صورة مرعبة.. كيف يؤدي الصراع في الشرق الأوسط لأزمة اقتصادية عالمية؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

الأزمات التي يشهدها الشرق الأوسط تثقل كاهل الاقتصاد العالمي، خاصة مع استمرار إسرائيل في عدوانها وإبادتها لسكان قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وحذر موقع "تيليبوليس" الألماني من تأثيرات سلبية محتملة قد تنال الاقتصاد الدولي، خاصة الألماني والأميركي.

وفصّل "تيليبوليس" حالة الاقتصاد الألماني الذي يعاني من مصاعب وسلبيات متعددة، لينطلق بعد ذلك مستشرفا مستقبل الاقتصاد العالمي، مناقشا مدى احتمالية استهداف إسرائيل للمنشآت النفطية الإيرانية.

وتناول الحالة الداخلية لاقتصاد الكيان الإسرائيلي، متحدثا عن "التأثير السلبي للأوضاع الحالية، مع إحجام الإسرائيليين الموجودين في الخارج عن العودة".

حالة قلق

وأشار الموقع في تقريره إلى "حالة من القلق تسود الشركات الألمانية منذ فترات طويلة". 

وفي الآونة الأخيرة فقط، اضطر وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك (من حزب الخضر)، إلى الاعتراف بهذا الأمر.

وتعود حالة القلق تلك، حسب التقرير، إلى "الأزمة الاقتصادية والانكماش والركود وفقدان جاذبية ألمانيا كبيئة استثمارية".

وفي هذا السياق، يعتقد اتحاد الصناعات الألماني (BDI) أن ألمانيا تسير نحو "طريق الخسارة"، مشيرا إلى احتمال فقدان ما يصل إلى 1.5 مليون وظيفة.

وأضاف: "كما أن ارتفاع حالات إفلاس الشركات بنسبة 25 بالمئة مقارنة بالعام 2023 لتصل إلى 22 ألفا و500 حالة عام 2024، مع توقع وصولها إلى 23 ألفا عام 2025، يزيد الوضع سوءا".

وتابع التقرير: "في مؤتمر خاص بالمناخ، تحدث رئيس الاتحاد، زيغفريد روسورم، بنبرة حادة، داعيا الحكومة إلى إطلاق استثمارات عامة ضخمة بقيمة 1.4 تريليون يورو لمواجهة هذه التحديات".

وأشار إلى أن روسورم "حذر بشكل خاص من ارتفاع أسعار الطاقة، وهي قضية تثير القلق ليس فقط في برلين، بل في الأوساط السياسية عموما، حيث يدرك الجميع تأثيرها الكبير على الاقتصاد الألماني".

تتجه للأسوأ

وحول تأثير الأحداث في الشرق الأوسط على الداخل الألماني، يرى معهد "الاقتصاد الألماني" -المقرب من مجتمع رجال الأعمال- أن "الأمور قد تتجه للأسوأ".

ففي أول تقرير له لعام 2024، كما قال الموقع، "تجرأ المعهد على إلقاء نظرة إلى المستقبل، أشار فيها إلى أنه بجانب الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة وحرب أوكرانيا، ظهر عامل ثالث لعدم اليقين مع الانفجار المتصاعد في الشرق الأوسط".

وأردف: "في تقريرهم، يشير الباحثون إلى أن خطر حدوث صدمة جديدة في أسعار النفط ضئيل، لكن لا ينبغي التقليل من شأن تأثيراتها".

وتابع: "يتوقع المعهد في السيناريو السلبي، أن يصل سعر برميل النفط إلى حوالي 150 دولارا، مما يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنحو واحد بالمئة، حيث تتراوح أسعار النفط حاليا بين 69 دولارا لخام تكساس (WTI) و75 دولارا (برنت)، أي أقل من نصف هذا الرقم".

واستدرك الموقع: "مع ذلك، تبدو التوقعات في المستقبل المنظور مستقرة، وحتى عند 85 دولارا للبرميل، سيكون انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2 بالمئة قابلا للتحمل".

وأرجع ذلك إلى أن "الاعتماد على النفط في كل من ألمانيا والولايات المتحدة، قد انخفض بشكل كبير منذ سبعينيات القرن الماضي".

واستدل الموقع على ذلك، بتقرير معهد الاقتصاد الألماني، الذي يقول فيه: "انخفضت كمية النفط اللازمة لإنتاج ما قيمته 1000 يورو من الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ منذ عام 1991، حيث تراجعت بنسبة تتجاوز 40 بالمئة في الولايات المتحدة، وبنسبة تقارب 50 بالمئة في ألمانيا".

وأوضح: "بمعنى آخر، أصبحت كل من ألمانيا والولايات المتحدة أكثر كفاءة في استخدام النفط لإنتاج نفس القيمة الاقتصادية، مما يعني الاعتماد المتناقص من كميات النفط لإنتاج نفس القيمة المالية".

رغم ذلك، ذكر التقرير أن سيناريو استهداف المنشآت النفطية الإيرانية، قد قوبل بـ"رفض صريح في المناقشات التي دارت بين إسرائيل وأميركا، في إطار الخطط الإسرائيلية لضرب منشآت استخراج النفط الإيرانية قرب ميناء بندر عباس في الخليج العربي".

من جهتها، تستعد إيران لكل الاحتمالات، فأوضح التقرير أن "طهران أطلقت أسطولها البحري إلى عرض البحر لتوفير نوع من الأمان الوهمي".

وشدد على استبعاد فكرة استهداف المنشآت النفطية الإيرانية، قائلا: "لا المرشحة الديمقراطية هاريس ولا الجمهوري ترامب يمكنهما تحمل انهيار اقتصادي ناتج عن تصعيد غير محسوب قبل الانتخابات، فإيران ستضطر إلى الرد بشكل مناسب على أي قصف مكثف يستهدفها".

حالة اضطراب

وبرر التقرير حالة القلق التي تسود الأوساط الاقتصادية، قائلا إن "سلاسل الإمداد التي تعاني من مشكلة بالفعل قد تتعرض لضغوط أكبر، ومضيق باب المندب في الخليج يتحول إلى عنق زجاجة بفعل هجمات الحوثيين في اليمن". 

واستطرد: “بالإضافة إلى ذلك، فإنه رغم اتجاه البنك الفيدرالي الأميركي أخيرا في التراجع عن رفع أسعار الفائدة بعد وصولها إلى 5.5 بالمئة، فإن الديون الحكومية الهائلة تبقى مصدر ثقل ضخم، إذ تمثل 121 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الحالي (وتحمل عبء فائدة يبلغ 900 مليار دولار) على كاهل الدولة والموازنة”.

وأضاف: "علينا أن ندرك بشكل عام، أن الاقتصاد الأميركي –وكذلك الاقتصاد الألماني أو الإيراني، لكن بمعايير مختلفة– يتسم بالتقلب".

وعن تأثير أحداث الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي، قال الموقع: "تؤدي الأزمات الجيوسياسية إلى تراجع الاستثمارات (بسبب زيادة المخاطر)، وانخفاض التوظيف وأسعار الأسهم".

وتابع: "إذا نظرنا إلى سيناريو توقف الإنتاج الإيراني أو حتى إغلاق مضيق هرمز (وهو ما يمكن للبحرية الإيرانية فعله بسهولة)، فستكون الصورة مرعبة".

وأكمل: "في هذه الحالة، ستتوقف أكثر من 25 بالمئة من إمدادات النفط العالمية، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وحدوث فجوة في الإمدادات على مستوى العالم، وسيكون الاقتصاد العالمي في حالة اضطراب".

وسلط الموقع الضوء على الوضع الاقتصادي في إسرائيل قائلا: "تحتل المرتبة 14 في تصنيف الناتج المحلي الإجمالي العالمي للفرد".

وتابع: "بعد سنوات من النمو الاقتصادي –حيث تضاعف الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2012– يعاني المجتمع حاليا من آثار حرب لا ترحم، مما أدى إلى تآكل أسس الرفاهية والازدهار".

وأردف: "عُدلت توقعات النمو الاقتصادي بشكل كبير لتتجه نحو الانخفاض، كما تترك الحرب بصمتها بوضوح من الناحية الاقتصادية، حيث أفلست 46 ألف شركة إسرائيلية، والسياحة الداخلية والخارجية توقفت تماما، والميناء الوحيد على البحر الأحمر أصبح مفلسا".

وأضاف: "كما قامت وكالة التصنيف (موديز) أخيرا بخفض تصنيف السندات الإسرائيلية مجددا إلى مستوى (مخاطر عالية للتخلف عن السداد)، وهو تصنيف قد ينطبق قريبا على الاقتصاد الإسرائيلي بأكمله رغم كل التصريحات السياسية التي تعلن العكس".

هروب بلا عودة 

وتحدث التقرير عن الأوضاع الأمنية وتأثيرها على الإسرائيليين، قائلا: "لا تزال الأوضاع في الشمال متوترة، حيث أصبحت الصواريخ جزءا من الحياة اليومية، ولا يزال من الصعب العودة إلى الحياة الطبيعية، سواء في المدارس أو العمل، عند الحدود مع لبنان".

وكشف الموقع عن تقرير من مجلة "ذا كرايدل" المتخصصة في شؤون غرب آسيا، يفيد بأن "80 بالمئة من الإسرائيليين المقيمين في الخارج لا يرغبون في العودة، بالإضافة إلى ذلك، هناك منطقة إجلاء كبيرة في شمال إسرائيل، حيث نزح حوالي 250 ألف شخص".

وخلص إلى أن "أي حرب كبيرة، خاصة مع إيران، قد تكون لها آثار اقتصادية كارثية على إسرائيل".

استنادا إلى كل تلك الأوضاع، دعا التقرير الحكومة الإسرائيلية إلى "التصرف بحكمة، وأن تسعى لتحقيق السلام والدبلوماسية بدلا من اللجوء إلى القوة العسكرية".

من زاوية أخرى، يرى أن "الأجواء لا تزال متوترة، خاصة مع تبني الولايات المتحدة لسياسة مزدوجة، حيث تسعى لتأخير التصعيد وتتحرك بحذر، فهي تقدم أنظمة دفاع صاروخي وأسلحة هجومية، لكنها في الوقت ذاته، تحاول تقليل التوتر من الناحية اللفظية لأسباب داخلية واقتصادية".

ويضرب التقرير المثل حول تأثر برلين سلبا بالصراع في الشرق الأوسط، قائلا: "بينما نجحت صناعة الدفاع الألمانية في تحقيق انتعاش بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن صناعة الطيران تعاني بشكل كبير نتيجة الأوضاع الحالية".

وأردف: "وفقا لمكتب الإحصاءات الفيدرالي، انخفض عدد ركاب الطائرات المتجهين إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى النصف".

وألغت شركات "لوفتهانزا" و"إير فرانس-كيه إل إم" و"بريتش إيروايز"، جميع رحلاتها في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

وأكدت تصريحات المسؤولين هذا الوضع القاتم لشركات الطيران، حيث صرح الرئيس التنفيذي لشركة "يونايتد"، سكوت كيربي، بأنه يتوقع خسائر كبيرة في هذا السياق.