"مخاوف جيوسياسية".. لهذه الأسباب رفضت إندونيسيا الانضمام إلى مجموعة البريكس

12

طباعة

مشاركة

أثيرت الكثير من التكهنات عقب قمة بريكس الأخيرة التي عُقدت في مدينة جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا في 24 أغسطس/آب 2023، حول أسباب عدم انضمام إندونيسيا إلى هذا التكتل الاقتصادي.

وخلال القمة الخامسة عشرة لمجموعة "البريكس"، أُعلن رسميا انضمام الأرجنتين، ومصر، وإثيوبيا، وإيران، والسعودية والإمارات، إلى المجموعة.

ومن المقرر أن تدخل هذه العضوية حيز التنفيذ في الأول من يناير/ كانون الثاني 2024.

ويمثل هذا التوسع الثاني لمجموعة البريكس، منذ انضمام جنوب إفريقيا عام 2011، "الأكبر لها حتى الآن".

ونتيجة لذلك، فإن مجموعة "البريكس الخماسية"، التي ضمت في السابق كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، أصبحت تضم الآن 11 عضوا.

تكهنات عديدة

وقال مركز "انباوند للاستشارات" (Anbound Consulting) الصيني: "بصفتها دولة كبرى في جنوب شرق آسيا، والدولة الإسلامية الأكثر اكتظاظا بالسكان على مستوى العالم، حققت إندونيسيا إنجازات كبيرة في التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي في السنوات الأخيرة".

وأكد أنه "إذا انضمت إندونيسيا إلى مجموعة البريكس، فإن ذلك سيكون بمثابة دفعة كبيرة لهذه المنظمة متعددة الأطراف".

ويعتقد الباحثون في المركز أنه "نظرا للوضع الجيوسياسي المعقد الحالي في العالم، فإن انضمام إندونيسيا إلى مجموعة البريكس من عدمه، يعد حدثا مهما ومؤثرا".

وأفاد بأن "هناك تكهنات عديدة حول سبب عدم انضمام إندونيسيا إلى البريكس".

ووفق أحد التفسيرات، فإن إندونيسيا تقدمت بطلب العضوية، لكن الهند والبرازيل عارضتا ذلك؛ خوفا من أن تشكل هذه الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا تهديدا لوضعهما الجيوسياسي.

بينما أشار تفسير آخر إلى أن عدم انضمام إندونيسيا إلى مجموعة البريكس "مرتبط بالعلاقات الإندونيسية-الأميركية"، وذلك لأن البعض يعتقد أن البريكس "معادية للولايات المتحدة" وتسعى لإنهاء هيمنة الدولار، وحيث إن لجاكرتا ارتباطات عميقة مع واشنطن، فإن ذلك أفقدها الانضمام للمجموعة.

وأكد المركز الصيني أن "هذه التفسيرات هي مجرد تكهنات في نهاية المطاف"، منوها بأن "بإمكاننا اللجوء إلى وسائل الإعلام الإندونيسية والتصريحات الرسمية للحصول على رؤية أفضل لهذا الأمر".

ففي الرابع من سبتمبر/أيلول 2023، نشرت صحيفة "جاكرتا بوست" تقريرا لمركز الأبحاث الإندونيسي "إستراتيجيات تنجارا"، يحلل فيه الأسباب الكامنة وراء قرار إندونيسيا بعدم الانضمام إلى "البريكس" في الوقت الحالي.

وأشار المركز الإندونيسي في تحليله، إلى أن البلاد، نظرا لحجمها بصفتها الاقتصاد السادس عشر على مستوى العالم، فهي مؤهلة تماما للانضمام إلى البريكس.

علاوة على ذلك، تشترك إندونيسيا في العديد من الأهداف مع البريكس، بما في ذلك إنشاء نظام اقتصادي عالمي أكثر عدلا، وتقليل الاعتماد المفرط على الدولار.

وبحسب التقرير، فقد ناقشت الحكومة الإندونيسية إمكانية الانضمام إلى مجموعة "البريكس" في يوليو/تموز 2023.

ومع ذلك، عارضت كل من وزيرة الخارجية، ريتنو مرسودي، ووزيرة المالية سري مولياني هذه الفكرة، وفق المركز الصيني.

وأوضح أن بعض الوزراء يعتقدون أن "هناك غيابا للانسجام بين دول البريكس"، مشيرين إلى "صراعات مثل التوترات الحدودية بين الهند والصين".

كما رأوا أن الانضمام إلى المجموعة سيجعل إندونيسيا بجانب روسيا، وشعروا أن هذا يمثل "عبئا محتملا"، وقد يجعل بلادهم محسوبة على كتلة سياسية بعينها، وهو ما يتناقض مع تركيز جاكرتا على سياسة خارجية "حرة ونشطة".

ووفق المركز، فإن الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو، أكد ما أوردته تلك التقارير في بيان عقب قمة البريكس الأخيرة، في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس/آب 2023.

وفي معرض حديثه عن التقارير السابقة التي تشير إلى أن إندونيسيا سعت للحصول على عضوية البريكس لكنها لم تُقبل، ذكر الرئيس ويدودو أن بلاده "لم تتقدم بطلب للانضمام إلى البريكس".

وأفاد بأنه حضر القمة "لتعزيز التضامن بين الدول النامية في العالم، رغم أن إندونيسيا لم تعرب رسميا عن رغبتها في الانضمام".

مسار خاص

وأشار الباحثون في مركز الأبحاث الصيني، إلى أنه على خلاف موقف إندونيسيا الرافض للانضمام للبريكس، إلا أنها أعربت عن اهتمام وتوقعات كبيرة في الانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).

ووفقا للتحليل الذي أجراه المركز، فإن إندونيسيا "ترسم مسارها الخاص المتميز عن الاقتصادات الناشئة الأخرى".

وأضاف أن "الانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الوقت الحالي، يتماشى بشكل أفضل مع مصالحها الوطنية".

وتتكون منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من 38 دولة غنية، معظمها من العالم الغربي، وإذا نجحت إندونيسيا في الانضمام إليها، فإنها ستصبح العضو الآسيوي الثالث، بعد اليابان وكوريا الجنوبية.

"ومن الأهمية بمكان أن نلاحظ أن تطلعات إندونيسيا في هذا الصدد، توفر للدول الغربية المتقدمة نفوذا جديدا للتأثير عليها، من خلال ضمها إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، وفق المركز.

وتابع أنه "من وجهة نظر إندونيسيا، فإن قرارها الدبلوماسي برفض الانضمام إلى البريكس يتوافق مع مصالحها الوطنية وإستراتيجيتها الجيوسياسية".

واستطرد: "وبصفتها عملاقا ناميا في طور الصعود، يتعين على إندونيسيا أن تدرس خياراتها بعناية، في عصر يتسم بالمنافسة الجيوسياسية المتزايدة، وأن تعطي الأولوية لمصالحها الوطنية طويلة الأجل".

وقال المركز الصيني: "بعد توسع البريكس، بلغ إجمالي عدد سكان دولها 3.68 مليارات نسمة، وهو ما يشكل 46 بالمئة من إجمالي سكان العالم".

وتبلغ المساحة الإجمالية لتلك الدول 48.18 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل 36 بالمئة من مساحة أراضي دول العالم البالغ عددها 197 دولة.

وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لها 29.2 تريليون دولار، إذا ما أخذنا بإحصائيات عام 2022، وهو ما يمثل 29 بالمئة من الإجمالي العالمي.

وأردف المركز أنه "ومع ذلك، وحتى مع زيادة السكان والنفوذ الاقتصادي بعد التوسع، تظل البريكس منظمة متعددة الأطراف مع تركيز قوي على "التعاون بين بلدان الجنوب"، كما أن كل أعضائها من البلدان النامية، ولا يزال التأثير الاقتصادي لها على الدول الأعضاء "محدودا".

مخاوف جيوسياسية

علاوة على ذلك، فإنه في عالم تهيمن عليه الجغرافيا السياسية، فإنه حتى المنظمات متعددة الأطراف التي تهدف إلى البقاء على الحياد، لا تزال تحمل في طياتها تقديرات جيوسياسية بدرجات متفاوتة.

وفي هذا السياق، ورغم وجود العديد من الأهداف المشتركة مع البريكس، لا تزال لدى إندونيسيا بعض المخاوف من أن تتطور المجموعة إلى كتلة "موالية للشرق ومعادية للغرب" بقيادة الصين وروسيا.

بالإضافة إلى ذلك، تواجه كل دولة من الدول الأعضاء في البريكس تحديات اقتصادية كبيرة، وهناك شكوك حول إذا ما كانت الكتلة قادرة على دفع الإصلاح الاقتصادي عالميا، بحسب المركز الصيني.

وتابع: "يسلط قرار إندونيسيا الضوء على أنه حتى مع التوسع الكبير، فإن البريكس لا تزال تفتقر إلى التأثير العميق، وتظل جاذبيتها محدودة، حتى بالنسبة للدول النامية".

وأضاف: "ربما تواجه الصين، بصفتها عضوا مؤسسا في مجموعة البريكس، المزيد من التحديات، داخل الإطار الجيوسياسي والجغرافي الاقتصادي العالمي الذي تعمل فيه المجموعة".

وأوضح أنه "إذا كانت ترغب بكين في تعزيز نفوذ وجاذبية منظمة البريكس بشكل كبير، فقد تكون مهمتها هذه أكثر صعوبة وضبابية من التحديات التي تواجهها فيما يخص مبادرة الحزام والطريق".

واستطرد: "ونظرا لتحول الولايات المتحدة في أولويات الأمن القومي لديها، نحو احتواء صعود الصين، فمن المؤكد أن الأخيرة ستحقق أقصى استفادة من المنصات متعددة الأطراف والثنائية لمواجهة جهود الاحتواء هذه".

لكنه في الوقت نفسه، أكد المركز أنه "لا يمكن للصين أن تهدف إلى البقاء داخل معسكر البلدان النامية إلى الأبد، وأنه لا يمكنها التعامل حصرا مع (دول الجنوب العالمي) إلى أجل غير مسمى".

وشدد على أنه "يجب على الصين أن تسلك طريق الانفتاح والتعاون الدولي الواسع النطاق، لتتماشى مع اتجاهات التنمية التي تمثلها العولمة".