"عام على الطوفان".. الثوابتة: الاحتلال يواصل تجويع غزة لكنه فشل بإحداث فراغ إداري (خاص)
"نُناشد الجمهورية التركية وجمهورية مصر العربية ومجلس التعاون الخليجي بإدخال المساعدات إلى غزة"
مع مرور عام كامل على حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وصف مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، الأوضاع الإنسانية والصحية في القطاع بـ"الكارثية".
وفي حوار مع “الاستقلال”، تحدث الثوابتة عن إمعان الاحتلال في تدمير كل سبل الحياة في قطاع غزة، ما يصعب إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح في ظل إخراج أغلب المستشفيات عن الخدمة.
وتطرق إلى آثار إغلاق معبر رفح على حياة آلاف الجرحى والمرضى الذين تُركوا لأقدارهم مع عدم توافر الأدوية والمستلزمات الطبية لعلاجهم.
وعرج الثوابتة على الحالة الأمنية في القطاع والجهود الحكومية للتخفيف من آثار العدوان عبر نشر قوات الشرطة وتنظيم الأسواق وضبط الأسعار، وكذلك انتشار الجرحى والشهداء، والصعوبات التي تواجه هذه العمليات.
والصحفي الفلسطيني الثوابتة هو مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة الذي يعد بمثابة وزارة الإعلام بالقطاع ويصدر باستمرار تحديثات ترتبط بأعداد الشهداء والجرحى والوضع الإنساني.
الوضع الإنساني
- ما حجم المساعدات التي تدخل إلى غزة يوميا وما مصدرها وكيف تدخل؟
لا تدخل إلى قطاع غزة مساعدات منذ 147 يوماً حين جرى إغلاق المعبر الأخير وهو معبر رفح الحدودي، حيث عمل جيش الاحتلال الإسرائيلي على تجريفه وإخراجه عن الخدمة تماماً، وكذلك أغلق معبر كرم أبو سالم، وبالتالي منع وصول المساعدات.
قطاع غزة يتعرض لحصار ظالم منذ 18 عاماً بشكل متواصل، والاحتلال يمنع إدخال مئات الأنواع والأصناف من السلع والبضائع إليه.
وقبل بدء حرب الإبادة الجماعية كان يدخل قطاع غزة 600 شاحنة يومياً من السلع والبضائع والمساعدات.
ولكن عندما بدأت حرب الإبادة الجماعية أوقف الاحتلال إدخال أي مساعدات بشكل مطلق ومعلن.
وأصبحت لدينا مئات آلاف من أطنان المساعدات متكدسة على الجانب الآخر من المعبر، ولكن الاحتلال يرفض إدخالها في إطار الضغط على المدنيين باستخدام سياسة التجويع.
واليوم تعمل بعض المؤسسات الدولية على إدخال مساعدات قليلة جدا ومحدودة ولا تغطي 1 بالمئة من حاجة شعبنا الفلسطيني.
- غزة مقبلة على كارثة مع حلول الشتاء، ما المطلوب اليوم لمنعها أو التخفيف منها؟
هذا صحيح، وقد أوضحنا ذلك عشرات المرات، من خلال المؤتمرات الصحفية والبيانات والتصريحات اليومية والمقابلات والاستضافات عبر وسائل الإعلام المختلفة، واليوم نؤكد على هذا الكلام من خلالكم.
ونحن أطلقنا نداء استغاثة إنسانيا عاجلا لإنقاذ واقع مليوني نازح في قطاع غزة قبل فوات الأوان، بالتزامن مع قدوم المنخفضات الجوية وقبل دخول فصل الشتاء وظروفه المناخية القاسية.
نحن نتحدث عن أن أعداد النازحين لا تزال في تدفق وازدياد يوماً بعد يوم بسبب زيادة استهدافات الاحتلال للأحياء والمربعات السكنية، حيث بلغ عدد النازحين بشكل عام مليوني نازح في محافظات قطاع غزة.
ولدينا في قطاع غزة 543 مركزاً للإيواء والنُّزوح نتيجة ارتكاب الاحتلال جريمة التهجير القسري وهي جريمة ضد الإنسانية من خلال إجبار المواطنين على النزوح الإجباري من منازلهم وأحيائهم السكنية الآمنة وهي جريمة مخالفة للقانون الدولي.
هذا الواقع يدفعنا للحديث عن أن نسبة 74 بالمئة من خيام النازحين أصبحت غير صالحة للاستخدام، وذلك وفقاً لفرق التقييم الميداني الحكومية.
والتي أفادتنا بوجود 100 ألف خيمة من أصل 135 ألف خيمة بحاجة إلى تغيير واستبدال فوري عاجل نتيجة اهتراء هذه الخيام تماماً، حيث إنها مصنوعة من الخشب والنايلون والقماش.
وهذه الخيام اهترأت مع حرارة الشمس ومع ظروف المناخ في قطاع غزة، وخرجت عن الخدمة بشكل كامل، خاصة بعد مرور 11 شهرا متواصلا من النزوح وهذه الظروف غير الإنسانية.
فعلياً؛ قطاع غزة مُقبل على كارثة إنسانية حقيقية بفعل دخول فصل الشتاء وظروف المناخ الصعبة، وبالتالي سيصبح مليونا إنسان بلا أي مأوى وسيفترشون الأرض ويلتحفون السماء.
وذلك بسبب اهتراء خيام النازحين وخروجها عن الخدمة تماماً، وكذلك بسبب إغلاق المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، ومنع الاحتلال إدخال قرابة ربع مليون خيمة و"كرفان" في ظل هذا الواقع المرير.
ولذلك فإن المطلوب هو الوقوف إلى جانب شعبنا الفلسطيني، ونُناشد الجمهورية التركية وجمهورية مصر العربية وكل الدول العربية والإسلامية ومجلس التعاون الخليجي بإدخال المساعدات والخيام.
إذ إن هؤلاء الآن يتهيّؤون للعيش في الشوارع بدون مساعدات وبدون مأوى بسبب الظروف القاسية التي يعيشونها وسيعيشونها خلال الشهور القادمة، وسيكون لها انعكاس خطير على حياتهم وظروفهم.
وفي هذا الإطار نُطالب المجتمع الدولي وكل المنظمات الدولية والأممية والمؤسسات العالمية ذات العلاقة للخروج عن صمتها وتقديم الإغاثة الفورية والعاجلة لمليوني نازح هم بأمس الحاجة إلى مأوى مناسب يقيهم من برد الشتاء وحرارة الصيف.
وقبل ذلك الضغط على الاحتلال وعلى الأميركيين لوقف جريمة الإبادة الجماعية ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة.
القطاع الصحي
- ما حال القطاع الصحي اليوم بعد إخراج الاحتلال 34 مستشفى عن الخدمة؟ وما حجم النقص في الأدوية والمعدات؟
المنظومة الصحية في قطاع غزة خرجت عن الخدمة في ظل استهداف وتدمير وإحراق الاحتلال "الإسرائيلي" للمستشفيات.
وبالتالي أصبح المواطن الفلسطيني يعيش حالة خطيرة جداً من المعاناة نتيجة انعدام الخدمات الصحية.
وحتى ننجح في إيصال الفكرة فإننا نضرب مثالاً على ذلك بأن هناك المئات من السيدات الفلسطينيات الحوامل وضعن حملهن ومواليدهن في بيوتهن بدون أدنى درجة من الأمان لهذه المواليد.
ويجرى ذلك في ظل كارثة التلوث التي لحقت بقطاع غزة نتيجة حرب الإبادة وخطة الاحتلال "الإسرائيلي" بإخراج المنظومة الصحية عن الخدمة.
وقس على ذلك العشرات من الحالات المرضية التي لا تستطيع الوصول إلى أي مستشفى لأنها أصبحت معدومة.
والاحتلال يمنع إدخال الأدوية والعلاجات منذ 147 يوماً عندما أغلق جميع المعابر بشكل كامل وأحكم الحصار على قطاع غزة.
- كم مريض وجريح يحتاج إلى إنقاذ عاجل وخروج من أجل العلاج؟ هل يمكن إطلاعنا على بعض الإحصاءات؟
يمنع الاحتلال سفر 25 ألف مريض وجريح وفقدنا العشرات منهم نتيجة جريمة حرمانهم من السفر لتلقي العلاج في الخارج.
وحالياً لدينا في قطاع غزة مئات آلاف المرضى بحاجة ماسة إلى العلاج، من بينهم 10 آلاف مريض سرطان، وأكثر من 35 ألف مريض بأمراض مزمنة.
وكل هذا العدد الكبير من المرضى والجرحى هم في مواجهة قدر الموت لأنهم أصبحوا يعانون من انعدام الأدوية والعلاجات التي يمنع الاحتلال إدخالها منذ بدء حرب الإبادة الجماعية وبشكل أكبر منذ 147 يوما بشكل أكبر.
إضافة إلى ذلك فإن الواقع داخل ما تبقى من المستشفيات والمراكز الطبية صعب للغاية.
فلا يوجد عمليات جراحية بمعنى الكلمة، كما يجري الأطباء الطارئة منها بدون مستلزمات وأدوات طبية وبدون تعقيم.
وهذا يشكل خطراً حقيقياً على حياة المريض وعلى حياة الطبيب الذي أصبح أيضا في مهب العدوى والإصابة بالأمراض.
وبالتالي الواقع الذي يعيشه قطاع غزة كارثي بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
فلا يوجد مستشفيات ولا أدوية ولا علاجات، لا يوجد مستلزمات طبية، وبالتالي المطلوب من كل العالم هو إنقاذ القطاع قبل فوات الأوان.
الجهود الحكومية
- هل الكوادر الحكومية تعمل بشكل ما في غزة؟ ما الخدمات التي يقدمونها في ظل هذه المأساة؟
الحكومة الفلسطينية في غزة تواصل تقديم خدماتها للمواطنين وفق خطة الطوارئ الحكومية التي بدأ العمل بها بالتزامن مع حرب الإبادة الجماعية منذ السابع من أكتوبر 2023.
والآن لدينا أكثر من 18 ألف موظف حكومي على رأس عملهم في العديد من القطاعات والوزارات والمؤسسات الحكومية، التي ما زالت تعمل خلال الحرب مثل تقديم الخدمات الطبية والصحية من خلال وزارة الصحة.
وكذلك تقديم الخدمات الأمنية والشرطية من خلال وزارة الداخلية والأمن الوطني، وتقديم الخدمات المحلية كتوفير المياه وترحيل النفايات وصيانة ومتابعة شبكات الصرف الصحي وغيرها من الخدمات المحلية من خلال وزارة الحكم المحلي والبلديات.
وهذا إضافة إلى خدمات أخرى كتقديم المساعدات من خلال وزارة التنمية الاجتماعية وتنظيم حركة السلع والبضائع والأسواق من خلال وزارة الاقتصاد الوطني.
وأيضا يجرى تقديم الخدمات الإعلامية وتصدير المواقف الصحفية من المكتب الإعلامي الحكومي، وتقديم الخدمات الدينية وتفعيل المساجد من خلال وزارة الأوقاف والشئون الدينية، وكذلك وزارة المالية، وهكذا.
- كيف تسري عمليات انتشال جثامين الشهداء في ظل نقص المعدات والآليات واستهدافها؟
سيارات الإسعاف المختلفة وجهاز الدفاع المدني هما أجهزة تقدم الخدمات الإنسانية والخدمة المدنية في قطاع غزة، ومن المفترض أن تكون محمية وفقا للقانون الدولي.
وتعمل سيارات الإسعاف التابعة للقطاع الصحي على انتشال جثامين الشهداء عند كل مجزرة إلى جانب جهاز الدفاع المدني.
والذي يعد الجهة الوحيدة التي تقوم بانتشال جثامين الشهداء خاصة من تحت الأنقاض ومن تحت البنايات المدمرة.
إلا أن جيش الاحتلال "الإسرائيلي" استهدف على مدار سنة كاملة هذه الأجهزة التي تقدم الخدمة الإنسانية والمدنية.
إذ دمر أكثر من 130 سيارة إسعاف، ومئات من سيارات وعربات ومعدات الدفاع المدني الذي بات أكثر من 80 بالمئة من قدراته خارج الخدمة.
وبالتالي تحاول هذه الأجهزة بإمكانيات ضعيفة جداً القيام بمهامها المطلوبة منها، وهناك عقبات واضحة ومقصودة من الاحتلال لإيقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا في صفوف المدنيين.
ولأن العقبات والتحديات كبيرة جداً فإن هناك قرابة 10 آلاف شهيد ومفقود تحت الأنقاض والبنايات المدمرة لم تتمكن الطواقم الإنسانية من انتشالها وإخراجها من تحت الأنقاض.
الحالة الأمنية
- كيف تصفون الحالة الأمنية بغزة في ظل استهداف الاحتلال قوات الشرطة؟ وما الأدوار المنوطة بالأخيرة حاليا؟
لا شك أن الحالة الأمنية تزعزعت بشكل واضح خلال حرب الإبادة الجماعية بسبب استهداف الاحتلال للأجهزة الشرطية في قطاع غزة رغم أن جهاز الشرطة يعد وفقا للقانون الدولي جهازا مدنيا بحتا ومحميا بالقانون الدولي.
غير أن الاحتلال قتل أكثر من 800 رجل شرطة خلال حرب الإبادة الجماعية، حيث يتم استهدافهم بشكل مباشر ومقصود.
الدور الذي يؤديه جهاز الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة هو مهام تتعلق بتأمين النازحين.
كما يعمل على فض المشاكل العائلية، وملاحقة اللصوص، ومتابعة قضايا السطو على الخيام والمنازل وعلى شاحنات المساعدات.
وأيضا يعمل على حماية العاملين في المؤسسات الدولية والمحلية، ومتابعة المفقودين سواء من الأطفال أو المواطنين وإيصالهم إلى ذويهم.
وكذلك متابعة قضايا الأسواق، وتنظيم المرور والازدحام، وحماية المستشفيات، وملاحقة التجار الذين يعملون على رفع الأسعار، والقضايا المتعلقة بالأسرة الفلسطينية ومتابعة مشاكلها العائلية وتسليم الأطفال بين الأزواج.
- ما مدى نجاحكم بالسيطرة على الأسعار ومنع الاحتكار وهل هناك آلية لمحاسبة المُغالين والمحتكرين من التجار؟
منذ بدء حرب الإبادة الجماعية كان للطواقم الحكومية قدرة عالية جدا على ضبط حركة الأسواق والسيطرة تماما على الأسعار وضبطها ومنع احتكارها.
ولكن استهداف الاحتلال لجميع الطواقم الحكومية في محاولة منه لإحداث فراغ إداري وحكومي وميداني كان له أثر مباشر على اختفاء الأداء الحكومي الميداني في أحيانٍ معينة، وذلك في إطار حماية طواقمنا من القصف والاستهداف “الإسرائيلي”.
غير أننا استطعنا ملاحقة التجار الذين كانوا يرفعون الأسعار في الأسواق ووضعنا لهم حدا وضبطنا الحالة بشكل كبير، وحاسبنا الكثير منهم بشكل صارم.
وحالياً طواقمنا تعمل بحذرٍ شديد في متابعة أعمالها الميدانية، وبالتالي فشلت خطة الاحتلال في إحداث الفراغ الإداري والحكومي والميداني.