"بروفة التهجير الكبير".. هكذا تخطط إسرائيل لتنفيذ نكبة جديدة في الضفة الغربية

حسن عبود | a year ago

12

طباعة

مشاركة

ضمن خطة تجريبية أطلق عليها اسم "النكبة 2"، تتفاقم اعتداءات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين بهدف طردهم من قراهم في الضفة الغربية.

ويضطر الفلسطينيون إلى مغادرة قراهم وبلداتهم بفعل تكرار اعتداءات المستوطنين الممنهجة، وهو ما حدث أخيرا في عدة أماكن وبأرقام صادمة.

تزايد التهجير

ودق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة ناقوس الخطر عبر تقرير حديث قال فيه إنه جرى خلال العام 2022 تهجير أكثر من 1105 فلسطينيين من 28 تجمعا سكانيا؛ بسبب تصاعد أعمال العنف ومنعهم من الوصول إلى أراضي الرعي على يد المستوطنين الإسرائيليين.

وذكر التقرير في 21 سبتمبر/أيلول 2023، أن عنف المستوطنين خلال الفترة ذاتها أسفر عن 1614 حادثا أدى إلى "سقوط ضحايا فلسطينيين أو إلحاق الأضرار بممتلكاتهم"، بمتوسط 80 حادثا في الشهر.

وهو أعلى عدد تسجله الأمم المتحدة على الإطلاق منذ أن باشرت رصد هذه الحوادث في العام 2006. 

وأوضحت الأمم المتحدة أنه من بين 28 تجمعا سكانيا، جرى تهجير جميع سكان 4 تجمعات وباتت خالية في الوقت الراهن، وفي 6 تجمعات أخرى رحل أكثر من 50 بالمئة من سكانها منذ العام 2022، ورحل أكثر من 25 بالمئة من 7 تجمعات أخرى.

ووفقا للتقرير الأممي، كان معظم المهجرين في محافظات رام الله (وسط) ونابلس (شمال) والخليل (جنوب)، التي يوجد فيها أعلى عدد من البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، وانتقل هؤلاء إلى بلدات أو مناطق ريفية أخرى عدّوها أكثر أمنا.

وفي أغسطس/آب 2023، أجرت الأمم المتحدة وشركاؤها من المنظمات الإنسانية تقييما للاحتياجات الإنسانية لدى 63 تجمعا رعويا فلسطينيا في مختلف أنحاء الضفة الغربية من خلال مقابلات مع مقدمي المعلومات الرئيسين فيها.

واختيرت هذه التجمعات التي تؤوي 10 آلاف شخص، 24 بالمئة منهم من النساء و51 بالمئة من الأطفال، بناء على ارتفاع مستوى ضعفها وقربها من المستوطنات وتعرّضها لعنف المستوطنين.

وأشار نحو 93 بالمئة من سكان التجمعات إلى ارتفاع وتيرة عنف المستوطنين، كما أفاد 90 بالمئة منهم إلى ازدياد حدة هذا العنف منذ مطلع العام 2022.

ومن أنواع عنف المستوطنين التي تجرى بحراسة جيش الاحتلال أو بغض طرفه عنها بشكل متعمد، إتلاف المحاصيل الزراعية، إلحاق الضرر بمصادر المياه، مصادرة الأراضي وبناء بؤر استيطانية عليها، عمليات الهدم.

وفي النقطة الأخيرة، قدم 81 بالمئة من سكان التجمعات، شكاوى لشرطة الاحتلال الإسرائيلي بشأن بعض أو معظم حوادث عنف المستوطنين التي تعرضوا لها.

ولكن لم يكن سوى 6 بالمئة من ممثلي التجمعات على علم بإجراءات المتابعة التي اتخذتها السلطات الإسرائيلية، وهو ما يشير إلى تورط رسمي وتساوق ممنهج من حكومة الاحتلال مع عمليات التهجير التي يتصدرها المستوطنون.

وتأتي عمليات التهجير متزامنة تماما مع استمرار وتيرة الاستيطان الإسرائيلي وتزايده في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، رغم الانتقادات الدولية.

وعلقت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية على تصاعد عمليات المستوطنين بالقول: "يجرى تنفيذ هذا العنف باسمنا، مع غض الطرف، بدعم فعلي من الجيش، وبصمت إعلامي، سيأتي يوم وسينظر الإعلاميون إلى هذه الفترة بخجل كبير".

وأردفت في تقرير نشرته 27 سبتمبر: "هذا يحدث كل يوم، الأثر التراكمي لهذه الاعتداءات عندما يقف الجيش متفرجا والشرطة لا تساعد، هو في الواقع ترحيل قسري، يأخذ كبار السن من الرجال والنساء والأطفال والرجال ممتلكاتهم وأغراضهم ويغادرون المنطقة التي عاشوا فيها منذ عقود، وفي إسرائيل لا نسمع شيئا عن ذلك".

وتابعت أن "وسائل الإعلام صامتة، لن يجروا مقابلات مع أفراد المجتمعات الفلسطينية التي هُجرت قسرا، ولن يعكسوا الشعور بالرعب، ولن يطالبوا الجيش والشرطة بإجابات، ومن المؤكد أنهم لن يرسلوا فريقا لتوثيق هذا الواقع".

نكبة 2

بات عام 2023 مرحلة فاصلة في تاريخ الشعب الفلسطيني بعد تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الأكثر تطرفا أواخر العام الذي سبقه.

وصعدت تيارات ما تسمى "الصهيونية الدينية" إلى السلطة وأصبحت تتولى الحكم وبدأت إجراءات فعلية على الأرض لزيادة رقعة الاستيطان وطرد الفلسطينيين من أراضيهم.

وتضم الحكومة في عضويتها حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف برئاسة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وحزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف برئاسة وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، إضافة إلى أحزاب يمينية دينية.

وكشفت صحيفة "هآرتس" العبرية أن "استهداف التجمعات السكانية خاصة البدوية في القرى هو بمثابة خطة تجريبية لمشروع التهجير الكبير أو النكبة رقم 2"، في إشارة إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم للمرة الثانية كما حدث عام 1948.

وبينت عبر تقرير لها في 7 سبتمبر 2023، أن سبب اختيار هذه التجمعات الصغيرة كتجربة لعمليات تهجير أكبر، يعود إلى كونها "بدون شرطة أو جيش أو سلطة" وبسبب "حالة الضعف التي يعيشها السكان هناك".

وانتقدت الصحيفة اليسارية ما تنفذه عصابات المستوطنين من عمليات إرهابية ضد سكان القرى الفلسطينية بالضفة الغربية، واصفة إياها بأنها "عمليات تطهير عرقي".

واتهمت “حكومة نتنياهو” اليمينية بتمويل تطرف المستوطنين للاعتداء والتنكيل بالفلسطينيين بطريقة سادية وضرب الشيوخ والأطفال بقضبان الحديد.

وأردفت: "هذا الأمر لم يعد مجرد مجموع من الأحداث حدثت بالصدفة، بل أصبح سياسة بدعم من النظام أو بغض طرفه عنها، ولم يعد بالإمكان التجاهل، هذا يبدو مثل التطهير العرقي".

وقالت هآرتس: "في الأشهر الثلاثة الأخيرة، زرنا ثلاث تجمعات للرعاة الذين اضطروا إلى مغادرة قراهم في أرجاء الضفة الغربية جراء اعتداءات المستوطنين عليهم، وكانت هناك قرى أخرى، ثلاث قرى صغيرة استسلمت وأخليت، وتشتت سكانها في الأرجاء، نسيج حياتها تدمر، آلاف الدونمات جرى تطهيرها والاستيلاء عليها".

وذكرت أن "هؤلاء الناس هم رعاة شجعان لفحتهم أشعة الشمس والصعوبات، وعاشوا في تجمعاتهم عشرات السنين، ولدوا فيها وولد فيها أولادهم، قرروا ذات يوم الاستسلام ورفع الأيدي والمغادرة".

وأكدت الصحيفة أن كل ذلك يحدث بدعم من الجيش الإسرائيلي من أجل التهجير الكبير، المشروع الذي تبلور في عقول “إسرائيليين” أكثر مما نتخيل كحل نهائي للقضية الفلسطينية، وإذا كان هذا المصطلح يثير لديكم القشعريرة فهو حقا هكذا، وفق وصفها.

وانتقدت الاعتداء على من قالت إنهم "لم يؤسسوا لأنفسهم في أي يوم قوة مقاومة مهما كانت ضعيفة مثلما يحدث في مخيمات اللاجئين، كل عالمهم هو رعي الأغنام وصراع البقاء الصعب من أجل جلب المياه وزراعة القمح والدفء في الشتاء وإرسال أولادهم إلى المدرسة البعيدة، لا أحد سيهب للدفاع عنهم، ولا أحد سيهتم بمصيرهم".

وتابعت: "من أجل طرد الجميع، نحن بحاجة إلى حرب يأجوج ومأجوج، ولتطهير غور الأردن وجنوب جبل الخليل ووسط الضفة الغربية فإنه تكفي المستوطنين بضع مئات من الزعران (عديمو التربية) الذين سينغصون حياة السكان ويجعلونها بائسة جدا، هذه بداية للتطهير العرقي، انظروا، لقد تم تحذيركم"، كما قالت.

"ضم الضفة"

الناشط الحقوقي ومؤسس "تجمع شباب ضد الاستيطان"، عيسى عمرو، يؤكد أن الاحتلال يجهز منذ عدة سنوات لعملية ضم الضفة الغربية إليه خاصة المناطق المسماة (ج).

وصنفت اتفاقية أوسلو للسلام (1995) أراضي الضفة ضمن 3 مناطق: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية كاملة ويحظر على الفلسطينيين استغلال مواردها.

واستغلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تصنيف الأراضي حسب اتفاقية أوسلو إلى مناطق "أ، ب، ج" لإحكام سيطرتها على الأراضي الفلسطينية خاصة في الأراضي المصنفة "ج".

وتشكل هذه المناطق نحو 61 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، بينما تمثل مناطق "ب" الخاضعة لسيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية 21 بالمئة من مساحة الضفة. 

هذا في حين تشكل المناطق التي يفترض أنها تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة 18 بالمئة من الضفة.

ولهذا فإن أغلبية مناطق الضفة الغربية تعد منطقة "ج"، أي تخضع لسطيرة أمنية ومدنية إسرائيلية كاملة باستثناء بعض المساحات المدنية.

ويقول عمرو لـ"الاستقلال" إنه "منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية، أعلنت حرب شاملة على التجمعات السكانية وأصبحت الاعتداءات منظمة ومتكررة وازدادت وتيرتها".

وبعد تشكيل الحكومة بأسابيع قليلة، اتفق رؤساء كتل الائتلاف الإسرائيلي على وجوب هدم كل بناء لأي بيت فلسطيني في مناطق "ج"، في مراحله الأولى حال لم يحصل صاحب البيت على ترخيص سلطات الاحتلال عبر "الإدارة المدنية".

وازداد الاهتمام الإسرائيلي بمناطق "ج" خلال السنوات الأخيرة بسبب ثرواتها المائية وأراضيها الزراعية الخصبة وتدني كثافة السكان فيها.

ولذلك كثفت سلطات الاحتلال منع وصول الفلسطينيين إلى تلك المناطق بحجة إجراء تدريبات عسكرية مستمرة، وكذلك إطلاق المستوطنين للعبث فيها وإقامة بؤر استيطانية بعد الاعتداء على المواطنين ودفعهم للرحيل عنها.

ولفت عمرو إلى وجود "عملية تهجير قسري واضحة من خلال منع جيش الاحتلال الوجود الفلسطيني، وازدياد اعتداءات المستوطنين الإرهابيين على المزارعين وأراضي المواطنين".

وأكد أن "هناك عدة تجمعات سكانية رحلت من مناطقها في رام الله ومناطق أخرى بسبب عنف المستوطنين الذي يجرى تنسيقه مع جيش الاحتلال وبحمايته".

وعن سبل مواجهة عمليات التهجير الجديد، يرى عمرو أهمية أن "تكون هناك وحدة فلسطينية حقيقية وبرنامج وطني مقاوم يعزز صمود المواطن على أرضه".

وأشار إلى ضرورة "إيجاد مشاريع لتعزيز صمود المزارعين وزيادة الوجود السكاني الفلسطيني في المناطق المستهدفة (إسرائيليا)".