جلسة برلمانية لتقنين خروج قوات أميركا من العراق أفشلها حلفاء إيران.. كيف؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة وصفت بـ"الفضيحة"، تغيّب غالبية نواب الإطار التنسيقي الشيعي عن جلسة للبرلمان العراقي، خُصصت لبحث تشريع قانون جديد ينهي وجود القوات الأجنبية، وتحديدا الأميركية منها في البلاد، وذلك ردا على استهداف الأخيرة عددا من قادة المليشيات.

وبضربة من مسيّرة أميركية طالت سيارتهما في 8 فبراير/ شباط 2024، قتل أبو باقر الساعدي وأركان العلياوي، القياديان في "كتائب حزب الله" العراقية، بعد 5 أيام هجوم شنته واشنطن ضد مليشيات شيعية في دير الزور والأنبار بسوريا والعراق قتل فيه 26 عنصرا.

وتؤكد الولايات المتحدة أن هذه الضربات ضد المليشيات العراقية ستستمر، وذلك ردا على مقتل 3 جنود أميركيين وإصابة 25 آخرين في قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في الأردن، عن طريق طائرة مسيرة أطلقتها هذه الجماعات الموالية لإيران في 28 يناير.

تهديدات شيعية

رغم إعلان قوى الإطار التنسيقي الشيعي قبل يومين من موعد انعقاد الجلسة، أنهم جمعوا تواقيع أكثر من 100 نائب من أجل تشريع قانون في البرلمان يُخرج القوات الأميركية من البلاد، لكنه لم يحضر منهم إلى الجلسة سوى 77 نائبا، من أصل 183 نائبا.

ورغم عدم حضور غالبية نوابهم إلى الجلسة، لم يمتنع "الإطار التنسيقي" الشيعي من مهاجمة القوى الكردية والسنية، وتعليق فشل عقد الجلسة عليهم، والتوعد بعدم بتسمية رئيس جديد للبرلمان، والذي يُعد من حق المكوّن السني بعد إقالة رئيسه السابق محمد الحلبوسي في نوفمبر 2023.

وقال النائب عن قوى "الإطار" فالح الخزعلي، عبر منشور على "إكس" في 10 فبراير، إن "محسن المندلاوي (النائب الأول لرئيس البرلمان ورئيسه الحالي بالإنابة) سيبقى رئيسا لمجلس النواب حتى نهاية هذه الدورة (2025)".

وتابع الخزعلي، قائلا: "على القوى السياسية السنية التي تخلفت عن المضي بتشريع قانون إخراج القوات الأميركية من العراق ألا يفكروا في الرئاسة. مثلما كسروا النصاب سنكسر رئاسة المجلس".

محسن المندلاوي المحترم سيبقى رئيس لمجلس النواب حتى نهاية هذه الدورة وعلى القوى السياسية السنيه التي تخلفت عن المضي بتشريع قانون اخراج القوات الأمريكية من العراق ان لا يفكروا في الرئاسة مثلما كسروا النصاب سنكسر رئاسة المجلس

— فالح الخزعلي Falih alkhazali (@FKhazalii) February 10, 2024

وبالنبرة ذاتها، كتب النائب عن "الإطار"، مصطفى سند، في منشور عبر "تلغرام": أنه "جرى تشكيل لوبي من بعض النواب الشيعة لكسر نصاب جلسات اختيار رئيس البرلمان، التي يتجاوز حضورها الـ 300 نائب، كما سيتم منع أي تعديل بالموازنة من شأنه رفع حصة الإقليم الذي سترسله الحكومة بتعديل الجداول".

وعلى الوتيرة ذاتها، هاجمت النائبة عن "الإطار" حنان الفتلاوي، الأكراد والسنة، وقالت في منشور "إكس" إن "جلسة نيابية مخصصة لمناقشة الاعتداءات على السيادة العراقية تُقاطعها الكتل السُّنية والكتل الكردية!! هل قضية سيادة العراق قضية تخصّ الشيعة فقط؟".

جلسة نيابية مخصصة لمناقشة الاعتداءات على السيادة العراقية تُقاطعها الكتل السنية والكتل الكردية !!!
هل قضية سيادة العراق هي قضية تخص الشيعة فقط ؟؟؟

— د. حنان الفتلاوي (@hanansmohsin) February 10, 2024

أما النائب الآخر عن "الإطار" عبد الأمير المياحي، فقد اتهم خلال مقابلة تلفزيونية في 10 فبراير، القوى السياسية السنية والكردية بأنها "شريكة في المكاسب والمغانم فقط، لكنها تتنصل عن المسؤولية تجاه المشاكل التي تواجه الدولة العراقية ومنها موضوع الاعتداءات الأميركية".

وفي تهديد واضح، كتب المدوّن فريد البديري، القريب من "الإطار"، على منصة "إكس"، قائلا: "دم الشيعة ليس رخيصا. أقترح على الإخوة المجاهدين (المليشيات) أن أي طائرة أو صاروخ أميركي يقصف مقرا للحشد أو تقتل حشديا مقاوما، فعليكم الرد بالمثل على كل نائب سني أو كردي وبيوتهم وسياراتهم معروفة لكم. ثأرا للشهداء".

( دم الشيعة مو رخيص)
بعد غياب نواب الكورد ونواب السنة عمدا"
عن جلسة التصويت على ملف إنهاء التواجد الامريكي المحتل .

��اقترح على الإخوة المجاهدين أصحاب الجولات المعروفة المشرفة
من الآن فصاعدا"
اي طائرة أو صاروخ امريكي
يقصف مقر للحشد أو تقتل حشديا" مقاوما"
يتحملها نواب السنة…

— فريد البديري الشروكي (@fareeeeid) February 10, 2024

"فضيحة مدوية"

على صعيد القوى السية، ردّت البرلمانية نهال الشمري عن تحالف "السيادة" السني، بالقول إن "الاتهامات التي وجهت لنواب المكون السني وكذلك الكردي غير صحيحة وباطلة، فحتى نواب الإطار التنسيقي لم يحضروا جميعهم، فهم يملكون (180) نائبا، في حين حضر أقل من (60) منهم، وباقي الحضور كان من القوى الناشئة والمستقلة".

وأضافت الشمري لوكالة "شفق نيوز" العراقية في 11 فبرير، أن "ما حصل في الجلسة، ومقاطعتها من الأغلبية البرلمانية والسياسية، يؤكد أنهم يريدون حسم هذا الملف بالحوار والتفاوض وليس عبر التصعيد، واتخاذ مواقف سياسية وإعلامية".

من جهته، قال البرلماني سيبان شيرواني عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، إن "البرلمان لا يملك صلاحية إنهاء مهام قوات التحالف في البلاد، كونها تقع ضمن صلاحيات الحكومة العراقية".

وأضاف شيرواني خلال تصريح لموقع "كردستان24" في 11 فبراير، إنه "بحسب المادة الثامنة من الدستور العراقي، فإن مجلس الوزراء يملك صلاحية إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية لا البرلمان، لذا ليس بوسع الأخير إنهاء مهمة التحالف".

وأشار النائب إلى أن "معظم الأحزاب السياسية لديها اعتقاد بأن البلاد ما تزال بحاجة إلى القدرات العسكرية والاستخباراتية لدول التحالف، وخاصة الولايات المتحدة، لذا من الممكن تغيير طبيعة عملهم في المستقبل".

ورأى شيرواني أن "إنهاء مهام التحالف في العراق سيكون عملا خاطئا، كما سيكون له تأثيرٌ سلبي على أمن واستقرار العراق، ومكانته السياسية والاقتصادية على الصعيد الدولي".

من جهته، قال عرفات كرم، المستشار السياسي لرئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، عبر "إكس" إنه "لا يمكن لطرف أن يتحكم بمصير دولة وفق أيديولوجيته الدينية المستوردة. قوى الإطار تتذكر السيادة حين تقصف أميركا، لكنها تنساها عندما تقصف إيران".

على الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، عماد باجلان، إن "أبواق الإطار التنسيقي تسقّط وتهاجم القوى الكردية والسنية، لأن نوابهم قاطعوا الجلسة، واتهموهم بأنهم عملاء لأميركا، وهذا كله كذب على الشعب".

وأوضح باجلان خلال مقطع "فيديو" نشره على "إكس" في 10 فبراير، أن "عدد نواب المكون الشيعي يفوق الـ200، منهم نحو 180 نائبا هم من الإطار التنسيقي، وبهذا يكتمل النصاب ولا تحتاجون إلى السنة والأكراد، ولهذا فإنكم عملاء لأميركا وحديثكم عن المقاومة هو مجرّد كذب".

وشدد الخبير العراقي، قائلا: "لولا الولايات المتحدة التي أتت بكم (الإطار التنسيقي) إلى السلطة، لما كنتم تحكمون البلد الآن وتتحكمون بأمواله. لذلك يكفي ضحككم على الشعب العراقي".

ولفت باجلان إلى أن "جلسة البرلمان هذه سببت فضيحة مدوية لكم، فأين نوابكم ممن يتاجرون بالمقاومة والقضية الفلسطينية، لماذا لم يحضروا إلى جلسة البرلمان لإخراج القوات الأميركية؟".

فضيحة الإطار التنسيقي مع الأمريكان pic.twitter.com/L1iH6Ia4SA

— عماد باجلان (@emad_bajalan) February 10, 2024

احتماء بالآخر

وبخصوص أسباب غياب نواب شيعة عن الجلسة ومهاجمتهم للسنة والأكراد، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لؤي العزاوي، إن "قوى الإطار التنسيقي ليست كلها مع خروج القوات الأميركية، وخصوصا بالطريقة القصرية التي تريدها إيران وأذرعها في العراق".

وأوضح العزاوي لـ"الاستقلال" أن "غالبية قادة الإطار يدركون خطورة ذلك، وخصوصا نوري المالكي، وعمار الحكيم، وحيدر العبادي، وهادي العامري، وقيس الخزعلي، لأنهم يخشون فقدان السلطة من الشيعة، أو ذهابها إلى غيرهم، وخصوصا التيار الصدري".

ولفت الباحث إلى أن "الإطار التنسيقي يريد أن ينضم الأكراد والسنة للجلسة، وذلك للاختباء خلفهم والاحتماء بهم، وعدم تحمّلهم لوحدهم قضية إخراج القوات الأميركية قصرا من العراق، لذلك هم يزعمون أن المسألة لا تخص المكون الشيعي فقط، وإنما الأمر يتعلق بسيادة العراق".

من جانبه، أكد مدير "مركز العراق" للدراسات الإستراتيجية، غازي فيصل، خلال حديث لصحيفة "إندبندنت عربية" في 12 فبراير، عدم وجود وحدة في القرار السياسي بين الأحزاب الشيعية أو بين قوى الإطار التنسيقي.

وأوضح فيصل أنه "لا يمكن الحديث عن وحدة القرار السياسي على صعيد الأحزاب الشيعية أو ضمن تحالف الإطار التنسيقي، لأن هناك تباينا عميقا بين الأحزاب الشيعية الراديكالية المتحالفة مع الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وكذلك الفصائل الموجودة في الإطار".

وتابع: "التباين بين الأحزاب الشيعية والفصائل المسلحة الرادكالية، دليله حضور 82 نائبا شيعيا في البرلمان، فيما وقّع على وثيقة الدعوى إلى جلسة البرلمان التداولية في شأن إخراج القوات الأميركية، 100 نائب. كما أن عدد النواب الشيعة يتجاوز الـ 198 نائبا".

ولفت فيصل إلى أن "الفشل في عقد الجلسة دعا نائب رئيس مجلس النواب  بالإنابة (محسن المندلاوي) إلى عرض اللجوء إلى الدبلوماسية من أجل إيجاد حلول للعلاقات مع الولايات المتحدة والعودة إلى اتفاق الشراكة الإستراتيجية معها المصوّت عليه في البرلمان".

وأردف: "نحن أمام تطور جديد في موقف الإطار التنسيقي، في الذهاب نحو خيار الدبلوماسية وليس الحرب، من أجل إيجاد حلول وللوصول إلى اتفاق وتوافق عبر المفاوضات مع التحالف الدولي للخروج من العراق في ظل جدول زمني مع الاحتفاظ بعلاقات مدنية معهم، وخصوصا الولايات المتحدة".

وكان البرلمان قد صوّت في 5 يناير/ كانون الثاني عام 2020، على قرار بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، بعد يومين من إقدام واشنطن على اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس بضربة جوية قرب مطار بغداد.

وبحسب الدستور العراقي، فإن القرارات التي تصدر من البرلمان لا تُعدّ ملزمة للحكومة، بينما القانون الذي يُشرّعه يكون على الأخيرة لزاما تطبيقه، وربما يكون أساسا رئاسة الوزراء هي من أعدته وأرسلته إلى البرلمان من أجل مناقشته وإقراره.