إسرائيل تقطع الاتصالات وغزة تستغيث دون مجيب.. أين غابت "هنا القاهرة"؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

"من دمشق.. هنا القاهرة" قصة عبارة خالدة في التاريخ العربي والوجدان المصري، أطلقها الإذاعي السوري الشهير عبد الهادي البكار، تزامنا مع العدوان الثلاثي على مصر (بريطانيا- فرنسا- إسرائيل) في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1956. 

وقتها قام العدوان بضرب الإذاعة المصرية، بمنطقة "أبو زعبل" قرب القاهرة، لينقطع الإرسال، ويصاب العالم العربي بحالة من الترقب والقلق. 

وفي ظل جذوة القومية العربية الصاعدة والطاغية آنذاك تحولت الإذاعة السورية إلى مصرية، وأصبحت أخبار القاهرة تبث من دمشق، لتبقى الحادثة شاهدا على أروع أمثلة التضامن بين الأشقاء العرب. 

مضت السنوات الطويلة وجاء يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" علي الاحتلال الإسرائيلي في المستوطنات المجاورة لغزة. 

بعدها بدأ عدوان غاشم على القطاع واستهداف شامل للمدنيين أودى بحياة الآلاف، مع إطباق حصار كامل بمنع كل سبل الحياة عن مليوني ونصف مليون إنسان هناك. 

كما استهدف الاحتلال قطع جميع خدمات الاتصال والإنترنت عن غزة، ما زاد الموقف تعقيدا.

وهو ما دعا مسؤولين ونشطاء فلسطينيين لتوجيه طلب لمصر لإمداد غزة بالاتصالات، لإغاثة المنكوبين وتسهيل عملية المساعدات، وإيصال الأخبار سريعا إلي العالم في ظل النكبة القائمة. 

ولم يقم النظام المصري بالرد أو توفير تلك الخدمة، ما دفع بتساؤلات عن سبب التقاعس عن نجدة القطاع المنكوب، خاصة أن توفير خدمة الاتصال أقل خطورة من عملية إدخال قوافل المساعدات عبر معبر رفح المعطل أيضا. 

انقطاع كامل

وفي 12 ديسمبر/ كانون الأول 2023، شهدت غزة، انقطاعا كاملا لخدمات الاتصال والإنترنت في أنحاء واسعة، وذلك للمرة السادسة منذ اندلاع الحرب، وفي وسط القصف الإسرائيلي العشوائي.

جاء ذلك بحسب بيانين صدرا عن "شركة الاتصالات الفلسطينيةـ جوال"، و"شركة أوريدو فلسطين"،

وأعلنت "شركة الاتصالات الفلسطينيةـ جوال"، عن "انقطاع كامل" لخدمات الاتصال، في وقت تحتاج فيه غزة تلك الخدمات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ضحايا العدوان. 

وفي المرات الست التي تعرض فيها القطاع لقطع الخدمات، كان الاتصال الثابت والخلوي والإنترنت ينقطع لعدة ساعات.

واستمر أول قطع لمدة 36 ساعة متواصلة، وكان بتاريخ 27 أكتوبر (موعد بدء العملية البرية الإسرائيلية).

وتعد شركة الاتصالات الفلسطينية، هي أكبر مزود لخدمات الاتصالات الخلوية والإنترنت في القطاع، والمقدم الحصري لخدمات الاتصالات الثابتة هناك.

وأمام تلك الوضعية، وعزل أكثر من 2.5 مليون فلسطيني عن العالم الخارجي، خرج وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطيني إسحاق سدر، وطلب من النظام المصري تفعيل خدمة التجوال وتشغيل محطات الاتصالات القريبة من حدود غزة.

ورد ذلك في بيان صادر عن الوزارة نشرته على منصتها الرسمية في فيسبوك، بعد ساعات من تجدد انقطاع خدمات الاتصالات الثابتة والمتنقلة والإنترنت عن كامل القطاع.

وأعلن سدر في بيان: "بعد أن استنفدنا كل الحلول الممكنة لإعادة الاتصال مع شعبنا في غزة، ومراجعة كل الخيارات المتاحة، يتبقى لنا خيار توفير بديل سريع عبر تشغيل محطات الاتصالات القريبة من حدود غزة، وتفعيل خدمة التجوال على الشبكات المصرية".

وقال: "نناشد الأشقاء في جمهورية مصر العربية لتسريع العمل بهذا الخيار المتبقي، أمام هذا الوضع الإنساني الحرج والذي لا يحتمل فقدان الاتصال لفترة أطول". 

وتعد أبراج الاتصال وشبكات التقوية المتوفرة في سيناء هي الأمل لإغاثة أهل غزة فيما يتعلق بالاتصالات على الأقل، في ظل صعوبة عبور المساعدات بسبب إغلاق معبر رفح الحدودي.

وترتبط العائلات في محافظة شمال سيناء (أقصى الشمال الشرقي لمصر) بعلاقة قرابة ومصاهرة مع أقرانهم بالجانب الفلسطيني، وتقيم مئات العائلات الفلسطينية منذ زمن في مدينة العريش المصرية. 

وهم أيضا طالبوا بالاطمئنان على ذويهم وأقاربهم داخل غزة، وبالحصول على أقل الحقوق المتمثلة في الاتصال وتتبع الأخبار. 



شبكات التقوية 

رغم أن شركات الاتصالات العاملة في مصر، فودافون واتصالات مصر، أطلقت خدمة المكالمات مجانية إلى غزة في 18 أكتوبر 2023.

وأعلنت شبكة فودافون مصر عن 7 أيام من المكالمات المجانية إلى القطاع تضامنا مع أسر المصريين هناك.

لكن ذلك لم يف بالغرض لأن الاحتلال قطع الاتصالات والخدمة من الأساس، فلا يمكن إجراء مكالمة مجانية أو حتى بأجرة. 

ولم ترد الجهات الرسمية في مصر على طلب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطيني إسحاق سدر، بتشغيل محطات الاتصالات القريبة. 

لكن صحفا ووسائل إعلام موالية لنظام عبدالفتاح السيسي، أعلنت أن الأمر لا يمكن أن يحدث لعدة أمور. 

ففي 16 ديسمبر نشر موقع "مصراوي" المحلي، تقريره عن إمكانية مد غزة بالاتصالات، واعترف أنه يمكن من الناحية الفنية مد شبكات الاتصالات المصرية لمناطق واسعة من قطاع غزة.

واستطرد لكن في هذه الحالة ستضطر الشركات إلى توجيه قوي من شبكاتها بالمنطقة القريبة من غزة ناحية القطاع، فضلا عن استخدام العربات المتنقلة لتقوية الشبكات، كما يجب أن يكون مستخدمو الشبكة في الجانب الآخر لديهم خدمات تجوال.

وعقب الموقع التابع لمنظومة الإعلام الموالي للسلطة أنه من الناحية العملية لا يمكن تنفيذ هذا المقترح الذي يطالب به مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي لأنه مخالف لقانون الاتحاد الدولي للاتصالات.

وأتبع كما يخالف شروط رخصة المحمول التي حصلت عليها الشركات والتي حددت تقديم الخدمة داخل القطر المصري فقط.

ثم اختتم أن هناك سببا أمنيا آخر يمنع من مد الشبكات بالنسبة للشركات وهو أن مدها يعرضها لخطر يتعلق بالأمن القومي والذي يتمثل في احتمالية تعرضها للاختراق والتجسس من الجانب الآخر (الإسرائيلي). 



جوار العار 

وكان اللواء محمد عبدالفضيل شوشة، محافظ شمال سيناء  (المتاخم لحدود غزة)، قد أعلن في 7 أغسطس/ آب 2023، أي قبل العدوان الإسرائيلي بشهرين، أنه طور منظومة الاتصالات وتقوية الشبكات في المحافظة. 

وأضاف: تم مد مسار الشبكات بـ"كابل فايبر" لدعم قطاع الاتصالات "أرضي ومحمول" على مستوى المحافظة بتكلفة 230 مليون جنيه (الدولار يساوي نحو 50 جنيها).

وذكر أنه بلغ إجمالي عدد السنترالات 18 على مستوى مدن المحافظة، و37 من أبراج المحمول، بينما بلغ عدد الكبائن 203.

وشدد أنه يجرى تقوية شبكة المحمول داخل القرى والوديان والتجمعات البدوية لإنهاء معاناة المواطنين.

ما يعني أن مصر تمتلك بنية تحتية مطورة وقوية على أطراف قطاع غزة المحاصر، ويمكنها مد الفلسطينيين المعزولين عن العالم بإحداثيات الاتصالات والإنترنت. 

وتعليقا على المشهد، قال الحقوقي المصري مصطفى عزالدين فؤاد: "إن مد القاهرة لغزة بالاتصالات أقل القليل بل وما تفرضه قوانين الحرب على دول الجوار للدولة التي يتم غزوها، أن تقدم المساعدات والإعانات وتغيث اللاجئين، وتعمل على توفير كل أشكال الدعم والرعاية للمدنيين بما يحفظ حياته". 

وأضاف  لـ"الاستقلال": "لكن جوار السيسي هو (جوار العار) فلا مساعدات كافية دخلت، ولا المعبر تم فتحه، ولا المصابون تم علاجهم، ولا حتى الاتصالات والإنترنت تم تزويدهم بها، فالسيسي شريك أساسي في حصار غزة وقتل شعبها بهذه الطريقة الوحشية غير الإنسانية". 

ومضى فؤاد يقول: "انظروا إلى العالم كيف تعامل مع أوكرانيا عندما تم ضرب محطات الاتصال وشبكات الجوال، سرعان ما أمدوهم بالاتصال عبر الأقمار الصناعية التي وفرها رجل الأعمال مالك منصة إكس (إيلون ماسك)، وهو الذي وعد غزة بتطبيق نفس الأمر لكن لم يف بوعده، فالعالم يكيل بمكيالين". 

وختم الحقوقي المصري بالقول: "السبب الوحيد الذي يمنع السيسي من مد غزة بالاتصالات ليس الحفاظ على الأمن القومي المصري كما يدعي، بل خوفا من إسرائيل، وتنفيذا لمخططهم بتصفية القطاع تماما، وتهجير أهله أو حصارهم في خط ضيق لا يصلح للحياة الإنسانية".