في ظل الضغط الشعبي.. ما مصير الاتفاقيات الاقتصادية بين إسرائيل والأردن؟

تربط الأردن والكيان الإسرائيلي اتفاقيات اقتصادية عديدة، لا سيما فيما يتعلق باستيراد الغاز والماء، تحاول عمّان إيجاد بدائل لها بعد العدوان على قطاع غزة المستمر منذ أكثر من شهرين، والغضب الشعبي المتصاعد في الشارع الأردني جرّاء ذلك.
وتشن سلطات الاحتلال الإسرائيلي عدوانا على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وذلك بعد عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، ردا على الاعتداءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ومقدسات المسلمين في الأراضي المحتلة.
ويشهد الشارع الأردني منذ بدء العدوان الإسرائيلي مسيرات حاشدة تتضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة وتندد باتفاق المياه وغيرها من الاتفاقيات مع دولة الاحتلال، ورفع المتظاهرون شعارات كثيرة، من بينها: "الدم ما بصير مي، ماء العدو احتلال".
تخوّف أردني
وبخصوص ما يشهده الأردن من نقص في الغاز بعد خفض الاحتلال 50 بالمئة من تدفقاته، قال رئيس مجلس الأعيان الأردني، فيصل الفايز، إن "الدولة الأردنية لا تتحمل التبعات الاقتصادية لإلغاء اتفاقية الغاز مع إسرائيل والمعروضة حاليا أمام اللجنة القانونية في مجلس النواب".
وأوضح الفايز في تصريح نقلته وكالة "مدار الساعة" الأردنية في 13 ديسمبر، قائلا: "إننا ندرس مختلف الاتفاقيات الموقعة مع الكيان المحتل بعناية حتى لا تكون هنالك أي تبعات على الدولة الأردنية".
وكان مجلس النواب وافق في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وبالإجماع على مراجعة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل بما في ذلك اتفاقية الغاز، وذلك على خلفية العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.
وقبل ذلك، أعلن رئيس الوزراء بشر الخصاونة، أن الأردن يعمل على إيجاد بدائل في حال انقطع الغاز الطبيعي المتدفق من إسرائيل باتجاه المملكة، مشيرا إلى تواصل مع دولتين عربيتين في هذا الصدد.
وقال الخصاونة خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "المملكة" الرسمية في 26 نوفمبر، إن اتفاقية الغاز مع إسرائيل "ليست على طاولة الإلغاء"، مشيرا إلى أن الأردن يحترم التزاماته التعاقدية.
واتفاقية الغاز موقعة بين شركة نوبل الأميركية وشركة الكهرباء الوطنية الأردنية، حسبما ذكر الخصاونة.
وتنص الاتفاقية الموقعة بين عمّان وتل أبيب عام 2016، على تزويد "إسرائيل" للأردن بنحو 45 مليار متر مكعب من الغاز، على مدار 15 عاما، بدءا من يناير/ كانون الثاني 2020.
وتحدث رئيس الوزراء الأردني عن مخاوف بلاده من انقطاع الغاز القادم من حقل ليفياثان في البحر الأبيض المتوسط، لكنه قال: "لم نرَ أي بوادر تقول إن هذا الأمر سيحصل".
الخصاونة قال إن الأردن "يخطط لمختلف السيناريوهات والاحتمالات في ظل عدوان وحرب" مستمرة على قطاع غزة، لكنه جدد التأكيد بأن "لا مؤشر لانقطاع الغاز".
وتابع: "الأردن تحدث مع دولتين في الخليج العربي (لم يكشفهما) وأبدوا الاستعداد لتلبية احتياجاتنا من هذه الكميات (الغاز) إن وصلنا لمثل هذه المحطة (الانقطاع)، لكنه أوضح أنه لن نطرح (اتفاقية الغاز) في مجال أن نبادئ بتوقف شركة الكهرباء الوطنية عن استقباله".
ويملك الأردن حاليا احتياطيا من الغاز يكفيه لـ 65 يوما لتشغيل الطاقة الكهربائية في المملكة، وفق الخصاونة.
تكبيل الأردن
وعن مدى إمكانية الأردن إيجاد البدائل من الغاز، قال الخبير الاقتصادي الأردني، مازن مرجي، إن "البديل فهي مطروح منذ زمن، وأن خيار التعامل مع إسرائيل كان سياسيا وليس اقتصاديا، خصوصا أن كلفته عالية والتزام كبير لسنوات طويلة، بينما السوق العالمي مفتوح، فضلا عن وجود البديل من الدول عربية".
وأوضح مرجي لـ"الاستقلال" أنه "على رأس هذه الدول العربية هي الجزائر وقطر إضافة إلى مصر التي كانت تزود الأردن قبل إسرائيل، لذلك تعاقد عمّان مع تل أبيب كان مبنيا على قرار سياسي".
وأشار إلى أن "إسرائيل تريد ربط الأردن والدول المحيطة بها من خلال اتفاقيات مختلفة من ضمنها المياه والكهرباء والغاز وغيرها الكثير، لذلك نتمنى أن تنتهي عمّان من هذا الالتزام دون تغريمها بشيء، والذهاب باتجاه أخذ غاز بالسعر العالمي".
وأشار الخبير الأردني إلى أن "الجزائر عرضت في السابق على الأردن تزويده بالغاز، وكذلك يمكن أن تفعل قطر أيضا، كونها منتجا كبيرا للغاز، لذلك لا أرى أن المملكة قد تواجه مشكلة في هذا الجانب إذا أنهت اتفاقها مع إسرائيل".
وفي السياق ذاته، عبّر الخبير الأردني في مجال الطاقة طارق العمد، عن قناعته بأن البلاد ينبغي أن تستبق الأحداث وتتخذ الاحتياطات اللازمة في حال توسع دائرة الحرب في الجوار والمنطقة.
وأضاف العمد خلال حديث لصحيفة "رأي اليوم" في 8 نوفمبر، أنه "من المفيد في ظل التحديات البدء أردنيا بحملة تقنين استخدام الكهرباء بسبب التوقف بتزويد الغاز ووجود سيناريوهات يمكن أن تؤدي إلى مضايقة احتياطي الغاز الذي يعتمد عليه بشكل أساسي في إنتاج وإدامة الطاقة الكهربائية".
واقترح الخبير العمد معادلة "التصرف واتخاذ خطوات احتياطية في ملف الطاقة والمحروقات والكهرباء محليا تحسبا لأي حالات طارئة، وأن لدى الحكومة تقدير بأن كميات الغاز التي يتم تخزينها في مخازن عائمة لأغراض توليد الكهرباء قد تشكل احتياطا لمدة شهرين".
ونقل العمد عن مسؤولين في وزارة الطاقة (لم يكشف هويتهم) أن "الجانب الإسرائيلي أوقف الضخ فعلا من إحدى الآبار التي كان يستعملها لتأمين الضخ المتفق عليه للأردن، وبالتالي تأثرت وتقلصت واردات الغاز الإسرائيلي للأردن بنسبة قد تصل إلى 50 بالمئة، لكن الوضع ليس طارئا وهذا التقليص يتابع ويمكن التعامل معه والحكومة تدرس البدائل".
ملف المياه
بالنسبة لملف المياه، يقول الخبير الاقتصادي مازن مرجي إن ما تقدمه إسرائيل للأردن من ماء هو حق له كونها جزءا من "اتفاقية السلام" وهي من مياه بحرية طبرية ونهر الأردن، لذلك إذا ألغيت هذه الاتفاقية، فالأمر سيكون مختلفا.
ونصت المادة السادسة من اتفاقية السلام "وادي عربة" على أنه "يتفق الطرفان (الأردن وإسرائيل) على الاعتراف بتخصيصات عادلة لكل منهما، من مياه نهري الأردن واليرموك، ومن المياه الجوفية لوادي عربة".
لكن الاتفاقية تركت للطرف الأردني، عمليا "فائض التدفق إن وجد"، بحسب المادة الأولى من الملحق الثاني في المعاهدة.
مع بدء التفاوض بين الطرفين عام 1994، تمكن الاحتلال في المعاهدة وبندها المائي من قوننة شروطه المتعلقة بكميات المياه التي يحصل عليها ونوعيتها، وثبّتت حقوقا له في مياه أحواض لا تقع ضمن حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا تسهم في تغذيتها، ما أثار غضبا أردنيا داخليا.
وكان الأردن يحصل على نحو 40 بالمئة من موارده المائية من المياه المشتركة، ومنها مع إسرائيل في نهري الأردن واليرموك، لكنها لا تكفيه ويشتري من الاحتلال الإسرائيلي المياه العربية التي سرقتها.
ولفت الخبير الأردني مازن مرجي إلى أن "هناك اتفاقية أخرى هي ربط الماء بالكهرباء، بمعنى أن الأردن يزود إسرائيل بالكهرباء، ويحصل مكانها على كميات مياه أخرى".
وفي 16 نوفمبر، أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أن بلاده لن توقع اتفاقية لتبادل الطاقة مقابل المياه مع إسرائيل في ظل العدوان المستمر على قطاع غزة، وكان من المقرر توقيع هذه الاتفاقية في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقال الصفدي في حديث لقناة "الجزيرة" القطرية إنه لا يمكن أن يجلس وزير أردني إلى جانب وزير إسرائيلي لتوقيع اتفاقية بينما يقتل الاحتلال أبناء قطاع غزة، مؤكدا أن الاحتلال يدفع المنطقة برمتها إلى الجحيم ولا يمكن أن تستمر هذه الحرب.
من جهته، قال خبير المياه الأردني، دريد محاسنة، خلال حديث لموقع "بي بي سي" في 7 ديسمبر إن مصادر المياه في الأردن تكفي مليوني نسمة بينما يعيش في الأردن نحو 11 مليونا.
ويواجه الأردن شحا في الموارد المائية في ظل تزايد عدد السكان وأعداد اللاجئين، إذ تقول الأمم المتحدة إن الأردن يشهد ثاني أعلى نسبة في العالم من حيث عدد اللاجئين نسبة للفرد الواحد، وذلك "ما يقارب 730 ألف لاجئ من المسجلين لدى المفوضية، معظمهم من سوريا".
في عام 2020 وقعت عمّان إعلان نوايا مع أبوظبي وتل أبيب في معرض "إكسبو" في دبي، يقضي في حال تنفيذه بحصول الأردن على 200 مليون متر مكعب سنويا من المياه توفرها إسرائيل مقابل حصول الأخيرة على طاقة متجددة من الأردن.
ورأى الخبير محاسنة أن الهدف الرئيس من الاتفاق بالنسبة للأردن الحصول على المياه، بينما تهدف إسرائيل للحصول على الطاقة المتجددة والوصول إلى الحد المطلوب أوروبياً في مجال هذا النوع من الطاقة.
ملفات أخرى
وفي خطوة متقدمة، قال وزير الصناعة الأردني يوسف الشمالي، إنه جرى الاستغناء عن استخدام ميناء حيفا لتصدير بضائع الأردن إلى الولايات المتحدة وغيرها، بافتتاح خط نقل البضائع من ميناء العقبة برسوم شحن وتكلفة نقل أقل وضمن المدة نفسها، حسبما نقلت وكالة "بترا" الرسمية.
لكن هذه الخطوة عزاها، موقع "جلوبز" في 28 نوفمبر، إلى أنها جاءت بسبب الحوثيين، بالقول: "الأردنيون غيروا مسار تصدير البضائع الأردنية من ميناء حيفا إلى ميناء العقبة بسبب هجمات الحوثيين، لأنهم لم يروا أن بدء حرب غزة مرتبط بها، لكن من الواضح أن هذا أحد أسباب قرار الأردن".
وحيفا هو واحد من أكبر الموانئ في شرق البحر المتوسط من حيث حجم الشحن ويتعامل مع أكثر من 22 مليون طن من البضائع سنويا، ويقع في الجزء الشمالي من وسط مدينة حيفا الفلسطينية المحتلة من إسرائيل على البحر المتوسط ويمتد إلى نحو 3 كيلومترات على طول الشاطئ وسط المدينة.
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي، مازن مرجي أن "تصدير الأردن عبر ميناء حيفا، هو قرار سياسي أيضا، لأننا معطلون ميناء العقبة الأردني ونستطيع استخدام الموانئ السورية واللبنانية، والتي شكل بديلا أفضل بكثير من إسرائيل".
ولفت مرجي إلى أن "التعامل مع دول عربية مهما كانت الظروف سيئة معها، وتغيّر في الأحوال لديها، لكنها في النهاية تبقى دول عربية والمنفعة معها مشتركة ومتبادلة".
وبين الخبير أن "هناك أشياء أخرى مشركة مع الاحتلال تتعلق بقطاع الزراعة، إذ تدخل منتجات كثيرة للأردن من إسرائيل لكن لا يكتب عليها صناعة إسرائيلية، وفي المقابل يصدر الأردن منتجات زراعية إلى تل أبيب".
وأضاف: هناك اتفاقيات "كيو إتش دي" (المناطق الصناعية الموحدة)، والتي هي شراكة ما بين الأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل وفق نسب معينة مقسمة بينهم، وبموجبها تدخل البضائع إلى الولايات المتحدة عبر اتفاقية التجارة الحرة بين تل أبيب وواشنطن.
وأردف: "لكن هذا التعاون الاقتصادي تراجع بطبيعة حاله أخيرا، وليس لأغراض سياسية، فهو كان يعمل عبر المناطق الصناعية المؤهلة التي أنشئت في أعوام 1999 وحتى 2001، وبالتالي تراجعت الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة".
وتابع مرجي، قائلا: "رغم أن الاتفاقيات الأردنية مع إسرائيل سياسية، لكنها كانت محاولة من الأخيرة لربط الأردن وتكبيله بحيث لا يستطيع التعامل بحرية ويتعاقد مع من يريد".
وخلص الخبير الأردني إلى أن "تحلل عمّان من هذه الاتفاقيات أمر جيد جدا، لأن ليس هناك ميزة نسبية منها للأردن، بل هي أجبرت الأخير على أن يحصر تعامله مع إسرائيل، بشكل ليس طوعيا".
المصادر
- استهداف صهيوني متواصل.. ماذا وراء التركيز على الأردن في خطاب أبو عبيدة؟
- الخصاونة: نعمل على إيجاد بدائل إذا انقطع الغاز المتدفق من إسرائيل
- الفايز: الأردن لا يتحمل تبعات الغاء اتفاقية الغاز الإسرائيلي
- تقرير عبري: هجمات الحوثيين رفعت أسعار شحن الحاويات من الصين لإسرائيل
- ما الخيارات المتاحة أمام الأردن لتحسين واقعه المائي؟
- هل “تقلصت” كميات الغاز الإسرائيلي الموردة للأردن لأسباب “أمنية”؟