بعد دخول "اتفاق الألغام" حيز التنفيذ.. هل أصبح أمن البحر الأسود بيد تركيا؟

5 months ago

12

طباعة

مشاركة

بعد نحو 6 أشهر من توقيع تركيا ورومانيا وبلغاريا، اتفاقاً حول خطة مشتركة لإزالة الألغام في البحر الأسود جراء الحرب في أوكرانيا، بدأت مجموعة العمل مهامها في البحر الأسود بدءا من مطلع يوليو/تموز 2024.

في مقالها بوكالة الأناضول سلطت الكاتبة التركية "مروة سِرين" الضوء على مذكرة تفاهم مجموعة العمل لمكافحة الألغام في البحر الأسود والتي تم التوقيع عليها بين القوات البحرية التركية وبلغاريا ورومانيا في 11 يناير/كانون الثاني 2024، وذلك بعد أشهر من المحادثات بين الدول الثلاث.

مبادرة جديدة

ورأت الكاتبة التركية أن إحدى أولويات القوات البحرية التركية هو البحر الأسود، فقد بدأت الألغام العائمة التي تم إلقاؤها قبالة سواحل أوديسا قبل اندلاع حرب روسيا وأوكرانيا تشكل تهديدا خطيرا على التجارة البحرية والنقل والنشاطات الطاقوية والأمن البيئي والأمن الغذائي. 

وأصبحت المنطقة التي توجد فيها الألغام منطقة خطرة للسفن التجارية والسفن التي تقوم بأعمال الاستكشاف عن المحروقات. بينما يشكل جزء آخر منها تهديداً من خلال تحركها نحو الموانئ ويصطدم بعضها الآخر بالسفن التجارية.

وذكرت الكاتبة أن تركيا استجابت للتهديد المتزايد من "الألغام العائمة" وقادت مبادرة جديدة بناءً على السلطة الممنوحة لها بموجب اتفاقية مضائق مونترو.

في هذا السياق، أجرت تركيا سلسلة من المحادثات مع بلغاريا ورومانيا المجاورتين للبحر الأسود، وتم توقيع "مذكرة تفاهم مجموعة العمل لمكافحة الألغام في البحر الأسود" في 11 يناير 2024.

وبناءً على ذلك، تم تشكيل مجموعة عمل تجمع قدرات وإمكانات البلدان الثلاثة لمواجهة تهديد الألغام العائمة في البحر الأسود، وبدءا من مطلع يوليو/تموز 2024 بدأت مجموعة العمل لمكافحة الألغام في البحر الأسود بالعمل. 

وحسب الكاتبة، "تعد مجموعة العمل لمكافحة الألغام في البحر الأسود جهدا قيّما للغاية في إطار الهندسة الأمنية الإقليمية والدولية بصفة خاصة، ليس فقط بالنسبة للدول الساحلية بل أيضا للمنطقة بأكملها".

سياسة التوازن

وأشارت الكاتبة التركية إلى أنه يمكن تقديم ثلاثة تقييمات رئيسة لمذكرة التفاهم الخاصة بفريق العمل المعني بالتدابير المضادة للألغام في البحر الأسود.

أولا: تعد مجموعة العمل لمكافحة الألغام في البحر الأسود تجسيدا ملموسا لـ "سياسة التوازن" التي تتبعها تركيا من الناحية الديناميكية في المنطقة. 

حيث تعاملت تركيا مع روسيا منذ بداية حرب روسيا وأوكرانيا وحتى خلال التدخل العسكري في جورجيا في عام 2008 وبعده بموقف "مهدئ" بدلا من "استبعادي". 

وفي هذا الصدد، تم بناء الحوار بين أنقرة وموسكو على "مبدأ الملكية الإقليمية" و"مبادئ مونترو" لتحقيق التوازن في البحر الأسود وضمان أمن المنطقة. 

وبالتالي، تعد مجموعة العمل لمكافحة الألغام في البحر الأسود تعبيرا عن سياسة التوازن التي اعتمدتها تركيا منذ وقت طويل، وتستند إلى نهج يرفض تحويل حرب روسيا وأوكرانيا إلى منافسة بين الولايات المتحدة وروسيا في البحر الأسود. 

ووفق المقال، هناك حقيقتان معروفتان للجميع: أن إستراتيجية الحصار التي تتبعها الولايات المتحدة في النظام العالمي الجديد تستهدف روسيا وإيران والصين، وأن الاحتلال الروسي لجورجيا والقرم والحرب التي شنتها على أوكرانيا تمثل تحديا جديا لهيمنة الولايات المتحدة. 

ولهذا السبب، ارتأت تركيا أن نقل هذه الاتفاقية إلى مظلة الناتو أو حتى إلى الأمم المتحدة أمر غير مناسب، بل اختارت التعاون مع الدول الساحلية وتفضيل التصرف بشكل استباقي لمنع المخاطر والتهديدات التي قد تنشأ عن محاولات مختلفة من قبل الجهات المعنية المركزة في الولايات المتحدة وروسيا. 

وحسب الكاتبة التركية، فإنه بناءً على "ما بعد انتهاء الحرب" وبناء على "كيفية انتهاء الحرب"، فإنه من الممكن أن تقود تركيا مبادرة جديدة تشمل جورجيا وأوكرانيا في هذه الآلية الثلاثية.

حرب الألغام

ثانيا، تعد مجموعة العمل لمكافحة الألغام في البحر الأسود تجسيدا للقدرات والإمكانات التي اكتسبتها تركيا في حرب الألغام. 

ففي الماضي كانت تركيا تقوم بـ "تنقية الألغام"، لكنها أصبحت الآن "صيادة ألغام" كبيرة في حلف شمال الأطلسي. 

وفي هذا الصدد، يجب التأكيد على أن تركيا اكتسبت معرفة وخبرة عميقة في حرب الألغام من خلال المشاركة النشطة في المهام التشغيلية لمجموعة العمل الدائمة لمكافحة الألغام في حلف شمال الأطلسي، ومن خلال تدريبات "نصرت" التي تم تنظيمها في إزمير وفي الدردنيل لمدة عام. 

وتابعت الكاتبة: "يجب أن يتم التأكيد على أن تركيا، التي تمتلك حاليًا 11 سفينة صيد للألغام، ستقود مجموعة العمل لمكافحة الألغام في البحر الأسود وستزود بلغاريا ورومانيا بالقدرات المطلوبة".

وأضافت "بهذا المعنى، فإنه ليس مبالغا القول إن تركيا ستنقل خبرتها في الكشف والتشخيص وتدمير الألغام إلى شركائها البلغاريين والرومانيين، سواء من خلال أجهزة التدمير عن بعد الموجودة على السفن أو من خلال الغواصين المتخصصين في حرب الألغام". 

ولا يمكن أن ننسى، وفق المقال، أنه على الرغم من أن تركيا لم تتعاون مباشرة مع حلف شمال الأطلسي في إطار مجموعة العمل لمكافحة الألغام في البحر الأسود، إلا أن هذه المبادرة تم تنفيذها بناءً على قرار تم اتخاذه في قمة فيلنيوس لحلف شمال الأطلسي.

وقد يكون من الممكن في المستقبل أن يشارك حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة في حرب الألغام من خلال غواصي حرب الألغام إذا اتفق قادة البحريات الثلاثة على ذلك بالإجماع، ولكن يجب أن يتم ذلك وفقا لسياسة التوازن في البحر الأسود خلال استمرار الحرب. 

ومع ذلك، لا يعد مناسبا أن تشارك السفن السطحية للدول غير الساحلية في هذه النشاطات، حسب الكاتبة.

حماية المصالح

ثالثا، تعد مجموعة العمل لمكافحة الألغام في البحر الأسود مهمة للغاية لحماية المصالح الوطنية والإقليمية لتركيا. فمن المعروف أن تركيا تمتلك الآن احتياطيا واسعا من الغاز في المنطقة. 

وعلى الرغم من عدم وجود إعلان رسمي حتى الآن، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2022 أن احتياطي الغاز الذي تم اكتشافه في البحر الأسود وصل إلى 710 مليارات متر مكعب، ويعادل قيمته السوقية تريليون دولار. 

ويثبت هذا الإعلان أهمية كشف وتدمير الألغام العائمة التي قد تهدد السفن البحرية والسفن التي تقوم بأعمال الاستكشاف والحفر عن المحروقات في البحر الأسود. 

لهذا السبب، تحافظ تركيا على جاهزية سفن صيد الألغام باستمرار وفرق الدفاع تحت الماء وغواصي حرب الألغام وقوارب الدورية التي تدعمها وسائل النقل البحرية والجوية لتقليل المخاطر والتهديدات التي يمكن أن تواجهها السفن التجارية والسفن التي تقوم بأعمال الاستكشاف والحفر عن المحروقات.

علاوة على ذلك، يجب التأكيد على أن نجاح تركيا في مجال الملاحة له تأثير مباشر على صناعة الدفاع، فعلى سبيل المثال، يجب ألا ننسى أن العائدات التي تحققها صناعة الدفاع التركية في الوقت الحالي تعود بشكل كبير إلى القوات البحرية. 

وكما هو معروف، وفق الكاتبة التركية، بدأت تركيا بالفعل في بناء أربعة أنواع مختلفة من السفن البحرية دون قبطان بجانب طائرات الاستطلاع والمراقبة بدون طيار، ويجب أن يتم التأكيد على أن واحدة من أدوار هذه السفن البحرية في المستقبل ستكون في مجال مكافحة الألغام.

وختمت الكاتبة مقالها قائلة: تشكّل الألغام العائمة الحالية في البحر الأسود واحدة من الثغرات الأمنية الحساسة حاليا. ولهذا، اختارت أنقرة الخيار الأكثر منطقية وهو تكليف الدول الساحلية في البحر الأسود بتنظيف الألغام. 

وبهذه الطريقة، تتبع تركيا موقفا حذرا ومحترزا في الحفاظ على الأمن الوطني والإقليمي، وتفضل التركيز على حل المشكلة في أقرب وقت ممكن دون إغضاب الأطراف المعنية.