صراع النفوذ بين المالكي والسوداني.. ما انعكاساته على مستقبل العراق؟

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

يشهد الإطار التنسيقي الشيعي في العراق، حربا طاحنة بين جبهتين رئيستين، يقود إحداهما نوري المالكي زعيم "ائتلاف دولة القانون"، والأخرى يتزعمها رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، الأمر الذي بدأ ينعكس بشكل واضح على الواقع السياسي في البلد.

ويضم الإطار المشكّل في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، كلا من: ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، وتيار الفراتين بقيادة السوداني، وتحالفي "الفتح" برئاسة هادي العامري، و"قوى الدولة" بقيادة عمار الحكيم، وحركة "عطاء" بزعامة فالح الفياض، وحركة "حقوق" بقيادة حسين مؤنس.

رئاسة البرلمان

وأحد أبرز أوجه الحرب القائمة بين المالكي والسوداني، هو منصب رئيس البرلمان، الذي لايزال شاغرا بعد إطاحة المحكمة الاتحادية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بالرئيس السابق له محمد الحلبوسي، بتهمة تزوير طلب استقالة أحد النواب، والتي اعتمدها الأخير لإقالته من عضويته البرلمانية.

وفي التفاصيل، أفادت مصادر سياسية عراقية خاصة لـ"الاستقلال" طالبة عدم الكشف عن هويتها، بأن "المالكي يقود جبهة داخل الإطار التنسيقي، تعمل بالضد من جبهة أخرى يتزعمها السوداني، لإجهاض مساعي الأخير في تولي مرشح حزب السيادة (السني) سالم العيساوي، منصب رئيس البرلمان".

وأوضحت المصادر بأن "جبهة المالكي، تتألف من عمار الحكيم رئيس ائتلاف قوى الدولة، وقيس الخزعلي، زعيم مليشيا عصائب أهل الحق، إضافة إلى هادي العامري، زعيم ائتلاف الفتح، وهي متقاربة مع رئيس حزب تقدم (السني) محمد الحلبوسي، وداعمة لمرشحه، محمود المشهداني، لتولي منصب رئاسة البرلمان".

المصادر ذاتها بيّنت، أن "جبهة السوداني، تتكون من رئيس حركة عطاء فالح الفياض، وزعيم حركة سند أحمد الأسدي، وهم متقاربون مع خميس الخنجر رئيس تحالف السيادة (السني)، وهو أيضا داعم بقوة لتولي مرشح الأخير سالم العيساوي رئاسة البرلمان".

وأكدت المصادر أن "المالكي ناقم بشكل كبير على السوداني والخنجر والعيساوي، وهو يقاتل حاليا حتى لا يتولى الأخير رئاسة البرلمان، وفتح قناة تواصل عن طريق صهره ياسر صخيل مع الحلبوسي، لإفشال مساعي وصول العيساوي للمنصب".

وأشارت المصادر إلى أن "صخيل هو من قرّب وجهات النظر بين حماه المالكي، والحلبوسي بعدما كان الأول يضمر العداء للأخير ويعد حزب تقدم واجهة لحزب البعث العراقي".

وتعود الخلافات على منصب رئيس البرلمان إلى رفض الحلبوسي، مجيء شخصية مكانه من غير كتلته البرلمانية، بينما ترى الأطراف السنية الأخرى أن المنصب هو استحقاق للمكون، وبالتالي من حق الجميع الدفع بمرشحيهم وترك الحرية للنواب لاختيار رئيسهم.

وفي مايو/ أيار 2024، فشلت القوى السياسية في حسم انتخاب رئيس جديد للبرلمان، بعد جلسة ماراثونية شهدت ثلاث جولات تصويت لأربعة مرشحين، انحسر التنافس في الجولتين الأخيرتين بين محمود المشهداني مرشح الحلبوسي، وبين سالم العيساوي مرشح كتلتي "السيادة" و"العزم".

وتقدّم العيساوي على المشهداني، بـ158 صوتا، مقابل 137 لمنافسه، لكن ولعدم حصول أحدهما على أكثر من نصف أصوات أعضاء البرلمان البالغ عددهم 329 نائبا، كان مقررا الذهاب إلى جولة حاسمة، إلا أن عراكا نشب بين نواب من الطرفين تسبب برفع الجلسة إلى إشعار آخر.

"خطة إطارية"

في 12 مارس 2024، نشر موقع “ميديا لاين”، تقريرا أوضح فيه أن "السوداني، رغم تمتعه بشعبية بين المواطنين العراقيين، إلا أن الأحزاب التي دعمته، تنظم صفوفها لإسقاطه، إذ يعتزم (الإطار) الدعوة لانتخابات مبكرة في محاولة للإطاحة به".

وأفاد الموقع بأن خطة الإطار تتمثل بـ"مهاجمة رئيس الوزراء والتقليل من إنجازاته وإسقاطه شعبيا وخلق المزيد من المشاكل السياسية والاقتصادية، وبعدها سيخرج الشارع في تظاهرات تطالب بإسقاط الحكومة، ثم الدعوة إلى انتخابات مبكرة، ولا يتم ترشيح السوداني مجددا، أو منحه أي منصب".

وبحسب الموقع الأميركي، فإن "الإطار التنسيقي يخشى أن يعمد السوداني إلى الإعلان عن تشكيل حزب أو تحالف سياسي جديد، ويخوض الانتخابات المقبلة، ويحصل على الأغلبية السياسية الحاكمة في العراق".

ويأتي تقرير الموقع، بعد حديث للمالكي، كشف فيه عن مساع لتغيير قانون الانتخابات، وإلزام المسؤول التنفيذي بالاستقالة من منصبه قبل 6 أشهر إذا رغب المشاركة فيها، مع احتمالية إجراء انتخابات مبكرة خلال العام الجاري. 

وقال المالكي خلال مقابلة مع وكالة الأنباء العراقية الرسمية "واع" في مارس 2024، إن "هناك قراءات لدى كتل وقوى سياسية بأن الدوائر المتعددة في قانون الانتخابات، هي الخيار الأفضل فيما يرى آخرون أن الدائرة الواحدة هي الأفضل".

المالكي يشير هنا إلى القانون الذي استخدم في الانتخابات البرلمانية السابقة، وكان ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه، من أشد المعترضين عليه، كون التيار الصدري ضغط لإقراره، ولأنه أيضا يصب في صالح الكيانات الصغيرة والناشئة والمستقلين.

وكان البرلمان، قد عدّل في عام 2023، النظام الانتخابي المعمول في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وبموجبه اعتُمد نظام الدوائر المتعددة وقسم العراق جغرافيا إلى 83 دائرة بديلا عن النظام القديم، الذي يحدد أن كل محافظة (عددها 18) تمثل دائرة انتخابية واحدة.

وأكد المالكي وجود خلاف داخل الإطار التنسيقي بخصوص تعديل قانون الانتخابات، مشيرا إلى أن هناك مقترحا يقضي بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة تكون في العام الجاري 2024 بدلا من 2025.

لكن أخطر ما طرحه المالكي، هو أن "الإطار" يناقش في الوقت الحالي مقترحا يقضي بـ"عدم مشاركة المسؤولين التنفيذيين في الانتخابات إلا بعد تقديم استقالتهم، وذلك قبل 6 أشهر لعدم السماح لهم باستثمار إمكانيات الدولة في المنافسة الانتخابية".

تمرّد السوداني

في الأول من يوليو 2024، كشفت قناة "يو تي في" العراقية، عن مساع يقودها السوداني لتفتيت الإطار التنسيقي الشيعي، وبدأ بالفعل في "ائتلاف دولة القانون" برئاسة نوري المالكي، وسحب عددا من نوابه المخضرمين إلى صفه، لا سيما النائبة عالية نصيف.

وأشارت إلى أن المالكي بدأ يبحث عن نهايات سعيدة لحياته السياسية، ومنها أن يحظى بولاية ثالثة حتى يتقاعد بعدها من العمل السياسي، وهذه الرغبة قد تكون خلف دعوته لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.

وتابعت: "كذلك قد تكون دعوة المالكي للانتخابات المبكرة، هي محاولة منه لإنهاء نزيف الخسارات التي تعرض لها داخل صفوف ائتلاف دولة القانون، بتسرّب نوابه إلى قائمة السوداني".

وفي مقال للكاتب العراقي، ماجد السامرائي، نشرها بموقع "شبكة أخبار العراق" في 2 مايو 2023، أكد أن "الإطار التنسيقي يعيش حالة صراع أو تمرّد مُبّطن من السوداني ضد صانعه المالكي".

ولفت إلى أن "السوداني وجد أنه مهيأ لقيادة البلد عبر رئاسة الوزارة، ويمتلك من خلال الدستور صلاحيات مدنية وعسكرية مطلقة إلا من هيمنة صانعيه، ويبدو أنه وجد في نفسه إمكانيات النجاح في رئاسة الحكومة، فاقترب من الخطوط الممنوعة، وأخذ يتقرّب إلى الشعب، ويمارس يوميا بعض مظاهر الحاكم الشعبي".

وأردف: "لكن في عراق الأحزاب الفاسدة والمليشيات غير مسموح لقائد سياسي أو حكومي الخروج على تقاليدهم الفاسدة. في عراق اليوم الإمكانيات الوظيفية وحدها لا تكفي، بعد أن غيّبتها المحاصصة الطائفية وهيمنة المليشيات". 

وأشار الكاتب إلى أن "علامات تمرد السوداني بوجه صانعه المالكي، بدأت عبر الإعلام في إعلانه تحضيرات التغيير الوزاري الذي يشمل من بين مرشحي الأحزاب مرشح المالكي وزير النفط، وهو الموقع الذي يعد كنزا دفينا (صاحب الخبزة) كما يقول المثل العراقي".

ولفت السامرائي إلى أن "هذه الفرعية البسيطة، يقول البعض إنها ستعطل سيناريو التمرّد، مع أن التوقعات الراجحة تقول إن معركة التمرد بدأت ولا يمكن إيقافها إلا بالنجاح أو الهزيمة".

وكان السوداني أحد قيادات "ائتلاف دولة القانون" منذ عام 2009، وأصبح نائبا في البرلمان عن طريق ترشيحه مع المالكي التي كان تولى منصب رئاسة الحكومة منذ عام 2006 إلى 2014، لكنه قرر الانشقاق وتشكيل "تيار الفراتين" قبل انتخابات عام 2021، والتي حقق فيها الأخير مقعدين فقط.