عبر دعوة بارزاني لواشنطن.. ما الرسائل التي توجهها أميركا لبغداد وطهران؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل التوتر الذي تشهده العلاقة بين بغداد وأربيل، أجرى رئيس وزراء كردستان العراق مسرور البارزاني زيارة إلى الولايات المتحدة استمرت لأكثر من أسبوع، التقى خلالها كبار المسؤولين والسياسيين الأميركيين بدعوة من واشنطن.

لعل آخر ما عكّر العلاقة بين بغداد وأربيل، هو إصدار المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية بالعراق)، قرارا في 21 فبراير/ شباط 2024، يلزم حكومة إقليم كردستان بتوطين رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام لدى المصارف العراقية.

ويعني القرار عدم دفع بغداد جزءا من الموازنة المالية إلى الإقليم من أجل دفع رواتب موظفيه، وإنما سيكون الدفع لكل فرد عن طريق المصارف العراقية، الأمر الذي عدّته حكومة كردستان "مخالفة دستورية وتتعارض مع المبادئ الفيدرالية والفصل بين السلطات".

حجر الزاوية

أولى محطات مسرور البارزاني في واشنطن، لقاؤه بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في 26 فبراير، إذ جرى بحث جملة من القضايا ذات الاهتمام المشترك، إضافة إلى موضوع حل القضايا الخلافية بين حكومتي بغداد وأربيل، حسب بيان لحكومة الإقليم.

وعبّر البارزاني عن امتنانه للولايات المتحدة على دعمها المتواصل لإقليم كردستان، قائلا: "بصفتنا شريكا لأميركا، واجهنا العديد من المراحل الصعبة معا، ونأمل أن نواجه التحديات الجديدة جنبا إلى جنب".

وأفاد البيان الحكومي بأن "محاور الاجتماع شملت نقاشات بشأن حماية أمن الإقليم، وحلّ مشاكل الموازنة، وضمان الحقوق المالية والدستورية لمواطني كردستان، واحترام النظام الاتحادي والكيان الدستوري للإقليم".

وأكد البيان أنه "جرى أيضا مناقشة حماية حقوق مكونات إقليم كردستان، واستئناف تصدير نفطه، إضافة إلى تنفيذ اتفاق سنجار وإخراج المليشيات (حزب العمال الكردستاني، والحشد الشعبي) من المنطقة".

وأبرمت الحكومة العراقية في بغداد وسلطات إقليم كردستان، في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2020، اتفاق تطبيع الأوضاع في مدينة سنجار بمحافظة نينوى، يقضي بإخراج الجماعات المسلّحة من البلدة، تمهيدا لعودة نازحيها الذين غادروها منذ اجتياح تنظيم الدولة للبلاد عام 2014.

واتفق البارزاني في لقائه مع بلينكن على أن "قرارات المحكمة الاتحادية والخطوات المتخذة ضد إقليم كردستان والفيدرالية في العراق تثير القلق، وأنه يجب احترام الكيان الدستوري للإقليم والنظام الاتحادي والمبادئ الديمقراطية في العراق"، بحسب البيان.

ولفت البيان إلى أن "الاجتماع شهد تأكيدا متبادلا على ضرورة حصول إقليم كردستان على حصته من الموازنة بشكل منصف وعادل".

من جهته، كتب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تدوينة على منصة "إكس" في 28 فبراير، قال فيها: "التقينا مع مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كوردستان، لمناقشة الشراكة الأميركية معهم وتشجيع التعاون المستمر مع الحكومة الاتحادية".

وأوضح وزير الخارجية الأميركي أنه "لا تزال الولايات المتحدة تدعم إقليم كردستان الصامد بوصفه حجر الزاوية في علاقتنا مع العراق بزاوية 360 درجة".

وبين بلينكن أن "دعم الولايات المتحدة لحكومة كردستان سيتواصل بنسبة (360) درجة"، موضحا "كردستان العراق منطقة نموذجية في الشرق الأوسط، لذلك تقدّر واشنطن شراكتها مع الإقليم".

وشملت لقاءات البارزاني، مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ومنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بريت ماكغورك.

فضلا عن رؤساء لجان الكونغرس مايك تيرنر (لجنة الاستخبارات) ومايكل ماكول (لجنة العلاقات الخارجية) وكي غرانجر (لجنة المخصصات) وكين كالفرت (لجنة الدفاع).

كما التقى رئيس حكومة الإقليم بأعضاء الكونغرس، مايكل وولتز، وجو ويلسون وجيك إيلزي، والسيناتور بيل هاغرتي، إضافة إلى نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي فيكتوريا تايلور، ووكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية بريان نيلسونو.

رسالة أميركية

وبخصوص دلالة توقيت دعوة الولايات المتحدة لرئيس حكومة كردستان العراق لزيارتها، قال موقع "المونيتور"، إن "الاستقبال الحار للبارزاني في واشنطن، هو رسالة توجهها الإدارة الأميركية لكل من إيران والحكومة في بغداد".

وأوضح تقرير الموقع الأميركي في 2 مارس، أن "زيارة البارزاني جاءت هذا الأسبوع، في تطور بروتوكولي غير عادي، وذلك قبل زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي من المقرر أن يصل إلى الولايات المتحدة في أبريل 2024".

ولفت الموقع إلى أن "المحادثات الأميركية ركزت مع البارزاني هذا الأسبوع في البنتاغون وأماكن أخرى على ما يمكن للولايات المتحدة أن تفعله للإقليم، بما في ذلك (تزويده) بالدفاعات الجوية، والتي يجب في النهاية موافقة بغداد عليها. إن مجرد مناقشة مثل هذه الأنظمة يبعث برسالة إلى جار العراق الشرقي (إيران)".

وتابع: "يريد الأكراد المزيد، وليس الأقل، من الوجود العسكري الأميركي لمواجهة التهديد الإيراني لإقليم كردستان. ويبدو أن واشنطن وأربيل متفقتان بشأن ما هو مطلوب. ويحاول السوداني إيجاد حل وسط بعيد المنال حتى الآن بين واشنطن وطهران".

ونقل الموقع عن مسرور البارزاني قوله إن "إقليم كردستان وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن يتشاركان نفس المخاوف بشأن التهديدات التي يتعرض لها الأمن في العراق والمنطقة. كان هذا واضحًا جدًا في جميع مناقشاتنا هذا الأسبوع".

وأضاف: "نحن نقدر دائما شراكتنا مع الولايات المتحدة. في حين أن بعض الأطراف قد ترغب في مغادرة القوات الأميركية للعراق، إلا أنها موضع ترحيب دائم في إقليم كردستان".

ورأى تقرير الموقع الأميركي إلى أن "وصف بلينكن لحكومة إقليم كردستان بأنها (حجر الزاوية) لسياسة الإدارة الأميركية في العراق له إحساس بالعودة إلى المستقبل. ويتعرض النظام الفيدرالي للحصار من العناصر المدعومة من إيران في البلاد".

وأردف: "تتعرض المؤسسات والوكالات الحكومية العراقية للخطر بشكل متزايد من قبل إيران، لكن الأوان لم يفت بعد. إن حكومة إقليم كردستان، والنظام الفيدرالي العراقي، يثيران قلق إيران لسبب وجيه، إنه تهديد لنفوذها".

وبحسب الموقع، فإن زيارة البارزاني تعطي دفعة للتعاون الأمني بين بغداد وأربيل في مواجهة إيران، إذا أراد السوداني أن يلعب بهذه الورقة. يمكنه، على سبيل المثال، تناول خيار الدفاع الجوي لكردستان.

وخلص "المونيتور" إلى أن "إدارة بايدن رفعت مستوى حكومة إقليم كردستان في إستراتيجيتها في العراق، ويجب على بغداد وطهران أن تأخذا ذلك في الحسبان".

غضب إطاري

وفي أول تعليق من أطراف في "الإطار التنسيقي" الشيعي الحاكم في العراق، قالت النائبة عنه عالية نصيف خلال تدوينة لها في 29 فبراير 2021، إن "زيارة مسرور البارزاني إلى أميركا لا تختلف عن أي فيلم من أفلام هوليوود من ناحية السيناريو والإخراج".

وتساءلت: "لماذا تزامنت القضية (زيارة البارزاني) مع الحوارات الجارية بين رئيس الوزراء العراقي والجانب الأميركي بشأن انسحاب القوات الأجنبية من العراق، وماذا يُحاك وراء الكواليس؟".

من جهته، قال السياسي العراقي المنتمي إلى الإطار التنسيقي، وائل الركابي، إن "زيارة رئيس إقليم كردستان إلى واشنطن، ربما تأتي لمطالبة الأخيرة بنقل قواتها إلى الإقليم في حال أرادت الانسحاب من العراق".

وأوضح الركابي خلال مقابلة تلفزيونية في 26 فبراير، أن "موضوع انسحاب القوات الأميركية يجري باتفاق مع الحكومة العراقية، وليس مع إقليم كردستان، لأن مجيئهم إلى البلاد كان بطلب من السلطات في بغداد".

وعلى الوتيرة ذاتها، قالت صحيفة "المدى" العراقية خلال تقرير لها في 28 فبراير، إنه "بات من شبه المؤكد بأن قوى الإطار التنسيقي متفقة على بقاء أميركي طويل الأمد في العراق حتى مع انسحاب القوات القتالية من البلاد".

وأشارت إلى "احتمال نقل القوات الأميركية من بغداد إلى إقليم كوردستان غداة لقاء مسرور بارزاني بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي أعرب عقب لقائه برئيس حكومة إقليم كوردستان عن مواصلة بلاده دعم الإقليم، بوصفه حجر الزاوية في علاقة أميركا الشاملة مع العراق".

وفي السياق ذاته، قالت قناة "وان نيوز" العراقية على موقعها الإلكتروني  في 2 مارس 2024 إن "زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني إلى واشنطن تثير حفيظة قادة الإطار التنسيقي لأنها سبقت زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، المهددة بالإلغاء".

ونقلت القناة عن قيادي بالإطار (لم تكشف هويته) أن "قادة التنسيقي (الشيعي) قلقون من تحول الاهتمام والدعم الأميركي إلى إقليم كردستان بعيدا عن بغداد، والسبب ما حدث بين الفصائل وواشنطن بالفترة الماضية، خاصة وأن حكومة السوداني تخوض مفاوضات إنهاء دور التحالف الدولي في العراق".

وأشار القيادي الإطاري إلى أن "وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكد لبارزاني استمرار الولايات المتحدة في دعم كردستان المرن، بوصفه حجر الزاوية في العلاقات الأميركية مع العراق بشكل شامل، ولم يذكر العاصمة بغداد إطلاقا".

وشهدت العاصمة بغداد، في 7 فبراير 2024، مقتل القيادي في مليشيا "كتائب حزب الله" وسام محمد صابر (أبو باقر الساعدي) بضربة جوية نفذتها طائرة مسيرة أميركية، استهدفت سيارته التي كان يستقلها.

وعلى إثر ذلك، توالت الدعوات من بعض أطراف الإطار التنسيقي الشيعي القريب من إيران إلى إنهاء تواجد التحالف الدولي وإخراج القوات الأميركية، لكن القوى السنية والكردية التزمت الصمت حيال هذه المطالبات.

ويرى مراقبون للشأن العراقي، أن "زيارة البارزاني تؤكد أن إقليم كردستان لا يزال هو الأقرب إلى الولايات المتحدة من بغداد والحكومة العراقية الحالية، برئاسة محمد شياع السوداني، الذي لم يزر واشنطن حتى اليوم رغم توليه منصبه منذ أكتوبر 2022".

وكذلك، فإن الزيارة تشير إلى أن الولايات المتحدة مستمرة في دعم الإقليم واستقلالية قراره السياسي وإدارته لشؤونه وفق الدستور العراقي، الذي تحاول السلطات العراقية والمليشيات الموالية لإيران التضييق عليه بشكل أو بآخر، وهذا كان محورا للمناقشات بين البارزاني والمسؤولين الأميركيين، وفقا للمراقبين.