إقصاء متواصل للإسلاميين من المؤسسات لصالح اليسار.. ماذا يحدث بالمغرب؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

يواجه التيار الإسلامي بالمغرب إقصاء مستمرا من مختلف المؤسسات والهيئات العمومية، التي تتطلب تعددية فكرية في تشكيلها لصالح التيار اليساري والليبرالي، خاصة ما بعد تشكيل حكومة عزيز أخنوش عقب انتخابات سبتمبر/ أيلول 2021.

ومن آخر أشكال هذا الإقصاء، تغييب الإسلاميين عن عضوية أكاديمية المملكة المغربية (أعلى هيئة أكاديمية بالبلاد)، في إطار هيكلتها الجديدة المعلن عنها في 24 نوفمبر/ تشرين ثاني 2023.

ووفق ما نشر موقع "المغرب" المحلي، في 24 نوفمبر 2023، فقد شكلت أكاديمية المملكة المغربية هيئاتها العلمية، ضمن أشغال دورة تنصيب أعضائها الجدد، وخلت التشكيلة الجديدة من أي أعضاء محسوبين على التيار الإسلامي.

إقصاء واضح

وتفاعلا مع التشكيلة الجديدة لأكاديمية المملكة، قالت حليمة الشويكة، أستاذة الفلسفة، والقيادية النقابية، إن هذه التشكيلة فيها إقصاء واضح للمكون الإسلامي أو القيادات والشخصيات الأكاديمية المعبرة عن المرجعية الإسلامية.

وأكدت الشويكة لـ"الاستقلال" أن هذا الأمر يتنافى ويتعارض مع طبيعة أكاديمية المملكة بوصفها هيئة فكرية، تأسست سنة 1977 من قبل الملك الراحل الحسن الثاني، بهدف المساهمة في تطوير وتعزيز البحث العلمي، خصوصا في مجال العلوم الإنسانية والثقافة والفنون.

وأضافت، ولذلك من المفروض أن تشكل الأكاديمية بصفتها العمومية والوطنية رافعة في شتى المجالات التي تدخل في اختصاصها.

وأردفت الشويكة، خاصة وأننا نعرف أن المهمة المسندة لها دستوريا هي تحقيق تقدم فكري وعلمي في بلادنا، والتعريف بالمكونات الوطنية بمختلف روافدها وعناصرها وتوجهاتها.

ولذلك، تردف أستاذة الفلسفة والناشطة النقابية، "يجب أن ينعكس هذا الإطار العام لمهام الأكاديمية على تشكيلتها، التي يجب أن تستوفي شروط التعدد والتنوع وتمثيل مختلف الأفكار المعبرة عن غنى الثقافة المغربية".

وبخلاف هذا الأمر، تسترسل الشويكة، نرى اليوم أن مكونات وتشكيل أكاديمية المملكة هو ذو طابع أحادي التوجه، وهو ما لا يخدم أهداف الأكاديمية، ولا يخلق التوازن بين مكوناتها، ولا يخلقه أيضا على مستوى الاشتغال العلمي، لأن التعدد يوفر لنا شروط التنوع والإبداع، وخلافه يؤثر على ذلك.

وتابعت، فضلا أن التوجهات الأكاديمية في مختلف دول العالم أصبحت تنحو إلى التكامل بين العلوم والتخصصات والتصورات، لأن معالجة القضايا الشائكة لا يمكن أن يكون بمنطق أحادي النظر، أو انطلاقا من زاوية دون أخرى.

ولذلك، تضيف المتحدثة ذاتها، "الأولى أن تعكس هذه المؤسسة الوطنية تنوع وغنى الثقافة المغربية، وأن تنتصر لغنى الوطن، لا أن تطغى عليها تلوينات محددة وأحادية".

ورأت الشويكة أن إغفال شخصيات أكاديمية مغربية ذات صيت وطني ودولي كبير، أمر غير مفهوم، من قبيل الفيلسوف طه عبد الرحمن، الذي له تأثير كبير على الصعيد العربي والإسلامي، وشهرته الكبيرة تجاوزت حدود الوطن.

وخلصت إلى أنه بمثل هذه الممارسات، ستحيد أكاديمية المملكة المغربية عن طبيعة المهام المنوطة بها، وسيكون إنتاجها غير متوازن ولا يستجيب لانتظارات النخبة المغربية خصوصا، وللمواطنين عموما.

رسالة ملكية

أهمية هذه المؤسسة العمومية، عكسته الرسالة التي وجهها الملك محمد السادس إلى أعضاء أكاديمية المملكة المغربية بمناسبة افتتاح الدورة الأولى لهذه المؤسسة في إطار هيكلتها الجديدة، والتي ترأسها ولي العهد الأمير مولاي الحسن. وتلا نصها أمين السر الدائم للأكاديمية، عبد الجليل الحجمري. 

ووفق موقع "الأيام24" المحلي، 22 نوفمبر 2023، جاء في الرسالة الملكية أن افتتاح دورة أكاديمية المملكة المغربية في حلتها الجديدة، لن يكون لحظة استئنافية فحسب، بل مرحلة استثنائية في المسار المشرق لهذه المؤسسة الوطنية العريقة، ذات الصيت الذائع والإشعاع المتميز.

وأضافت الرسالة أن "عالمنا المعاصر يشهد تحولات عميقة على كل المستويات، حيث أصبحت الأواصر الثقافية والفكرية، والحوار الحضاري، تزداد رسوخا، وتعلي من شأن الانفتاح على ثقافات العالم، وإرساء مجتمع المعرفة".

وأردفت أنه "لا غرو في أن تصبح أكاديمية المملكة المغربية اليوم، هذه المؤسسة العتيدة، منارة للفكر والبحث المعرفي والثقافي العابر للقارات، ومشتلا للارتقاء بالقدرات الفكرية والعلمية في كل مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية، تسهم في تطوير البحث وإغنائه، وفي إبراز العمق التاريخي والحضاري الذي راكمته المملكة المغربية على مر العصور".

وتوقف العاهل الملكي عند دور الأكاديمية في تحقيق أهداف ومقتضيات دستور المملكة، الرامية إلى صون الهوية الوطنية، بمكوناتها العربية الإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية، وروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية؛ وكذا مع خدمة الإشعاع العلمي والثقافي للمملكة، والإسهام في التفكير في الإشكاليات والقضايا المطروحة في عالم اليوم.

من جانبه، ذكر موقع "360Le" المقرب من القصر، 23 نوفمبر 2023، أن أكاديمية المملكة المغربية تبوّأت مكانة كبيرة داخل البحث العلمي بالمغرب. مكانة لا تُضاهيها مؤسسّة أخرى من حيث البحث وتقديم خدمات جليلة للثقافة المغربية في مجالات مختلفة تتعلّق بالتاريخ والفلسفة والأدب والفن والتراث وغيرها من المعارف الأخرى ذات الصلة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية.

وقال المصدر ذاته، إن هذه المؤسسة المُتمتعة بالشخصية الاعتبارية في إطار القانون العام وكذا الاستقلالية المالية، أضحت منارة ساطعة على مُستوى الإنتاج الفكري.

وأبرز الموقع أن المؤسسة تلعب دورا كبيرا على المستوى الدبلوماسي، بحيث باتت تُقدم إشعاعا ثقافيا قويا للمملكة المغربية في علاقتها بالآخر. كما أضحت تقوم بدور هام على المستوى الدبلوماسي المُوازي، وذلك من خلال جعل الإنتاج الثقافي قاطرة لمحاورة الآخر وتقديم صورة ناجعة عن الإمكانات التاريخية والحضارية التي يحظى بها المغرب، مقارنة بدول الجوار.

هيمنة واضحة

في تفاعله مع تشكيلة أكاديمية المملكة، قال الباحث الأكاديمي والروائي إدريس الكنبوري، إن هذه التشكيلة تُبين التحول الثقافي والفكري الذي حصل في المغرب خلال العقود القليلة الماضية.

وأضاف الكنبوري في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، 24 نوفمبر 2023، فهناك بون شاسع بين الأكاديمية كما كانت من قبل وكما هي اليوم، فلا مكان فيها للتعددية الفكرية الموجودة في المغرب، بل هناك هيمنة لتيار واحد له حضوره الذي لا يشك فيه أحد.

وأردف الكاتب المتخصص في الفكر الإسلامي والحركات الجهادية، إن هناك العديد من الأسماء التي تم إسقاطها حتى خارج المعايير المعتمدة في العضوية لدى الأكاديمية، بل إذا كانت هذه المعايير هي المرجع فهناك عشرات الأسماء خارج العضوية رغم أنها حققت تلك المعايير وتجاوزتها.

واسترسل الكنبوري، "لن أعطي أسماء معينة لأن أي متابع يمكنه أن يحزر ذلك ويلاحظ بعض الأسماء التي يثير حضورها الاستغراب، ولكن بخصوص الأسماء التي كانت تستحق أن تكون في الأكاديمية من حيث المبدأ الفيلسوف طه عبد الرحمان والعلامة مصطفى بنحمزة مثلا".

وتابع "أقول من حيث المبدأ لأن هناك من لا يريد العمل من داخل المؤسسات ولا تغريه، وليس بحاجة إلى مؤسسة تحتضنه لأن المثقف الحقيقي يحتضنه القراء".

ورأى الكنبوري أن "الأكاديمية ناد مغلق غير منفتح على محيطه، وإنما هي مؤسسة "النخبة المختارة"، وقد لا يستحق الأمر الاهتمام، ولكنها على الأقل تمثل مرآة للثقافة المغربية في الخارج، لأن عضويتها مفتوحة للأجانب، وهؤلاء الأجانب يشتغلون داخل مؤسسات في بلدانهم لديها معايير مغايرة وطريقة مغايرة في "التنخيب"، والغرض هو إقناع هؤلاء بأن المغرب طلق التقليد وانخرط في الحداثة".

وشدد الباحث الأكاديمي أن الهيكل الثقافي في المغرب يعيش حالة غريبة من التمزق، ويتشكل من خارطة ثقافية لا جامع بينها، بحيث لا توجد إستراتيجية ثقافية واضحة يمكننا أن نطلق عليها "الثقافة الوطنية المغربية".

وأضاف، هناك مؤسسات يهيمن عليها التيار الحداثي، وأخرى يهيمن عليها التيار المضاد، وثالثة خليط بين الاثنين، ورابعة بلا لون، وهذا لا يخدم بالطبع الهوية الثقافية في أي بلد بقدر ما يعين على الحفاظ على الشرخ الثقافي ويشجع الترقيع والتلفيق والبلقنة.

واسترسل، "وهو ما يفسر لنا بشكل صريح لماذا نجد في المغرب جميع الأطياف الثقافية والفكرية تستمد مشروعية مطالبها من الدولة نفسها، وتتصارع حول نفس الخطاب الذي تنتهجه الدولة، لأن كل طرف يرى أن ذلك الخطاب يعزز موقفه".

 

إقصاء متكرر

عبر الإسلاميون بالمغرب عن تنديدهم بالإقصاء الذي يتعرضون له في الفترة الأخيرة، وعلى رأس هؤلاء حزب العدالة والتنمية، وذراعه النقابية الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب.

حيث أكد الحزب على لسان رئيس مجموعته النيابية، عبد الله بووانو، رفض العدالة والتنمية إقصاء الحكومة لنقابتين من الحصول على التمثيلية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

ووزعت الحكومة خلال فبراير/ شباط 2022 عدد مقاعد ممثلي النقابات بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، البالغ 24 عضوا، على ثلاث نقابات.

حيث حصلت نقابة "الاتحاد المغربي للشغل" الموالية لحزب رئيس الحكومة على 11 مقعدا، و"الاتحاد العام للشغالين بالمغرب" التابعة لحزب الاستقلال الأغلبي على 8 مقاعد، و"الكونفدرالية الديمقراطية للشغل" المرتبطة بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على 5 مقاعد.

وقال بووانو: "عندما وصفنا الأغلبية الحالية، بأغلبية التحكم والهيمنة والاستحواذ على المؤسسات، لم نكن نلقي الكلام على عواهنه، ولم يكن الوصف مجرد انطباع، وإنما وصف لحقيقة على الأرض، تؤكدها الأحداث والقرارات المتتالية".

وسجل بووانو في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك وقتئذ، أن "هذه الأغلبية هيمنت على مجالس الجهات والجماعات، بمنطق تحكمي لا علاقة له بالاتفاق والتنسيق المشروع بين أحزاب الأغلبيات".

 

من جانبه، انتقد خالد السطي، عضو مجلس المستشارين عن نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، تغييب وزارة التعليم العالي لنقابات أكثر تمثيلية عن الحوار القطاعي للوزارة، مستشهدا بتغييب النقابة المغربية للتعليم العالي التي عندها تمثيلية 16.6 بالمئة، وإقصاء الجامعة الوطنية لقطاع التعليم العالي.

وقال في تعقيبه على جواب وزير التعليم العالي عبد اللطيف الميراوي، الثلاثاء 21 نوفمبر 2023، خلال جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية لمجلس المستشارين، إن الحكومة تتعامل أحيانا بـ 6 بالمئة وأحيانا أقل من 6 بالمئة، مشيرا إلى عدم وجود أي نص قانوني يحدد نسبة 6 بالمئة في القطاع العام كشرط لتفاوض الوزراء مع الفرقاء الاجتماعيين.

 

كما أكد حزب العدالة والتنمية أن الإقصاء الذي تعرض له من عضوية المجلس الأعلى للتربية والتكوين، أمر مرفوض.

حيث استنكر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بن كيران، ما عده إقصاء تعرض له الحزب والنقابة المقربة منه، الاتحاد الوطني للشغل، من تشكيلة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.

وتساءل بن كيران، في كلمة له على هامش المؤتمر الوطني الثاني لمنظمة "نساء العدالة والتنمية"، 19 نوفمبر 2022: "أليس في حزب العدالة والتنمية كفاءة واحدة تستحق التواجد بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين"، معبرا عن استغرابه من تشكيلة المجلس وطبيعة أعضائه.

 

وأضاف: "أعيش حزنا خاصا هذه الأيام بعد أن اطلعت على تكوين المجلس الأعلى للتربية والتكوين، كيف يعقل إبعاد كفاءات العدالة والتنمية عنه"، معبرا عن وجود نية للإجهاز التام على الحزب.

يُذكر أن اليساريين ما يزالون يبسطون أيديهم على العديد من المؤسسات الدستورية، ومنهم أحمد الحليمي، المندوب السامي لمندوبية التخطيط، وأحمد الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ولحبيب المالكي، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وأمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وغيرهم.

وكانت القيادة السابقة للحزب، بقيادة رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، قد وصفت نتائج الحزب في انتخابات 8 سبتمبر 2021 بـ "غير المفهومة" و"لا تعكس مكانة الحزب وحصيلة إنجازاته".

حيث انتقل الحزب من الرتبة الأولى ب 125 نائبا برلمانيا وتدبير أكثر من 200 بلدية، إلى 13 نائبا فقط، وحل في المرتبة الأخيرة من بين الأحزاب، أي في المرتبة الثامنة.

كما فقد تسيير كل البلديات إلا من جماعات قروية صغيرة لا تتجاوز العشر، في وقت كان يرأس كل الجماعات الكبيرة والمتوسطة في البلاد.

الكلمات المفتاحية