السوداني لضمان أمن حدودها وكسب تأييده في نزاعها مع إثيوبيا حول سد النهضة".

شراء الذهب
"وفي الوقت نفسه، أصبحت الإمارات أكثر تقاربا مع قوات الدعم السريع والحكومة الموازية، وقد أظهرت أخبرا استعدادها لتقديم المساعدات الإنسانية، بينما تسعى إلى توسيع عمليات شراء الذهب من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع"، وفق المقال.
واتهمت حكومة القوات المسلحة السودانية الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة -وخاصة الطائرات المسيّرة- والتي استخدمتها لضرب أهداف رئيسة في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية، وأدى هجوم من هذا النوع أخيرا إلى إتلاف محطة طاقة رئيسة.
وردا على ذلك، أعلنت الحكومة السودانية في 6 مارس/آذار أنها ستقدم شكوى ضد الإمارات لدى المحكمة الجنائية الدولية، وفي المقابل، نفت أبو ظبي اتهامات لها بأنها زودت قوات الدعم السريع بالأسلحة.
إلى جانب المخاوف الأمنية المباشرة، يواجه السودان أزمة اقتصادية وإنسانية غير مسبوقة؛ فقد دمرت سنوات الحرب القطاعات الحيوية، وتسببت في نزوح الملايين، وترك البنية التحتية للبلاد في حالة من الخراب.
"ويتعين على المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة وحلفاءها، أن ينخرط بشكل أكثر فاعلية لدعم إعادة إعمار السودان ومنع مزيد من الانهيار"، وفق رؤية كوبرفاسر.
واللافت أنه في أيامها الأخيرة، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في 7 يناير/كانون الثاني 2025، أن قوات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية ضد المدنيين في إقليم دارفور، وفرضت الإدارة عقوبات على أعضاء في "الدعم السريع" وبعض داعميها، بما في ذلك سبع شركات إماراتية.

دور أميركا وإسرائيل
ويعتقد المسؤول الإسرائيلي السابق أن "إدارة ترامب يجب أن تلعب دورا محوريا في تحقيق الاستقرار في السودان من خلال مزيج من الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية".
وقال: "على الرغم من أن سياسة ترامب الخارجية غالبا ما ركزت على تقليل الانخراط في النزاعات الممتدة، فإن إدارته السابقة أظهرت استعدادا لعقد صفقات إستراتيجية، مثل اتفاقيات أبراهام".
وأضاف أن "اتباع نهج مماثل -يستند إلى الحوافز الاقتصادية والشراكات الإقليمية- قد يكون فعالا في السودان".
وأردف: "يمكن للولايات المتحدة أن تعمل عن كثب مع الحلفاء الإقليميين، بما في ذلك مصر والإمارات والسعودية وإسرائيل، لتعزيز قدرة السودان على مواجهة التهديدات الإرهابية والحد من النفوذ الإيراني".
"ويُعدّ إعادة بناء قوات الأمن الداخلي في السودان -مع ضمان خضوعها لإشراف مدني- خطوة أساسية في هذا المسار".
واستطرد: "ينبغي لإدارة ترامب تشجيع الشركات الأميركية على الاستثمار في القطاعات الحيوية بالسودان، لا سيما الزراعة والطاقة والاتصالات، بشرط تحقيق الاستقرار والأمن".
"كما أن استعادة وصول السودان إلى الأسواق المالية الدولية وتقديم مساعدات اقتصادية مستهدفة عبر مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي سيكونان ضروريان لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد المنهار".
وأضاف: "يمكن للولايات المتحدة استغلال نفوذها الدبلوماسي لتيسير المفاوضات بين الحكومة الموازية وتحالف صمود، ودفع الطرفين نحو عملية انتقالية قائمة على التوافق".
وأشار إلى أنه "بالنظر إلى انخراط ترامب السابق في مفاوضات دبلوماسية غير تقليدية، قد تكون إدارته في موقع فريد يسمح لها بالتوسط في تسوية تضع الاستقرار الوطني فوق صراعات الفصائل على النفوذ".
أما إسرائيل، التي سبق أن تعاونت مع السودان في مجالي الأمن والتعاون الاقتصادي، فيمكن أن تلعب دورا في إعادة بناء الهياكل الحاكمة وتقديم الدعم التكنولوجي، وفق ادعاء المقال.
"وقد يُسهم تعزيز الشراكة الإسرائيلية-السودانية، بدعم من الجهود الدبلوماسية الأميركية، في تسريع إعادة الإعمار في قطاعات حيوية مثل إدارة المياه والطاقة المتجددة والبنية التحتية الرقمية"، وفق زعم المعهد.
وقال كوبرفاسر: "يمثل إنشاء حكومة موازية فرصة ومخاطرة في آنٍ واحد، فمن ناحية، قد توفر حلولا فورية للحكم في المناطق التي تعصف بها النزاعات، لكنها في الوقت ذاته تهدد بتعميق الانقسامات السياسية في السودان".
وأوضح أن "تحقيق الاستقرار يتطلب توازنا سياسيا يُقدّم فيه الفرقاء السودانيون مصلحة الوحدة الوطنية على الصراع على السلطة"، مؤكدا على أن أي إستراتيجية فاعلة يجب أن تركز على معالجة التهديدات الأمنية، والتصدي للنفوذ الإيراني، وتأمين دعم دولي يسهم في إنعاش الاقتصاد.
وأردف: "يتعين على الولايات المتحدة وإسرائيل وقوى إقليمية أخرى أن تلعب دورا أكثر حسما في توجيه هذه العملية، ففي نهاية المطاف، يعتمد مستقبل السودان على بناء توافق أوسع يجسر الهوة بين الحكومة الموازية وتحالف صمود، مع ضمان مشاركة دولية أكثر فعالية في جهود التعافي".
وختم بالتشديد على أنه "من دون تدخل أميركي، تزداد احتمالات التصعيد، وتتسع الفرصة أمام الجهات الخبيثة لاستغلال الوضع لصالحها".