إسرائيل تخنق عرب 48 ماليا وبن غفير يعد مليشياته لمواجهتهم.. ما القصة؟

12

طباعة

مشاركة

تستعر الحرب الإسرائيلية على فلسطينيي الداخل المحتل، في عهد حكومة اليمين الأكثر تطرفا في تاريخ الاحتلال، لتشمل طرق التضييق كافة أمنيا وسياسيا واقتصاديا.

وبعد نشر الجريمة والفلتان الأمني، وإقصاء الصوت السياسي لفلسطينيي الداخل، توجهت إسرائيل لخطوات اقتصادية؛ من شأنها إحداث انهيار في الخدمات في المجتمع العربي في الداخل.

وترى إسرائيل أن فلسطينيي الداخل يمثلون خطرا عليها، خصوصا بعد أحداث "هبة الكرامة" في مايو / أيار 2021، حيث أربك تحركهم الجبهة الداخلية للاحتلال، ومن بعدها اشتدت الحملات الأمنية والسياسية وأخيرا الاقتصادية ضدهم. 

وكان مئات الشبّان من فلسطينيي الداخل قد اعتُقلوا على خلفية "هبّة الكرامة" في مايو/ أيار 2021، عندما خرجوا في تظاهرات تضامناً مع القدس والمسجد الأقصى وقطاع غزة، ورفضاً لعمليات التطهير العرقي في حي الشيخ الجرّاح.

حرب مالية

وفي أحدث صور الحرب ضد فلسطيني الداخل، قرر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، تجميد "هبات موازنة" تقدر بـ 300 مليون شيكل أي نحو 79.1 مليون دولار مخصصة للسلطات المحلية العربية.

 وتجميد ميزانية تقدر بـ200 مليون شيكل، أي 52.7 مليون دولار، لتشجيع اندماج الفلسطينيين من سكان القدس المحتلة، في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.

وتحصل السلطات المحلية العربية على ميزانيات بشكل دوري، من ميزانية دولة الاحتلال التي يساهم فيها دافعو الضرائب الفلسطينيين في الداخل المحتل بشكل أساسي.

ورغم تساوي الضرائب بين اليهود والفلسطينيين إلا أن ميزانية اليهود تفوق ميزانية العرب بـ 3 أو 4 أضعاف، حسب تقرير لموقع عرب 48.

وبحسب إحصاء رسمي عام 2022، بلغ عدد اليهود من سكان دولة الاحتلال 7.1 ملايين مقابل 2 مليون عربي فلسطيني لازالوا مقيمين في أرضهم.

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد مددت في مايو/ أيار 2023، ميزانية بقيمة 564 مليون دولار تستهدف التعليم والخدمات، أقرت في عهد الحكومة السابقة تحت ولاية رئيسي الوزراء بالتناوب نفتالي بينيت، ويائير لابيد، ولكن سموتريتش جمد جزءا منها.

وتتبع اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ ﻓﻲ دولة الاحتلال من ناحية إدارية لوزارة الداخلية، وهناك 3 أﻧﻮاع ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ، (اﻟﺒﻠﺪﻳﺎت والمجالس المحلية والمجالس الإقليمية).

ومن أصل 67 بلدية، توجد 13 ﺑﻠﺪية ﻋﺮﺑﻴﺔ، و54 ﻳﻬﻮدﻳﺔ، أما اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ فعددها 149، ﻣﻨﻬﺎ 72 مجلسا ﻋﺮﺑﻴﺎ و77 ﻳﻬﻮدﻳﺎ، واﻟﻤﺠﺎﻟﺲ اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ وعددها 53، ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺠﻠﺲ إﻗﻠﻴﻤﻲ ﻋﺮﺑﻲ واﺣﺪ، و52 ﻳﻬﻮدﻳﺎ.

وفي مؤتمر صحفي عقده سموتريتش، في 8 أغسطس / آب، 2023، شدد على عزمه تجميد الميزانيات، مدعيا أنها ستكون موجهة لمنظمات "إجرامية وإرهابية".

 وقال: "أعلن أنني لن أسمح تحت أي ظرف من الظروف بتحويل الأموال المذكورة، إلا من خلال آليات واضحة تضمن وصولها إلى وجهتها، وليس إلى المنظمات الإجرامية، ودون أن يتضح بشكل قاطع أنها لا تذهب لتمويل التحريض، والتشجيع على الإرهاب".

من جانبها، قالت هيئة البث العام الإسرائيلية، خلال تقرير لها نشرته في 8 أغسطس، إن سموتريتش "عقد مؤتمرا صحافيا للكذب على الجمهور"، وأوضحت أنها علمت من مصادر لها بأن وزير المالية شدد خلال محادثات مغلقة على أن قراره بشأن تجميد الميزانيات "نهائي ولا رجعة فيه".

تصفية متعمدة

وتعليقا على ذلك، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور حاتم أبو زايدة، إن قرار حكومة الاحتلال منع ميزانيات البلدات العربية يأتي ضمن برنامجها ضد الفلسطينيين في أماكن وجودهم كافة، وعلى رأسهم فلسطينيو الداخل المحتل.

وهذه الحكومة التي تقودها الأحزاب الدينية الخلاصية المتطرفة هدفها تصفية الوجود الفلسطيني وحسم الصراع.

وأضاف لـ"الاستقلال": "قرار منع الميزانيات اتخذه رئيس حركة الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش، الذي يعد فلسطينيي الداخل تهديدا وجوديا لدولة الاحتلال، والذي تعهد بتهجيرهم خارج فلسطين، وهو الآن يطبق هذا التعهد بشكل واضح وعلني". 

وشدد أبو زايدة على أن النوايا كانت واضحة بعد أن منح نتنياهو وزارة النقب والجليل التي تشرف على مدن الوجود الفلسطيني، لحركة القوة اليهودية التي يرأسها إيتمار بن غفير، ومنذ اللحظة الأولى بدأ بسلسلة عقوبات ومنع الخدمات، تحت ذريعة أنهم "لا يخدمون بجيش الاحتلال".

وتابع: "البرنامج الانتخابي لبن غفير و سموتريتش كان يكتظ بالوعود بتهجير الفلسطينيين، ومن الواضح أنهم متمسكون بهذه الوعود، ويوظفون قوتهم في الحكومة لتحقيق هذه الغاية، ولهذا الهدف تبريراته الدينية اليهودية من قبل حاخامات الاحتلال".

وأكد أبو زايدة، أنه بعد سن قانون القومية اليهودية بدأت موجة أكبر من التمييز العنصري وسلب حقوق الفلسطينيين في الداخل المحتل، بتقرير أن هذه الدولة فقط لليهود، وعلى هذا الأساس تسن القوانين العنصرية ضد فلسطينيي الداخل وكل من ليس يهوديا، وهذا يشكل مبررا قانونيا كافيا للحملات العدائية ضدهم.

وأوضح أن إسرائيل تعتمد أسلوب مشاغلة فلسطينيي الداخل، حيث تعمل على تشجيع الجريمة المنظمة في مناطقهم، رغم قدرتها على إنهائها بشكل كامل، ولكنها تتعمد تركها بل وإشعالها، من خلال نشر السلاح، بحيث يبقى الجميع خائفا على حياته من جاره أو ابن بلده، وعدم التفكير بالقضايا الوطنية.

 وضمن سياسة إسرائيل وضع حد لعدد فلسطينيي الداخل المتنامي بسرعة، وذلك عن طريق إشاعة الفقر، حيث قال أبو زايدة: "تستخدم الحكومة الإسرائيلية الحرمان من مخصصات الضمان الاجتماعي كسلاح لمعاقبة فلسطينيي الداخل وإفقارهم".

وتابع: "خصوصا الذين يتزوجون أكثر من امرأة، وينجبون الكثير من الأبناء، بحيث تعمل على السيطرة على عددهم، من خلال هذا العقاب، مستغلة فقرهم وحاجتهم".

الهدف هو التهجير

وأقرت رئيسة حزب العمل الإسرائيلي ميراف ميخائيلي، في تصريح بتاريخ 9 أغسطس، بأن هدف قرار تجميد الميزانيات هو بث الفوضى وترحيل فلسطينيي 48، وبدء حرب بين اليهود والفلسطينيين.

ولا تعد هذه النوايا حديثة، بل إن المحكمة الإسرائيلية العليا، صادقت في  يوليو/ تموز،2022، على إجراء يتيح سحب الجنسية والإقامة من الفلسطينيين في الداخل المحتل والقدس، في "حال قيامه بانتهاك للأمانة والثقة الممنوحة له، بحكم حمله الجنسية الإسرائيلية"، حسب المحكمة.

ويرى مراقبون أن هذا التشريع الفضفاض، سيستخدم مستقبلا كسلاح لتهجير فلسطينيي الداخل. 

وتقابل الإجراءات العنصرية والتهجيرية الإسرائيلية بغضب شعبي في داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل، خصوصا مع تعاظم السياسات العدائية الواضحة والشاملة ضد الفلسطينيين.

وأعلنت اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في بيان لها ، مواصلة الاعتصام الاحتجاجي في القدس، في 9 أغسطس 2023، رفضا لقرار سموتريتش، وهددت بالمزيد من الخطوات التصعيدية.

واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، هي لجنة نقابية مكونة من رؤساء السلطات المحلية، دورها تنسيق الجهود والمواقف والدفاع عن حقوق المناطق العربية، في الجانب الخدماتي.  

وشارك المئات في مسيرة دعت لها اللجنة في 21 أغسطس 2023، في القدس أمام مكتب رئيس الحكومة، فيما قمعت شرطة الاحتلال المسيرة واعتقلت عددا من المشاركين.

بدوره، قال الناشط إبراهيم سعيد من بلدة رهط في الداخل المحتل جنوب فلسطين، إن ما يجري ضد فلسطينيي الداخل حرب منظمة ومدروسة، وما خطوة تجميد الميزانيات إلا حلقة من سلسلة طويلة من الإجراءات الرامية لتركيع المجتمع العربي، ودفعه للهجرة أو الاندماج في الصهيونية من خلال التجنيد بجيش الاحتلال.

وأضاف لـ"الاستقلال": "إسرائيل لا تمنحنا هذه الأموال هبة، بل إنها جزء من الضرائب الضخمة التي ندفعها، وكنا نحصل مقابلها على الفتات من الخدمات، والرعاية الصحية، وإعمار طرق مناطقنا العربية، وبشكل تدريجي يتم التضييق علينا في كل شيء".

وأكد الناشط أن سلطات الاحتلال تمارس منذ سنوات حملة تجهيل للمجتمع العربي، وخصوصا بالنقب من خلال تقصد عدم التشجيع على التعليم، وبث ثقافة المخدرات والملهيات لدى المراهقين، وهذا يتضح بالفرق الكبير بين نسبة المتعلمين العرب واليهود لصالح المستوطنين.

وشدد على أن قطع التمويل عن البلديات "أهون" ما يتعرض له المجتمع العربي، فحاليا هذا المجتمع غير صالح للعيش، ونسبة الأمن فيه صفر، مع تجارة المخدرات والعصابات والمجموعات التي تفرض الخاوات (الإتاوات) على أرزاق الناس، ومظاهر الانحلال الأخلاقي، "كل هذا له مصدر واحد وهو إسرائيل". 

وتابع سعيد: "أصبح من الطبيعي أن يأتي ملثمون ويطلقوا النار على بيتك، أو يقتلوك مع عائلتك في سيارتك، أو أن يحرقوا بيتك أو مصدر رزقك، وأكثر شيء عبثية هو أن تقدم شكوى ضدهم، لأنه لن يتم البحث عنهم حتى، كون تشجيع هذا الإجرام جزءا من سياسة الاحتلال".

ووصل عدد قتلى جرائم القتل في الداخل المحتل، منذ مطلع 2023، إلى 147 قتيلا من الفلسطينيين، وهي حصيلة قياسية غير مسبوقة.

وكان آخرها جريمة قتل جماعي في 22 أغسطس، قتل فيها 4 فلسطينيين في بلدة أبو سنان في الجليل، شمال الأراضي المحتلة.

وأوضح أن عناصر الشرطة في المناطق العربية يتم اختيارهم من اليهود، وليس من العرب، وذلك لضمان تحقيق المخطط الأمني القاضي بتدمير المجتمع العربي.

وأضاف سعيد: "مع تراجع نسبة خدمة العرب في جيش الاحتلال وقربها من النهاية تماما، ازداد التمييز ضدنا وباتت ملامح الحرب أكثر وضوحا، ومع وصول الحكومة الحالية وصلت الأمور لدرجات بالغة من السوء".

الجدير بالذكر أنه عقب هبة الكرامة، شهدت خدمة العرب في جيش الاحتلال انخفاضا، وبحسب تقرير نشره موقع والا العبري في أكتوبر / تشرين الأول، 2021، فإن عدد الملتحقين بالجيش قل بشكل واضح، بجانب تزايد التسرب من الخدمة العسكرية.

وأشار التقرير إلى تحقيق معمق أجراه الجيش الإسرائيلي حول ما وصف بـ"ظاهرة" رفض الشبان العرب البدو الخدمة العسكرية، وانسحابهم من صفوف الجيش.

واستدرك سعيد قائلا: "نحن نعرف أن الهدف من هذه الحملات هو تهجيرنا من أرضنا، ولكننا نفضل الموت هنا على أن نرحل ونترك هذه الأرض لعدونا، ولن يرفع سموتريتش شارة النصر في النقب، ورغم هذا السوء فإن الروح الوطنية مستيقظة في نفوس أهالي المجتمع العربي الفلسطيني". 

الحرس الوطني اليهودي

في السياق، ذكر موقع والا العبري أن ما يسمى بجهاز الحرس الوطني الموجه ضد فلسطينيي الداخل، اقترب من الانطلاق، ولجنته التنظيمية اجتمعت أكثر من 10 مرات.

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد وافقت في 2 إبريل / نيسان، 2023، على تشكيل "الحرس الوطني" الذي سيخضع لإشراف وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير.

فيما صادقت الحكومة على اقتطاع 1.5 بالمئة من ميزانيات الوزارات لصالح إنشائه.

وقال مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن الصلاحيات المحددة للقوة المسلحة الجديدة ستناقشها لجنة مؤلفة من جميع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وستقدم توصياتها.

أما بن غفير فقال إن التمويل الحكومي سيمكن من ضم 1850 فردا للقوة الجديدة مبدئيا.

وفي السياق قال الدكتور حاتم أبو زايدة إن قرار حكومة الاحتلال تشكيل الحرس الوطني بناء على طلب وخطة بن غفير يبين ما تبيته للفلسطينيين، مع العلم أن هذه القوة موجهة بالأساس ضد فلسطينيي الداخل لقمعهم، والتضييق عليهم.

وأضاف: "بعد هبة الكرامة عام 2021، طرحت هذه الفكرة، ويتم الآن التخطيط لها لتكون قوة قمعية مجهزة ومسلحة، ترتبط ببن غفير شخصيا، وهو الذي يدعو لقتل العرب دوما، ولا تخضع لجهاز الشرطة".

الجدير بالذكر، أن الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن العام (الشاباك) يواصلان تنفيذ حملات الاعتقال ضد شبان من المجتمع العربي على خلفية هبة الكرامة.

بحسب شهادات عدد من معتقلي هبة الكرامة فإن الشاباك يستخدم أساليب تحقيق قاسية تتضمن تنكيلا وإهانات وإبقاء المعتقلين في ظل ظروف صعبة داخل المعتقل، وتعريضهم لضغط نفسي، في محاولة لانتزاع اعترافات باطلة منهم، وفقا لموقع عرب 48.