الانتخابات المحلية.. هكذا يبني قيس سعيد نظامه على أنقاض الديمقراطية التونسية

الاستقلال | a year ago

12

طباعة

مشاركة

يواصل الرئيس التونسي قيس سعيّد شق طريقه من أجل استكمال إرساء نظامه السياسي الذي انطلق في وضعه على أنقاض المسار الديمقراطي المنقلب عليه في 25 يوليو/تموز 2021.

وفي آخر محطات وضع هذا النظام الجديد، دعا سعيّد التونسيين إلى انتخاب مجلس الجهات والأقاليم والذي يعد الغرفة البرلمانية الثانية بحسب ما نصّ عليه الدستور الذي سنّه سعيّد في 25 يوليو 2022.

ويصر النظام القائم على الذهاب في هذه الانتخابات رغم انشغال التونسيين بأزماتهم اليومية، في ظل وضع اقتصادي يعد الأسوأ منذ عقود، وسط أزمة سياسية مستمرة جعلت من المحطات الانتخابية السابقة تشهد مقاطعة واسعة وعزوفا عن الانتخاب.

انتخابات معقّدة 

وفي 22 سبتمبر/أيلول 2023، أعلن الرئيس التونسي 24 ديسمبر/كانون الأول 2023 موعدا لإجراء انتخابات "مجلس الجهات والأقاليم" الذي حدّد عدد أعضائه بـ77 عضوا للقيام بمهام تشريعية ورقابية لم يتم تحديدها بعد ولم يتم التنصيص على علاقته بالغرفة البرلمانية الأولى المسماة "مجلس نواب الشعب".

ويعتقد المتابع للشأن التونسي أن انتخاب هذا المجلس يكون بالشكل التقليدي للاستحقاقات النيابية باختيار الناخبين مرشحا من بين مجموعة من المترشحين لتمثيله في هذا المجلس.

ولكن الحقيقة أن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، حيث وضع سعيّد نظاما فريدا من نوعه في كل العالم أطلق عليه منذ سنوات "البناء القاعدي"، يخلط بين الانتخاب والقرعة وبين التمثيل النسبي والارتقاء الآلي من المحليات إلى المجلس المركزي.

فبحسب الفصل 81 من دستور سعيّد، فإن المجلس الوطني للجهات والأقاليم يتكون من نوّاب منتخبين عن الجهات والأقاليم، يتم اختيار 3 ممثلين عن المجالس الجهوية الـ24 واختيار 5 أعضاء ممثلي الأقاليم الخمسة.

وسيجرى في 24 ديسمبر 2023، الدور الأول لانتخاب 2155 عضوا من أعضاء المجالس المحلية الذي قدّر عددهم بـ279 مجلسا، في انتخابات مباشرة على الأفراد.

وفي حال عدم فوز أي من المترشحين بغالبية أصوات الناخبين، فإنه سيتم تنظيم دورة ثانية للإعادة بين المترشحين الحاصلين على أعلى الأصوات في الدائرة الانتخابية.

ويُخصّص مقعد إضافي واحد بكل مجلس محلي لفائدة نائب من ذوي الإعاقة له الحق في التصويت، ويتمّ اعتماد القرعة بين المترشحين من ذوي الإعاقة لعضوية هذا المجلس.

وبعد تشكيل المجالس المحلية، يتم تنظيم قرعة بين الأعضاء المنتخبين بالمجلس المحلي لعضوية المجلس الجهوي، ويقع التناوب لعضوية المجلس الجهوي بين الأعضاء المنتخبين بالمجالس المحلّية، بالقرعة كل ثلاثة أشهر.

ومن ثم ينتخب أعضاء كل مجلس جهوي من بينهم ممثلا واحدا بمجلس الإقليم التابع لهم من مجالس الأقاليم الخمسة، وينتخب أعضاء كل مجلس جهوي ثلاثة أعضاء من بينهم لتمثيل جهتهم بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم، كما ينتخب أعضاء مجلس كل إقليم نائبا واحدا من بينهم لتمثيل الإقليم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم.

البناء القاعدي 

ويوصف هذا النظام بالبناء القاعدي، حيث إن سعيد ومنذ ربيع العام 2011 عبّر عن رؤية مختلفة للدولة وتنظيم السلط.

وأعاد تقديم هذا الطرح سنة 2013 أثناء النقاش العام حول صياغة الدستور في وثيقة حملت عنوان "من أجل تأسيس جديد" قبل أن يضمنه في حملته الانتخابية عند ترشحه لرئاسيات 2019.

وقال سعيّد حينها إن "التأسيس الجديد تحت شعار (الشعب يريد) ينطلق من قراءة لهذه المرحلة التاريخية، لا في تونس فحسب، بل في العالم بأسره، فقد دخلت الإنسانية مرحلة جديدة من تاريخها لم يعد بالإمكان تنظيمها بمفاهيم بالية تحوّلت بفعل هذا التطور إلى عقبة أمام فكر سياسي جديد صنعته الشعوب وتجاهله الكثيرون".

ويذكر أن مشروع "البناء القاعدي" بدأ يتشكّل منذ 2011، بلقاء أستاذ القانون الدستوري آنذاك قيس سعيّد مع زمرة من اليساريين المنضوين تحت لواء "قوى تونس الحرّة" ومن أبرز قياداتها رضا شهاب المكي الملقّب برضا لينين، وسنية الشربطي زوجة وزير الداخلية الحالي، كمال الفقي.

وبين 2013 و2019، تعدّدت التسميات، من "البناء الجديد"، إلى "البناء القاعدي"، مرورا بـ"التأسيس الجديد"، دون أن تتغيّر فلسفة المشروع ولا معالمه الكبرى.

وحرص سعيّد منذ 25 يوليو 2021، على عدم تبني مشروعه مباشرة، وتمريره بالتقسيط، مع إلباسه رداء الإرادة الشعبية، حيث جاءت الاستشارة الوطنية، التي تحكّم مباشرة في صياغة أسئلتها، على مقاس المشروع في خياراته الكبرى (نظام رئاسي، سحب الوكالة من النواب، والاقتراع على الأفراد)، وفلسفته.

وترجم الدستور الجديد هذه الخيارات، بوضعه "نظاما رئاسويا"، يحتكر فيه الرئيس السلطة التنفيذية من دون أي مسؤولية، حتى في صورة الخرق الجسيم للدستور، مقابل إضعاف بقيّة السلط والتنصيص على إمكانية سحب الوكالة من النواب.

اختبار جديد 

وتعد هذه الانتخابات المحطة الأخيرة في تثبيت مؤسسات النظام السياسي الجديد، إلّا أنها تصطدم بواقع سياسي واقتصادي مأزوم، ولا يتوقع منها أن تؤدّي إلى نتائج مختلفة عن سابقاتها من حيث نسب المشاركة فيها ترشحا وانتخابا.

ويذكر أن المحطات السياسية التي تلت انقلاب 25 يوليو 2021 لم تحظ بقبول شعبي، حيث لم يشارك سوى نصف مليون تونسي في الاستشارة الإلكترونية (من إجمالي أكثر من 8 ملايين تشملهم نظريا المشاركة فيها) التي أطلقها سعيّد وامتدت بين 15 يناير/ كانون الثاني و20 مارس/ آذار 2022 وعدها منطلقا لوضع دستوره الجديد.

وشهدت انتخابات مجلس نواب الشعب التي أقيم دورها الأول في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022 مقاطعة واسعة ترشحا وانتخابا.

حيث لم  تسجل 7 دوائر انتخابية أي مرشح، وسجلت 10 دوائر انتخابية مرشحا وحيدا، وبلغت نسبة المشاركة في الدور الأول 11.2 بالمئة من الناخبين و11.4 بالمئة في الدور الثاني، وهو ما عده الكثير من المراقبين فشلا للسلطة القائمة.

واعتبر رئيس جبهة "الخلاص الوطني" المعارضة، أحمد نجيب الشابي، أن "قيس يهدف إلى إرساء غرفة ثانية قزمية بالبرلمان".

وقال الشابي لـ"الاستقلال" إن "الشعب لن يشارك في هذه المسرحية، مثلما قاطع الانتخابات التشريعية في دورتها الأولى والثانية، كما قاطع الاستفتاء على الدستور، انتخابات هذا المجلس الجهوي أيضا ستقابل بلا مبالاة كاملة من طرف المواطنين".

من جهته، اعتبر القيادي في حركة النهضة، رياض الشعيبي، أن "الاستحقاق الذي تحتاجه البلاد اليوم هو الانتخابات الرئاسية وليس انتخابات إقليمية وجهوية ومحلية، وذلك لإخراج البلاد من هذه الأزمة السياسية والاقتصادية، لأن الوضع المتردي لا يمكن تأجيله لسنة أخرى حتى نهاية عام 2024".

وشدد الشعيبي لـ"الاستقلال" على أن "هذه الانتخابات المزمع تنظيمها ما هي إلا إلهاء عن الاستحقاقات الرئيسية، ومرة أخرى تكشف أن أولويات السلطة تختلف عن أولويات البلاد، في الأجندة الوطنية اليوم هي في كيفية الخروج من الأزمة إلا عبر انتخابات رئاسية".

وتابع: "لأن السبب في هذه الأزمة هو رئيس الجمهورية وسياساته، لذلك لابد من العودة إلى الصندوق والشعب، إما بموافقته على سياسات سعيد أو رفضه لهذه السياسات، والتعجيل بطي هذه الصفحة والذهاب في طريق آخر والذي نعتقد أنه الطريق الصحيح وهو طريق الديمقراطية والحرية والانفتاح".