إفريقيا تساعد السيسي المأزوم.. هكذا انهارت مزاعم الريادة والقيادة
دأب الخطاب الدارج لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، على تصدير نفسه كزعيم إفريقي، يتحدث باسم القارة وعن طرق النهوض الاقتصادي بها، في وقت تثقل الديون كاهل نظامه.
وفي 16 يونيو/حزيران 2022، خلال كلمته أمام الاجتماع السنوي الإفريقي رقم "29" قال: "إن كنتم تصدقوني بحلم لإفريقيا والله.. هم ناس ومن حقها تعيش وتكبر وتحقق أحلامها وأحلام شبابها وتعيش في مكان تاني".
وأتبع: "يارب والله والله والله لو أعطيتني ما هسيب دولة إفريقية إلا وهساعدها"، وهو حديث السيسي يوحي أن القارة في حاجة إلى مساعدة، وأن نظامه المأزوم اقتصاديا، في حال تحسن أحواله سيساعدها".
لكن لغة الأرقام والديون تثبت العكس، فقد لجأت الحكومة المصرية إلى بنوك إفريقية واقترضت منها، على مدار سنوات حكم السيسي المثقلة بالأزمات الاقتصادية.
ديون بالجملة
كانت آخر الديون التي حصلت عليها القاهرة من إفريقيا، في 30 أغسطس/آب 2023، عندما وافق البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير "أفريكسيم" على قرض قيمته 400 مليون دولار لتمويل مشروع أسمدة فوسفاتية في مصر.
قبلها دخلت مصر في ثقب أسود من الديون لإفريقيا، ففي 22 مايو/أيار 2018 أعلنت الشركة المصرية للاتصالات (حكومية) عن توقيع اتفاق قرض بقيمة إجمالية 200 مليون دولار، مع بنك "أفريكسيم" أيضا.
وفي 30 سبتمبر/أيلول 2018 أعلنت وزارة الاستثمار الحصول على الشريحة الثالثة من قرض يموله البنك الإفريقي للتنمية، قيمتها 500 مليون دولار.
وقالت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي المصرية (آنذاك) سحر نصر: "إن هذا المبلغ يمثل قيمة الشريحة الأخيرة من تمويل (قرض) يبلغ إجمالي قيمته 1.5 مليار دولار، تم على مدار 3 سنوات".
وحصلت مصر على الشريحة الأولى من القرض بقيمة 500 مليون دولار في ديسمبر/كانون الأول 2015، ثم الثانية في مارس/آذار 2017.
وفي 19 يوليو/تموز 2020، حصلت مصر على مجموعة قروض من بنك "أفريكسيم" بلغت 3.55 مليارات دولار إضافة لنحو 300 مليون دولار من البنك ذاته للبنك الأهلي المصري (الحكومي).
وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وافق مجلس إدارة البنك الإفريقي للتنمية على قرض بقيمة 160 مليون دولار لفائدة بنك مصر من أجل تمويل الأعمال التجارية المصرية التي تستثمر في قطاعات الاقتصاد الرئيسة.
ورغم تلك الديون الهائلة لبنوك إفريقيا، يحرص السيسي على تصدير نفسه كمتحدث باسم القارة، وهو ما حدث في 28 يوليو/تموز 2023 خلال القمة الروسية الإفريقية.
وقتها طالب السيسي بضرورة الأخذ في الحسبان احتياجات الدول النامية في إفريقيا، ووجوب إيجاد أسعار عادلة للغذاء والأسمدة.
ذلك الحديث لم يعبر عن وضع مصر الحقيقي داخل القارة وهو ما أظهرته العديد من التقارير الدولية.
ومنها تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الصادر عن صندوق النقد الدولي، في أبريل/نيسان 2023، والذي أقر أن الديون الداخلية والخارجية لمصر تمثل نحو ربع ديون حكومات الدول الإفريقية.
وأشار التقرير إلى أن إجمالي ديون القارة بلغ 1.8 تريليون دولار بنهاية 2022. فيما تصدرت مصر القائمة بـ421 مليار دولار بنسبة 23 بالمئة من إجمالي الديون، بينما جاءت جنوب إفريقيا في المركز الثاني بديون 288 مليار دولار.
نقطة البداية
بدأت عملية الاستدانة من البنوك الإفريقية في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري الذي جرى في 3 يوليو/تموز 2013.
وقتها قدمت السعودية التي كانت من وكلاء الانقلاب، نفسها كضامن رسمي لمصر، ففي 30 ديسمبر 2013، أعطت الرياض ضمانة مالية بقيمة مليار دولار لصالح بنك التنمية الإفريقى لإتمام عمليات الإقراض مع حكومة حازم الببلاوي.
وكان بنك التنمية الإفريقي يتخوف من التوسع فى تمويل مصر نتيجة ارتفاع المخاطر بالسوق المحلية، مما يؤثر على تصنيفه الائتماني عالميا.
وفي 31 مايو 2020 أعلنت وزارة المالية المصرية عن حصول مصر على قرض جديد بقيمة 5 مليارات دولار عبر طرح سندات دولية، تصل آجال سدادها إلى 30 عاما.
وقتها أوضح أحمد كجوك نائب وزير المالية للسياسات المالية (آنذاك) أن الطرح هو أكبر قيمة طرح للسندات الدولية تقوم به دولة إفريقية على الإطلاق.
وعاد كجوك في 5 سبتمبر/أيلول 2023، ليؤكد أن المؤشرات الأولية تشير إلى وصول نسبة الدين لـ95 بالمئة من الناتج المحلي خلال العام المالي 2022 مقابل 78 بالمئة بالعام المالي السابق له.
جاء ذلك خلال جلسة تحت عنوان "بدائل خفض الدين العام وتعظيم الفائدة من الاقتراض الداخلي والخارجي" والتي تعقدها لجنة الدين العام وعجز الموازنة بالحوار الوطني.
وبحسب ما قالت وكالة "رويترز" البريطانية في 15 يوليو 2022، تمتلك الأرجنتين أكبر قدر من الديون وتأتي خلفها الإكوادور ومصر، ما يجعل الأخيرة ثالث أكبر الدول مديونية في العالم، وأكبر دولة إفريقية مثقلة بالديون.
الأثر السياسي
لا شك أن التراجع الاقتصادي الحاد لمصر وحاجتها إلى البنوك الإفريقية أثر على مكانتها ووضعها السياسي داخل القارة.
وهو ما تطرق له موقع "دويتشه فيله" الألماني في 10 سبتمبر 2020، قائلا إن "تراجع الدور المصري خلال السنوات الأخيرة في القارة الإفريقية دفع عددا من دولها إلى البحث عمن يسد الفراغ".
إذ كانت مصر تهيمن في عدة صناعات تكنولوجية في القارة، ولكن "غيابها مؤخرا، جعل الأعين تتوجه إلى إسرائيل".
وأضاف: أن "الغياب المصري في إفريقيا" كان لديه تأثير أيضا على قضية سد النهضة، إذ أن دولة مثل إثيوبيا لن تتمكن من مواجهة مصر وحدها دون الدعم الإسرائيلي.
وفي فبراير 2019 وخلال كلمة لها في ندوة "الاتحاد الإفريقي على خطى الاتحاد الأوروبي.. فرص وتحديات" والتي عقدت في القاهرة، حذرت السفيرة سعاد شلبي مساعد وزير الخارجية المصري آنذاك، وهي أيضا عضو لجنة الحكماء في الكوميسا بإفريقيا، من دور إسرائيلي في القارة على حساب الأمن القومي المصري.
وذكرت السفيرة شلبي: "أن إسرائيل تعمل جاهدة في الوقت الحالي على تقسيم إفريقيا، من خلال التلاعب بدول حوض النيل للضغط على مصر لتخضع لها".
الباحث السياسي المصري محمد ماهر، قال في حديثه لـ"الاستقلال" إن مصر ما زالت تتعامل مع إفريقيا على أساس التصورات القديمة، من أن القارة تابعة وفقيرة وأن مصر لها فضل عليها، كما فضلها على سائر الدول العربية.
وأوضح: "كما حدث مع الدول العربية وتحديدا الخليج، حيث أصبحت من الدول الرائدة في مجالات كثيرة، فإن هناك قوى إفريقية صاعدة بقوة وسيكون لها مستقبل باهر".
وبعضها قد يتخطى مصر بالفعل، مثل جنوب إفريقيا ورواندا وغينيا، وهناك دول غرب إفريقيا كالسنغال ونيجيريا، وجميعهم يعملون تحت غطاء المجموعة الاقتصادية (الإيكواس)، وفق ماهر.
وأضاف: "ناهيك عن المنافس الأشرس لمصر، وهي إثيوبيا التي لا تهدد القاهرة في النيل فقط، بل كمركز حيوي للتجارة والنقل والصناعة في وسط إفريقيا".
ورأى أن "هناك حركة قوية داخل القارة سيتغير معها المستقبل، بينما تسير مصر في ظل حكم السيسي نحو الهاوية".