موقف واشنطن السبب.. كيف أحيا العدوان على غزة جذور كراهية المسلمين لأميركا؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

لطالما استخدم مصطلح "الطفل المدلل" في الصحافة العربية كإشارة إلى "إسرائيل" التي تحصل على الدعم الكامل والحماية المطلقة من الولايات المتحدة الأميركية. 

ظهر هذا بوضوح في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ضد المستوطنات الصهيونية في غلاف قطاع غزة المحاصر. 

زلزال حماس في غزة تردد صداه سريعا في البيت الأبيض بواشنطن، فسريعا تحركت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإنقاذ وإسناد كيان الاحتلال عسكريا وماديا ومعنويا. 

وكان المدد الأميركي في سياق دبلوماسية حاسمة أظهرها وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بالانحياز الشديد للعدوان الإسرائيلي على المدنيين في غزة.

وحرصت واشنطن على عدم إدانة حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة التي فجرت الوضع الراهن، بل أيدت استمرار العدوان وعدم وقف إطلاق النار رغم الدعوات الدولية المتواصلة. 

وهذا الموقف المستفز أثار من جديد موجة كراهية لدى الشعوب العربية والإسلامية، التي رأت أن أميركا شريكة في العدوان وتتحمل دماء أهل غزة.

مساعدات هائلة

وكان للمساعدات الأميركية لإسرائيل دور كبير في إذكاء نيران الغضب، ففي 8 أكتوبر تم إرسال حاملة الطائرات العملاقة "يو إس إس جيرالد فورد"، إلى منطقة الشرق الأوسط، لـ"إظهار الدعم للإسرائيليين، ولردع أي قوة تفكر في مهاجمتها". 

وفي 17 أكتوبر نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، عن مصادر وصفتها بالمسؤولة، أن تل أبيب طلبت من واشنطن مساعدات طارئة بقيمة 10 مليارات دولار، لمساعدتها في الحرب التي تشنها على قطاع غزة.

وتعد دولة الاحتلال أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، ووفقا لتقرير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، في يناير/ كانون الثاني 2023، بلغت المساعدات الإجمالية المقدمة من الولايات المتحدة لإسرائيل بين 1946 و2023 نحو 158.6 مليار دولار.

ومعظم هذه المساعدات تذهب إلى القطاع العسكري والاقتصادي، وتزداد بشكل مطرد في حالة وجود تهديدات أمنية، كما حدث بعد عملية طوفان الأقصى، أو مع وجود أزمات اقتصادية وسياسية. 

 

إخفاق إستراتيجي 

وبعد مرور أسابيع على اندلاع العدوان في قطاع غزة، تتزايد الضغوط على الإدارة الأميركية للتخلي عن دعمها الواسع عسكريا وسياسيا لحكومة نتنياهو الإسرائيلية اليمينية المتطرفة. 

وبدأت استطلاعات الرأي تطلق تحذيرات إلى إدارة بايدن، وتطالبها بإجبار تل أبيب على القبول بـ"هدنة إنسانية"، ووقف القتال الذي أودى بحياة آلاف المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال الأبرياء.

وفي 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أظهر استطلاع للرأي أجرته شركة (إبسوس) العالمية،ومقرها باريس، أن أغلبية كبيرة من الأميركيين يريدون من بلادهم أن تتفاوض لإبعاد سكان غزة عن طريق الخطر الإسرائيلي.

وأضاف أن الكثيرين في الداخل الأميركي باتوا ينظرون للحرب التي تشنها إسرائيل على غزة بأنها تمثل "عبئا إستراتيجيا".

وذلك بالنظر لتداعياتها على مستقبل الأمن في الولايات المتحدة مع تنامي الغضب الإسلامي والعربي من تزايد عدد القتلى الفلسطينيين، في دعم واشنطن الكامل لآلة الحرب الإسرائيلية. 

وفي 2 نوفمبر 2023، أظهر استطلاع رأي أجراه المعهد العربي الأميركي أنه للمرة الأولى منذ إنشائه عام 1997 لا يعد غالبية الأميركيين العرب أنفسهم ديمقراطيين. وقال 37 بالمئة فقط إنهم ديمقراطيون حاليا، و32 بالمئة جمهوريون، و31 بالمئة مستقلون.

وأعلن 40 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع إنهم سيصوتون لصالح الرئيس السابق دونالد ترامب المرشح الجمهوري المحتمل لانتخابات 2024، بزيادة خمس نقاط مئوية عن عام 2020.

هذا الاستطلاع بحسب المعهد العربي الأميركي هو أحدث دليل على أن حملة بايدن للفوز بولاية ثانية تفقد بسرعة تأييد المسلمين والعرب الأميركيين بسبب دعمه القوي لإسرائيل.

وتشير إحصائيات مجلس العلاقات الإسلامية الأميركي (كير)، إلى أن عدد المسلمين في البلاد عام 2022 بلغ نحو 5 ملايين مواطن. 

بما يعادل نحو 1.1 بالمئة من مجموع سكان الولايات المتحدة البالغ عددهم 330 مليون مواطن. 


غضب عربي

حتى الأصوات داخل الإدارة الأميركية أدركت خطورة تعامل البيت الأبيض مع الصراع، وكيف استثار غضب ما يعرفون بحلفاء أميركا في الشرق الأوسط من الحكومات العربية والإسلامية. 

ففي 9 نوفمبر، أكدت باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، خلال جلسة عقدتها لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، أن الغضب يتصاعد في الشرق الأوسط ضد واشنطن، بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة. 

وقالت إن "تصاعد الغضب الشعبي تجاه الولايات المتحدة مشكلة يجب حلها حتى يستمر الدور الأميركي في المنطقة".

وفي نفس الجلسة، أعلنت دانا سترول نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط أن وزارة الدفاع (البنتاغون) يجب أن تنبه إسرائيل بشكل مستمر بأنها إذا لم تعمل على تقليص الخسائر بين المدنيين فربما تنتهي العمليات إلى "إخفاق إستراتيجي" لواشنطن وتل أبيب في آن واحد.

وعللت ذلك أن أصوات الغضب والكراهية تجاه أميركا تجتاح العالم، فيما يرى كثير من المسلمين أن البلاد شريك رئيس في قتل المدنيين وآلاف الأطفال بغزة. 

وفي 7 نوفمبر 2023، قامت مؤسسة "فريدريش إيبرت التابعة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني الحاكم" باستطلاع شمل عينة عشوائية من 9 دول عربية منهم (مصر والأردن) إضافة إلى تركيا وإيران.

وقالت إن 70 بالمئة من الشباب العرب في تلك الدول رأوا أن أميركا عدو لهم، في حين أن 46 بالمئة عدوا روسيا حليفة، و57 بالمئة رأوا أن الصين أقرب إليهم من الولايات المتحدة. 

وأجمعوا بحسب المؤسسة الألمانية أن واشنطن هي المتورط الأكبر في حرب غزة.

كما أيدوا ضرورة الانسحاب العسكري الأميركي من المنطقة العربية، بل إن 7 دول منهم أكدت أن الانسحاب الأميركي سيجعل المنطقة أكثر أمنا وأقل خطرا.


"إفلاس فكري"

لم تكن الاعتراضات فقط هي العامل الوحيد في مواجهة مسار بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن الداعم للعدوان الإسرائيلي على غزة. 

ففي 19 أكتوبر 2023 تقدم المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية جوش بول باستقالته بسبب تعامل بايدن مع الحرب، قائلا إنه لا يستطيع دعم المزيد من المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل. 

ثم وصف رد الإدارة الأميركية بأنه "رد فعل متهور" قائم على "الإفلاس الفكري".

وكتب بول في خطاب استقالته على موقع "لينكد إن": "أبلغت زملائي اليوم أنني استقلت من وزارة الخارجية، بسبب خلاف سياسي بشأن مساعدتنا الفتاكة المستمرة لإسرائيل، ولمزيد من التوضيح لمبرراتي للقيام بذلك كتبت المذكرة المرفقة".

وأضاف "خلال 11 عاما قدمت تنازلات أخلاقية أكثر مما أتذكر، سأغادر اليوم لأنني أعتقد أنه في مسارنا الحالي في ما يتعلق بتزويد إسرائيل المستمر بالأسلحة الفتاكة وصلت إلى نهاية هذه الصفقة".

وشدد على أنه "لا يستطيع قبول الاستمرار في وظيفة تسهم في مقتل مدنيين فلسطينيين"

وتعليقا على المشهد قال الباحث السياسي المقيم في الولايات المتحدة كريم رزق، إن الدعم غير المشروط الذي قدمه البيت الأبيض لإسرائيل في عدوانها علي غزة، دمر سنوات من السعي الأميركي لتحسين الصورة في العالم العربي والإسلامي لا سيما بعد حرب الخليج الأولى والثانية وغزو أفغانستان". 

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "خسارة الولايات المتحدة للمسلمين بهذه الطريقة، ستعيد سنوات عدم الأمن والاستقرار، وستتضرر المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، خاصة وأن روسيا والصين تلعبان دورا مهما في ملء الفراغ وتذبدب العلاقات العربية والإسلامية مع أميركا".

ومضى يقول: "يوجد أصوات في الكونغرس ووزارة الخارجية تعترض على السياسة الأميركية الحالية، وبعضهم رأى أن بايدن أسوأ من عتاة الجمهوريين مثل بوش (الابن) وترامب، وأن واشنطن ستدفع ثمن تلك السياسة عاجلا أو آجلا".