عاصفة دانيال تحصد آلاف القتلى في ليبيا.. وناشطون: فضحت فساد الحكومات 

12

طباعة

مشاركة

تواصل الكوارث الطبيعية حصد المزيد من الأرواح وكشف فساد الحكومات، وهذه المرة في دولة ليبيا الإفريقية العربية.

ففي هذه الدولة التي تتصارع فيها أطراف مختلفة على السلطة، اجتاحت الفيضانات مدن شرق ليبيا بسبب الإعصار المتوسطي "دانيال" الذي ضرب البلاد فجر 10 سبتمبر/أيلول 2023.

الفيضانات تسببت بانهيار البنية التحتية في أغلب مدن ليبيا، واجتاح الإعصار المتوسطي "دانيال" عدة مناطق شرقي ليبيا أبرزها مدن بنغازي والبيضاء والمرج بالإضافة إلى سوسة ودرنة، وأسفر عن مصرع أكثر من 4 آلاف ليبي على الأقل وفقدان نحو 9 آلاف آخرين، بحسب بيانات ليبية.

وتوالت ردود الفعل الدولية والعربية المتضامنة مع المأساة الليبية، والمقدمة لواجب العزاء. وأعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، الحداد الوطني لمدة 3 أيام وتنكيس الأعلام، على خلفية الأضرار البشرية والمادية التي خلفها الإعصار.

وبدوره، أعلن المجلس الرئاسي الليبي، مناطق درنة، وشحات، والبيضاء في برقة شرقي البلاد، مناطق منكوبة. وأطلقت العديد من البلديات الليبية في الغرب والجنوب، إضافة إلى ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي حملة بعنوان "فزعة لهلنا (لأهلنا) في الشرق" لجمع التبرعات والمساعدات للمتضررين من الفيضانات والسيول.

وهاجموا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية على موقع إكس "تويتر سابقا" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #ليبيا_تستغيث، #درنه_تستغيث، وغيرها، الدبيبة، ورؤساء الحكومات الليبية السابق، وقائد قوات شرق ليبيا العسكري المنقلب خليفة حفتر، واتهموهم بإهمال البنية التحتية للبلاد.

وتشهد ليبيا أزمة صراع على السلطة بين حكومة عينها مجلس النواب مطلع عام 2022 وحكومة الدبيبة الذي يرفض التسليم إلا إلى حكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب، وحاولت الأطراف السياسية إجراء انتخابات أكثر من مرة دون أن تنجح في ذلك.

ورأى ناشطون أن المساعدات التي قدمتها بعض البلدان للحكومة الليبية جاءت متأخرة وغير كافية، خاصة أن بعض مما قدموا تلك المساعدات كان لهم دور بارز في دعم اللواء الانقلابي حفتر في حربه على الحكومة الشرعية، مستنكرين مسارعة الدبيبة تقديم الشكر لهم بينما لا يزال الوضع كارثيا.

وتداولوا صورا ومقاطع فيديو تظهر جمع مئات الجثامين التي تملأ الشوارع في درنة وسط حالة ذهول وصدمة، وأخرى لما أسفر عنه الفيضان الهائل من مسح للأبنية الخرسانية في قلب المدينة وتحويله الطريق الساحلي "الكورنيش" إلى ركام.

وأوضح ناشطون أن ما حدث في درنة والجبل الأخضر هو نتيجة إهمال واضح من الحكومات ككل والمسؤولين في البلديات المتجاهلين لمصالح العامة، مؤكدين أن الوضع يتطلب مساندة الجميع وكل الحكومات شرقا وغربا وتنحية السياسة جانبا ودعم المجتمع الدولي. 

بنية متهالكة

وتفاعلا مع الأحداث، قال الناشط الليبي محمد أحمد جبريل، إن "ما نحتاجه لاجتياز هذه الكارثة وبشكل فوري وضروري بعيدا عن السلع الغذائية والأغطية والأموال والآلات الثقيلة هي فرق إنقاذ من عدة تخصصات كفرق تتبع الأثر وفرق إنقاذ وفرق مختصة بالتصوير بالطيران وفرق إطفاء وإسعاف وقوافل طبية وفرق مختصة بالغطس وفرق تقيم الوضع وتحصر الأضرار.

واستنكر خروج الدبيبة راكضا لتقديم شهادة الشكر للدول التي تواصلت معه بينما ما يزال الشعب في غمار معاناته وأنظاره متجهة صوب الأحبة والقلوب تنفطر على الفقدان، قائلا: "لا مكان للعفوية والسذاجة في مثل هذه المواقف دع الأمر ينتهِ ثم افعل ما شئت ما هكذا تدار الدولة قمة الاستهزاء والاستخفاف بالشعب".

وأوضح الكاتب والصحفي الليبي خليل الحايس، أن مدينة درنة الواقعة شرق ليبيا تحاذي مستوى سطح البحر، وتسوّرها من الخلف جنوبا سلسلة لا تنتهي من الجبال، ولذلك تتدافع السيول عادة بزخم من أعالي الجبال باتجاه البحر ومن المفترض أن تجد طريقها عبر مجرى الوادي المخصص الذي ينتهي في البحر.

وألمح إلى قصور الدولة الليبية التي لم تبتكر منذ عشرات السنين أي آلية لصرف مياه السيول والأمطار أو الاستفادة منها، مشيرا إلى أن كميات المياه كانت هذه المرة أعلى بكثير من قدرة مجرى الوادي وسدوده التي تواجه التدفقات الهائلة بتواضع شديد لأنها بالمعايير الصحيحة تعد خارج الخدمة من سنوات طويلة.

ورأى الباحث البحيري علي، أن ليبيا دولة نفطية غنية تستغيث، لأن الدبيبة همه الوحيد التطبيع مع إسرائيل، مؤكدا أن الشعب الليبي حان له أن يثور وينهي المهزلة.

واستنكر أن الحكومة لم تتنبأ بعاصفة دانيال على الرغم أن اتجاهها كان متوقعا، قائلا: "كان يلزم على الحكومة تنبه السكان بالابتعاد عن أماكن الخطر ومراقبة السدود".

وأرجع رضا مدكور السبب الأساسي للعدد الكبير من الضحايا في درنة إلى البنية التحتية المتهالكة، مشيرا إلى أن الدولة المركزية في طرابلس التي حكمت البلاد من 60 عاما عرفت بفسادها وصرف أموال النفط على الدول الأجنبية كما فعل القذافي ومن بعده السراج والدبيبة.

ولفت فريد شعبان، إلى وقوع مئات الوفيات فى مدينة درنة، وتدمير أحياء كاملة بفعل الإعصار وتهالك البنية التحتية، مشيرا إلى أن أغلب البيوت مدمرة بفعل حرب حفتر.

تعاطف وتضامن

وأعربت نخب سياسية وناشطون من مختلف البلدان العربية تضامنهم مع الشعب الليبي وقدموا واجب العزاء وتوالت الدعوات بالرحمة للأموات والشفاء للجرحى والصبر للأهالي، متداولين صورا ومقاطع فيديو توثق عظم وروع الأحداث التي تعرض لها الليبيون.

وقال الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي: "كل التعازي والتضامن والمواساة مع أهلنا في ليبيا بعد مصيبة الفيضانات التي اجتاحت شرق ليبيا والتي أودت بحياة مائة وخمسين مواطنا ومواطنة".

وأكد أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر محمد المختار الشنقيطي، أن حجم الكارثة مرعب ومحزن في مدينة درنة الليبية، بسبب إعصار دانيال، داعيا الله أن يلطف بأحبتنا في ليبيا، ويجبر كسرهم، ويرحم ضعفهم، ويتقبل شهداءهم في عليين.

وكتب الباحث في القضايا الدينية والفكرية أحمد دعدوش: "دعواتنا لأهلنا بمدينة درنة في ليبيا بعد انهيار السد ووصول الضحايا إلى ألفي شهيد، اللهم ارحمهم والطف بالمصابين والمشردين".

ووصف الداعية الفلسطيني جهاد حلس، ما حدث في ليبيا بأنه "فاجعة مرعبة وأرقام مخيفة". وأكد أن "هذا وقت التعاطف والتكاتف يا مسلمين، من استطاع مساعدة إخوانه ولم يفعل فقد خذلهم!!"، داعيا: "اللهم كن لأهلنا في المغرب وليبيا، اللهم فرج كربهم وآمن خوفهم !!".

وعرض الباحث في الشؤون الإفريقية موسى تيهوساي، صورتين لضحايا الإعصار، مشيرا إلى تواصل دفن أكثر من 300 جثة بمقبرة مرتوبة شرق درنة.

غياب الدعم

وأعرب ناشطون عن استيائهم من غياب الموقف الدولي الداعم والمؤازر للشعب الليبي في محنتهم، خاصة تجاهل الدول التي كانت ترسل وتشحن الأسلحة إلى العسكري الليبي خليفة حفتر بهدف تعميق الاقتتال وإشعال الفتنة بين الشعب، داعين لمزيد من المساندة والمساعدة. 

وذكر الصحفي والإعلامي المصري أحمد عطوان، بأن أنظمة مصر والإمارات وفرنسا وروسيا ظلت لسنوات تدعم حفتر في شرق ليبيا بالمال والسلاح والجيوش بزعم هدفهم الأسمى في ضرورة العمل لمصلحة الشعب الليبي، ولما حلت الكارثة وصارت درنة منطقة منكوبة ولحقت الأضرار الجسيمة بالشرق الليبي لم يرسلوا مالا ولا طعاما ولم يحركوا جيوشا.

وتمنى أنس العبيدي، أن يكون الليبيون قد عرفوا أن كل حكومات الدول لا تريد إلا لمصالحها من ليبيا وأنهم لن يجدوا أحدا يقف معهم إلا أبناءهم من مختلف بقاع ليبيا وأن هذه الدول سوف ترسل الذخائر والأسلحة في غمضة عين ليقتل الليبيين بعضهم بعضا لكن لن يفعلوا شيئا لإنقاذهم.

وتساءل هادي المدني: "أين الحكومات.. أين البعثة الأممية.. أين مصر وتركيا وروسيا وأمريكا وألا تخصصكم حروب وبس؟، قائلا: "والله أهلنا في درنة وضعهم تحت الصفر.. ناس غارقة وميتة وعالقة.. أطفال ونساء لا يوجد من ينقذهم.. الوضع في درنة أكبر من إمكانياتنا والله".

وأكد أحد المغردين، أن حجم الكارثة التي وقعت في ليبيا جراء إعصار دانيال المدمر يستدعي تدخلا دوليا طارئا وتلاحما عربيا كاملا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، متمنيا من الحكومات العربية تسخير  الوسائل والإمكانيات كافة لنجدة ليبيا على وجه السرعة لأن الوضع لا يحتمل مزيد من التأخير.

وكتب آخر: "لم نسمع همسا لجنرال المنطقة الشرقية خليفة حفتر ودرنة تستغيث، وكذلك مدن الجبل الأخضر جراء فيضانات ليبيا وسط صمت القبور العربي والإسلامي المطبق الذي ما كاد يتنفس جزائريا تجاه أهالينا في المغرب".

وأكد الصحفي هشام الشلوي، أن مدينة درنة تحتاج إلى تدخل دولي عاجل، مشيرا إلى أن عشرات العمارات والبيوت ومئات الجثث سقطت وانقطاع الطرق المؤدية للمدينة وفقدان الاتصال بالمدينة.