"ديكتاتوره المفضل".. هل يكون فوز ترامب حبل إنقاذ لنظام السيسي؟

12

طباعة

مشاركة

في توقيت مهم، وبالتزامن مع دخول النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي في دوامة اقتصادية جديدة، وانهيار عوائد قناة السويس، والبدء في تعويم سري للجنيه، بضغوط من صندوق النقد لنقص الدولار، فاز المرشح دونالد ترامب برئاسة أميركا.

ولأن ترامب أنقذ السيسي خلال فترته الرئاسية الأولى (2016-2020) من انتقادات إدارة باراك أوباما بسبب انقلاب 2013، كان السيسي، أول القادة العرب الذين هنأوا ترامب بالعودة للرئاسة، وسط فرحة كبيرة من إعلام السلطة بفوزه.

وحاولت أبواق موالية للنظام تصوير فوز ترامب على أنه مكسب للسيسي "ديكتاتور ترامب المفضل"، لأنه سيدعم نظامه، مثلما فعل في الفترة الرئاسية الأولى.

لكن صحفيين وسياسيين مصريين، يرون أن الفترة الثانية ستختلف عن الأولى، وقد يحدث العكس ويضغط ترامب على السيسي أو لا يدعمه بالكلية لأسباب اقتصادية.

فهذه المرة لن تكون مشكلة السيسي مع "حقوق الإنسان"، ولكن مع الاقتصاد وحاجته لمساعدات ومنح مالية وقروض، وهو ما لن يقدمه له ترامب، الذي يتعامل مع الرئاسة بصفته "مُحصل أموال" يبتز دول العالم بالدفع مقابل حمايتها وخدمتها.

هرولة بلا طائل

سارع السيسي، بعد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مباشرة، بتهنئة ترامب، معبرا عبر صفحة الرئاسة، عن تطلعه "لتعزيز علاقات الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، مشيرا إلى "نموذج التعاون والنجاح" السابق لفترة ترامب الأولى، في تحقيق المصالح المشتركة للبلدين.

ولم يكتف بالتهنئة الإلكترونية، ولكنه هرع للاتصال بترامب ليؤكد أيضا على "التعاون المميز بين الجانبين الذي شهدته ولايته الأولى"، في إشارة إلى التطلع لتوقع نفس التعاون في الرئاسة الجديدة.

وقبل فوزه، بادر السيسي بالاتصال هاتفيا بترامب عقب محاولة اغتياله في 23 يوليو/ تموز 2024، للاطمئنان على صحته، وهو ما ثمنه ترامب، الذي توجه بالشكر للسيسي على "اللفتة الكريمة"، وفق الرئاسة المصرية.

مسارعة السيسي لتهنئة ترامب بعد فوزه، وتمني إعلام السلطة فوزه والفرحة بذلك، أعادت الأذهان للفضيحة التي فجرتها صحيفة "واشنطن بوست" في 2 أغسطس/آب 2024 حول تمويل السيسي لحملة الرئيس السابق ترامب للرئاسة عام 2016.

وتساؤل أوساط مصرية وأميركية عما إذا كان السيسي تورط أيضا في تمويل حملة ترامب الثانية للرئاسة، بتقدير أن فوزه يحقق مكاسب لنظامه.

ففي 2 أغسطس/آب 2024، تساءلت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، عما إذا كانت "الدفعة النقدية البالغة 10 ملايين دولار من الحاكم الاستبدادي في مصر، السيسي، لها أي علاقة بمودة ترامب له؟".

وفي 3 سبتمبر/أيلول 2024، طالب النائب جيمي راسكين، عضو لجنة الرقابة والمساءلة، والنائب روبرت جارسيا، عضو اللجنة الفرعية للأمن القومي والحدود والشؤون الخارجية، بإجابات من ترامب عما كشفه تقرير صحيفة "واشنطن بوست".

وقالوا في "رسالة رسمية" إن كشف أدلة جديدة، تشير إلى قبول ترامب بشكل غير قانوني مساهمة في حملته الانتخابية بقيمة 10 ملايين دولار من السيسي لحملة الرئاسية، وتغطية وزارة العدل على ذلك "يستلزم التحقيق ورد ترامب".

واتهموا ترامب أنه "غير السياسة الأميركية بشكل جذري لصالح السيسي" عبر مدح الديكتاتور والإفراج عن مساعدات عسكرية تم حجبها سابقا بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها حكومة النظام المصري، وذلك بعد دعم السيسي لحملته الرئاسية.

تطبيل الإعلام

وحاولت أبواق موالية لنظام السيسي تصوير فوز ترامب للمرة الثانية بالرئاسة على أنه مد حبل لإنقاذ "ديكتاتور ترامب المفضل"، من ضغوط الديمقراطيين منذ تولي بايدن الرئاسة عام 2020، بحجة "حقوق الإنسان".

وانتقدوا إصدار إدارة بايدن العديد من القرارات والعقوبات بحجب جزء من المعونة العسكرية بسبب انتهاك حقوق الانسان في مصر، مشيرين ضمنا لأن الجمهوريين وترامب لا يكترثون كثيرا لحقوق الإنسان.

وظهر هذا في تطبيل إعلام السلطة لفوز ترامب وانتقاد إدارة بايدن، وفق تصور بأن ترامب سيقدم حبل إنقاذ للسيسي مثلما فعل في رئاسته الأولي، حين أنقذه من انتقادات إدارة باراك أوباما، الذي زاد عقب انقلاب السيسي 2013.

حتى وصل الأمر بالمذيع المقرب من السلطة أحمد موسى لوصف فوز ترامب بأنه "هزيمة للإخوان"، بدعوى أنهم دعموا هاريس، فيما امتدح المذيع عمرو أديب فوز ترامب قائلا: "أميركا كانت عايزة راجل".

وأشار إلى هذا أيضا مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي بتأكيده أن فوز ترامب "يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية".

والتي بدأت بتولي أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية بايدن الحالية، في إشارة للخلافات بين أوباما/بايدن والسيسي بشأن حقوق الإنسان.

هريدي، قال لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 إنه بعودة ترامب ستعود العلاقات الخاصة "بين القيادة المصرية والبيت الأبيض".

وأشار إلى أن بايدن لم يدع السيسي لزيارة البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكمه، وهو "وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترامب"، بحسب قوله.

وزار السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترامب عامي 2017 و2019، لكن لم يزره منذ ذلك الحين، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية عام 2022.

وخلال تولي إدارة بايدن الحكم، تم منع جزء من المعونة أو تقليصها، بشكل شبه سنوي، عن نظام السيسي، في إطار اشتراط تقدم مصر في حقوق الإنسان، وبعضها تم تحويلها إلى دول أخرى مثل تايوان.

وتحولت المعونة إلى وسيلة لاستعراض التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان ومدى تقدم مصر في هذا المجال.

لكن المعونة الأميركية عادت بالكامل إلى مصر في نهاية فترة الرئيس بايدن الديمقراطي، بسبب الدور الذي لعبته في غزة، مقابل التغاضي عن ملف حقوق الإنسان وملفات أخرى، ولأن السيسي يحقق "مصلحة الأمن القومي الأميركي".

وأرجعت الخارجية الأميركية ذلك إلى "أهمية الدور الذي تلعبه مصر في تعزيز الأمن الإقليمي، بما في ذلك جهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة".

وفي 11 سبتمبر 2024 قررت إدارة بايدن إعفاء مصر من الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان، ومنح نظام السيسي المعونة العسكرية كاملة دون تقسيطها بقيمة 1.3 مليار دولار.

الفلوس لا الحريات

عكس ما يلمح له أنصار نظام السيسي من أن الأخير سيتخلص من ضغوط الإدارة الحالية بشأن حقوق الإنسان، يرى فريق آخر من السياسيين والصحفيين المصريين أن مشكلة نظام السيسي خلال رئاسة ترامب الثانية ستكون هي "الفلوس لا الحريات وحقوق الإنسان"، لذا لن يكون فوزه مفيدا للسيسي.

الصحفي جمال سلطان شرح هذا بقوله إن "أزمة السيسي الحالية وورطته هي "الفلوس"، وشهوة ترامب الأساسية هي "الفلوس"، وبالتالي فكلاهما يحتاج فلوس، بل إن إدارة ترامب قد تقلص دعمها للسيسي ضمن تقليصها للنفقات الخارجية.

وأبدى سياسيون واقتصاديون مصريون تفاؤلهم بتحسن العلاقات مع أميركا عقب فوز ترامب، متوقعين تشجيعه الشركات الأميركية على توسيع استثماراتها في مصر، ودفع قرض صندوق النقد الدولي لمصر، وانتظام صرف المعونة السنوية دون قيود، وفق شبكة "سي إن إن" في 8 نوفمبر 2024.

لكن التقارير الاقتصادية الدولية تشير لدخول مصر في سلسلة أزمات جديدة قادمة بعد انتهاء أموال بيع رأس الحكمة وتراكم فوائد وعوائد الديون.

فبخلاف الحديث عن فجوة تمويلية ضخمة ستواجهها مصر خلال الفترة المقبلة، توقع البنك المركزي المصري في 13 ديسمبر 2023، أن يرتفع إجمالي الأقساط وفوائد الديون خلال عام 2024 لتسجل نحو 42.3 مليار دولار.

وتشير البيانات، إلى تضاعف إجمالي الديون الخارجية المستحقة على مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث بلغ إجمالي الدين الخارجي بنهاية الربع الأول من عام 2024 نحو 165.4 مليار دولار.

وفي تصريحات مائعة تشير لتعويم جديد وغير معلن، قال رئيس وزراء النظام، مصطفى مدبولي، في 6 نوفمبر 2024 إن الفترة المقبلة لن تشهد تعويما كاملا للجنيه أمام العملات الأجنبية، وإنما “سيتم التحرك وفقا للعرض والطلب، مما يعني حدوث تحركات صعودا وهبوطا للعملة الصعبة!”.

وسخر مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي، من نجاح ترامب وفرحة السيسي بعودته وكيف أن "أميركا رجعت لحبيبها السابق"، وبقاء السيسي في السلطة مع تعاقب 3 رؤساء أميركيين، واستمراره بعد ترامب.

تبعية مهينة

تشير تقديرات صحفية غربية إلى أن علاقة ترامب والسيسي ستستمر علاقة تبعية كما كان في الفترة الرئاسية الأولى، ولكنها ستكون أكثر، في ظل حاجة السيسي لدعم واشنطن لبقاء نظامه، ومقايضة ذلك بتنفيذ رغبات ترامب في صفقات، على غرار "صفقة القرن".

وكان السيسي حين زار ترامب في رئاسته الأولى، أول من فضح مشروع "صفقة القرن" معلنا استعداده للقيام بدوره فيها، لذا يعتقد أن ترامب سيستفيد هو من السيسي في ترويج التطبيع مع دول عربية أخرى.

وربما يضغط عليه لبقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا بشكل دائم رغم خرق ذلك لاتفاق السلام الموقع عام 1979.

ورغم سجل السيسي السيئ في مجال حقوق الإنسان، فقد أعرب ترامب منذ توليه الرئاسة عام 2017 عن دعمه القوي للديكتاتور المصري.

وقال ترامب في سبتمبر 2019: "لقد فهمنا بعضنا البعض جيدا، إنه رجل قوي للغاية، وفق رأيي".

وحين سُئل، خلال رئاسته الأولى، عن جهود السيسي للبقاء في السلطة حتى عام 2034 (قبل تعديل دستور مصر وتمديد فترة ولاية السيسي في منصبه)، أيد ذلك ضمنا بقوله "أنه يقوم بعمل عظيم".

وأضاف: "لا أعرف شيئا عن الجهود المبذولة (لتغيير الدستور وتمديد حكمه)، ولكن يمكنني فقط أن أخبرك أنه يقوم بعمل عظيم".

كما أشاد ترامب بالسيسي وقيادته في 27 أغسطس/آب 2019، ووصفه بأنه "رجل قوي للغاية"، وأضاف "إنه رجل طيب أيضا، وقد قام بعمل رائع في مصر (الانقلاب) وهو أمر ليس سهلاً".

لكن ترامب عاد ليصف السيسي بأوصاف تحط من قدره وتشير لانقياد له، مثل "القاتل اللعين" و"الديكتاتور المفضل".

ففي 13 سبتمبر 2019، صاح قائلا: "أين ديكتاتوري المفضل؟" في إشارة إلى السيسي خلال قمة مجموعة السبع التي عقدت في فرنسا، وكان ينتظر وصوله إلى الاجتماع، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".

وبعدها بعام واحد، سخر ترامب من السيسي، ووصفه بأنه "قاتل أحمق"، حسبما كشف الصحفي الأميركي، بوب وودوارد، في كتابه عن سيرته الذاتية بعنوان "الخوف: ترامب في البيت الأبيض".

وكشف وودوارد في كتابه حول "التفاصيل الداخلية" للعمل داخل البيت الأبيض، أن ترامب شبه تجربة التحدث إلى السيسي بـ"ركلة في الخصيتين"، ووصفه بـ"القاتل اللعين".

وذلك لأن السيسي سأله إن كان سيظل في السلطة في انتخابات 2020 (كي يظل يدعمه وينفذ صفقات معه).

فبحسب محاميه جون داود، قال ترامب، وفقا لكتاب "وودوارد": "داود، هل تعرف مع من كنت أتحدث معه؟ إنه هذا الرجل القاتل اللعين، هذا الرجل قاتل لعين، سيجعلك تتعرق على الهاتف".

وشرح ترامب سبب سبه السيسي وسخريته منه بقوله: "قبل أن نبرم الصفقة مباشرة (لم يفصح ما هي؟)، قال السيسي،" دونالد، أنا قلق بشأن تحقيق هذا".

تابع: "هل ستكون موجودا؟ (أي بعد انتخابات 2020 التي خسرها ترامب)، وسأله: "لنفترض أنني بحاجة إلى معروف، دونالد (ماذا أفعل لو خسرت الانتخابات)"؟.

لذا شبه ترامب حديثه مع السيسي بأنه "ركلة في الخصيتين"، وقال "إنه أمر فظيع"، أي سؤال السيسي له: "هل سيبقى في الحكم كي يواصل حمايته وتنفيذ ما طلبه من السيسي أم لا!".

وأعرب ترامب مرارا وتكرارا عن دعمه للسيسي طوال فترة وجوده في السلطة، وغض الطرف عن مئات الانتهاكات الموثقة المرتكبة ضد المعارضة والناشطين في مصر.

كما تجاهل التقارير التي أصدرتها وزارة الخارجية الأميركية ومنظمة هيومن رايتس ووتش ومجموعات أخرى حول القمع والانتهاكات في مصر.

ويقول شريف عازر، الباحث المصري في معهد تايمز لسياسة الشرق الأوسط، والمدافع عن حقوق الإنسان، إن ترامب لن يختلف عن سلفه بايدن بالنسبة للسيسي، لأن المساعدات الأميركية لمصر في عهد بايدن، لم تتوقف رغم سجل تدهور حقوق الإنسان.

لكنه يشير إلى أنه "في عهد ترامب، يستطيع نظام السيسي التهرب بسهولة أكبر من أي التزامات تتعلق بحقوق الإنسان، وحتى تجنب التوبيخ اللفظي"، بحسب موقع تلفزيون "العربي" بالإنجليزية 7 نوفمبر 2024.

اختلاف الأولويات 

أحد أسباب توقع ألا يفيد ترامب نظام السيسي كثيرا هو اختلاف أولويات الأخير في فترة رئاسة الرئيس الأميركي الأولى، عن الثانية التي تبدأ في 20 يناير 2024.

ففي الفترة الأولي كان السيسي خارجا من انقلاب 2013، ويسعى لترتيب شؤون نظامه الداخلية والقضاء على أي وجود أو نفوذ لجماعة الإخوان المسلمين.

لذا كان بحاجة لغطاء ترامب لانتهاكاته الداخلية وقمعه لحقوق الإنسان، وكانت عبارة "ديكتاتوري المفضل" تلخيصا لهذه المرحلة، بحسب تقارير غربية.

أما في الفترة الثانية، فالنظام المصري يعاني من مشكلات خارجية بجانب الداخلية، وبعضها مثل إبادة غزة تؤثر بشدة على النظام مثل خسارة 6 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس، والبعض الآخر، مثل مشكلة المياه وسد النهضة الإثيوبي ينعكس على أزمات كبيرة وتهديد للأمن القومي.

وفي مذكرته "في حرب مع أنفسنا .. مهمتي في البيت الأبيض بعهد ترامب" التي نشرت في أغسطس/آب 2024 أشار هيربرت رايموند مكماستر مستشار الأمن القومي لترامب في الفترة ما بين 20 فبراير/شباط 2017 إلى 9 أبريل/نيسان 2018، إلى “تراجع دور مصر الإقليمي مقابل تزايد الدور الخليجي”.

وأرجع سبب ذلك إلى تركيز النظام المصري على ترتيب شؤونه الداخلية بعد انقلاب 2013، وما تبعه من فترة توتر نسبي مع إدارة أوباما حينئذ.

"مكماستر" أكد أنه في كل كواليس اللقاءات مع المسؤولين المصريين، “كانت مطالباتهم فيها تنصب على كسب دعم واشنطن في الحملة ضد جماعة الإخوان المسلمين”، وذلك رغم أن هناك قضايا أخرى جوهرية تقع في صلب الأمن القومي المصري، مثل سد النهضة الإثيوبي، والحرب في ليبيا.

وأوضح أن وزير الخارجية حينها، سامح شكري، "كان حريصا على مناقشة مخاطر جماعة الإخوان المسلمين، وسأل عما إذا كان (ترامب) مستعدا لمواجهة الجماعة ورعاتها في تركيا وقطر"، وذلك حتى قبل أن يلتقي السيسي ترامب.

وأظهر تركيز شكري في هذه الزيارة على ملف جماعة الإخوان المسلمين، دون غيره من الملفات كـ"سد النهضة" والحرب في ليبيا، أن توطيد نظام السيسي لأركان حكمه وكسب أميركا في صف معركته مع الجماعة، كان شاغله الأول، ومُقدما على الملفات التي تهدد الأمن القومي المصري.

ووصف مكماستر تولي السيسي للسلطة عام 2013 بأنه جاء "بعد انقلاب ضد حكومة الإخوان المسلمين بقيادة محمد مرسي"، وذكر أن الخشية من تزايد النفوذ الروسي في مصر كانت سببا في رغبة إدارة ترامب لتحسين العلاقات مع السيسي.

وأكد مكماستر أن نظام السيسي ضغط، هو والإماراتيون والسعوديون، بقوة من أجل أن يصنف ترامب جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية".

لكن وزارة الخارجية الأميركية أبدت مخاوفها من أن "هذا التصنيف قد يمنع الحوار مع فروع أقل تطرفا في الجماعة، ويدفعها إلى العمل السري، الذي قد يجعلها أكثر خطورة"، وفق المذكرات.

بل وطالبه الأميركيون بالإفراج عن المواطنين الأميركيين المحتجزين في السجون المصرية كشرط لتحسين العلاقات مع القاهرة، ومنهم آية حجازي، التي أطلق سراحها بعد أسابيع، واستقبلها ترامب في البيت الأبيض في 21 أبريل/نيسان 2017.

في خطاب ترامب الختامي أمام مؤتمر الحزب الجمهوري في يوليو/ تموز 2016، قال مؤيدا انقلاب السيسي، إن "مصر جرى تسليمها للراديكاليين من الإخوان المسلمين، وهو ما أجبر الجيش على إعادة تولي السلطة. 

سد النهضة

قد يكون ترامب مفيدا للسيسي في حالة واحدة، تتعلق بسد النهضة الإثيوبي، بعدما أعلنت أديس أبابا اكتمال بناؤه وملئه بنسبة 100 بالمئة، وتحدت مصر وحصتها المائية السنوية.

وهو ما دفع القاهرة لمحاولة حصار أديس أبابا، بـ"اتفاقية دفاعية مع الصومال وسط ترحيب صوماليين بعودة ترامب للجم إثيوبيا.

وسبق لترامب أن أحرج السيسي في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، حين استغرب عدم نسف مصر لسد النهضة، قائلا: "عليهم أن يفعلوا شيئا؟ وكان ينبغي عليهم إيقافه قبل وقت طويل من بدايته".

وهو ما أظهر السيسي مترددا في حسم الأمر، رغم حصوله على ضوء أخضر من الدولة العظمى.

وأثناء حديثه من المكتب البيضاوي، بعد إعلانه اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان، قال ترامب إن مصر قد تعمد إلى تفجير سد النهضة، لأن "الوضع خطير جدا لأن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة.

وأضاف: "سينتهي بهم الأمر إلى تفجير السد. قُلتها وأقولها بصوت عالٍ وواضح: سيُفجرون هذا السد. وعليهم أن يفعلوا شيئا".

وقد عد خبراء مصريون تصريحات ترامب آنذاك، بمثابة موافقة ضمنية على استهداف سد النهضة.

وكتب وزير المياه الأسبق محمد نصر الدين علام، على فيسبوك يقول إن تصريحات الرئيس الأميركي هي "إعلان للضوء الأخضر لمصر للتحرك عسكريا، لمواجهة خطر ملف سد النهضة".

ومع عودة ترامب للبيت الأبيض مجددا، يبدي سياسيون مصريون تفاؤلهم بتدخل أميركا لحل أزمة سد النهضة الإثيوبي، والتوصل إلى حل حول الخلاف بشأنه، استنادا لمواقف ترامب السابقة من هذه القضية، حال حاول نظام السيسي استغلالها.

واستضافت واشنطن خلال 2019 و2020 اجتماعات بين مصر وإثيوبيا بمشاركة البنك الدولي؛ للتوصل لاتفاق حول سد النهضة، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي، مما دفع ترامب وقتها لمهاجمة أديس أبابا.