وفد حوثي في السعودية لأول مرة منذ الحرب.. هل يقترب السلام من اليمن؟

12

طباعة

مشاركة

لأول مرة منذ اندلاع حرب اليمن عام 2014، أعلنت السعودية في 14 سبتمبر/أيلول 2023 توجيه دعوة لوفد من مليشيا "الحوثي" إلى زيارة المملكة لمناقشة التوصل إلى "وقف إطلاق نار دائم وشامل في اليمن والتوصل لحل سياسي مستدام ومقبول".

وأعلنت مليشيا "الحوثي"، في حينه، مغادرة وفد منها مع الوفد العُماني الوسيط صنعاء، على متن طائرة عُمانية إلى السعودية، لاستكمال المفاوضات السابقة. 

استكمال النقاشات

المباحثات المقررة هي استكمال للقاءات والنقاشات التي أجراها الفريق السعودي برئاسة سفير الرياض لدى اليمن، محمد آل جابر، وبمشاركة سلطنة عُمان في صنعاء، خلال الفترة من 8 إلى 13 أبريل/نيسان 2023.

وخلال المفاوضات التي جرت خلال أبريل في صنعاء كان الحديث يدور حول تمديد هدنة وقف القتال حتى نهاية العام 2023، تمهيدا للتوصل إلى اتفاق سلام دون تفاصيل، وتردد أنها ستؤدي إلى نهاية حرب اليمن.

لكن هذه المرة تقول السعودية بوضوح إن مباحثات الرياض هدفها "وقف إطلاق نار دائم وشامل" و"حل سياسي مستدام"، ما يشير لنيتها إنهاء هذه الحرب للتفرغ لمشاريعها الاقتصادية التي يعرقلها قصف الحوثيين للمملكة. 

وتحاول عُمان، المتاخمة لليمن، منذ سنوات تسوية الخلافات بين الطرفين المتحاربين، وعلى نطاق أوسع بين إيران والسعودية والولايات المتحدة.

وتكتسب مبادرات السلام قوة دفع منذ أن اتفقت السعودية وإيران، بوساطة الصين، على إعادة العلاقات بينهما.

وكان من الواضح أن اتفاق التطبيع السعودي الإيراني الذي رعته الصين في 10 مارس/ آذار 2023 هدفه الأول هو إنهاء حرب اليمن، لذا لم يكن مستغربا أن تبدأ مفاوضات في الكواليس لاحقا لإنهاء الحرب اليمنية وأن تقترب من نهايتها على الأقل.

وتضغط واشنطن على حليفتها التقليدية، السعودية، لإنهاء الحرب وربطت بعض دعمها العسكري للمملكة بوقف تدخلها في اليمن.

وأعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، في بيان 15 سبتمبر 2023 ترحيبه باستضافة السعودية للمناقشات مع الوفد الحوثي في الرياض، ووصفها بأنها "خطوة مهمة نحو السلام" ولوضع حد للصراع القائم.

وتأتي المحادثات في الرياض في أعقاب زيارة قام بها مسؤولون أميركيون كبار إلى السعودية وعُمان والإمارات أوائل سبتمبر 2023 للتشاور حول مسار عملي نحو السلام في اليمن.

تغيير في الموقف

ويرجح مصدر دبلوماسي عربي أن "يكون العمانيون نجحوا في حلحلة الموقف السعودي في نقطة خلاف بينهم وبين الحوثيين في مفاوضات أبريل، كانت وراء عرقلة الاتفاق النهائي".

قال المصدر لـ"الاستقلال"، طالبا عدم ذكر اسمه، إنه "رغم زيارات وفود سعودية لليمن، والتوافق حول تمديد الهدنة ستة أشهر أخرى يتم فيها تنفيذ الجوانب الإنسانية ثم مرحلة انتقالية سنتين، إلا أن التوصل لاتفاق سلام دائم في اليمن، واجه معضلة كبيرة".

وأوضح أن الحوثيين فوجئوا بأن السعودية تقدم نفسها في المفاوضات على أنها "وسيط" بين اليمنيين (الحوثيين والمجلس الانتقالي) وليست "خصما"، رغم أن سلطنة عمان هي التي تتولي الوساطة رسميا بين الرياض والحوثيين.

وفي 7 أبريل 2023، أعلن مسؤول حكومي يمني رفيع، لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية أنه "تم التوصل بالفعل إلى اتفاق لتمديد الهدنة مع الحوثيين لنهاية العام 2023 على أن يعقب ذلك حوار سياسي مباشر لحل شامل لأزمة البلاد".

لكن الحوثيين انتقدوا رغبة الرياض في التوقيع على اتفاق السلام كـ"وسيط" وعدوه تهربا من قبل ولي العهد محمد بن سلمان من تحميل نفسه المسؤولية خشية ظهوره بمظهر المهزوم المذلول أمام الحوثيين.

وأشار لهذا حينئذ القيادي بالمليشيا، محمد الحوثي، الذي سخر في تغريدة 11 أبريل، من طلب السعودية بصفتها "وسيطا" قائلا إن "السعودية بحاجة إلى عُمان كوسيط لتلعب دور الوسيط".

وسخر نائب رئيس الهيئة الإعلامية لمليشيا "الحوثي"، نصر الدين عامر، في تغريدة نشرها في 11 أبريل، قائلا: "السعودية التي تعد نفسها وسيطا نفذت ربع مليون غارة على اليمن".

وقالت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية "صحيح أن بايدن لم يجعل ابن سلمان منبوذا كما وعد، لكن الإذلال الذي يتعرض له الآن في اليمن هو مثال جيد، خصوصا أنه من صنع ذلك بيديه".

وأكدت الوكالة في 12 أبريل 2023 أن "ابن سلمان تعرض لإذلال كبير من خلال مصالحته مع الحوثي، لأنه هو المسؤول عن فضيحة فشل السعودية عسكريا في اليمن 8 سنوات، وعن حياة أكثر من 200 ألف شخص، وعشرات المليارات من الدولارات".

ويرجح المصدر الدبلوماسي العربي لـ"الاستقلال" أن "يكون قد تم تذليل هذه العقبة الخاصة بإصرار الرياض على أنها مجرد وسيط بين اليمنيين، مرجحا احتمال حلها خلال زيارة ابن سلمان لسلطنة عمان قبل يوم من إعلان السعودية استضافة وفد حوثي على أراضيها.

اختراق الوساطة

وفي 13 سبتمبر 2023، زار ولي العهد السعودي مسقط، ما عد "مؤشرا على حدوث اختراق في الوساطة العمانية".

وقال رئيس مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، ماجد المذحجي، لوكالة الأنباء الفرنسية في 15 سبتمبر، إن زيارة الوفد الحوثي للسعودية "أشبه بنقل العلاقة بين الحوثيين والسعودية من الغرف الخلفية إلى صالة المنزل، أي شرعنة هذه العلاقة ومنحها دفعة إضافية".

وعد المذحجي الزيارة "خطوة متقدمة على الصعيد السياسي، لإنهاء الدور المباشر للسعودية في اليمن وإقرار الحوثيين بدورها كوسيط إلى جانب كونها أحد أطراف النزاع".

وفسر رئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية، عبد الكريم سالم السعدي، ‏زيارة ابن سلمان، بأن لها علاقة بـ"السلام في اليمن".

وقال السعدي لوكالة "سبوتنيك" الروسية في 14 سبتمبر 2023 إن "الزيارة تمثل في اعتقادي محطة نهائية أو على الأقل محطة مهمة تفضي لخارطة طريق واضحة تؤدي إلى قطف ثمرة حراك سياسي امتد لسنوات إدارته السعودية مع بعض الأطراف اليمنية".

وأفاد بأن الجهود السعودية مع مليشيا الحوثي "وصلت إلى توافقات نهائية فيما يخص المسائل التي تأتي تحت يافطة الإنسانية"، مثل فتح المطارات والسماح بوجهات جديدة للرحلات من وإلى مطار صنعاء، وكذلك صرف المرتبات وآلياتها.

يأتي ذلك بعد قبول السعودية طلب "الحوثي" بضرورة دفع المرتبات من البند الأول الذي يعتمد على الواردات المالية الوطنية وعدم إلحاقه بالبند الرابع الذي يعتمد الهبات والمساعدات الإقليمية كمصادر للإيراد.

وقال عضو المكتب السياسي لـلحوثيين، علي القحوم، عبر حسابه على منصة "إكس"، إن "المواضيع التي سيتم مناقشتها مع السعوديين بجهود ووساطة عمانية، أولوياتها الملفات الإنسانية وصرف المرتبات وفتح المطارات والموانئ والإفراج عن الأسرى كافة، بالإضافة إلى خروج القوات الأجنبية وإعادة الإعمار وصولًا إلى الحل السياسي الشامل".

وذكرت مصادر لـوكالة "رويترز" أن المحادثات بين السعودية والحوثيين تركز على إعادة الفتح الكامل للموانئ التي تخضع لسيطرة الحركة ولمطار صنعاء ودفع أجور موظفي القطاع العام من عائدات النفط وجهود إعادة الإعمار ووضع جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية من اليمن".

الهدف سلام

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية في 14 سبتمبر 2023 عن مصادر حوثية تأكيدها أن "الهدف النهائي والصيغة النهائية هي اتفاق سلام تمهد له الاتفاقيات الإنسانية".

ونقلت عن "مصادر سياسية في صنعاء" أنه من المتوقع أن يناقش الحوثيون مع المسؤولين السعوديين "الصيغة النهائية" لوقف شامل ودائم لإطلاق النار، على أن "يباشر أطراف النزاع بعد ذلك التفاوض مباشرة للتوصل إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة وبدعم من السعودية وعُمان".

وأشارت إلى أن "زيارة الوفد السعودي إلى صنعاء في أبريل 2023، والتقارب الأخير بين الرياض وطهران، أنعش الآمال بالتوصل إلى حل سياسي للنزاع الدامي في أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية (اليمن)".

ومع بدء مفاوضات السلام الأولى، أكدت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 10 أبريل 2023، أن "هدف السعوديين هو البحث عن ضمانات بأن الحوثيين لن يعيدوا إطلاق حملتهم الحربية لإرسال طائرات بدون طيار إلى المملكة".

وقالت إن قصف الطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون على السعودية، "يعني عزل منطقة كبيرة على طول الحدود التي يبلغ طولها 800 ميل بين اليمن والسعودية" ما يرهق اقتصاد المملكة.

من جانبه، قال دبلوماسي في الرياض لوكالة الأنباء الفرنسية في 15 سبتمبر 2023 إن "الحوثيين سيستفيدون من أي اتفاق مع السعودية في جلب الاعتراف الدولي بهم"، مؤكدا أنهم جاؤوا للمفاوضات "من أجل اتفاق تسوية مباشر مع السعوديين يُكسبهم اعترافا دوليا".

وأصدر رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، مهدي المشاط، بيانا نشرته "وكالة سبأ للأنباء" التابعة للمليشيات، أشاد فيه بجهود السلام.

وكشف رئيس وفد صنعاء الحوثي المفاوض، محمد عبد السلام، أن الملف الذي يجرى النقاش بشأنه مع الوفد السعودي في الرياض هو الملف الإنساني، والمتمثل بصرف المرتبات وفتح المطار والموانئ والإفراج عن كل الأسرى والمعتقلين.

وأضاف عبد السلام أن بين الملفات، التي ستُطرح على طاولة المناقشات، خروج القوات الأجنبية وإعادة إعمار اليمن، وصولا إلى "الحل السياسي الشامل، بحسب قناة "الميادين" اللبنانية الممولة إيرانيا في 14 سبتمبر 2023.

معطيات الواقع

أيضا رحبت الحكومة اليمنية الشرعية المقيمة في عدن، بجهود السعودية وسلطنة عمان، "الهادفة لدفع المليشيات الحوثية نحو التعامل الجاد مع دعوات السلام، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني".

وجددت الحكومة، في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" في 15 سبتمبر 2023 "التأكيد على استمرار نهجها المنفتح على كل المبادرات الرامية إلى إحلال السلام العادل والشامل، وفقا للمرجعيات الثلاث، وبما يضمن إنهاء الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة، والأمن والاستقرار والتنمية في اليمن".

و"المرجعيات الثلاث" هي مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، الذي عقد بين مارس 2013 ويناير 2014، وتنص أبرز بنوده على إنشاء دولة اتحادية من ستة أقاليم.

وقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن وبخاصة القرار 2021، إضافة إلى المبادرة الخليجية التي جرت عام 2011 خلال الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح.

تلك القرارات وضعت خريطة زمنية لترتيب نقل السلطة في البلاد، وانتهت بانتخابات رئاسية جديدة في فبراير 2012 فاز فيها الرئيس التوافقي السابق عبد ربه منصور هادي، في حين يرفضها الحوثيون الذين يعتبرون أنها لم تعد مجدية كون "الزمن ومعطيات الواقع قد تجاوزتها".

وتسيطر مليشيا الحوثي منذ سبتمبر 2014، على عدد من المحافظات وسط وشمال البلاد، بينها العاصمة صنعاء، ودخل تحالف عربي بقيادة السعودية في 26 مارس 2015، الحرب معها دعما لقوات الحكومة الشرعية.

وتقول الأمم المتحدة إن اليمن يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث نزح 4.5 ملايين شخص، أي واحد من كل سبعة من السكان، عن مناطق سكنهم، بينما يحتاج 24.1 مليون شخص، أي 80 بالمئة من السكان إلى المساعدات الإنسانية والحماية.

وأكدت في تقرير حول الحالة اليمنية أواخر 2022، أن عشرات الآلاف من الأشخاص في اليمن يعيشون حاليا في ظروف تشبه المجاعة، في حين أن حوالي ستة ملايين شخص على وشك المجاعة.

وقدرت الأمم المتحدة أنه حتى عام 2022، تسبب الصراع في اليمن في مقتل أكثر من 377 ألف شخص، 60 بالمئة منهم بسبب الجوع ونقص الرعاية الصحية والمياه غير الآمنة، وقتل أكثر من 11 ألف طفل أو أصيبوا كنتيجة مباشرة للقتال.