ضجة في تركيا.. كيف حرقت طموحات إمام أوغلو أكبر أحزاب المعارضة التركية؟

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

حزب "الشعب الجمهوري" في تركيا شهد واحدة من أعقد أزماته الداخلية خلال السنوات الأخيرة، وذلك بعد الكشف عن فضائح مرتبطة بانتخابات الحزب الداخلية، واتهامات خطيرة تتعلق برشوة وتلاعب بأصوات المندوبين. 

ونشر مركز "سيتا" التركي مقالا للكاتب عبد القادر سيلفي، ذكر فيه أن "كل هذا كان في سياق صراع سياسي يقوده (رئيس بلدية إسطنبول الموقوف) أكرم إمام أوغلو لتحقيق طموحاته على الساحة الوطنية".

بداية الأزمة

وأوضح الكاتب التركي أن جذور الأزمة تعود إلى الشكوى الرسمية التي تقدمت بها "أوزلم أركان"، وهي إحدى الشخصيات البارزة والقديمة في حزب الشعب الجمهوري، والتي عُرفت بولائها القوي للحزب ودفاعها المستمر عن مبادئه. 

وأشار إلى أن "أركان لجأت إلى المحكمة المدنية لتقديم بلاغ تتهم فيه بعض المندوبين في الحزب بالتورط في ممارسات غير قانونية تتعلق بالانتخابات الداخلية".

وبحسب الشكوى، فقد جرى توجيه أصوات عدد من المندوبين في مؤتمرات الحزب مقابل "مبالغ مالية ضخمة تتراوح بين 150 و350 ألف ليرة تركية"، بالإضافة إلى تقديم هدايا عينية مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية.

إلى جانب وعود مغرية بالحصول على وظائف في المؤسسات المرتبطة بالبلديات الخاضعة لسيطرة الحزب.

وقد دفعت هذه الادعاءات الخطيرة المحكمة إلى التعامل مع الملف بجدية بالغة؛ حيث أصدرت على الفور "قرارا احترازيا"، في حين شرعت النيابة العامة بإسطنبول في إعداد "لائحة اتهام رسمية"، قُبلت لاحقا لتتحول إلى قضية قضائية كاملة الأركان. 

لاحقا، بمجرد أن خرجت هذه القضية إلى العلن أحدثت صدمة كبيرة، وألحقت ضررا عميقا بصورة الحزب، الذي اعتاد أن يقدّم نفسه للرأي العام التركي على أنه حامي "الحق والعدالة" والمدافع الأول عن النزاهة والديمقراطية، وفق سيلفي.

وأضاف أن ما جعل القضية أكثر خطورة هو أن الأدلة لم تُحصر في البلاغات المكتوبة أو الشهادات الفردية، بل تعززت بـ"تسجيلات صوتية مسربة".

وذكر سيلفي أن "هذه التسجيلات كشفت عن حوارات واضحة بين أعضاء بارزين داخل الحزب، وهم يتفاوضون على مبالغ مالية مقابل ضمان أصوات المندوبين".

وتابع: أسلوب الحوار الذي دار بينهم عكس مشهدا أقرب إلى ما يُعرف في الثقافة الشعبية بـ"بازار الخيول"، حيث تتم المساومات وكأن الأصوات تُباع وتشترى علنا.

وقد أثبتت التحقيقات اللاحقة أن بعض المندوبين لم يكتفوا بقبول المال، بل حصلوا على مبالغ نقدية سلّمت إليهم في "أكياس خاصة"، فيما جرى توظيف أقارب آخرين في بلديات كبرى يسيطر عليها الحزب مثل "بيشكتاش" و"كارتال" وحتى "بلدية إسطنبول الكبرى" نفسها. 

وأوضح الكاتب أن الهدف من كل هذه الترتيبات كان ضمان التصويت لصالح مرشحين بعينهم، وعلى رأسهم "أوزغور تشيليك" و"أوزغور أوزيل".

مشروع إمام أوغلو

لكن مظاهر الفضيحة لم تقف عند حدود المال أو الوظائف، إذ تبين أن بعض المندوبين أو مقربيهم حصلوا على "شقق سكنية" من خلال شركة "كيبتاش" التابعة للبلدية. 

ورغم أن بعض المستفيدين حاولوا الدفاع عن أنفسهم بالقول: إن هذه العقارات أو المنافع جاءت عبر صفقات شراء "قانونية"، فإن الوثائق الرسمية والتحقيقات القضائية أظهرت صورة مختلفة تماما؛ إذ أكدت وجود "شبكة مصالح ممنهجة" هدفت إلى التأثير في مسار الانتخابات الداخلية للحزب عبر المال والنفوذ.

في خضم هذه الأحداث، ظهرت شهادات من شخصيات كانت قريبة من إمام أوغلو، تمّ التأكيد فيها على أن ما جرى لم يكن سوى جزء من "منظومة موازية" أُطلق عليها اسم "إيكو سيستم".

وبحسب هذه الشهادات، فقد بدأ تأسيس هذا النظام منذ تولي إمام أوغلو رئاسة بلدية بيلكدوزو، وتمدد لاحقا إلى إسطنبول، بهدف بناء شبكة مصالح مالية وسياسية تمكّنه أولا من السيطرة على بلدية إسطنبول الكبرى، ثم التقدم خطوة نحو رئاسة الجمهورية. 

وقد وصف أحد المقربين هذا الأمر بالقول: "قريبا سيكون إمام أوغلو رئيسا، وكل موارد الدولة ستتدفق إلينا". 

وبذلك، فإن هذه العبارة تكثّف الرؤية التي حاول الرجل وفريقه بناءها عبر شراء الولاءات داخل الحزب.

في مواجهة هذه الفضيحة، وجد حزب الشعب الجمهوري نفسه في مأزق أخلاقي.

فبينما يرفع شعار "الحق والعدالة"، ظهرت دلائل على أن قياداته كانت على علم بما يجر دون اتخاذ موقف حاسم، بدءا من رؤساء الأحياء ووصولا إلى الرئيس السابق كمال كيليتشدار أوغلو.

وقد تفاقمت الأزمة مع قرار رئيس الحزب الحالي أوزغور أوزيل، بفصل القيادي "غورسل تكين" من الحزب دون منحه حق الدفاع، وهو ما أثار انتقادات واسعة؛ إذ ع أن الحزب يعاقب شخصيات معارضة للقيادة بينما يتساهل مع ملفات فساد خطيرة تمس جوهر العمل التنظيمي.

ثلاث حقائق

ولفت الكاتب التركي إلى أن الأزمة الحالية تكشف عن ثلاث حقائق محورية.

الأولى، تحول "الشعب الجمهوري" من حزب مؤسسي إلى “ساحة صراع مصالح”؛ حيث باتت الأصوات والمقاعد الداخلية تُشترى بالمال أو النفوذ البلدي.

الثانية، تضخم دور أكرم إمام أوغلو داخل الحزب، ليس بوصفه رئيس بلدية فقط، بل كطامح للزعامة الوطنية، حيث يوظف شبكات مصالح لدفع مسيرته السياسية.

الثالثة، تآكل الخطاب الأخلاقي للحزب، الذي طالما تباهى بالدفاع عن العدالة والشفافية، بينما تُظهر الوقائع أنه غارق في ممارسات لا تختلف كثيرا عما ينتقده لدى خصومه السياسيين.

وأشار الكاتب إلى أن "فضيحة الرشا في انتخابات حزب الشعب الجمهوري ليست مجرد حدث عابر، بل مؤشر على أزمة بنيوية أعمق داخل الحزب المعارض الأكبر في تركيا". 

وأكد أنها "تكشف هشاشة بنيته التنظيمية، وتسلط الضوء على صراع الأجنحة والطموحات الفردية، وفي مقدمتها مشروع إمام أوغلو الذي يبدو أنه استنزف الحزب في طريقه نحو (الحلم الرئاسي)".

وختم الكاتب مقاله قائلا: إن “كانت هذه الأحداث قد أضعفت الحزب على المدى القصير، فإنها في الوقت ذاته طرحت سؤالا كبيرا على المشهد السياسي التركي: هل يستطيع الشعب الجمهوري استعادة مكانته كحزب مؤسساتي ملتزم بمبادئ الديمقراطية، أم سينزلق تدريجيا إلى مجرد أداة لصراع الطموحات الشخصية؟”