قمة العشرين.. هكذا أبرزت مدى تأثير الرئيس أردوغان على قادة العالم

12

طباعة

مشاركة

خلال القمة الـ 18 لقادة مجموعة العشرين، في الهند، يومي 9 و10 سبتمبر/أيلول 2023، برز حجم التأثير الدولي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وشهدت القمة أحداثا لافتة، حيث اجتمعت الدول العشرين الأكثر تقدما في العالم تحت شعار "أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد"، بحفل ترحيب رسمي.

توثيق العلاقات  

وفي إطار مواصلة اجتماعاته الثنائية أثناء القمة، التقى أردوغان مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. 

وجرى خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية بين تركيا والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى مناقشة القضايا الإقليمية والدولية.

كذلك التقى أردوغان، في وقت لاحق، رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في إطار تطبيع العلاقات التي تدهورت بسبب انقلاب الأخير على الرئيس الراحل محمد مرسي في يوليو/تموز 2013. 

وبعد الانقلاب لم تنقطع العلاقات تماما، وبقيت في مستوى قائم بالأعمال وسط استمرار التعاون الاقتصادي بشكل قوي.

واستمرت العلاقات المصرية التركية على حالها، حتى لاح في الأفق تحول إيجابي، مع إجراء مصر وتركيا، في مايو/أيار وسبتمبر/أيلول 2021، أكثر من جولة لـ"محادثات استكشافية" بينهما.

وخلال اللقاء الأخير بين أردوغان والسيسي، نُوقشت العلاقات الثنائية بين تركيا ومصر، وزيادة حجم التجارة والتعاون في مجال الطاقة والقضايا الإقليمية والعالمية.

كما أشار أردوغان خلال رحلة عودته من قمة العشرين إلى أن العلاقات مع مصر دخلت حقبة جديدة مع التعيينات المتبادلة للسفراء، معربا عن اعتقاده بأن العلاقات الثنائية ستصل إلى المستوى الذي تستحقه في أقرب وقت ممكن.

وفي يوليو 2023، أعلنت تركيا ومصر، في بيان مشترك صادر عن وزارتي خارجية البلدين، رفع علاقاتهما الدبلوماسية إلى مستوى السفراء.

ورشحت أنقرة صالح موطلو شن ليكون سفيرا لها لدى القاهرة، فيما رشحت مصر عمرو الحمامي ليكون سفيرا لها في أنقرة.

وقال البيان المشترك حينها إن "رفع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين جاء تماشيا مع قرار اتخذه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وإن الخطوة تهدف إلى تأسيس علاقات طبيعية بين البلدين من جديد".

وشدد أردوغان خلال اللقاء الأخير على هامش قمة العشرين على أهمية دعم الإدارة المصرية للمستثمرين والشركات التركية، مؤكدا أنهم يعطون أهمية لإحياء التعاون في مجالات الغاز الطبيعي المسال والطاقة النووية والثقافة والتعليم.

وحضر الاجتماع أيضا وزير الخارجية هاكان فيدان، ورئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة فخر الدين ألطون، وكبير مستشاري الرئيس للسياسة الخارجية والأمن عاكف تشاتاي كيليتش، إضافة إلى سفر توران، كبير مستشاري الرئيس أردوغان.

مخرجات القمة

أدلى أردوغان بتصريحات بعد اختتام قمة قادة مجموعة العشرين، قائلا إن "الحرب بين روسيا وأوكرانيا يجب أن تنتهي"، مضيفا أنه "لا يمكن استبعاد موسكو في قضية الحبوب".

وأشار إلى أنه التقى بالرئيس الأميركي جو بايدن في نطاق القمة، مبينا: "لقد ناقشنا مسألة طائرات إف 16، والقرار بشأن هذه القضية موجود لدى البرلمان التركي". 

وفي حديثه عن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، قال أردوغان: "إنهم يماطلون اليوم، تماما كما كانوا يفعلون منذ 50 عاما".

وصرح أن كراهية الإسلام والأجانب، التي انتشرت كالطاعون، تسببت في أكبر ضرر للشعار الأعلى المتمثل في "عالم واحد وأسرة واحدة ومستقبل واحد". 

وذكر أن الهجمات التي تستهدف المسلمين واللاجئين تجاوزت الآن حدود التسامح في بعض الدول الغربية، وتحولت إلى موجة من الكراهية في بعض الأماكن.

وفي إشارة إلى اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بيوم 15 مارس/آذار بصفته "اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا"، قال أردوغان: "إن القرارات الأممية بشأن الهجمات على القرآن مهمة".

وفي هذا الصدد، "نرى أن الدول اتخذت مختلف الإجراءات الإدارية والقانونية ضد هذه التصرفات، ونحن سعداء بذلك". وأضاف أردوغان: "بمقترحات وجهود بلادنا، أدين الاعتداء على الكتب المقدسة".

 وفي البيان الختامي لقمة العشرين في الهند، جرى التأكيد على ضرورة تجنب الأطراف التهديد باستخدام القوة بما في ذلك الأسلحة النووية فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية. 

كما أُشيد بجهود تركيا والأمم المتحدة في عملية اتفاق حبوب البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا. ولفت إلى أن هناك حاجة إلى هذا الاتفاق لتلبية الطلب في البلدان النامية وأقل البلدان نموا، وخاصة في إفريقيا.

وكانت موسكو رفضت تمديد اتفاق الحبوب في يوليو 2023، بحجة أن "الغرب لم يف بالتزاماته في الاتفاق"، وقالت إنها "ستمدده حال تنفيذ الجزء الروسي منها".

وتشتكي روسيا من أن القيود والعقوبات المفروضة عليها على خلفية الحرب الدائرة مع أوكرانيا أعاقت صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة، وهي منتجات تعدها موسكو مهمة أيضا لسلسلة الغذاء العالمية.

وللحد من تأثير الحرب الأوكرانية الروسية على أسعار المواد الغذائية العالمية، وقعت الأمم المتحدة وروسيا وتركيا وأوكرانيا اتفاقية ممر الحبوب في البحر الأسود بإسطنبول يوم 22 يوليو 2022.

تركيا ومصر

وعن لقائه بالسيسي، قال أردووغان أمام الصحفيين: "هم دعونا إلى مصر، ونحن قلنا لهم ننتظركم في تركيا"، مشيرا إلى أن الوزراء المعنيين ورؤساء مخابرات الطرفين سيعملون على تنظيم موعد الزيارة.

وأضاف: "سنعمل على مضاعفة حجم تجارتنا مع مصر، وإحياء مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى". 

وأتبع: "يمكننا تحسين علاقاتنا مع مصر بشكل أفضل من ذي قبل، وتحقيق نتائج إيجابية في العديد من الملفات الإقليمية، وخاصة القضية السورية". 

كما أكد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية في بيان أن "أردوغان والسيسي أعربا عن رغبتهما في تعزيز التعاون الإقليمي في إطار المصالح المشتركة، بما يسهم في حفظ الأمن والاستقرار في شرق البحر المتوسط".

وبدوره، قال الأدميرال السابق جهاد يايجي، في تصريح لـ"الاستقلال"، إن "التعيينات المتبادلة للسفراء، في يوليو 2023، قبل الاجتماع كانت مؤشرا على أن العلاقات ستكتسب بعدا إيجابيا جديدا".

وأشار يايجي إلى أن البيان الذي أدلت به القاهرة له أهمية كبيرة في هذا السياق. وفي رأيه، يبدو أن الجانب المصري أيضا منفتح على تطوير منظور دبلوماسي وإستراتيجي بشأن التطورات الإقليمية مع تركيا. 

ولهذا السبب، ينبغي على تركيا أن تقدم اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع مصر عبر القنوات المعنية، ويجب أن توضح لهم من خلال الخرائط أن القاهرة ستحصل على أكثر مما يقدمه الثنائي، اليونان وقبرص اليونانية، حتى يتمكنوا من عقد اتفاق معا.

وتابع يايجي: "كما يظهر على الخريطة، فقدت مصر 21500 كيلومتر مربع من الأراضي المشروعة لبلادها لصالح اليونان والإدارة القبرصية اليونانية في جنوب قبرص".

ويتبين مرة أخرى أنه من خلال إدراك الوضع في أسرع وقت ممكن، يمكن لمصر عقد اتفاق مع تركيا والحصول على الولاية البحرية المفقودة على مساحات بحجم جزيرتي قبرص، ويتم إبطال ما يسمى بخريطة إشبيلية، وفق قوله.

بالإضافة إلى ذلك، يعتقد يايجي أن تحسين علاقات تركيا مع مصر والدول الأخرى في المنطقة، يعني كسر العزلة والحصار الذي تعرضت له أنقرة. 

ويهدف تحسين العلاقات مع مصر وإسرائيل وسوريا إلى حماية جزر تركيا وولاياتها البحرية وأراضيها، بحسب تقديره.

ويتابع يايجي: "باختصار، يمكن لمصر الحصول على مساحة بحرية أكبر بكثير إذا وقعت اتفاقية حدودية مع تركيا، بما يتماشى مع مبادئ القانون الدولي".

وبين أن "حقوق ومصالح مصر وتركيا تلتقيان في نفس النقطة، ومن المهم والضروري أن تتوصل الدولتان اللتان تتمتعان بأطول سواحل في شرق البحر الأبيض المتوسط إلى اتفاق".

وبهذه الطريقة، سيكون للدولتين الولاية البحرية على حدودهما، وبالتالي الحصول على موارد الطاقة التي تستحقانها".

وأضاف مؤكدا: "ستكون تركيا ومصر قوتين فعالتين في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​وسوق الطاقة العالمية بفضل العلاقات الجيدة والتعاون بينهما". 

الصيغة الرئيسة للصراع

وفي حين أن اللجوء إلى الدبلوماسية خيار مرغوب فيه للفاعلية في إنهاء الصراعات في مختلف الأماكن، فإن منع الحديث عن استخدام الأسلحة النووية خلق منطقة جديدة. 

والنقطتان اللتان أكد عليهما الإعلان الختامي تكشفان ما يمكن عمله في الفترة المقبلة، ولتركيا دور جدّي في هذا الصدد. 

وتعد وساطة أردوغان في الحرب الأوكرانية الروسية وإعادة تنظيم ممر الحبوب خيارا لتحقيق الهدوء في المنطقة. 

وفي تصريح على متن الطائرة بعد القمة، قال أردوغان: "يجب على شعوب الدول الغربية أن تعلم أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي تحاول منع الأزمة الغذائية. وسنبذل جهدا لإعادة فتح الممر". وكشف هذا التصريح مرة أخرى عن الدور الحاسم الذي تلعبه أنقرة.

وقال يايجي، في تصريح لصحيفة "الاستقلال"، إن "البيان أكد على ضرورة حل النزاعات سلميا. فهل سيكون لذلك تأثير إيجابي على المنطقة؟"

وأجاب: "مثل هذا التركيز إيجابي ومناسب. لسوء الحظ، من وجهة نظر سياسية واقعية، فإن هذا التأكيد لا يتجاوز التمني، لأنه في الإعلان لم يذكر حتى أن روسيا يجب أن توقف محاولتها غزو أوكرانيا، ويطلب من الأطراف التوقف عن ذلك النزاع".

وأضاف: "إعلان مجموعة العشرين بأن الصراعات لا بد أن تُحل بالوسائل السلمية لا يتجاوز التعبير عن التمني. وعلى أي حال، لا يمكن أن تكون هناك رغبة في حل الصراعات عبر استخدام الوسائل غير السلمية". 

وفي هذا الصدد، أدلى نائب رئيس حزب "هدى بار" التركي، محمد إيشين، بتصريحات حول جهود أردوغان، مشيرا إلى أن "إدانة حرق الكتب المقدسة في قمة قادة مجموعة العشرين أصبحت ممكنة بفضل الجهود التي بذلتها تركيا".

وأضاف: "في الآونة الأخيرة، كانت هناك هجمات حقيرة ضد كتابنا المقدس، القرآن الكريم، في جميع أنحاء أوروبا، خاصة السويد. هذه ليست مجرد اعتداءات من قبل أشخاص متهورين، بل يحدث ذلك تحت إشراف الشرطة وبعد موافقة من المحكمة".

وأوضح إيشين أن تركيا أعربت عن رد فعلها على هذه القضية عبر القنوات الدبلوماسية، مبينا أن أنقرة استخدمت حق النقض ضد عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي "الناتو" بسبب استضافتها لمثل هذه الهجمات والسماح بها. 

وأضاف: "إنها خطوة إيجابية أن يتضمن الإعلان الختامي لقمة مجموعة العشرين بيانا يدين الهجمات على الكتب المقدسة بسبب مبادرات وجهود أردوغان".

وأكد إيشين أنه "يجب المضي قدما في هذا الأمر وتطبيق العقوبات الجنائية حتى تتوقف مثل هذه الهجمات، كما يجب أن تستمر مثل هذه الجهود والمساعي".

وفي قضية منفصلة، ونظرا لتزايد خطر استخدام الأسلحة النووية واستمرار الصراعات، فقد تضمن الإعلان الختامي لليوم الأول للقمة أن "استخدامها أو التهديد بها أمر غير مقبول". 

ويوضح إيشين أن هذا البيان وحده، لا يمكن أن يمنع حدوث صراعات جديدة، وستكون الخطوات والعلاقات المتبادلة بين العالم الغربي والكتلة الروسية الصينية حاسمة في هذا الأمر.

ويؤكد أن "كل الحروب كارثية، لكن استخدام الأسلحة النووية سيؤدي إلى كوارث أكبر للإنسانية وللعالم".