أهالي درنة بحاجة إلى إعادة تأهيل نفسي من هول الفاجعة.. ما القصة؟

12

طباعة

مشاركة

بدأت مدينة درنة المنكوبة تتعافى بعد وصول المواد الطبية والمساعدات الإنسانية إلى ليبيا، حيث خلفت الفيضانات بالفعل أكثر من 20 ألف ضحية، بين قتلى ومفقودين.

وفي 10 سبتمبر/أيلول 2023، اجتاح إعصار دانيال عدة مناطق شرقي ليبيا مخلفا دمارا كبيرا، سارعت على إثره العديد من الدول لإرسال فرق متخصصة للمساعدة في عمليات الإنقاذ والإغاثة وانتشال الجثث التي انتشرت بالآلاف خاصة في درنة.

وخلف الإعصار والفيضانات الناجمة عنه أيضا أكثر من 11 ألف قتيل وما يزيد على 10 آلاف مفقود، و40 ألف نازح شمال شرقي البلاد، وفقا لأرقام نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، مساء 16 سبتمبر.

وبعد كارثة الفيضانات، طالب رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي النائب العام الصديق الصور، بفتح "تحقيق شامل ومحاسبة كل من أخطا أو أهمل بالامتناع أو القيام بأفعال نجم عنها انهيار سدي مدينة درنة".

ظروف متردية

وروت صحيفة إلباييس الإسبانية قصة منسق مشرحة مدينة درنة الليبية الطبيب أنس البرغيثي الذي يعمل في ظروف متردية للغاية منذ الفاجعة.

وقال الطبيب: "أمضينا أياما صعبة جدا، محاطين بالعديد من الجثث، بلا كهرباء، وبلا ثلاجات، وبلا اتصالات، وبرائحة كريهة". وواصل: "لقد كانت كارثة. لكن، بدأ الوضع يتحسن الآن". 

ويتولى البرغيثي منذ الحادثة مسؤولية المكان الذي جرى فيه تخزين الجثث التي انتشلت من تحت الأنقاض وعلى شاطئ البحر بعد مرور العاصفة دانيال عبر ليبيا.

وبعد أيام على الفاجعة ونظرا لخطر انتشار جائحة الكوليرا، قررت وزارة الصحة عدم حفظ المزيد من الجثث. ومنذ ذلك الحين، وفور العثور على رفات الضحايا، يُجرى اختبار الحمض النووي ومن ثم دفنهم.

وأضافت الصحيفة أن الفيضانات تسببت في سقوط 20 ألف ضحية، بينهم قتلى ومفقودون، بحسب تقديرات السلطات. 

ونقلت إلباييس عن البرغيثي قوله: "كان خوفي الأكبر هو إمكانية تفشي الأمراض المعدية خلال الأشهر المقبلة. لكن، طمأننا وصول الدعم الدولي ذي الخبرة في هذا النوع من السيناريوهات".

وتابع: "نستقبل المستلزمات الطبية والأدوية من جميع المراكز الصحية في ليبيا والدول الأخرى. لكن، ما نحتاجه الآن هو اللقاحات". 

وأشارت الصحيفة إلى أن البرغيثي لا يمكن أن يضيع ثانية واحدة. منذ أسبوع، لم ينم إلا بضع ساعات فقط، وهو ما يؤكده الإرهاق الذي تجلى في عينيه. ويبقى مصدر قلقه الأكبر متمثلا في التأثير النفسي لهذه الأزمة الإنسانية على الناجين.

ونقلت عن الطبيب الليبي: "خلال الأيام الأولى، لم نر الناس يبكون. كانوا في حالة صدمة وإنكار، بما في ذلك الأطفال". ويختتم كلامه قائلا: "نحتاج إلى أطباء نفسيين لمساعدتهم في التعامل مع هذه الصدمة". 

الحالة النفسية

وبدوره، قال منسق الاستجابة لحالة الطوارئ الإنسانية الدكتور عمر ملكوري: "لم يعد هناك أي جرحى تقريبا، لقد عالجناهم جميعا. لكن، تتمثل المشكلة الأكبر الآن في الحالة النفسية للسكان الذين فقدوا كل شيء: العائلة، والجيران، ومنازلهم، وموارد رزقهم".

وواصل القول: "نحن نعلم أن الصحة العقلية هي دائما قضية معلقة، لكنها أمر بالغ الأهمية في ظل السياق الحالي". 

وأوردت إلباييس أن جولة في وسط مدينة درنة تؤكد مخاوف البرغيثي وملكوري. ووسط الأنقاض، يجلس فيصل، أحد الناجين، لساعات بجوار ما كان منزلهم في السابق.

ويشرح للصحيفة: "عندما بدأ الفيضان، صعدنا أنا وزوجتي، مع ابنتي البالغة من العمر عامين وطفلنا البالغ من العمر شهرين، طابقا تلو الآخر حتى الطابق الخامس، حيث يقع السطح. ومن هذا المستوى رأينا كمّا من جيراننا وهم يفارقون الحياة".

وواصل فيصل: "كانت المباني تختفي من حولنا. في المنزل المقابل لنا، كان يعيش أصدقاؤنا المقربون، لقد ماتوا جميعا، كانوا عائلة مكونة من سبعة أفراد".

وأمضى هذا الرجل يومين في البحث عنهم تحت الأنقاض قبل أن يستسلم. وأضاف: "كان لديهم طفل عمره شهران، لا أستطيع التفكير في أي شيء آخر غيرهم".

وتجدر الإشارة إلى أن فيصل وصل إلى ليبيا قبل 10 سنوات هربا من الحرب في سوريا. بالقرب منه، كان هناك رجال آخرون يسحبون أقدامهم وهم يرتدون أحذية مغطاة بالطين.

في الواقع، كانوا يبحثون عن شيء ينقذونه من تحت الأنقاض. وتمكن محمد من العثور على حقيبة بها وثائق عائلية.

لكن أكثر ما أراحه كان العثور على بعض الأكياس البلاستيكية وعلب العطور الخاصة بألعاب بناته.

وحتى قبل أسبوع، كان هذا الشخص يكسب رزقه من قيادة شاحنة اختفت أيضا، مثل كل شيء تقريبا في هذه المنطقة المركزية من المدينة.  

من جهته، يقول عبد الرازق، الذي فقد والده وكل عائلته التي عاش معها: "تركت والدتي عند أحد معارفي في ضواحي درنة. وأقضي اليوم أتجول هنا في حال كان بإمكاني مساعدة شخص ما. أنام في أي مكان، حيث يستضيفني أصدقائي ومعارفي". 

جهود مستمرة

ويوجه المواطن الليبي نداء إلى السلطات قائلا: "كنا نعلم دائما أن مدينتنا مبنية على قناة السدود وأن الأمر خطير للغاية".

وتابع: "والآن بعد أن أصبح من الضروري إعادة بنائها، أطلب من المهندسين الاهتمام بالسلامة". ويشدد قائلا: "إذا نظرنا حولنا، فمن الصعب أن نتصور إمكانية تكرار كارثة بهذا الحجم". 

وفي الشارع المجاور، تتقدم شاحنة تطرد دخانا أبيض اللون بهدف تطهير الهواء والتغطية على رائحة التحلل. لكن، يستمر التأثير بضع ثوان فقط. وعند مدخل المدينة وعلى عدة حواجز، يوزع الجيش الأقنعة ويأمر المترجلين بارتدائها.

في إحدى الزوايا، وسط الخراب، يستريح متطوعون شباب من الصليب الأحمر، بينما تعمل الحفارات التي وصلت أخيرا إلى المدينة على إزالة الأنقاض التي تمنع الوصول إلى المباني.

وتشرف فرق الإنقاذ والمساعدة من العديد من الدول على عمل الآلات بحثا عن جثث جديدة. وبعد أسبوع من العمل، بدأت درنة تتوقف عن كونها مقبرة جماعية كبيرة.

وبدورها، تنقل العشرات من المركبات، من جزء من المدينة إلى آخر، الرجال والنساء المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الذين يعملون في مهام التنظيف وجمع القمامة.

وعلى مفترقات الطرقات، يتزاحم الرجال المنهكون للحصول على الطعام والملابس والبطانيات والمياه في إطار عملية توزيع المساعدات الإنسانية التي بدأت تصل إلى أحياء المدينة كافة. 

وعلى الساحل، تواجه فرق الإنقاذ مشكلات متزايدة في انتشال رفات ضحايا هذه الكارثة الإنسانية.

وعلى الرغم من أن طائرات الهليكوبتر والطائرات دون طيار التابعة للجيش تقوم بمسح الساحل بشكل مستمر، فإن حالة التحلل المتقدمة تجعل عملية جمع الجثث صعبة وتزيد من خطر انتقال الأمراض.

وبعد مرور أكثر من أسبوع على عاصفة دانيال التي غيرت كل شيء في هذه المنطقة من ليبيا، لا يزال البحر في هذه المدينة الساحلية ذا لون بني غامق، يكاد يكون أسود.