المغرب يهدد بـ"إغلاق" 90 بالمئة من كتاتيب القرى القرآنية.. ما القصة؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

 وسط انتقادات واسعة من خبراء ونشطاء، وجد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي أحمد التوفيق، نفسه وسط اتهامات بالتضييق على دور تعليم وتحفيظ القرآن الكريم، وذلك بعد إقرار إجراءات جديدة بشأن تدبيرها وإدارتها.

الإجراءات الجديدة التي وضعها التوفيق في مايو/أيار 2025، تتضمن كثيرا من الوثائق لاستمرار الكتاتيب القديمة، أو افتتاح أخرى جديدة، ما يعني إلغاء ما كان يطلق عليه "ترخيص وزاري" دائم، وتعويضه برخص مؤقتة لثلاث سنوات، قابلة للتجديد.

مذكرة مثيرة للجدل

كما تتعلق الشروط الجديدة برخص السكن والتعمير والتصميم، والملكية والشواهد الإدارية المصادق عليها، واستقلالية المكان ووثائق الجمعية.

ومن بين الوثائق المطلوبة أيضا، رخصة البناء وشهادة إدارية، وتقرير الخبرة التقنية على المنزل، وشهادة صلاحية المحل، وشهادة من الوقاية المدنية، وموافقة السكان، والتزام باستغلال المحل، ولائحة أعضاء الجمعية، والوصل النهائي للجمعية، ومحضر الجمع العام، وأنشطة الجمعية.

وتشترط الوزارة على مسؤولي الجمعيات، توفير العديد من الخدمات المالية والتدبيرية، منها أداء تعويض الأئمة والقيمين، وتوفير خدمات الحراسة وتحمل مصاريف الماء والكهرباء، وصيانة المسجد ومرافقه وتجهيزاته، وتحمل جميع التكاليف والمصاريف المرتبطة به.

مع عدم جمع التبرعات والأموال من الناس أو التماس الإحسان العمومي للقيام بهذه الأمور.

وسبق أن كشف وزير الأوقاف أن عدد الكتاتيب القرآنية بالمغرب وصل إلى 12 ألفا و943 حسب آخر إحصاء (يناير/كانون ثاني 2023)، بزيادة نسبتها 10 بالمئة مقارنة مع الموسم الدراسي 2004-2005 حيث كان عددها يومها 11 ألفا و773.

29C60C72-13EE-4149-905F-60F46070508E.jpg

من جانبها، كشفت جريدة "الأسبوع" المحلية في 6 مايو/أيار 2025، أن المشرفين على عدد من الكتاتيب وصلهم إشعار من مندوبيات وزارة الأوقاف، يلزمهم بتسوية وضعيتهم في أجل لا يتعدى شهرا.

وأوضحت أن هذه الإجراءات التي تعرقل استمرار هذه الكتاتيب في الأحياء الشعبية والقرى خصوصا، خلقت تساؤلات كثيرة حول الهدف من ورائها.

وتساءلت إن كان ما يجرى هو "خطة لإطلاق حملة لإغلاق الكتاتيب القرآنية أو تقليص عددها"، معتبرة أنه من الغريب إعادة النظر في جميع الرخص المسلمة لأصحاب الكتاتيب القرآنية.

وأردفت، بل وأن يقوم هؤلاء باستبدالها برخص جديد مدتها ثلاث سنوات فقط قابلة للتجديد، ما يعني أن 90 بالمئة من الكتاتيب في القرى والأحياء الشعبية، معرضة للإيقاف والإغلاق.

وشدد المصدر ذاته على أن الوزير التوفيق لم يكن موفقا بهذه القرارات، والتي سيكون لها أثر سلبي على منظومة تحفيظ وتعليم القرآن الكريم بالمملكة.

رد المشرفين

تفاعل عدد من المشرفين على الكتاتيب القرآنية الموجودة بعمالة سلا مع تنبيه المندوبية الإقليمية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الذي يمهلهم شهرا لتسوية وضعيتهم وفق الصيغة والشروط الجديدة.

ونقل موقع "هوية بريس"، في 7 مايو 2025، أن هؤلاء المشرفين اتفقوا على عدد من المواقف والمطالبات ستُقدم كجواب لمندوبية الأوقاف والشؤون الإسلامية.

وأوضح أن المشرفين اتفقوا على أنه، وفي حالة زيارة ممثلي المندوبية للكتاتيب للاطلاع على الصعوبات والتحديات التي جعلتهم يرفضون التفاعل مع التنبيه المشار إليه، فإن جواب المشرفين هو رفض الترخيص المؤقت والتمسك بالترخيص غير المحدد زمنيا.

كما طالبوا بأن "الكتاتيب القائمة قبل صدور المذكرة الجديدة ستعمل بالنظام القديم، وكل الوثائق الخاصة بالفتح سبق إيداعها بالمندوبية فلا حاجة لإعادة نسخها وإيداعها"، وأيضا "ضرورة تعميم المنحة المقدمة للمدرسين مع الرفع من قيمتها".

وبالنسبة للمساطر الإدارية للراغبين في فتح كتاتيب جديدة، طالب المشرفون بتسهيلها تماشيا مع سعي الوزارة لخلق كتاتيب نموذجية.

وفي حالة رفضت الوزارة ومندوبياتها هذه الإجراءات، فحينها، يقول المشرفون، "يمكن للمسؤولين على الكتاتيب القرآنية تحويل مقراتها لجمعيات ستعمل طبقا للقانون المؤطر لها، ولن يبقى للوزارة أية وصاية عليها، وهذا ما لا يريده القائمون على هذه الكتاتيب لكنهم سيضطرون لذلك إذا استمرت نفس المعاملة معهم".

تفاعل واسع

شهدت وسائل التواصل الاجتماعي تفاعلات واسعة مع الشروط الجديدة المعلنة من لدن وزارة الأوقاف بشأن الكتاتيب القرآنية، ومن ذلك ما نشرته "الهيئة الديمقراطية المغربية لحقوق الإنسان"، 13 مايو 2025.

حيث رأت الهيئة أن "وزارة الأوقاف تتجه بكل الوسائل للتضييق على الكتاتيب القرآنية والسعي إلى إغلاقها، مرة بسبب السياسة ومرة بالإرهاب ومرة بدفاتر تحملات يستحيل معها فتح أي كتاب".

وشددت الهيئة على أن الهدف هو "ترسيخ العلمانية وتجريد المجتمع المغربي من هويته الإسلامية"، مشيرة إلى أن "ما يقومون به هو من أجل خدمة الأجندة الخارجية".

بدوره، قال الناشط إبراهيم الوزاني: إن الشروط المعلنة من وزارة الأوقاف بخصوص الكتاتيب هي "شروط تعجيزية، وستفضي لا محالة إلى إغلاق عدد كبير منها".

ونبه الوزاني في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك، إلى أن الجهود المبذولة منذ القدم للعناية بمراكز تحفيظ القرآن، تخدم صورة المغرب كبلد مهتم بتعليم وتحفيظ القرآن.

وتساءل الناشط عن خلفيات القرارات التعسفية التي تستهدف الكتاتيب القرآنية، بدل تقديم كل دعم مادي ومعنوي لها؟

وأشار إلى أن "الكتاتيب القرآنية" تصير بمقتضى المذكرة الجديدة تحت وصاية جمعيات تشرف عليها، وهي الجمعيات الملزمة بتضمين قانونها الأساسي "إنشاء كتاب قرآني"، الأمر الذي ترفضه السلطات المحلية (لترخص للجمعية) التي تخبرهم بأن هذا من اختصاص مندوبيات وزارة الأوقاف.

فكيف سيتم حل هذا المشكل في وقت أمهلت فيه المندوبيات الكتاتيب القرآنية مدة شهر لتسوية وضعيتهم؟ يتساءل الوزاني.

تسييس وتلغيم

في تحليله لخلفيات هذا القرار الوزاري بشأن الكتاتيب القرآنية، قال أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد بن كيران، إن الأمر لا يخلو من تسييس وتلغيم، وأن خلفياته غير مبشرة.

وأضاف بن كيران لـ "الاستقلال"، ولولا ذلك لكان من المفترض والبديهي ألا توجه الوزارة الوصية القانون الجديد ذا دفتر التحملات الصعبة إلى الكتاتيب القرآنية والجمعيات القائمة حاليا، الذي سيثقل كاهلها أو يعجزها عن الاستمرار.

وأردف، "هذه الكتاتيب القرآنية لم تأت من فراغ، بل حملت مشعل القرآن الكريم لعقود عديدة، وأسهمت في تحفيظ الناشئة وعموم المغاربة كتاب الله، في صمت ونكران ذات وتفان قل نظيره". 

alkuttab.jpg

وشدد بن كيران أنه "وفاء لأهل القرآن- الذين هم أهل الله وخاصته- واحتراما لجهودهم الكبيرة السابقة، كان الأجدر أن تمنح لهذه الكتاتيب والجمعيات استثناءات خاصة، أو دعما ماديا ومعنويا يمكنها من مواصلة رسالتها النبيلة".

وتابع، "أما فرض الشروط الجديدة دون تمييز بين الكتاتيب القائمة أو التي سيتم تأسيسها، ودون أي مرونة، فذلك يوحي بأن الهدف ليس التنظيم والتقنين فقط، بل تقليص عدد هذه المحاضن القرآنية أو الحد من أثرها.

ورأى الأستاذ الجامعي أن ما يجرى "يبعث على القلق والشكوك"، متسائلا “عن من يحمي الكتاتيب القرآنية من سياط وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية؟”