إنهاء التهميش.. لماذا يحارب جيش العدل البلوشي ضد النظام الإيراني؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

تلقت الشرطة الإيرانية أخيرا أعنف هجوم من قبل "جيش العدل" التنظيم الذي يحارب النظام منذ عقد من الزمن وينشط في إقليم سيستان بلوشستان وهي منطقة حدودية مع باكستان وأفغانستان.

وفي "عملية نوعية" تمكن أفراد ينتمون لـ "جيش العدل" من مهاجمة مركز "راسك" للشرطة في محافظة سيستان-بلوشستان في جنوب شرق إيران فجر 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، ما أدى لمقتل أكثر من 12 شرطيا إيرانيا وإصابة 7 آخرين.

عمليات جديدة

وأوضح مساعد وزير الداخلية الإيراني للشؤون الأمنية والشرطية مجيد مير أحمدي، أن المسلحين هاجموا مركز الشرطة من محاور مختلفة، وعمدوا إلى نصب كمين لمنع وصول تعزيزات إلى مقر الشرطة، وفق ما نقلت وكالة "فارس".

وخلال الهجوم على مركز الشرطة قتل اثنان من "جيش العدل" واعتقل آخر، فيما تمكن الباقون من الفرار بعد سحب جثتي القتيلين.

وعرضت وكالة "إيسنا" الإيرانية للأنباء صور مروحية إيرانية تطارد مهاجمين فوق جبال عند الحدود بين إيران وباكستان.

وبحسب أحمدي فإن المهاجمين لم يتمكنوا من الفرار إلى الجانب الآخر من الحدود إذ كانت قوات الأمن قد فرضت طوقا على المنطقة.

وفي بيان مقتضب نشر عبر قناته على تلغرام، أعلن تنظيم "جيش العدل" الذي "يدافع عن حقوق البلوش السنة" مسؤوليته عن الهجوم على مركز "راسك".

ويقع مقر الشرطة المستهدف قرب مسجد جامع مكي الذي يؤم الصلاة فيه رجل الدين السني النافذ مولوي عبد الحميد.

وشكل "جيش العدل" عام 2012 في سيستان-بلوشستان التي تعد واحدة من أكثر مناطق إيران فقرا، وينتمي غالبية سكانها إلى إثنية البلوش السنية فيما غالبية سكان البلاد من الشيعة.

والتنظيم مدرج على قائمة الإرهاب في إيران، ويجد له موطئ قدم في محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرقي البلاد.

وتشهد منطقة سيستان-بلوشستان الصحراوية المترامية الأطراف، مواجهات متكررة بين القوى الأمنية من جهة وأقلية البلوش وجماعات سنية أخرى.

الهجوم الأبرز لـ "جيش العدل" كان على أكبر منشأة عسكرية إيرانية في منطقة كوهج- آسكان، بالقرب من مدينة سراوان في بلوشستان إيران في 2 ديسمبر 2013  وقالت الجماعة حينها إنها تمكنت من قتل العشرات من قوات الحرس الثوري الإيراني.

وجاء في بيان لـ "جيش العدل" أن "العمليات جاءت انتقاما لدماء 16 من السجناء البلوش الذين أعدموا في أعقاب عمليات سابقة لنا وأيضا انتقاما لجرائم الحرس الثوري الإيراني ضد المظلومين السوريين".

وقتل 10 عناصر من حرس الحدود التابع للحرس الثوري الإيراني بينهم 3 ضباط برتبة ملازم أول في المنطقة الحدودية ميرجاوه، بمحافظة سيستان وبلوشستان الواقعة على الحدود مع باكستان، جنوب شرق إيران، على يد "جيش العدل" نهاية أبريل 2017.

وسبق لـ "جيش العدل" أن تبنى خطف 14 شرطيا وجنديا إيرانيا في سيستان-بلوشستان في أكتوبر/تشرين الأول 2018، ثم أفرج عن خمسة منهم بوساطة من الحكومة الباكستانية.

وفي فبراير/شباط 2019، هاجم عنصر من "جيش العدل" بسيارة مفخخة حافلة تقل عناصر من الحرس الثوري الإيراني، على الطريق بين مدينتي زاهدان وخاش القريبة من الحدود الباكستانية. ما أسفر عن مقتل 27 منهم.

وفي 8 يوليو/تموز 2023، وقع هجوم على مركز شرطة 16 في زاهدان، حيث قتل شرطيان وأعلن "جيش العدل" مسؤوليته عن هذا الحادث.

وآنذاك وصف "جيش العدل" في بيان هذا المركز بأنه "أحد المقرات الرئيسة المؤثرة في مجزرة الجمعة الدموية في زاهدان".

وبحسب تقارير مختلفة لمنظمات حقوقية، فبعد إقامة صلاة الجمعة في 30 سبتمبر/أيلول 2022، أطلقت القوات الأمنية والعسكرية المتمركزة في مركز شرطة زاهدان النار بشكل مباشر على الأهالي المحتجين، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 100 مواطن. وإلى الآن يطالب المحتجون بمحاكمة كل "آمري ومرتكبي" هذه المجزرة.

وكانت مدينة زاهدان يومها مسرحا لأعمال عنف استمرت أياما عدة إثر اتهام شرطي باغتصاب شابة.

وعقب ذلك، أعلن رئيس محكمة بلوشستان إيران في 13 نوفمبر 2023 إعدام ثلاثة من أعضاء جيش العدل، وهم محمد براهويي إنجمني، ومحمد كريم باركزاي أكسون، وإدريس بيلراتي.

وقد اتهمت محكمة "الثورة الإيرانية" هؤلاء الثلاثة بـ"الإفساد في الأرض" من خلال المشاركة في "تفجير مركز شرطة في زاهدان".

منع الجرائم

وتعاني جميع القوميات غير الفارسية وأبرزها الأذرية والكردية والكردية البلوش والعربية من السياسات التمييزية في إيران.

ويتبع النظام الإيراني منع المشاركة السياسية وحظر الأحزاب، وينفذ إعدامات واعتقالات تعسفية وترحيلا ضد الناشطين والمعارضين سواء الأكراد أو العرب في الأحواز والبلوش في بلوشستان.

فيما يطالب هؤلاء بالحقوق والحريات الوطنية التي حرموا منها ويرفض النظام الإيراني الاعتراف بها بل ويسعى إلى طمس هويتهم وإنهائها بالقوة. 

وأمام ذلك النهج المتواصل، لجأت أفراد بعض الإثنيات بشكل مستقل إلى تشكيل مجموعات مسلحة لاستهداف النظام الإيراني.

إذ إن عمليات "جيش العدل" على مراكز الشرطة ربطها طاهر أبو نضال الأحوازي عضو المكتب السياسي "للجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية" لكون "الشعوب غير الفارسية المحتلة من قبل إيران تبحث دائما عن طرق من أجل إيقاف جرائم النظام الإيراني بحقها ومنها شعب بلوشستان".

وأضاف الأحوازي لـ "الاستقلال": "الجميع يعلم الآن أن مجازر النظام الإيراني هي نتيجة ردة فعل من قبل تلك الشعوب وخاصة من ناحية مقاومة الاحتلال التي يكفلها القانون الدولي  لمواجهة الاحتلالات".

وراح يقول: "النظام الإيراني نفذ مجازر بحق شعب بلوشستان في العام الأخير بعد ثورة الشعوب المنتفضة لأكثر من عام ومنها مجزرة يوم الجمعة في زاهدان التي راح ضحيتها أكثر من 150 مصليا ومثلها في الأحواز ومجزرة مدينة معشور الأحوازية التي راح ضحيتها أكثر من 160 مواطنا أحوازيا".

وأردف الأحوازي قائلا: "يضاف إلى ذلك أن النظام الإيراني لم يردع ولم توقفه حتى الإدانات من قبل منظمات حقوق  الإنسان العالمية".

ويعتمد "جيش العدل" على أسلحة خفيفة ومتوسطة إضافة لأخرى يحصل عليها في الاشتباكات مع الحرس الثوري الإيراني وقوات الحدود الإيرانية وكمائنه ضد الشرطة.

أما بالنسبة لأعداد "جيش العدل" فهي غير معروفة إلا أن مصادر عسكرية تشير إلى أنهم أقل من ألفي مقاتل يقودهم صلاح الدين فاروقي، ويحظون بدعم شعبي غير معلن من قبل قبائل البلوش، وتحيط السرية التامة به ولا يكشف حتى عن هيكليته.

ويرى بعض المراقبين أن "جيش العدل" يطمح لاستعادة دولة البلوش التاريخية التي كانت تعرف باسم "خانية كلات".

وظلت بمثابة دولة للبلوش حتى عام 1839 عندما أخضعت للسيطرة البريطانية، وجرى تقسيمها بين باكستان وإيران وأفغانستان.

وقد شهدت السنوات الأخيرة تنامي المطالبات بالانفصال في أجزاء بلوشستان الثلاثة (في كل من إيران وباكستان وأفغانستان) لتأسيس الدولة البلوشية.

إنهاء التهميش

في المقابل، هناك من ينظر إلى "جيش العدل" على أنه "يقاتل من أجل حقوق متساوية للمسلمين السنة في إيران"، على الرغم من أنها تصنف كحركة عرقية قومية بامتياز.

وفي حوار مع صحيفة "الرياض" السعودية نشر في 15 أغسطس/آب 2015، قال قائد "جيش العدل" صلاح الدين فاروقي: "إن الجيش هو منظمة دفاعية وعسكرية لصون الحقوق الوطنية والدينية للشعب البلوشي وأهل السنة في إيران".

وأردف: "عمدت طهران إلى عدم إشراك الشعب البلوشي في نظام حكم الدولة الإيرانية، وكانت أبرز المظالم والجرائم التي ترتكبها تتمثل باستهداف ديننا وأرضنا وهويتنا القومية عبر التعامل الأمني اللا إنساني الذي أدى إلى تمزيق هويتنا والتضييق على ديننا".

وأضاف: "في هذا الجانب منعتنا دولة الملالي من إقامة شعائرنا الدينية وأيضا من اختيار الأسماء التي تنتمي لهويتنا على الرغم من أن هذه الحقوق موجودة أصلا في دستور الدولة الإيرانية، ولكن لا تطبق على أرض الواقع".

ومضى يقول: "في الوقت الحاضر يعيش الشعب البلوشي أوضاعا مأساوية حيث إن مستويات الفقر والحرمان بلغت أرقاما قياسية".

كما أن عمليات القتل والإعدام بتهم واهية تجرى على نطاق واسع وهناك حديث عن تقسيم إقليم بلوشستان إلى عدة محافظات في خطوة خطيرة تهدف إلى طمس الهوية البلوشية، وفق قوله.

وراى فاروقي أن من أهم إنجازات جيش العدل، "توسيع ثقافة المقاومة بين أوساط الشعب البلوشي ومن خلال ذلك استطعنا تشكيل جبهة عريضة ومنظمة لمواجهة العدوان الإيراني".

وختم بالقول: "هذا النجاح جعلنا نُفشل معظم سياسات العدو الإيراني وأسهم في تراجع الكثير من سياسات طهران وخططها السابقة وأصبحت تهتم لأوضاع الشعب البلوشي بعد ما كانوا يعدون البلوش مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة".

وحينما أسر "جيش العدل" عام 2018 جنودا وضباطا من الحرس الثوري الإيراني، نشر بيانا حول مطالبه التي تلخصت حينها بـ"إطلاق سراح مجموعة من السجناء البلوش، السياسيين ورجال الدين".

كما طالب "بإطلاق سراح سجناء الأقليات الدينية والسياسيين السنة في سجن رجائي شهر".

وكذلك "إطلاق سراح مجموعة من السجناء السياسيين التابعين للشعوب غير الفارسية، ومجموعة من السجينات النساء من الناشطات في المجال السياسي".

وشدد "جيش العدل" في مطالبه على "ضرورة الالتزام الكامل بعدم التعرض للمساجد والمدارس الدينية لأهل السنة، مع الالتزام الكامل بوقف قتل البلوش بحجة تهريب البضائع".

وكثيرا ما تدعو إيران السلطات الباكستانية إلى القبض على عناصر "جيش العدل" وتسليمهم إلى إيران، فضلا عن تشديد التدابير الأمنية على الحدود لمنع تسللهم إلى الأراضي الإيرانية من المناطق الوعرة جغرافيا على الحدود بينهما.

وفي يوليو/تموز 2020، وضعت وزارة الخارجية الأميركية "جيش العدل" على قائمة التنظيمات والأفراد الدولية الإرهابية.