حزبا الجيد والشعب الجمهوري في تركيا.. هل يغيران أدوارهما السياسية؟

6 months ago

12

طباعة

مشاركة

سلط مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" الضوء على الوضع السياسي الحالي في تركيا والتحديات التي تواجهها الأحزاب السياسية في إدارة التنافس والانقسام.

وانتعشت السياسة التركية الداخلية مطلع مايو/أيار 2024، على إثر لقاء زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزيل، الرئيس رجب طيب أردوغان ولاحقا رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي.

وعقد الاجتماع بين أردوغان وأوزيل في الثاني من مايو واستمر ساعة و35 دقيقة في مقر حزب العدالة والتنمية بالعاصمة أنقرة. وبعدها بـ 5 أيام زار الأخير بهتشلي في مكتبه بالبرلمان التركي.

مستقبل مبهم

ويقول مركز سيتا التركي في مقال للكاتب "برهان الدين دوران": "تمثل الاجتماعات الرئاسية التي كانت محور الأسابيع الأخيرة فرصة لإحياء السياسة بجميع جوانبها. ويعني ذلك أنه يتم مناقشة العديد من المسائل المتعلقة بحاضر ومستقبل تركيا بشكل مكثف". 

واستدرك الكاتب: هذه الفترة يمكن أن نصفها بوصف سابق للرئيس أردوغان يدعى "تليين السياسة" ويشير إليها أوزيل بـ "التطبيع"، وهي خطوة قيّمة ومهمة ولكنني أرحب بها بتفاؤل حذر. 

والسبب وراء هذا التحفظ هو صعوبة إدارة ظاهرة التنافس الطبيعية في السياسة والتي يمكن أن تؤدي بسهولة إلى الانقسام.

ففي السياسة يمكن أن يؤدي التنافس بين الأطراف ذوي الآراء المختلفة إلى زيادة التوتر والاختلافات وحتى الانقسام في المجتمع، وفق الكاتب. 

وذكر أنه "من الصعب إدارة هذه الديناميكية التنافسية بشكل فعال، حيث يمكن أن تنشأ صراعات ومواجهات بين الأطراف المتنافسة". 

وبالتالي يجب أن تتم مناقشات رؤساء الأحزاب العامة بطريقة بناءة ومسؤولة، وأن يسعوا إلى التوافق والحوار بدلاً من التصعيد والانقسام. فنحن لا نعرف بعد ما إذا كان "التليين" و"التطبيع" يشيران إلى نفس المفهوم، وفق قوله. 

وتابع الكاتب: يتعلق تفاؤلي بحقيقة أن جميع الأطراف المعنية تحتاج إلى مناخ جديد للعمل السياسي. 

وقد قدّم حزب العدالة والتنمية هذا النقاش من خلال مقترح رؤية القرن التركي قبل انتخابات مايو 2023. بينما يستخدم حزب الشعب الجمهوري مصطلح "تحالف تركيا" للتأكيد على السياسة الشاملة.

إعادة تقييم

وأردف الكاتب التركي: في السنوات الأربع التي ستمر دون انتخابات يجب إعادة النظر في الخطابات والممارسات والقضايا السياسية. 

فمن جهة يجب على الحكومة أن تجدد نفسها وعلى المعارضة أن تضع سياسات جديدة لكي تكون بديلاً للحكومة. 

من جهةٍ أخرى، لا يمكن التنبؤ بموضع التقاء المواقف السياسية المختلفة. ففي الوقت الحالي لا يوجد سوى استعداد للاجتماع وبعض الخطاب الشامل، ولم تبدأ بعد المفاوضات بشأن القضايا السياسية الحاسمة. لهذا السبب ليس من الواضح بعد ماهيّة الوضع الطبيعي الجديد للسياسة.

ولفت الكاتب التركي إلى تصريحات أوزيل والتي يركز فيها على "المقاومة الشرسة" في مواجهة الانتقادات التي يتعرض لها. 

وصرح أوزيل في بيان له: "إن فترة جديدة بدأت في حزب الشعب الجمهوري عنوانها المقاومة الشرسة".

وبين أنهم دعوا للمشاركة في مظاهرات لمعارضة المناهج الدراسية الجديدة قبل يوم واحد من عيد الشباب في 18 مايو، وكذلك دعم المعلمين الذين لم يتم تعيينهم، لافتا إلى أنهم سيدعون لاحتجاجات أخرى لدعم المتقاعدين.

وعلق الكاتب التركي: لا نعرف حتى الآن ما هي النتائج المتوقعة لانتقاد حزب الشعب الجمهوري الحكومةَ من خلال المظاهرات، وكذلك لا نعرف كيف ستتجاوب الأخيرة سياسيًا مع هذه الانتقادات.

كما أن استمرار دعم أوزيل لرفض حزب الشعب الجمهوري لمذكرة ليبيا لا يعطي انطباعًا إيجابيًا بشأن موقفه من مذكرات العراق وسوريا، في إشارة إلى العمليات العسكرية التركية في تلك البلدان. 

الدستور الجديد

بالإضافة إلى ذلك، لا يزال موقف رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل في نقاش الدستور الجديد غير واضح.

إذ يمكن أن تتغير عبارة "الامتثال الكامل للدستور الحالي هو شرط لا غنى عنه في الدستور الجديد".

وبين أن موقف أوزيل يمكن أن يصبح "لن نشارك في مسألة الدستور الجديد".

وأشار الكاتب التركي إلى أن تصريحات الرئيس الجديد لحزب الجيد مساوات درويش أوغلو هي إشارة أخرى إلى صعوبة إنشاء بيئة سياسية جديدة. 

إذ أعلن درويش أوغلو أنه سيواصل "السياسة المستقلة والحرة"، ولكنه يستخدم لغة قوية تجاه السلطة. 

في المقام الأول، خرج درويش أوغلو في المؤتمر الاستثنائي لحزبه ببيان قال فيه: "أرجوكم أنا أتوسل إليكم. أقول ذلك من أجل الله. أرغب في مواجهة رجب طيب أردوغان في ساحات تركيا، أعطوني تلك القوة". 

وبعد ذلك في أول اجتماع للمجموعة، صرح بأنه لن يشارك في أي مناقشة تتعلق بالدستور الجديد.

وذكر درويش أوغلو أنه "لا يهم من يجري أي اجتماع مع أي شخص فيما يتعلق بتعديلات الدستور، سواء كانت زيارة أو رد زيارة. لا يهم هدفهم من هذه الاجتماعات سواء كانت تجارية أم لا".

وأردف: "إذا لزم الأمر، سيقاتل حزب الجيد حتى النهاية ضد أي اقتراح لتعديل الدستور الذي يعزز نظام الحاكم الواحد (دستور أردوغان الجديد). نحن لا نعد أي اقتراح لذلك جديرا بالنقاش".

تبادل الأدوار

وأشار الكاتب إلى أن حزب الجيد قرّر المشاركة في الانتخابات المحلية مارس/آذار 2024 بمرشحيه الخاصين دون الدخول في تحالفات، وقد اتبع سياسة "الطريق الثالث" في المنافسة السياسية. 

إذ يهدف الحزب إلى تجاوز الاستقطاب السياسي القائم بين حزبي الشعب الجمهوري والعدالة والتنمية.

ولفت إلى أن سياسة الطريق الثالث التي يتبناها حزب الجيد في تركيا تهدف إلى تقديم بديل معتدل بين اليمين واليسار، أو بين السياسات الليبرالية والمحافظة. 

ففي سياق السياسة التركية، حيث الانقسامات الحادة والتنافس الشديد بين الأحزاب، يرى حزب الجيد أن هناك فرصة لجذب الناخبين الذين يشعرون بالإحباط من الخيارات القائمة ويرغبون في حلول وسطية.

ولفت الكاتب إلى أنه في الفترة التي تُطرح فيها مواضيع التفاوض والتخفيف في السياسة، يعد موقف درويش أوغلو دلالة على توجه جديد.

ومع الزعيم الجديد للحزب، يبدو أنه يتجه نحو تبني موقف معارض أكثر صرامة وحزمًا مقارنةً بمواقف حزب الشعب الجمهوري.

وهذا التوجه قد يكون نتيجة لتحليل الحزب للوضع السياسي الراهن ورغبته في تمييز نفسه عن الأحزاب الأخرى بتقديم بديل أكثر وضوحًا وتحديًا للسياسات الحالية، وفق الكاتب.

وتابع: "بعد أن اعتنق أوزيل موقفًا سياسيًا جديدًا يقيد نطاق سياسة الطريق الثالث للحزب الجيد، يكمن السؤال في ما إذا كان درويش أوغلو يتجه نحو اتباع سياسة معارضة متشددة مشابهة لتلك التي يتبناها حزب الشعب الجمهوري".