كيف تحولت فضيحة المنقوش إلى فرصة للجماعات المناهضة للدبيبة لاستعادة قوتهم
على إثر فضيحة اللقاء الإسرائيلي الليبي الأخير، تفجرت موجة عارمة من الغضب في ليبيا، وخرجت الجماهير في احتجاجات ضد حكومة الوحدة الوطنية وإسرائيل.
وجاء ذلك عقب إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين نهاية أغسطس/آب 2023 عن اجتماعه مع نظيرته الليبية نجلاء المنقوش في مدينة روما، رغم عدم وجود علاقات رسمية بين الجانبين، مبينا أنهما ناقشا سُبل التعاون المحتمل.
وهو ما دفع رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة لإيقافها عن العمل وإحالتها للتحقيق في 27 أغسطس.
أهمية فلسطين
وتحدث مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام) - التركي في مقال للكاتب فؤاد أمير شفقاتلي عن إدانة الجمهور الليبي لحكومة الدبيبة بهذا الشأن، وأشار أيضا إلى التوترات المتصاعدة في الجانب الإسرائيلي وردود فعل بعض الجهات الفاعلة بهذا الشأن.
وحين زادت الاحتجاجات وباتت تنتشر في جميع أنحاء البلاد، عزل الدبيبة وزيرة خارجيته، مدعيا أن الاجتماعات جرت دون علمه، ومؤكدا التزامه بالقضية الفلسطينية.
وبعد يوم واحد فقط، زار الدبيبة السفارة الفلسطينية في طرابلس في سبيل تخفيف الأجواء المتوترة.
وعلى عكس حكومات الخليج (كالإمارات العربية المتحدة والبحرين) وشمال إفريقيا (كالمغرب والسودان) ومحاولاتها إقامة اتصالات اقتصادية ودبلوماسية مع إسرائيل، فإن هذه الزيارة العاجلة لإزالة سوء الفهم توضح مدى قوة المشاعر المعادية لإسرائيل في ليبيا.
كما توضح زيارة الدبيبة للسفارة أيضا مدى تمسك وحساسية الرأي العام الليبي تجاه القضية الفلسطينية، وفق ما قال الكاتب.
وتطرق إلى الدراسة التي أجراها مركز الباروميتر العربي عام 2022، والتي تركزت حول النظرة العربية تجاه إسرائيل والتطبيع وموقفها من القضية الفلسطينية، مبينا أن "معاداة إسرائيل متمركزة في الأسس الاجتماعية في ليبيا".
وبناء على نتائج الاستطلاع، فقد دعم 7 بالمئة فقط من الليبيين تطبيع الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل، بينما أكدت أغلبية كبيرة أن القضية الفلسطينية ضمن أولوياتها.
ومن ناحية أخرى، صدر قانون في ليبيا عام 1957 مفاده أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل مخالف للدستور الليبي.
كما لم يتنازل الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي طوال الـ 42 سنة التي حكم فيها البلاد عن موقفه المناهض لإسرائيل، وأبقى القضية الفلسطينية على جدول أعمال السياسة الخارجية.
ويمكن القول إن لقاء كوهين بنجلاء المنقوش قوبل بإرادة قوية كافية لتغطية الديناميكيات الاجتماعية والسياسية.
إدانات ليبية
وشدد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي على موقف ليبيا الثابت من القضية الفلسطينية، مؤكدا رفض تطبيع دولته العلاقات مع إسرائيل، ومشيرا إلى أن بلاده لن تتجاوز الخطوط الحمراء في علاقاتها مع فلسطين.
وكان الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري وهو من بين المنادين بإقالة المنقوش، قد أشار إلى أن الحكومة قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء القانونية والوطنية والدينية. كما نشرت العديد من الأحزاب السياسية رسالة إدانة أيضا.
وفي حين كانت هذه التطورات تجرى على الساحة السياسية، ازدادت المظاهرات التي انطلقت في مختلف أنحاء ليبيا لتتحول إلى احتجاجات عنيفة.
وفي الاحتجاجات التي قادتها فصائل المعارضة المسلحة ضد حكومة الدبيبة في الغرب، جرى حرق إطارات السيارات والأعلام الإسرائيلية في مناطق الزاوية وتاجوراء والعاصمة طرابلس.
ونددت هذه الفصائل بالخطوة عبر شعارات مناهضة لإسرائيل كما استنكرت توجهات الوزيرة منقوش وحكومة الوحدة الوطنية.
ورأى الكاتب أن الاجتماع الذي عقد في روما تحول إلى أداة دعاية في أيدي المجموعات التي عمل الدبيبة على تصفيتها أخيرا.
ومن بين هذه المجموعات، انتقلت عائلة بو زريبة التي تشكلت في الزاوية إلى طرابلس للمشاركة في مظاهرات العاصمة. كما جاء العسكري السابق صلاح بادي إلى طرابلس بـ 600 عربة.
وبالمثل، دخل القائد العسكري السابق أسامة الجويلي إلى طرابلس مع المئات من المليشيات المسلحة.
وعلى عكس العناصر المسلحة في الغرب، امتنع قائد قوات المليشيات الشرقية خليفة حفتر عن تبني الفكر المناهض ضد إسرائيل.
ويرجح الكاتب أن السبب في ذلك هو العلاقات الوثيقة التي تربطه بإسرائيل والتي جرى إطلاقها في الماضي بالإضافة إلى الدعم المحتمل لها في المستقبل.
واختصر الأمر قائلا إن المظاهرات التي اندلعت باتت بمثابة فرصة سانحة للجماعات المناهضة لدبيبة ليستعيدوا قوتهم.
مقاربات خارجية
وضح الكاتب أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واجه بعض الصعوبات السياسية في بلاده كونه جزءا من هذه العملية الدبلوماسية.
ويرى أن نتنياهو كانت له أطماع في تحقيق انتصار نسبي في السياسية الخارجية بعد تطبيع العلاقات مع ليبيا.
وأوضح الكاتب أيضا وجهة النظر الإسرائيلية، حيث تشكل المحادثات مع مسؤول ليبي كبير نقطة تحول كبيرة في عملية التطبيع التي بدأتها الولايات المتحدة بإقامة علاقات دبلوماسية مع دول الشرق الأوسط.
لكن ولأن عملية التطبيع الإسرائيلية-الليبية قد تعطلت، فقد ألقي اللوم كلّه على كوهين، كما لاقى تصريحه للصحافة انتقادات عديدة من قبل العديد من السياسيين الإسرائيليين؛ كونه الشخص الذي أثار ردود الفعل في ليبيا.
ولاقى تسريب وسائل الإعلام العبرية للمحادثات بين الوزراء الإسرائيليين والليبيين ردودا غاضبة من إدارة واشنطن أيضا.
وذلك لأن العنف الدائر في مظاهرات الشوارع من وجهة نظر أصحاب القرار لن يعرض التقارب المحتمل مع ليبيا للخطر فحسب، بل قد يؤثر سلبا على عملية التطبيع مع إسرائيل والدول العربية الأخرى أيضا.
وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تخطط لعقد اتفاقية التطبيع بين ليبيا وإسرائيل طوال العامين الماضيين، بل وتولت دور الوساطة في هذا الاتجاه.
بل ويمكن تبرير زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز إلى طرابلس في فبراير/شباط 2023 كدليل على ذلك، وفق الكاتب.
وتطرق إلى الشائعات التي تفيد بأن بيرنز حاول في لقاءاته مع الدبيبة وضع الأساس لمسألة التطبيع مع إسرائيل وركز على هذه القضية.
كما تركز إيطاليا أيضا على تطوير دور الوسيط، انطلاقا من رغبتها في لعب دور فعال في السياسة الليبية.
وقال: "نتيجة لكل هذا، نجد أن مبادرات التطبيع الإسرائيلية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه عقبة اجتماعية قوية في ليبيا".
ومن شأن هذا الوضع أن يؤثر سلبا على مبادرات التطبيع التي بدأتها إسرائيل مع الدول العربية في جميع أنحاء المنطقة.
كما تحمل التطورات التي تحدث داخل ليبيا في طياتها بعض الرسائل، حيث يجب على رئيس الوزراء الدبيبة أن يتصرف بحذر أكبر في السياسة الخارجية من الآن فصاعدا.
وذلك لأن البنية السياسية والأمنية المجزأة في ليبيا تحول مثل هذه الاحتجاجات الاجتماعية إلى صراع من أجل الوجود مما يؤثر سلبا على حكم الدبيبة ويجعل من شرعية حكومته موضع شك.
وتشهد ليبيا أزمة صراع على السلطة بين حكومة عينها مجلس النواب مطلع عام 2022 وحكومة الدبيبة الذي يرفض التسليم إلا إلى حكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب، وحاولت الأطراف السياسية إجراء انتخابات أكثر من مرة دون أن تنجح في ذلك.