حسن خريشة: سلطة عباس لن تحكم غزة والحراك الطلابي العالمي يجب أن يتطور (خاص)
"كلمة السر هي الشعوب ومؤسسات المجتمع المدني المناصرة للقضية الفلسطينية"
قال نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة، إن عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها كتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس” في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، “عزلت السلطة الفلسطينية وزادت من تراجع دورها”.
وأكد خريشة وهو أيضا عضو بالمجلس المركزي الفلسطيني، في حوار مع “الاستقلال” أن طوفان الأقصى “لم تدع شيئا خفيا على العالم، وأظهرت كل الحقائق المرتبطة بالقضية الفلسطينية عيانا، فصنفت أنصار المقاومة بشكل واضح، وكذلك صنفت أعداءها في خندقهم المناسب”.
وأعرب السياسي الفلسطيني عن ثقته بأن المقاومة "منتصرة" بجهدها وبالتحام الشعب معها، وأن "من لا يعي أن الأمور قد تغيرت بفعل الطوفان فهو بعيد كل البعد عن الواقع".
وتعليقا على التغيير الحكومي الأخير برام الله، أوضح خريشة أن “أي تغيير في السلطة الفلسطينية يجب أن يكون على مستوى الأشخاص والنظام بشكل كامل؛ إذ يرى أن عمليات التجميل في هذا الشأن لم تعد مُجدية، وأن الشعب ارتفع إدراكه بواقعه السياسي أكثر من أي وقت”.
وخريشة (69 عاما) نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني وشغل سابقا منصب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني لمدة قصيرة، وهو شخصية سياسية مستقلة من مدينة طولكرم بالضفة الغربية.
واقع أليم
كيف ترى تبعات “طوفان الأقصى” على واقع السلطة الفلسطينية؟
طوفان الأقصى عرّى السلطة وكشفها أمام الجميع؛ فالسلطة من قبل طوفان الأقصى كانت غير مؤهلة لحمل مسؤولية القضية بشكل عام، وجاء الطوفان ليعريها ويكشف هذه الحقيقة ويؤكدها، وبالتالي استطاع الطوفان أن يعزل السلطة على مستوى القيادة والقواعد بكل ترتيباتها.
وبدلا من أن تبدي السلطة وقوفها إلى جانب الشعب وتعد الطوفان نقطة تحول في تعاملها مع المقاومة ومع الشعب مازالت للأسف تراهن على الولايات المتحدة والغرب للبقاء في وضعيتها كحاكم وهمي للشعب.
ومازالت تعتقد أن مسار التفاوض هو الحل ويزدادون قناعة بذلك من خلال بعض التصريحات من قادة أوروبا أو من الرئيس الأميركي جو بايدن بأن السلطة هي البديل الجاهز دائما للقيادة وليحل محل المقاومة.
للأسف كل هذه أوهام مازالت السلطة تعيش عليها وتحاول أن تقنع بها من يناصرها أو يؤيدها في موقفها وهم قليلون في الوقت الراهن.
بذلك.. هل ترى أن أميركا والغرب قد يرفعون أيديهم قريبا عن السلطة الفلسطينية وكيف ترى مستقبلها في حال حدث ذلك؟
هم رفعوا أيديهم بالفعل والدليل انحيازهم الدائم والمستمر والواضح بقوة للاحتلال، العجيب أن السلطة مازالت تراهن على موقف هؤلاء..
كيف تتوقعون أن يسعى هؤلاء- سواء أميركا أو بريطانيا أو الغرب بشكل عام ومعهم بعض الدول العربية- لتأسيس دولة فلسطينية وأنتم تعلمون أن هذا عكس مصالحهم.
أميركا والغرب بشكل عام أرسلوا رسالة واضحة لكل العالم وليس للسلطة الفلسطينية فقط في اليوم الذي أسقطوا فيه الصواريخ والطائرات الإيرانية المتجهة نحو تل أبيب، ومفادها أن القضية الفلسطينية إذا تم حلها يجب أن تكون كما نريد نحن وليس كما تريد السلطة أو أي جهة حول العالم.
أما مستقبل السلطة فالإدارة الأميركية تحاول هيكلتها على نحو يتوافق مع أهدافها وأهداف إسرائيل، مثلما فعلت بعد الانتفاضة الثانية، يحاولون استنساخ هذه التجربة.
لكن عندما فعلوا ذلك من قبل كانت النتيجة سلبية على القضية الفلسطينية، حيث تراجعت مكانة القضية لدى النظام العالمي وزاد الضغط على السلطة من الأطراف كافة، حتى أصبح دورها في التنسيق الأمني ومواجهة المقاومة أوسع من دورها المرجو في تحرير الأراضي المحتلة.
سيد القرار
ما الحلول المتاحة برأيكم لضبط بوصلة عمل السلطة الفلسطينية مرة أخرى؟
في هذا الإطار الشعب الفلسطيني هو سيد القرار، من يقدم التضحيات هو صاحب القرار ومن قدم التضحيات حتى الآن هو المقاومة والشعب معا.
لذلك لو أرادت السلطة مصلحة الشعب والقضية فعليها أن تجري انتخابات لتغيير الأشخاص والأدوات وطريقة العمل، إلا أن ذلك ليس له الأولوية حاليا من وجهة نظري، يجب الانتظار لنرى ما ستسفر عنه الحرب، لأنه كما قلت السلطة في حالة انزواء وعزل شديدين ولم تعد رقما مؤثرا في القضية الفلسطينية بقدر تأثير الفعل المقاوم.
السلطة في الوقت الحالي تتجاهل هذا الواقع وتصر على الاعتماد على الغرب وأميركا، بل إن تفكيرها في أن تذهب إلى غزة قائم بشدة، وأرى أن هذا لن يحدث.
لا أظن أن الغرب سينجح في إعادة السلطة إلى غزة على حساب هزيمة يتمنونها للمقاومة هناك.
كيف تنظر إلى ضبط ستة أشخاص فلسطينيين حاولوا التسلل إلى غزة وبحوزتهم أسلحة ضمن عمليات تقديم المساعدات؟
هؤلاء الأشخاص قيل إنهم تابعون لجهاز المخابرات، لكن هذا وإن كان صحيحا فأنا أرى أنه تصرف صبياني يفتقر إلى الخبرة والنضوج.
السلطة أصلا لها داخل غزة ما يقارب 30 ألف شخص تابعين للشرطة ويتلقون رواتبهم دون عمل، وليست بحاجة لإرسال أشخاص متسللين ليدخلوا إلى غزة ليبدؤوا في بث فتنة داخلية.
أرى أن الجبهة الداخلية في غزة قوية ويقظة ومتماسكة وتعلم جيدا ما يجرى، ودائما تتمتع بجهوزية لملء أي فراغ يتركه الاحتلال بعد الانسحاب، وهذا لا ينفي وجود الطابور الخامس دائما أو وجود من يطمح للعب هذا الدور ولديه الاستعداد دائما.
جدير بالذكر أنه في 31 مارس/آذار 2024، كشفت وزارة داخلية غزة عن إفشالها عملية استخبارية تمثلت في تسلل عدة ضباط وجنود يتبعون لجهاز المخابرات العامة في رام الله، إلى منطقة شمال غزة، في أعقاب فشل مخططات الاحتلال لفرض سلطة جديدة معادية لحماس في غزة.
العجز العربي
برأيك.. من أي شيء بالتحديد تخشى إسرائيل في هذه المرحلة؟
إسرائيل قلقة من الشارع العربي، هي اطمأنت لموقف الغرب وثباته تجاهه من خلال بعض المواقف والتصرفات فيما يخص الالتحام مع إيران أو ما يخص قصف غزة.
أكثر ما يقلق إسرائيل حاليا أن تخسر حلفاءها العرب من خلال اندلاع ربيع جديد ربما نسميه الربيع الفلسطيني بأن تزداد حدة احتجاجات الشعوب العربية في الدول التي اطمأنت إسرائيل لها أخيرا من خلال عمليات التطبيع "الإبراهيمية".
فتصاعد الاحتجاجات في هذه الدول على نحو هبة شعبية يضر إسرائيل أكثر من الأنظمة الحاكمة لهذه الدول، لأن هذا الربيع حال اندلاعه يُرجع إسرائيل خطوات كبيرة إلى الوراء، وقد شاهدنا التحركات الشعبية في الأردن وحجمها الكبير وكذلك في المغرب ودول عربية عديدة.
أما أن نقول إن إسرائيل قد تخشى من تحركات عربية رسمية فهذا ضرب من الخيال لأننا نرى أمامنا عجزا كبيرا لجامعة الدول العربية، ونرى عجزا من 57 دولة إسلامية حتى وإن اتخذت مواقف فهي مواقف لا ترقى إطلاقا إلى مستوى الحدث.
بل على العكس لولا بعد المواقف العربية الرسمية الحالية من العدوان لما وصلنا إلى هذه المرحلة من تفاقم أعداد الشهداء وتدمير قطاع غزة على النحو الذي نراه.
إذن كلمة السر هي الشعوب ومؤسسات المجتمع المدني المناصرة للقضية، وأنا أرى أن ما يتوفر للمقاومة حاليّا للاعتماد عليه بعد قوتها في المواجهة هو المساندة من الشعوب العربية والعالم الحر وبعض الدعم من بعض الأنظمة الرسمية.
ومن أهم ما تخشاه إسرائيل في حربها الحالية هو فضح ممارساتها اللاإنسانية رغم محاولتها إظهار أنها لا تأبه بذلك وأن هذه الممارسات هي ضرورة من أجل كسب الحرب واسترداد الرهائن، إلا أن الحقيقة أن مشاهد قتل وترويع وتمزيع أجساد النساء والأطفال والمدنيين ليست بالأمر الهين على إسرائيل.
ونرى ذلك في تراجع بعض الجهات عن دعمها أو على الأقل صمتها والتفاعل الإيجابي الواسع من الطلبة في الجامعات الأميركية وبعض العواصم الأوروبية، فهذه المشاهد وهذه الفضائح لها أثر كبير في هذا الأمر، وطبعا إسرائيل تخشى تطور قدرات المقاومة على الأرض.
المقاومة متعلقة بعوامل عديدة لاستمرار عملها.. كيف ترى مدى نجاعة هذه العوامل؟
هناك أكثر من عنصر في هذا السياق، أولا وحدة الساحات الداخلية، ساحة غزة والضفة وساحة عرب الداخل 48 والجاليات الفلسطينية بالخارج.
وأرى أن هذه المكونات على قلب رجل واحد ومتفقة في سياق موحد بعيدا عن المكونات الرسمية، الضفة تناصر المقاومة وهناك شواهد عديدة على ذلك، وساحة الداخل أيضا وكذلك الجاليات.
لذلك أؤكد دائما أن موقف السلطة لا يمثل إطلاقا مكونات القضية الفلسطينية.
ثانيا، المكون المعاون في عملية المقاومة من حولنا مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن الذين جعلوا 13 دولة تتحالف من أجل حماية مصالح إسرائيل في البحر وانضمت إليهم دول عربية على استحياء ودون إعلان رسمي.
هذا المكون الذي انتفض لمعاونة ومساندة غزة هو موحد أيضا ومتماسك، والواقع يقول إن الدول التي تحاربه هي أقوى منه فعليا، لكن هذا حال المقاومة على مر التاريخ أنها تستنزف المحتل على فترات طويلة.
ثالثا، مكون (النظام) المصري الذي أراه قد رهن نفسه لدى الغرب وأميركا لأسباب عديدة أقواها أسباب اقتصادية في ظل فشل سياسي، فقد خرجت القاهرة من اللعبة ولم يعد دورها قويا بل صار دورا لا يؤدي إلى فعل حقيقي، دور نفعي ومطيع للقوى الكبرى ليس أكثر.
لم يتبق في هذا الإطار سوى العنصر الجماهيري الشعبي وهو دور مؤثر إلا أنه لم يصل بعد إلى المستوى الذي يغير مكونات المعادلة، وذلك بسبب القمع من قبل الأنظمة والضغوط الحياتية.
والدور العالمي الشعبي الذي نرى في طليعته تحركات الطلاب حول العالم ولدينا أمل كبير أن يتطور هذا الحراك أو على الأقل لا يستسلم وأن يؤكد الرسالة بأن المقاومة مستمرة ولن تُهزم، خصوصا بعد ما اكتسبه من تعاطف وزخم واسع يؤكد يوما بعد يوم عدالة القضية الفلسطينية.