آخرهم يحيى السنوار.. كيف تجاوزت حماس صدمة اغتيال كبار قادتها على مر السنين؟
"تسقُطُ الأجساد لا الفِكرة"
في خطابه بمناسبة مرور عام على عملية طوفان الأقصى، شدد أبوعبيدة، المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، على أن الاغتيالات الإسرائيلية لم تصنع أبدا نصرا للاحتلال بل أسهمت في استمرار المقاومة.
قال في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024: "لو كانت الاغتيالات نصرا، لما نفذت كتائب القسام عملية طوفان الأقصى بعد عشرين عاما من اغتيال قادة حماس والقسام".
وبعد خطاب "أبوعبيدة" بـ10 أيام، تحديدا في 17 أكتوبر 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار "أبو إبراهيم" نتيجة اشتباك في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
فيما علق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مقتل السنوار بالقول، إن “حماس لن تحكم غزة بعد الآن”.
ولم يكن استشهاد رجل بحجم السنوار سهلا أو عاديا، فهو مفجر "طوفان الأقصى" الذي كبد إسرائيل واحدة من أسوأ الهزائم في تاريخها.
وجاء اغتيال السنوار بعد ما يزيد قليلا عن شهرين على اختياره رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس، بعد اغتيال سلفه إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران.
وفي هذا السياق، يخطر إلى الأذهان سؤال، هل تمتع حماس بالقدرة على تجاوز ذلك الغياب والمضي قدما في طريقها لوضع حد للاحتلال الإسرائيلي؟
اغتيالات مؤثرة
منذ تأسيس حركة "حماس" في 7 ديسمبر/ كانون الأول 1987، كانت قياداتها السياسية والعسكرية هدفا دائما للاغتيالات على يد الاحتلال الإسرائيلي، سواء داخل فلسطين أو خارجها.
فمن القادة المؤثرين الذين قتلتهم إسرائيل صلاح شحادة المؤسس الفعلي لكتائب القسام.
ففي 1984، أي قبل ثلاث سنوات من إعلان تأسيس الحركة، دشن شحادة جهازا عسكريا باسم "المجاهدون الفلسطينيون"، كان عبارة عن خلايا سرية نفذت سلسلة عمليات ضد الاحتلال.
وظل على رأس قيادة التنظيم إلى أن تحول إلى كتائب عز الدين القسام في 1991، واعتقلته إسرائيل من 1988 إلى 2000.
وفي يوليو 2002، استهدفت غارة إسرائيلية منزله بحي الدرج شرقي مدينة غزة، ما أدى إلى اغتيال شحادة و18 شخصا آخرين، فيما عرف بمجزرة "حي الدرج".
أيضا يعد "إبراهيم المقادمة" عضو المكتب السياسي لحماس وأحد قادتها العسكريين البارزين، من الأسماء الثقيلة التي شملتهم عمليات الاغتيال الإسرائيلية.
ففي 8 من مارس/ آذار 2003 أطلقت مروحية أباتشي صواريخ باتجاه سيارة المقادمة، وسط غزة، مما أدى إلى استشهاده و3 من مرافقيه.
وقتها أعلن "جدعون عيزرا" الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الشاباك، بأن المقادمة أحد أخطر الفلسطينيين على أمن إسرائيل.
وأضاف أنه ليس مجرد قيادي، بل هو مدرسة فكرية كاملة غذت اندفاع الفلسطينيين نحو مواصلة القتال ضد إسرائيل.
قتل المؤسس ونائبه
وكانت عملية اغتيال مؤسس حركة حماس والأب الروحي للمقاومة الشيخ أحمد ياسين، من العمليات المؤثرة والصعبة في تاريخ حماس.
ففي 22 مارس/ آذار 2004 أثناء خروجه من المسجد بعد تأديته صلاة الفجر، استهدفه صاروخ إسرائيلي، وكانت عملية الاغتيال تحت إشراف رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "أرييل شارون".
ويعد ياسين هو الذي غرس حماس وبدأ فكرتها عندما اتفق مع قادة العمل الإسلامي في غزة على تكوين تنظيم إسلامي لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي والعمل على تحرير فلسطين، من النهر إلى البحر، أطلق عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ورغم صدمة حماس والعالم الإسلامي باغتيال ياسين، لكن آلة القتل الإسرائيلية لم تتوقف، فبعده بأيام اغتالت نائبه وأحد المؤسسين للحركة، الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي، في 17 أبريل/نيسان 2004.
في غارة بطائرة أباتشي على سيارة كان يستقلها أثناء المرور من شارع الجلاء شمال غزة.
وأتى اغتيال الرنتيسي بعد أن أعلن شارون وقادته العسكريون أن "جميع قادة حماس ضمن قائمة المستهدفين".
أرقام صعبة
ومن الأسماء الثقيلة التي قتلتها إسرائيل خلال حربها الطويلة على الشعب الفلسطيني وحركة حماس، القائد نزار ريان، أحد كبار القادة السياسيين والعسكريين في حماس.
حيث اغتاله جيش الاحتلال بقصف منزله في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، خلال حرب "الرصاص المصبوب" مطلع يناير/ كانون الثاني 2009، وقتلت معه معظم أفراد عائلته.
بعده بأيام في 15 يناير/ كانون الثاني، قتلت سعيد صيام، الذي كان يوصف بـ "وزير داخلية" حماس، والرجل الذي أسس الجهاز الأمني في غزة.
وذلك إثر غارة نفذتها طائرات الاحتلال على منزل شقيقه بحي اليرموك أثناء الحرب على القطاع، واستشهد معه شقيقه وابنه و6 آخرون.
كذلك في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، اغتال الاحتلال نائب القائد العام لكتائب القسام أحمد الجعبري، في غارة جوية على غزة، وهو الذي كان يعد "ثالث ثلاثة" في المجلس العسكري للحركة مع شحادة ومحمد الضيف.
وحسب وصف القيادات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، كان "الجعبري" يحمل لقب "رئيس أركان حماس" و"الرقم الصعب".
وفي 21 أغسطس/ آب 2014، اغتال الاحتلال في غارة جوية "رائد العطار"، بعد أن استهدفت منزلا بمدينة رفح جنوبي غزة.
ووصف جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" العطار بأنه أحد أقوى قادة القسام على الإطلاق.
وكان العطار عضوا بالمجلس العسكري لكتائب القسام، وأحد مؤسسيها، وكان المسؤول عن منطقة رفح عسكريا بكاملها، واتهمه "الشباك" بأنه المسؤول عن بناء منظومة أنفاق حماس المعقدة تحت الأرض.
حماس فكرة
مع هذا التاريخ الطويل من الضربات والتصفيات في المصفوفة القيادية لحماس، لكنها استطاعت البقاء والصمود في وجه آلة الحرب الإسرائيلية الشرسة المدعومة عالميا.
وفي 25 يونيو/ حزيران 2024، أعلن الوزير المستقيل من مجلس الحرب وزعيم حزب معسكر الدولة، بيني غانتس، أن "حماس فكرة لا يمكن تدميرها، وإن كان من الممكن إضعافها".
وصرح بذلك الأمر من قبل رفيقه في الجيش وفي العمل السياسي، غادي آيزنكوت، عندما قال إن "حماس فكرة ستقاتلها إسرائيل لسنوات عديدة قادمة".
لكن المثير أن مصطلح "حماس فكرة" صار متداولا بقوة داخل أروقة صناعة القرار للكيان الإسرائيلي.
فمثلا شدد المتحدث باسم جيش الاحتلال، دانيال هاغاري، خلال مقابلة مع “القناة 13” العبرية، على استحالة تدمير حماس، وذكر في حديثه أن "حماس فكرة لا يمكن تدميرها".
ثم عقب هاغاري بأن "الحديث عن تدمير حماس هو بمثابة ذر للرماد في أعين الجمهور، وذلك لأنها مغروسة في قلوب الفلسطينيين".
مصدر قوة حماس
لكن هناك شيئا آخر غير الفكرة جعل حماس تتمدد وتقوى، وكلما تعرضت لضربة من خلال قيادتها عادت وتماسكت وأخرجت فرزا جديدا من القيادات.
عبر عن ذلك عالم السياسة الأميركي والمحاضر في شؤون الأمن الوطني والدولي، روبرت بيب، خلال مقال نشره في مجلة فورين أفيرز، في 25 يونيو 2024.
حيث قال: "إن إسرائيل لم تهزم حماس، وأنها فشلت في فهم مصادر قوة حماس، فهي قوة لا تأتي من العوامل المادية النموذجية التي يستخدمها المحللون للحكم على قوة الدول".
وأضاف: "المصدر الأكثر أهمية لتلك الحركة هو القدرة على التجنيد، خاصة قدرتها على جذب أجيال جديدة من المقاتلين والعناصر الذين ينفذون الحملات القاتلة وعلى استعداد للموت من أجل القضية".
وأكمل: "هذه القدرة على التجنيد متجذرة، في نهاية المطاف، في عامل واحد هو حجم وشدة الدعم الذي تستمده حماس من مجتمعها".
وفي مايو 2024، نشرت صحيفة "إلباييس" الإسبانية تقريرا عن احتمالات أن تقضي إسرائيل على حماس بوصفها مؤسسة وهيكلا سياسيا ودينيا وثقافيا وهيكلا عسكريا.
وذكرت: "لا يستطيعون القيام بالأمرين الأولين، لأنه حتى في حالة قتل قادة حماس كافة أو قتل عناصرها المسلحة كافة، فإن حماس ستبقى قوة سياسية، سواء احتل الإسرائيليون غزة أو غادروها".
وشددت على أن تدمير حماس بوصفها مؤسسة سياسية وتدميرها بوصفها فكرة يعد ضربا من المستحيل.
وقبل تأسيس حماس بسنين، قال الروائي والصحفي الفلسطيني غسان كنفاني "تسقُطُ الأجسادُ لا الفِكرة"، والمقاومة فكرة والفكرة لا تموت.