حرب دبلوماسية.. كيف ينعكس التوتر بين البرهان وأبوظبي على أزمة السودان؟

أثارت عملية تبادل طرد الدبلوماسيين بين الخرطوم وأبوظبي، العديد من التساؤلات بخصوص انعكاس ذلك على الصراع القائم في السودان منذ أبريل/نيسان 2023.
ويتصارع الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان مع مليشيا الدعم السريع التي يتزعمها محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، والمتهمة بتلقي الدعم من السلطات الإماراتية.
وخلف القتال المستمر منذ ثمانية أشهر، أكثر من 12 ألف قتيل وما يزيد على 6 ملايين نازح ولاجئ وفق الأمم المتحدة.
حرب دبلوماسيين
تعود بداية الأزمة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية السودان، إلى هجوم نادر وجهه مساعد القائد العام للجيش السوداني الفريق ياسر العطا، إلى الحكومة الإماراتية واتهمها علنا بدعم قوات الدعم السريع.
وقال العطا خلال كلمة له بإحدى المقرات العسكرية، في 28 نوفمبر 2023، إن "الإمارات هي دولة مافيا، تحب الخراب وتمشي على خطى الشر، رغم أن شعبها شقيق. هذا البلد في عهد قائدها الوالد المؤسس الشيخ زايد آل نهيان، كانت تسمى دولة الخير والعطاء، لكن من خلفه هم خلف شر".
وأضاف أن "المخابرات كانت تقدم لنا معلومات بأن دولة الإمارات كانت توصل دعما بالطائرات إلى هؤلاء الجنجويد (الاسم السابق للدعم السريع)، عبر مطار في أوغندا وبعدها إلى إفريقيا الوسطى عندما كانت تتواجد هناك قوات فاغنر الروسية، لكن الآن تأتي عن طريق دولة التشاد".
وبعد تصريحات العطا، تظاهر مئات السودانيين انطلاقا من مساجد مدينة بورتسودان (شرق السودان) ضد دولة الإمارات، مطالبين بطرد سفيرها بسبب تدخلات أبوظبي في شؤون بلادهم.
على إثر ذلك، أبلغت الحكومة الإماراتية رسميا السفير السوداني في أبو ظبي عبد الرحمن شرفي، بأن الملحق العسكري ونائبه والملحق الثقافي أشخاص غير مرغوب فيهم وطالبت بمغادرتهم البلاد خلال 48 ساعة، حسبما ذكر موقع "سودان تربيون" في 9 ديسمبر.
ونقل الموقع عن مصدر رسمي (لم يكشف هويته) قوله "إن أبوظبي، أبلغت السفير السوداني بأن أعضاء البعثة الدبلوماسية السودانية الذين يمثلون الملحق العسكري وهو العميد أحمد عبدالرحمن البشير، ومساعده المقدم مدثر عثمان، والملحق الثقافي، غير مرغوب في وجودهم وطالبت بإبعادهم عن أراضيها".
وفي اليوم التالي، أمر السودان 15 دبلوماسيا إماراتيا بمغادرة أراضيه، خلال 48 ساعة، كونهم غير مرغوب فيهم، واستدعت وزارة الخارجية القائمة بالأعمال بالإنابة في سفارة الإمارات بدرية الشحي، وأبلغتها بالقرار، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السودانية (سونا) في 10 ديسمبر.
وعلى نحو مماثل، قال وزير الخارجية السوداني علي الصادق، خلال مقابلة مع تلفزيون السودان الرسمي في 11 ديسمبر، إن "موقف دولة تشاد كان جيدا بداية الأزمة في الخرطوم ودارفور، وعبرنا عن ارتياحنا لذلك، لكنها أخذت منعطفا خطيرا جدا جدا من الحرب في السودان".
وأوضح أن "هذا التغير في موقف تشاد جاء بعد زيارات أجرتها الإمارات إلى تشاد، وأصبحت الأخيرة هي مركز التموين الرئيس لقوات التمرد (الدعم السريع)، وهذا لم يعد سرا، لذلك هي استدعت سفيرنا هناك واحتجت على ما صدر من العطا فيما يتعلق باتهامها بتسهيل ودعم التمرد".
وأشار الصادق إلى أن "تشاد أنذرت السودان عبر سفيرنا هناك، بأنها ستعطي البلد 3 أيام وإذا لم تعتذر فإنها ستتخذ ما تراه من إجراءات حيال ذلك، ونحن لن نعتذر لأن هذه الاتهامات لم تأت من فراغ".
وتابع: "كان الأولى بتشاد أن تطلب منا تقديم ما يثبت تورطهم، وكنا سنمدهم بالمعلومات، وسبق أن نقلنا لهم عبر سفارتنا لديهم كل ما ذكرنا وما أثبتته الأقمار الصناعية وصور حركة الطيران الجوي، لكنهم تغاضوا عنه".
مستقبل الأزمة
وبخصوص تأثير طرد الدبلوماسيين الإماراتيين على أوضاع السودان، قالت الكاتبة السودانية رشان اوشي في 12 ديسمبر، إن "الدعم الإماراتي كان يغذي محرقة السودان بشكل معلن ووقح... فهي ترعى بشكل مباشر قوات الدعم السريع، والتي تقيم قيادتها على أراضيها".
وأوضحت الكاتبة عبر مقال بموقع "النيلين" أن "الإمارات تقدم الدعم المالي والسياسي للتمرد، عبر توفير الإمداد الحربي، واستجلاب خبراء حرب أجانب للتخطيط العسكري للمعارك، بجانب شراء ولاءات دول الجوار، وتتحدى السيادة السودانية، وتستمر في استفزاز الشعب السوداني".
ودعت أوشي إلى ضرورة أن "يكون الرد السوداني حاسما، وألا تكتفي الحكومة فقط بطرد دبلوماسيين في السفارة الإماراتية بالسودان، بل يجب أن يمتد التصعيد حتى سحب قواتنا التي تقاتل في اليمن لحماية الأمن القومي الإماراتي".
ولفتت إلى أن "أبناء السودان الذين يساهمون في حماية حكم (الرئيس الإماراتي محمد) ابن زايد من بطش الحوثيين في اليمن، أولى بهم معارك تحرير السودان من الاحتلال الإماراتي عبر وكيله العسكري الدعم السريع، ووكيله السياسي (المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير)".
ومنذ اندلاع الصراع في اليمن عام 2014، بعد انقلاب مليشيا الحوثي على السلطات الشرعية، ثم تدخل التحالف السعودي الإماراتي عسكريا عام 2015 لإيقاف تمدد الحوثيين المدعومين من إيران، أرسل السودان عددا من المقاتلين للقتال إلى جانب التحالف.
وعن مستقبل العلاقة بين الخرطوم وأبوظبي، شددت أوشي أن "الرد الأمثل يجب أن يكون أكثر حدة ضد الإمارات الدولة الشريرة التي تمول عدوا يستهدف الآمنين في بيوتهم وتجرم بحق السودانيين، وهو بطرد البعثة الدبلوماسية برمتها، وإغلاق السفارة، وقطع العلاقات نهائيا".
من جهته، قال الخبير السياسي في الشأن السوداني، عثمان ميرغني، إنه "في كل الأحوال كان الأمر يتطلب نوعا من المشاورات الثنائية بدلا من اللجوء السريع للتصريحات الإعلامية التي تؤدي إلى تصاعد الأمر".
وأضاف ميرغني لـ"الاستقلال" أن "من مصلحة البلدين ألا تتوتر العلاقات ويكون نوع من التواصل المباشر دبلوماسيا وعبر المخابرات، حتى لو كان هناك ملاحظات من الطرفين".
وبحسب الخبير السوداني، فإن "ما لمسته من حديث مع المسؤولين السودانيين أنهم لا يريدون تصعيد الإجراءات أكثر مما هي عليه الآن، وربما يعتقدون الآن أن مسألة العودة مرة أخرى إلى مربع التفاهمات، أفضل من استمرار التراشقات".
ويرى مراقبون للشأن المحلي أن التصعيد السوداني الرسمي ضد الإمارات وكشف دعمهم لقوات الرد السريع سيضع الصراع في السودان أمام خيارين.
الأول هو استمرار الدعم الذي تقدمه أبوظبي وربما زيادته بشكل أكبر إلى حميدتي، والأمر الثاني هو تدخل قوى دولية وإقليمية لتحييد الدور الإماراتي.
رهان خاسر
وعن تدخلات أبوظبي، نشرت مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية، مقالا في 3 أكتوبر، للكاتب والمحلل السوداني الفاضل إبراهيم، قال فيه إن "تورط الإمارات في الصراع السوداني واضح للعيان، فهي تمد حميدتي بالسلاح وبصواريخ (أرض- جو) عبر تشاد، وأسلحة أخرى تسقط له من الجو في شمال غرب السودان".
ويعلق الكاتب، قائلا: إن "رهان الإمارات على حميدتي خاسر، لأسباب عدة منها تشوه صورة الدعم السريع بطريقة لا يمكن إصلاحها".
و"ربما فكرت دول ونخب سياسية قبل الحرب بالتعامل معها كشريك محتمل في عملية الانتقال السياسي، إلا أن النظرة الحالية لها اليوم بأنها مليشيا إبادة جماعية"، وفق تقديره.
السبب الثاني، بحسب الكاتب، احتمال عدم انتصار الدعم السريع لأنها ركزت على الخرطوم وموطنها الأصلي، دارفور.
ولذلك، تمركزت هذه القوات في الأحياء واستولت على البنية التحتية المدنية لشن حرب تعلم أن القوات المسلحة السودانية لا يمكنها الفوز بها دون تدمير العاصمة والمدن التي مزقتها المعارك في دارفور مثل نيالا والفاشر والجنينة. وقد دفع ذلك إلى خلق حالة من الجمود، مما أدى إلى تهيئة البلاد لحالة حرب طويلة الأمد.
السبب الثالث، وهو تشوه صورة الإمارات بين السودانيين نظرا لعلاقتها مع الجماعة شبه العسكرية، وهو ما سيحد من تأثيرها على مستقبل السودان.
ومن المعروف أن دعاة الديمقراطية الذين أطاحوا بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، كانوا واضحين بمعارضتهم للإمارات والسعودية اللتين دعمتا المجلس الانتقالي الذي شارك فيه الجيش والدعم السريع.
أما السبب الأخير، هو أن المصالح الاقتصادية والإستراتيجية للإمارات موجودة في مناطق تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية، منها: ميناء أبو أمامة على البحر الأحمر، والذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات، وكان من المقرر أن تطوره مجموعة موانئ أبوظبي.
وكذلك مئات الآلاف من الأفدنة من الأراضي الزراعية التي جرى تطويرها ومن المقرر زراعتها من صناديق التنمية والشركات الإماراتية.
وفي 29 سبتمبر/أيلول 2023، تطرقت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إلى تقديم أبوظبي الأسلحة والعلاج للمقاتلين على أحد جانبي الحرب المتصاعدة في السودان، من خلال قاعدة جوية نائية في تشاد.
وكشف أنه "تحت ستار إنقاذ اللاجئين، تدير الإمارات عملية سرية متقَنة لدعم أحد الأطراف في الحرب المتصاعدة في السودان، بحيث تزوده بأسلحة قوية وطائرات من دون طيار".
وتعالج القوات التابعة للإمارات المقاتلين المصابين، وتنقل الحالات الأكثر خطورة جوا إلى أحد مستشفياتها العسكرية، بحسب ما ذكرت "نيويورك تايمز"، وفقا لعشرات المسؤولين الحاليين والسابقين من الولايات المتحدة وأوروبا وعدد من الدول الإفريقية.
وبحسب الصحيفة الأميركية، تتمركز العملية في "مطار ومستشفى يقعان في بلدة نائية عبر الحدود السودانية في تشاد، حيث تهبط طائرات الشحن الإماراتية بوتيرة شبه يومية منذ يونيو/حزيران 2023، بحسب صور الأقمار الاصطناعية والمسؤولين".
وبحسب الصحيفة، تستخدم الإمارات مهمة المساعدات الخاصة بها من أجل إخفاء دعمها العسكري قائدَ قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان، وله علاقات طويلة الأمد بالإمارات.
وقال مسؤول أميركي كبير سابق لم تكشف الصحيفة هويته إنّ "الإماراتيين يَعُدّون رجلهم حميدتي، ورأينا ذلك في مكان آخر، فهم يتبنون شخصاً واحداً، ثم يدعمونه على طول الطريق".