بإشراف السيسي.. ماذا يعني تدريب جيش نظام مصر لـ"صدام حفتر" على القيادة؟
بعد تكتم شديد، كشفت تقارير إعلامية ليبية، أن "صدام" نجل قائد قوات شرق ليبيا، خليفة حفتر، والذي يجري ترشيحه بقوة لخلافة والده، استضافه جيش النظام المصري في دورة تدريبية عسكرية للقادة بالقاهرة.
وأكدت أن العميد صدام، رئيس العمليات بالقوات البرية يشارك في دورة تدريبية بمصر حول "القيادة والأركان" رفقة 20 ضابطا ليبيا، لمدة 4 أشهر تنتهي في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بحفلة تخرج كبيرة يحضرها رئيس النظام، عبد الفتاح السيسي.
تزامن هذا مع قيام وفد عسكري روسي رفيع المستوى بزيارة ليبيا في 23 أغسطس/ آب 2023، ولقاء قيادات من مليشيا حفتر، بحث معهم التعاون العسكري، في خطوة يرى ليبيون أنها "بالتنسيق مع القاهرة".
دلالات الحضور
محللون ليبيون وصفوا إضافة جيش النظام المصري نجل حفتر و20 من ضباطه لتدريبهم على القيادة العسكرية بأنه "ربما يكون أول دعم علني مصري مُعلن لخلافة صدام لأبيه حفتر، بسبب اعتلال صحته، وتدريبه لهذا الغرض على القيادة".
وعدوا ذلك "تدخلا مصريا واضحا، ورسالة لحكومة طرابلس" برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي دخلت في خلافات أخيرا مع نظام السيسي، ما استدعى إرسال وفد من المخابرات المصرية لتهدئة التوتر في مايو/أيار 2023.
خبير، فضل عدم ذكر اسمه، أبلغ "الاستقلال" أن "هذه الخطوة المصرية تعني إلقاء الأخيرة بثقلها علنا وراء دعم وتبني وريث حفتر وهو نجله صدام، بلا مواربة، خاصة أنه لا أفق واضحا لانتخابات ليبيا حسبما قال مبعوث الأمم المتحدة، عبد الله باتيلي".
ويرى الخبير أن "الأمر مؤشر على قلق مصري مما يجري في ليبيا، ومحاولة لدعم ترشيح صدام كوجه جديد بدل والده، في ظل تصاعد التوتر حول العملية السياسية، وصراعات المليشيات في طرابلس للسيطرة والنفوذ".
ودعم هذا الرأي منصات على "فيسبوك" موالية لحفتر، عدت حضور السيسي حفل تخرج صدام "يعني أن مصر تدعم صدام حفتر بشكل واضح".
ويقول نشطاء ليبيون أن صدام ربما يجري تجهيزه ليخلف الفريق عبد الرازق الناظوري الذي يشغل منصب رئيس أركان جيش حفتر، والذي عينه مجلس نواب طبرق في 24 أغسطس 2014، أو لخلافة والده.
وتصف مصادر مُقربة من صدام في بنغازي بأنه "الذراع الطويلة للإمارات في شرق ليبيا والزعيم الفعال للجيش منذ محاولة غزو طرابلس"، وفق موقع "مدى مصر" في 8 يونيو 2023.
ويأتي ذلك نتيجة تراجع دور والده بسبب تقدمه في السن وتدهور صحته، والتداعيات السياسية على قوات حفتر نتيجة حرب العاصمة.
ودعم نظاما مصر والإمارات مليشيا حفتر بالسلاح وشاركت في قصف خصومه بالطائرات خلال الفترة بين 2018 وحتى 2020، لكن القاهرة لم تعلن دعمها العسكري له بوضوح كما تفعل حاليا بدعم نجله عبر تدريبه عسكريا.
وبحسب موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 10 أغسطس/آب 2022، يمكن حسبان عائلة حفتر "بمثابة عائلة تجارية عسكرية".
ويخدم اثنان على الأقل من أبنائه، هما صدام وخالد، كضباط في جيشه الذي شكله شرق ليبيا.
أما صدام فهو إلى جانب كونه ذراعا عسكريا لأبيه فهو أشبه بـ"مبعوث دبلوماسي" لوالده خصوصا في الرحلات المتجهة إلى الإمارات وإسرائيل، بحسب تصريحات مصدر مطلع للموقع البريطاني.
بينما يعمل ابنه الرابع "بلقاسم" مستشارا سياسيا كبيرا لوالده، وابنه الخامس، المليونير "عقبة"، رجل مال وأعمال، فهو صاحب مجموعة " Eastern Brothers GroupLLC" (مجموعة الإخوة الشرقيين المحدودة)، تأسست عام 2014 في الولايات المتحدة.
ولأن "صدام" هو من يجري إعداده وتصعيده في المناصب العسكرية ويتولى ملف التواصل مع الغرب وإسرائيل، ترشحه الأوساط الليبية والأجنبية ليكون "خليفة أبيه" وربما مرشحه للرئاسة المقبلة.
نفي مصري
لكن الكاتب المتخصص في شؤون المغرب العربي والملف الليبي، علاء فاروق، أفاد بأن "الجيش المصري لم يضف أحدا"، مبينا أنها "دورة تنظم بشكل مستمر في أكاديمية التدريب التابعة للقوات المسلحة ويتم ترشيح مجموعات من ضباط عرب من قبل قواتهم المسلحة للمشاركة".
وقال فاروق لـ"الاستقلال" إن "هذا ما حدث مع صدام حفتر كونه مدير إدارة العمليات بالقوات البرية ويحمل رتبة عميد، من هنا جاءت مشاركته في دورة الأركان والقيادة".
وأوضح أن "هذه الخطوة تعني سياسيا سعي صدام للتهدئة مع الدولة المصرية بعد خلافات سابقة، ومحاولة تقديم نفسه بديلا عن والده، وإظهار أنه أكثر مرونة منه في التنسيق مع القاهرة".
أما عسكريا، فربما يريد (صدام) "الترقي سريعا خاصة أن الدورة تخص الأركان والقيادة، ويطمع في منصب عميد ركن أو لواء، لزيادة نفوذه وسيطرته داخل القيادة العامة للجيش"، وفق فاروق.
وكانت وكالة "نوفا" الإيطالية تحدثت في 15 يونيو/حزيران 2023 عن اتجاه العلاقات بين حفتر ونظام السيسي نحو التباعد بشكل متزايد وأكبر، منذ طرد قوات حفتر أربعة آلاف مهاجر مصري عبر الحدود الليبية المصرية سيرا على الأقدام.
وذكرت أن "من أسباب هذا التباعد طرد قوات حفتر أكثر من ألفين من المصريين المتواجدين بشكل قانوني على الأراضي الليبية، وتقديم قوات حفتر دعما عسكريا لقوات الجنرال السوداني، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد الدعم السريع، بينما مصر تدعم الجيش".
وأوضحت الوكالة أن "المصريين الذين طردهم حفتر كانوا يرسلون إلى عائلاتهم في مصر تحويلات بالعملة الأجنبية، لذا ما أغضب مصر ليس فقط الطابع الأمني لما جرى، ولكن تأثير ذلك عليها اقتصاديا أيضا، لأن مصر تواجه نقصا في السيولة".
ووجهت اتهامات لحفتر بإبرام اتفاق مع إيطاليا ودول غربية لمنع المهاجرين من ليبيا إلى أوروبا حيث يعاني من ضائقة مالية متزايدة وخسر رهانه على منافسه السابق فتحي باشاغا.
ونقلت وكالة "نوفا" عن المحلل جلال حرشاوي أن "رئيس المخابرات المصرية، اللواء عباس كامل، طلب خلال زيارة لشرق بنغازي في يونيو 2023 من حفتر عدم الترشح للانتخابات وألا يكون عدوانيا تجاه لجنة 6+6".
ولجنة "6+6" المشكلة من مجلسي النواب والدولة الليبيين، أصدرت في 6 يونيو/ حزيران 2023، القوانين التي ستجرى عبرها الانتخابات المنتظرة، إلا أن بعض بنودها يلاقي معارضة من أحزاب وأعضاء بالمجلسين وسط إصرار اللجنة على أن قوانينها "نهائية ونافذة".
وفي 18 يناير/كانون الثاني 2023 أكد الكاتب إيغور سوبوتين في تقرير نشرته صحيفة "نيزافيسيمايا" الروسية، أن "حفتر، الذي حاول الجانب الروسي الاعتماد عليه، مستعد للتنازل بالفعل عن ترشحه لرئاسة ليبيا لصالح أبنائه".
وذكر الكاتب أن "المفاوضات التي انعقدت بمصر في 9 يناير 2023 بين الثلاثي حفتر ورئيس برلمان طبرق عقيله صالح ورئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، كشفت عن عدم اهتمام الأول بالترشح للرئاسة، وأن هذا قد يُعجل بتحول شرق ليبيا إلى طرف موال للغرب".
وأكدت مصادر ليبية لـ"الاستقلال" أن "تسريبات كواليس لقاء حفتر مع مدير المخابرات الأميركي، وليام بيرنز، ومن قبله لقاؤه في القاهرة 9 يناير 2023 مع المنفي، أظهرت رغبة حفتر في التقاعد لصالح أحد أبنائه، وعدم ترشيح نفسه".
وأكدت أن "شعور حفتر أن عهده اقترب من نهايته لمعاناته من أزمة صحية، وشعوره برفض الليبيين له وتخلي دول مؤيده له عنه، جعله يفكر في أن يهيئ نجله صدام ليخلفه ويتولى زمام الأمور، رغم أنه مرفوض شعبيا أيضا".
وأوضحت أن "حفتر طلب من شركائه في شرق ليبيا، ومن عقيلة صالح والمنفي، خلال لقاء القاهرة في يناير 2023، دعم نجله صدام لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة بدلا منه، ما يشير إلى تنازله عن ترشحه للرئاسة مقابل توريث نجله".
ترتيبات انتخابية
وفي 19 أغسطس/آب 2023، التقى المنفي وعقيلة صالح وحفتر في مدينة بنغازي، للترتيب للانتخابات وانتقاد تدخل الأمم المتحدة.
وأكد الثلاثة في بيان مشترك على "تولي مجلس النواب اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة باعتماد القوانين الانتخابية المحالة إليه من لجنة (6+6) بعد استكمال أعمالها واجتماعاتها لوضعها موضع التنفيذ"، كرد على تدخل مبعوث الأمم المتحدة.
ورحبت وزارة الخارجية المصرية، في 20 أغسطس 2023 بهذا البيان الليبي المشترك، وثمنت ما تضمنه البيان من "تأكيد على الملكية الوطنية لأي مسار سياسي وحوار وطني ليبي".
كما رحبت بتولي مجلس النواب ممارسة صلاحياته في اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة باعتماد القوانين الانتخابية التي تمت إحالتها إليه من لجنة (6+6) بعد استكمال أعمالها.
وأيدت مصر دعوة الأطراف الثلاثة لرئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لعدم اتخاذ أي خطوات منفردة لها علاقة بالمسار السياسي الليبي.
ويتهم ليبيون قوى دولية والمبعوث الأممي باتيلي بأنهم سبب في استمرار الأزمة الحالية وزيادة تعقيد المشهد السياسي، حسبما قال المحلل السياسي، عبد الوهاب البسيكري، لقناة "فبراير" الليبية في 21 أغسطس 2023.
وخلال إحاطة باتيلي أمام جلسة مجلس الأمن الدولي حول ليبيا في 22 أغسطس 2023، قام بـ"تعنيف كل السياسيين الليبيين".
وقال إن الليبيين يتطلعون إلى مؤسسات موحدة للحفاظ على وحدة البلاد وهويتها الوطنية، وتشكيل "حكومة موحدة" يتفق عليها الفاعلون الرئيسون، أمر ضروري لقيادة ليبيا إلى مرحلة إجراء الانتخابات، وهو ما ترفضه حكومة طرابلس.
وقصد باتيلي بذلك وجود خلافات تتمثل في صراع بين حكومة عينها مجلس النواب مطلع 2022 وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يعينها برلمان جديد منتخب.
وخلال مؤتمر صحفي في 23 أغسطس 2023، قال المبعوث الأممي: "لا نستطيع حاليا تحديد موعد لإجراء الانتخابات، ولكننا متفائلون ونعمل مع جميع الفرقاء للتوصل إلى اتفاق سياسي شامل".
وحول قوانين الانتخابات، أعرب عن أمله "أن يقوم مجلسا النواب والدولة خلال الأسابيع القادمة، وبالتعاون مع لجنة 6+6 بإعادة النظر في أوجه القصور في القوانين الانتخابية التي يجب تعديل بعض النقاط فيها".
وحول زيارة نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يوفقورف، لليبيا، يرى الكاتب علاء فاروق أنها "تأتي في إطار إعادة الرهان والدعم لحفتر وربما للتنسيق للتخلص من مرتزقة فاغنر، بعدما بدأ حفتر في محاربة المرتزقة الأفارقة في جنوب ليبيا".
وكان لقاء نائب وزير الدفاع الروسي، في 22 أغسطس 2023، مع قيادات بمليشيا حفتر شرق ليبيا، بحجة التعاون والتنسيق العسكري بين الطرفين، وبالتوازي مع تصعيد دور صدام حفتر، "أمرا ملفتا".
محللون ليبيون تساءلوا عن "الامتياز" الذي سيقدمه الوفد الروسي لخليفة حفتر؟ وما هدف اللقاء؟.
وكانت موسكو دعمت حفتر عبر إرسال مرتزقة روس ينتمون للشركة الخاصة "فاغنر" إلى ليبيا، كما زودته بقطع مدفعية ودبابات وطائرات بلا طيار وذخائر، وفقا لصحيفة "تليغراف" البريطانية، ووكالة الأنباء الفرنسية في 19 أبريل 2019.