قطر تدخل على خط الوساطة بين المغرب والجزائر.. ما فرص نجاحها؟

12

طباعة

مشاركة

محاولات رأب الصدع القديم بين الجزائر والمغرب مستمرة ومتعددة، غير أنها تصطدم بجدار متين من العوائق والتحديات، فما آخر المحاولات التصالحية؟ وما أبرز المعوقات أمام التطبيع؟

في ظل علاقتها الطيبة مع البلدين، وتاريخها الكبير في إجراء المصالحات بين الدول، كشفت دولة قطر عن انفتاحها على أي طلب رسمي لتقريب وجهات النظر بين كل من الجزائر والمغرب، ورأب الصدع بينهما.

وفي 16 أغسطس/آب 2023، تحدث المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، خلال الإحاطة الأسبوعية لوزارته، عن تلقي أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني رسالة خطية من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تتصل بالعلاقات الثنائية بين البلدين.

وذكر المصدر ذاته، أن صحيفة "القدس العربي" طرحت سؤالا عما إن كانت الرسائل المتبادلة بين الدوحة والجزائر والرباط تعني محاولات قطرية لإنهاء أزمة البلدين، ورد الأنصاري بقوله: إن "قطر ملتزمة بأي دور يطلب منها أو يمكنها تحقيقه في إطار هذه الرؤية المتعلقة بالمنطقة".

وأضاف: "العلاقات العربية البينية يجب أن يكون عنوانها الرئيس التفاهم المشترك، حيث إن الدوحة ملتزمة بذلك وتعمل على ذلك".

وأوضح أن "الرسائل بين الدوحة والجزائر التي جرت الإشارة إليها تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين، ولا شك أن رأب الصدع بين الأشقاء يمثل اهتماما رئيسا لدولة قطر".

وتابع: "دولة قطر مؤمنة بحل الخلافات بالطرق السلمية، خصوصا أن المنطقة مثقلة بالأزمات".

وكان ملك المغرب محمد السادس بعث رسالة خطية إلى أمير قطر بداية أغسطس 2023، تمحورت "حول العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وسبل دعمها وتطويرها"، بحسب وكالة قنا القطرية الرسمية.

ومن جهة أخرى جدد الملك محمد السادس، الالتزام الصادق بنهج اليد الممدودة اتجاه الجزائر في أفق تحقيق طموحات الشعوب المغاربية في "الوحدة والتكامل والاندماج"، حسب ما جاء في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى 20 لتوليه الحكم، بتاريخ 29 يوليو/تموز 2023.

وتشكل قضية الصحراء الغربية محور الخلاف بين الجزائر والمغرب، حيث قدمت الرباط مقترح "الحكم الذاتي الموسع" لحل الملف.

فيما تطالب جبهة "البوليساريو"، بالاستقلال وتقرير المصير، وهو خيار تدعمه الجزائر التي تحتضن الجبهة جنوبي البلاد، كما توفر لها دعما ماليا ودبلوماسيا.

الدور القطري

في جوابه عن قدرة قطر على أداء دور الوساطة، قال رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية نبيل الأندلوسي، إن قطر مؤهلة للتوسط نظرا للعلاقات القوية والمتميزة التي تربطها مع قيادة البلدين.

وأردف الأندلوسي لـ "الاستقلال"، وأيضا للمصداقية التي تحظى بها القيادة القطرية على المستوى الإقليمي والدولي في تقريب وجهات النظر، وأداء وساطات ناجحة، كتجربتها في الوساطة ما بين أميركا وإيران.

وأيضا وساطتها ما بين واشنطن وحركة طالبان، وما بين كينيا والصومال، واتفاق السلام في تشاد، واتفاق الدوحة الخاص بلبنان، وغيرها من الوساطات التي نجحت فيها رغم أنها كانت ملفات لا تخلو من تعقيد، وفق قوله.

من جانبه، قال الباحث والمحلل السياسي بلال التليدي، إن وزير الخارجية القطري جمع في تصريحه الدبلوماسي الذكي ثلاث إشارات متباينة.

وتابع التليدي في مقال رأي عبر "القدس العربي"، 17 أغسطس 2023: "تكشف هذه الإشارات عن استعداد قطر لإجراء وساطة بين البلدين، ومن جهة ثانية تظهر عدم وجود هذه الوساطة في الحال".

ومن جهة ثالثة، تفسر البرقيات التي تواترت على أمير البلاد من طرف الرباط والجزائر على أنها تتعلق بالعلاقات الثنائية.

ورأى أن الذكاء الدبلوماسي القطري أضاف بقصد إلى هذه التصريحات النجاحات التي حققتها قطر في مجال الوساطات، والتسويات التي كان وراء نجاحها دور قطري مميز.

ولذلك، أردف الباحث السياسي أنه "بعيدا عن سؤال وجود هذه الوساطة أو المبادر إلى طلبها، بات شبه حتمي، وجود معضلة في المنطقة، تتطلب حلا لا يمكن أن يتأتى باستمرار الخلاف بين المغرب والجزائر، لا سيما في قضية الصحراء".

كما لا يستبعد أن يكون تقييم ملك المغرب في خطاب العرش لعام 2023 للعلاقات الجزائرية المغربية بأنها مستقرة، على أنها محاولة لإذابة الجليد، وإعطاء إشارة ما إلى أن ديناميات جدية تجرى على الأرض، لجعل المصالحة بين البلدين ممكنة.

مبادرات متعددة

وذكر الخبير في العلاقات الدولية أحمد نور الدين، أن الكثير من الدول العربية والإفريقية والأوروبية حاولت عدة مرات التوسط بين المغرب والجزائر لإصلاح ذات البين، ونزع فتيل النزاع الذي يستنزف ميزانية الشعبين الشقيقين، في سباق جنوني نحو التسلح ولكن دون جدوى.

وتابع نور الدين لموقع "الأيام 24" المحلي، في 15 أغسطس 2023، أنه في الوقت الذي كان من الأجدر أن توجه تلك الميزانيات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والبنيات التحتية وتوفير التعليم والصحة والشغل للمواطنين في البلدين.

وأردف، "خاصة في ظل الأزمات الدولية التي تخيم على العالم عموما، وعلى الجوار المغاربي خصوصا، وما يجرى في مالي والنيجر (من انقلابات عسكرية) مثال بسيط لتلك المخاطر المحدقة بالمنطقة".

وشدد على أن استمرار النزاع وإغلاق الحدود يفقد خزينة الدولتين مئات المليارات من المداخيل التجارية والاقتصادية والجبائية والجمركية، ويضيع على البلدين نقطتين على الأقل من معدل النمو الاقتصادي السنوي كما تقول تقارير البنك الدولي، ويضيع على الدول المغاربية الخمسة آلاف الفرص الاستثمارية والمشاريع التنموية.

وأكد أنه لنجاح أي وساطة بين البلدين لا بد من توفر شرط أساسي وضروري، وهو قبول الطرفين بالوساطة وبحسن نية، وبغياب هذا الشرط لا يمكن أن تنجح أي مساعي حميدة.

وتابع المتحدث ذاته، أن الجزائر ترفض علانية وبشكل رسمي أي وساطة مع المغرب، وقد أعلن ذلك الرئيس عبد المجيد تبون في خطاباته وتصريحاته الصحفية عدة مرات، وأكدتها وزارة الخارجية الجزائرية في بيانات رسمية، ثم من خلال مذكرات دبلوماسية رسمية.

ومن ذلك مذكرة مندوب الجزائر في الجامعة العربية في القاهرة أثناء أشغال التحضير لجدول أعمال القمة العربية في الجزائر 2022، حيث رفضت الأخيرة ادراج نقطة المصالحة مع المغرب في جدول أعمال القمة.

وقال نور الدين إن "النظام الجزائري رفض كذلك وساطة سعودية قبيل القمة التي كان سيقودها ولي العهد محمد بن سلمان، وكان المغرب قد أبدى استعداده لحضور القمة في شخص الملك محمد السادس، وهي مناسبة لإنجاح تلك الوساطة وتلك المصالحة".

وأوضح بالقول: "يجب أن نتذكر أن المغرب قبِل الحضور والمصالحة والوساطة، رغم أن الجزائر هي الطرف المعتدي وهي التي تقود حربا قذرة ضد المملكة منذ نصف قرن"، وفق وصفه.

وأردف أن الجزائر "هي التي تحتضن تنظيما مسلحا يهاجم المغرب، وتوفر له المال والأسلحة الثقيلة، وتخوض حربا دبلوماسية ضد (المملكة) في كل المنتديات القارية والأممية".

الموقف الجزائري 

وقبل أي وساطات خارجية، أشار نور الدين، إلى أن المغرب اقترح على الجزائر ومن خلال خطابات ملكية رسمية المفاوضات والحوار المباشر، واقترح كذلك ولأربع مرات على الأقل منذ 2018 إلى خطاب العرش 2023، إحداث لجنة عليا مشتركة لمناقشة كل القضايا الخلافية دون طابوهات.

واستدرك: "في كل مرة كان الرد سلبيا بل وتصعيديا وصل إلى إعلان الجزائر (أغسطس 2021) من جانب أحادي قطع علاقاتها مع المغرب، وإغلاق مجالها الجوي في وجه الطيران المدني المغربي".

ورفضت حتى مساعدتها بطائرات "كانادير" لإطفاء حرائق صيف 2022، في حين قدمت طلبات لمساندة دول أوروبية منها فرنسا التي احتلتها 132 سنة وفعلت بها الأفاعيل، حسب تعبيره.

في المقابل، قال أستاذ العلوم السياسية بالجزائر، سعيد مكي، إن محاولات الدول للتقريب والمصالحة بين البلدين الجارين مرحب بها.

لكن، يستدرك مكي في تصريح لـ "سبوتنيك عربي"، 17 أغسطس 2023، أن الجزائر ترى أن هذه قضية خاصة مع المغرب، وأن على الرباط تفهم النظرة الجزائرية.

وأكد أن الجزائر لن تفتح الحدود ولن تقيم العلاقات طالما هناك تطبيع للرباط مع تل أبيب، وأن المغرب يزج بدول الوساطة في قضية حدودية ونزاعية.

وشدد مكي على أن مسار التصالح يكون على أساس تقرير مصير ما أسماه بـ "الشعب الصحراوي"، ويقصد بذلك ساكنة مخيمات تندوف جنوب الجزائر، وساكنة أقاليم جنوب المغرب.

أما الكاتب الصحفي الجزائري محمد مسلم، فنفى وجود الوساطة القطرية بين المغرب والجزائر، مؤكدا تشبث الأخيرة بموقفها الرافض لأي تقارب مع النظام المغربي.

وقال مسلم في مقال نشره عبر موقع "الشروق أونلاين" الجزائري، 15 أغسطس 2023، إن سبب هذا الموقف، هو ما أسماها بـ "الأعمال العدائية" التي تورط فيها المغرب ضد الجزائر، كما جاء على لسان وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج سابقا، رمطان لعمامرة، يوم الإعلان عن قطع العلاقات الدبلوماسية في أغسطس 2021.

ذكر الكاتب الصحفي أن التوصيف الأدق لواقع العلاقات بين الجزائر والرباط، هو الذي صدر على لسان الرئيس عبد المجيد تبون، في الحوار الذي خصّ به قناة "الجزيرة" في 23 مارس/آذار 2023، والذي قال فيه إن العلاقات الجزائرية– المغربية وصلت إلى نقطة "اللا عودة"، وحمّل الجانب المغربي المسؤولية.

كما أنه في ديسمبر/كانون أول 2022، قال الرئيس تبون في حوار خصّ به صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، إن قرار قطع العلاقات مع المغرب كان "بديلا لنشوب حرب بين الدولتين"، وهو "نتيجة تراكمات منذ عام 1963".

شروط النجاح

ويرى الخبير في العلاقات الدولية أحمد نور الدين، أن نجاح الوساطة القطرية من عدمها، يستدعي وجود معطيات إقليمية جديدة أو أزمة داخلية خطيرة تهدد بتفجير الوضع الجزائري تدفع بالسلطات هناك إلى الوصول إلى اتفاق مع المغرب.

إضافة إلى ضرورة توفر ضمانات دولية لا غبار عليها، وشروط واضحة أولها الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، وإغلاق مخيمات تندوف، وعودة اللاجئين، وطرد قيادات الجبهة الانفصالية من الجزائر وإغلاق مكاتبها.

وتابع نورالدين: "أيضا تعويض المغاربة ضحايا الطرد التعسفي والقسري سنة 1975، وتعويض ضحايا المناطق الحدودية الذين حرموا من الوصول إلى ضيعاتهم منذ 1963 رغم وجود اتفاقيات تضمن حقوقهم".

وكذلك "تعويض كل الضحايا المغاربة بما فيهم ضحايا واحة العرجا بفكيك، وغيرها من الملفات، لنجاح أي اتفاق جديد أو مصالحة بين الطرفين".

أما رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، نبيل الأندلوسي، فيرى أن أهم شرط لنجاح المصالحة بين البلدين الجارين هو استحضار المصالح الإستراتيجية للدولتين، وخطورة استمرار هذا النزاع على أمنهما القومي واستقرارهما السياسي.

وتابع الأندلوسي لـ "الاستقلال"، كما أن المصالحة لا تعني خاسرا ورابحا، وإنما يجب أن تتأسس على منطق المصالح المشتركة.

وأضاف: "تتأسس هذه المصالحة كذلك على الانتصار المشترك على التحديات القائمة بالمنطقة، المهددة بالانفجار والانفلات في أي لحظة".

وأشار إلى أن "الأحداث الأخيرة بالنيجر (الانقلاب العسكري على الرئيس محمد بازوم نهاية يوليو/تموز 2023) قد تكون أحد المحفزات للبحث الجدي عن حل لا يظلم فيه أحد".