آخرهم زعيم فاغنر.. هذه قصة 14 معارضا لبوتين قتلوا في "ظروف غامضة"
رغم محاولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رثاء مساعده السابق زعيم مجموعة "فاغنر"، يفغيني بريغوجين، لم يستطع كتمان غضبه عليه، ما عده مراقبون "تلميحا ضمنيا مُتعمدا" بأنه وراء قتله.
ويرى متابعون أن هذا التلميح رسالة لردع خصوم بوتين واستعادة هيبته التي هزها بريغوجين حين تمرد عليه في محاولة للزحف نحو موسكو ثم تراجع في يونيو/حزيران 2023.
ومع أن بوتين أعلن العفو عن زعيم المرتزقة وقواته عقب التراجع عن تمرده بعد 24 ساعة، ودون أن يحال إلى المحاكمة أو يُسجن، عاد بريغوجين إلى روسيا.
وفي الأيام التي تلت التمرد، استقبل بوتين "طباخه" بريغوجين في الكرملين، ما أثار الغموض والتساؤل عما جرى في هذا اللقاء، وهل قرر بوتين بعدها اغتياله.
المفارقة أن إعلان روسيا رسميا عن مقتل زعيم فاغنر، في 24 أغسطس 2023 جراء تحطم الطائرة، جاء ليكشف عن قائمة طويلة من خصوم بوتين، الذين تخلص منهم منذ بداية غزو أوكرانيا فقط، في 24 فبراير/شباط 2022.
"الاستقلال" رصدت 13 شخصية روسية مختلفة عسكرية وسياسية واقتصادية تخلص منها بوتين، انضم إليها بريغوجين ليصبح رقم 14 في قائمة كانوا مقربين من دائرة بوتين، قتلوا بطريقة مشكوك فيها.
ضحايا بوتين
النهايات الغامضة التي نالت هذه الشخصيات، دفعت وسائل إعلام غربية إلى شكوك حول أسباب مقتل هؤلاء المقربين من حاكم الكرملين.
وحين بدأت قائمة ضحايا بوتين تزيد، تساءلت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في 27 ديسمبر/كانون الأول 2022، إن كانت وفاة العديد من الأوليغارش الروس (النخبة الحاكمة) في ظروف غريبة منذ بداية الغزو الروسي "صدفة".
وكان أول ضحايا بوتين من الوفيات الغامضة، ليونيد شولمان، الرئيس التنفيذي لشركة "غازبروم"، وهي شركة روسية معروفة باستخراج ومعالجة ونقل الغاز الطبيعي، وقيل إنه "انتحر!".
وتوفي في 30 يناير/كانون الثاني 2022، قبل أقل من شهر بقليل من إطلاق بوتين، عملية غزو أوكرانيا عسكريا، وتم العثور على جثته في حمام كوخه، في منطقة سانت بطرسبرغ، وبجانبها "رسالة انتحار"، وتردد أنه عارض فكرة الحرب آنذاك.
وفي 25 فبراير 2022 (اليوم التالي لغزو أوكرانيا) توفي مسؤول تنفيذي ثان في شركة غازبروم فجأة، وهو ألكسندر تيولياكوف، المدير المالي للشركة، تم العثور عليه مشنوقا في مرآب منزله قرب مدينة سانت بطرسبرغ.
لم يعلن السبب، لكن بينما كان الأطباء الشرعيون يحللون سبب انتحاره المزعوم، حضرت عدة سيارات كبيرة تابعة لجهاز الأمن في غازبروم، وقاموا بطرد الشرطة وطوقوا مسرح الجريمة، وفق صحيفة "نوفايا غازيتا" المعارضة، ما أثار الشكوك.
لاحقا في 24 مارس 2022، تم العثور أيضا على الملياردير، فاسيلي ميلنيكوف، منتحرا في شقته في مدينة نوفغورود غرب روسيا، كما تم العثور على جثث زوجته وطفليه، مذبوحين بسكين، وتم تلفيق الواقعة على أنه هو الذي قتلهم ثم انتحر!
ونفى جيرانه وأقاربه الذين قابلتهم صحيفة "كوميرسانت" المحلية هذه الرواية مؤكدين أنهم كانوا عائلة موحدة وليس بينهم مشاكل، ما يشير إلى طرف ثالث.
وأثيرت نفس الشبهات حين تم العثور على رابع قتيل وهو نائب الرئيس السابق لشركة غازبروم بنك، فلاديسلاف أفاييف، في شقته بموسكو، بجانب جثتي زوجته الحامل وابنته البالغة من العمر 13 عاما، وعليها آثار الرصاص في 18 أبريل 2022.
وكان أيضا مسؤولا كبيرا سابقا في الكرملين ومجلس الدوما، ما أثار شكوك المقربين منه بشأن من قتله، رغم أن الرواية الرسمية للمحققين، جاءت أنه قتل عائلته قبل أن يقتل نفسه.
لكن أحد الجيران قال لمجلة "نيوزويك" الأميركية في 27 أبريل 2022 إنه لا يصدق ذلك، "لم يكن لديه سبب للقيام بذلك، ربما قتلوا".
تكرر الأمر في 19 أبريل 2022، حين تم العثور على الملياردير الروسي، سيرغي بروتوسيني، وزوجته وابنته البالغة من العمر 18 عاما ميتين في منزل بمنتجع يوريت دي مار في إسبانيا، حيث كانوا يقضون إجازتهم، ليصبح خامس قتيل بطريقة مشبوهة.
المفارقة هذه المرة أن الملياردير كان معلقا على شجرة في حديقة فيلته ليبدو أنه شنق نفسه، بينما تم العثور على زوجته وابنته مقتولتين طعنا، وتم العثور على فأس ملطخة بالدماء وسكين في مكان الحادث.
وكالعادة قال المحققون الروس إن رجل الأعمال قتل زوجته وابنته أثناء نومهما ثم انتحر، وفق وسائل إعلام محلية.
مزيد من الضحايا
وفي 4 يوليو/ تموز 2022، عُثر على القتيل السادس وهو رجل الأعمال، يوري فورونوف، وكان يرأس شريكة لمجموعة غازبروم، ميتا في حمام السباحة بمقر إقامته في سانت بطرسبرغ، برصاصة في الرأس.
وتم العثور على البندقية في قاع البركة، ولم يتمكن المحققون من تحديد ما إذا كان انتحارا أم اغتيالا، في حين ركز تحقيق اللجنة على نزاع "مع شركاء تجاريين"، فيما تعتقد أرملته أنه تعرض للخداع من قبل "متعاونين" وقتل.
وفي 19 مايو/أيار 2022 توفي السابع "ألكسندر سوبوتين"، وهو مسؤول تنفيذي كبير سابق في مجموعة النفط الروسية "لوك أويل"، أكبر منتج للنفط في روسيا، "بطريقة غريبة مسموما".
وقيل في أسباب وفاته أنه ذهب مخمورا إلى ساحر يعرفه يُدعى ماغوا فلوريس في ضواحي موسكو، وشق الساحر جلده لصب سم الضفدع فيه، فأصيب بنوبة قلبية ومات، وفق ما نقلت صحيفة "لوفيغارو" عن التحقيقات الروسية.
أيضا قُتل مدير شركة تنمية الشرق الأقصى والقطب الشمالي الروسية، إيفان بيتشورين، في 10 سبتمبر/ أيلول 2022 بعدما تم تكليفه من قبل بوتين لتحسين موارد الطاقة والتعدين في شرق روسيا، لمواجهة العقوبات الدولية منذ الحرب في أوكرانيا.
وقيل إنه تم العثور على جثة الضحية الثامن في بحر اليابان، شرق روسيا، وأنه سقط في البحر من مركب شراعي ولم يستطع السباحة، وفق صحيفة "ديلي ميل" الريطانية في 13 سبتمبر 2022، فيما قالت وسائل الإعلام الروسية إنه "كان مخمورا وسقط في الماء".
الضحية التاسع هو الخبير والعالم البارز في مجال الطيران، أناتولي جيراشينكو، وتوفي في 21 سبتمبر 2022، في ظروف مريبة، وفقا لـ"معهد موسكو"الذي كان يعمل به.
وذكرت صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس"، وهي صحيفة شعبية روسية، إنه توفي في حادث، وسقط من درج لم يتم تثبيت أجزائه خلال زيارته لموقع بناء.
وفي 9 ديسمبر 2022 قتل أيضا "ديمتري زيلينوف" وهو قطب عقارات روسي، في منتصف الليل بعد عشاء مع أصدقائه وقيل إنه أصيب بدوار على الدرج فسقط وارتطمت رأسه بشيء ثقيل ومات، لكن وفقا لصحف إيطالية، كان زيلينوف أحد منتقدي الغزو الروسي لأوكرانيا، ليصبح الضحية العاشرة.
أيضا في 25 ديسمبر 2022، عُثر على "بافل أنتوف"، وهو سياسي روسي وعضو في حزب روسيا المتحدة الذي يتزعمه بوتين، بعدما انتقد غزو أوكرانيا، ميتا بعد ادعاء سقوطه من نافذة في الهند.
وقال القنصل العام الروسي في مدينة كولكاتا، أليكسي إيدامكين، لوكالة "تاس" الرسمية إن أنتوف (65 عاما) "سقط" من نافذة وأنه لا يشتبه في حادث اغتيال، ليصبح الضحية رقم 11.
وفي ديسمبر 2022، ذكرت مجلة "نيوزويك" أن شخصا آخر هو "رافيل ماغانوف"، رئيس شركة النفط الروسية العملاقة "لوك أويل"، ثاني أكبر منتج للنفط في البلاد، عثر عليه ميتا بعد سقوطه من نافذة مستشفى في موسكو، ليكون الضحية الـ12.
وقالت إن الظروف المحيطة بسقوطه غير مفهومة، وذكرت وكالة "إنترفاكس" الروسية للأنباء أنه "سقط من نافذة في المستشفى المركزي وتوفي متأثرا بجروح أصيب بها إثر السقوط، رغم أنه لم يعرف سبب وجود ماغانوف في المستشفى من الأصل!".
لكن مجلس إدارة "لوك أويل" الذي يعمل فيها ماغانوف، كان قد أصدر بيانا، في مارس 2022، أعرب فيه عن "مخاوفه العميقة بشأن الأحداث المأساوية في أوكرانيا"، ودعا إلى "إنهاء النزاع المسلح في أقرب وقت ممكن بالمفاوضات"، ما يبين سبب قتله.
وروت مجلة "نيوز ويك" الأميركية قضية أخرى لـ"مارينا يانكينا" وهي مسؤولة دفاعية روسية، وجدت ميتة بعد سقوطها من نافذة في سانت بطرسبرغ، وفقا لتقارير وسائل الإعلام المحلية، وهي الضحية رقم 13.
وكانت يانكينا ترأس قسم الدعم المالي بوزارة الدفاع في المنطقة العسكرية الغربية في سانت بطرسبرغ، وعثرت الشرطة على جثتها تحت نوافذ مبنى شاهق في حي كالينينسكي في سانت بطرسبرغ، وتم الزعم أنها انتحرت.
لماذا قتله؟
عندما أطلق زعيم شركة المرتزقة "فاغنر" بريغوجين تمرده المسلح الذي تحدى به الكرملين بسبب خسائره في أوكرانيا لخذلان قادة موسكو قواته، توقع المسؤولون الغربيون أن يسعى بوتين للانتقام من الزعيم المرتزق.
وبعد مرور شهرين على العملية التي وصفها بوتين بأنها "طعنة في الظهر" و"خيانة"، يبدو أن هذه التوقعات، تحققت بالفعل، بطريقة وحشية مقصودة تنطوي على رسالة تهديد لغيره من معارضي "جزار" الكرملين.
وبحسب وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية في 24 أغسطس 2023، كانت الرسالة واضحة: "كل من يجرؤ على معارضة الكرملين سيهلك".
وقال الخبير السياسي المؤيد للكرملين، أليكسي موخين، إن تحطيم الطائرة أعطى بوتين "هالة شيطانية لن يتمكن خصومه من تجاهلها".
وأشار إلى أن "أعداء الكرملين في الخارج سيشعرون بشكل متزايد بعدم الأمان".
ولم يكتف بوتين في هذه العملية بقتل جزار فاغنر الذي قتل بدوره المئات في ليبيا وإفريقيا وأوكرانيا وغيرها، بل قتل معه خيرة شركائه، ومنهم ديمتري أوتكين، ضابط المخابرات العسكرية السابق الذي أدار عمليات فاغنر، وفاليري تشيكالوف، رئيس الأمن فيها.
وقالت الباحثة في "معهد كارنيغي روسيا-أوراسيا"، تاتيانا ستانوفايا، إن "هناك الكثير من الأسباب جعلت بوتين، يرغب في التخلص من قائد مجموعة فاغنر، بريغوجين".
وأوضحت لمجلة "فورين أفيرز" في 23 أغسطس 2023، أن "بوتين كان مهتما بأن يتم تحييد من تجرأ بتنظيم تمرد ضده".
وشددت على أنه "حتى ولو حاول بوتين تصوير الأمر مجرد حادث، فإن النخب الروسية وكبار المسؤولين سينظرون إليه باعتباره عملا انتقاميا".
طابع انتقامي
وقال موقع "إنتر بريتر" الأسترالي في 24 أغسطس 2023 إن "ما حدث، يُظهر أن سياسات القوة تظل سمة مميزة لروسيا في عهد بوتين، كما وضح في التجارب السابقة، وعقاب المخالفين بشكل كبير".
وأوضح أن "قتل بريغويجن هدفه منع منافسة أحد لبوتين، وقد تؤدي إلى استقرار السياسة الروسية لبعض الوقت، لكنها قد لا تمنع إيقاف مسار بوتين الهبوطي".
ودعا الموقع إلى "الانتباه إلى أن بوتين قدم ضمانات شخصية وعلنية لبريغوجين بشأن سلامته، وستكون هذه الحادثة بمثابة تذكير بأن وعود الرئيس لا يمكن الوثوق بها".
ورجحت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية في 23 أغسطس 2023 أن يؤدي مقتل بريغوجين إلى تعزيز سلطة بوتين، لكنه في الوقت ذاته قد يتسبب في تقويض فكرة أن روسيا تعمل "كدولة طبيعية".
وأوضحت أن قتل بريغوجين "سيعزز صورة بوتين كرجل قوي ذي طابع انتقامي، مستعد لتجاوز القانون من أجل الوصول لأهدافه واغتيال كل من يقف في طريقه، من أجل إخافة المعارضين المحتملين".
ونقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 25 أغسطس/آب 2023 عن بعض محلليها قولهم إن "مقتل بريغوجين عزز قوة بوتين، لكنه وضعه أمام مشكلة اختيار قائد جديد لها".
وفي حديث للصحيفة، قالت الباحثة بـ"معهد واشنطن"، والخبيرة بالشأن الروسي، آنا بيروفيسكايا، إنه بدون بريغوجين، فإن فاغنر "لا شيء"، لكن "موسكو استثمرت كثيرا في هذه المجموعة ولن تدمرها".
وبحسب مسؤولين أميركيين وغربيين تحدثوا لوكالة "أسوشيتد برس" في 25 أغسطس 2023 خلص تقرير أولي من الاستخبارات الأميركية إلى أن تحطم الطائرة التي كانت تقل زعيم فاغنر "كان نتيجة تفجير متعمد".
I’m Putin my money on this not being an accident.#Prigozhin #Wagner #WagnerGroup #Putin #Russia #UkraineRussianWar pic.twitter.com/TTkpxgfipg
— ∼Marietta (@MariettaDaviz) August 23, 2023
وقال أحد هؤلاء المسؤولين إن التفجير يتوافق مع "تاريخ بوتين الطويل من محاولة إسكات معارضيه"، لكن لم يقدم المسؤولون أي تفاصيل حول التفجير للانتقام من تمرد تحدي سلطة الرئيس الروسي.
أيضا قال مسؤولان أميركيان، تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما، لوكالة "رويترز" البريطانية في 24 أغسطس 2023 إن "من المحتمل أن تكون الطائرة قد أسقطت بعد إصابتها بصاروخ أرض-جو انطلق من داخل روسيا".
بالمقابل، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 24 أغسطس 2023 أن الطائرة "ربما سقطت نتيجة انفجار قنبلة كانت على متنها أو بسبب عمل تخريبي من نوع آخر".
المصادر
- Wagner plane crash seems intended to send a clear message to potential Kremlin foes
- Why Putin Wanted Prigozhin Dead
- Yevgeny Prigozhin’s reported death may consolidate Putin’s power
- Prigozhin is dead, but Putin is still weakened
- Guerre en Ukraine : qui sont les opposants russes morts mystérieusement?
- قبل بريغوجين.. روس مقربون من بوتين قضوا في "ظروف غامضة"