مقاطعة سياسية واسعة.. كيف تؤثر على الانتخابات المحلية المرتقبة في العراق؟
على بُعد ثلاثة أشهر من موعد إجراء انتخابات مجالس المحافظات (المحلية) في العراق، أعلنت العديد من القوى السياسية التقليدية والناشئة عدم مشاركتها، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة عن مدى تأثير ذلك في إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع، ونجاح العملية الانتخابية.
وفي 18 ديسمبر/ كانون الأول 2023، من المقرر أن يشهد العراق أول انتخابات محلية في جميع المحافظات ما عدا إقليم كردستان، بعد الاحتجاجات الشعبية عام 2019، وبمشاركة نحو 50 ائتلافا انتخابيا، إذ بلغ عدد المرشحين 1557.
وكان البرلمان العراقي قد حلّ مجالس المحافظات في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، استجابة للاحتجاجات الشعبية التي اندلعت مطلع الشهر ذاته، ووجهت لها اتهامات بالفساد وعدم الكفاءة، لكن الكتل البرلمانية عادت في مارس/ آذار 2023، وصوتت على قرار يقضي بإحيائها مجددا.
وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولها صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقا للدستور.
اتساع المقاطعة
مع إغلاق المفوضية العليا للانتخابات باب تسجيل المرشحين والناخبين في 20 أغسطس 2023، أعلنت العديد من القوى السياسية عدم مشاركتها في العملية الانتخابية لمجالس المحافظات، فيما طالبت أخرى بتأجيلها إلى العام 2024 من أجل تحقيق "تنافس حقيقي".
ومن الكيانات التي أعلنت المقاطعة، حركة "امتداد" التي تعد نفسها ممثلة للاحتجاجات الشعبية في 2019، عازية عدم مشاركتها في انتخابات مجالس المحافظات بموعدها الحالي إلى تأخرها في انعقاد مؤتمرها العام الأول لانتخاب قيادة جديدة.
وتمنت حركة "امتداد" خلال بيان لها في 21 أغسطس 2023، "التوفيق والنجاح للحركات الوطنية الناشئة المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات".
وفي خطوة مماثلة، أعلن ائتلاف "الوطنية" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي، عدم المشاركة، وذلك لما عده "تضامنا مع مطالب الشعب"، واصفا تلك المجالس بأنها "حلقة زائدة وباب من أبواب الفساد".
وقال الائتلاف عبر بيانه في 20 أغسطس، إن "في مقدمة المطالب التي تحققت للمظاهرات الشعبية عام 2019 هي إلغاء مجالس المحافظات وسد باب من أبواب الفساد والمناورات المشبوهة، وتحقق هذا المطلب بدماء الشهداء والجرحى".
وشهدت الاحتجاجات الشعبية مقتل نحو 800 شخص، وإصابة قرابة 30 ألفا آخرين على يد قوات الأمن والمليشيات الموالية لإيران، والتي دفعت في حينها الحكومة التي كان يرأسها عادل عبد المهدي إلى تقديم استقالتها للبرلمان.
وأكد ائتلاف علاوي، أن "هذه المجالس هي حلقة زائدة في تركيبة الدولة، وباب من أبواب الاستحواذ على مقدرات الشعب"، لافتا إلى أن "حالة الفساد والنفوذ الأجنبي مخيمة على أجواء الانتخابات، إضافة إلى المال السياسي الذي يعد لاعبا كبيرا وأساسيا في العملية الانتخابية والديمقراطية الزائفة".
من جانبه، أكد أمين عام حزب "بيارق الخير"، محمد الخالدي، أن تياره سيقاطع الانتخابات المحلية المقبلة، "لأنه يدرك بأن هناك متطلبات يجب توفرها لضمان نزاهة وشفافية التنافس بين القوى"، مرجحا مقاطعة أحزاب أخرى.
وأشار الخالدي خلال بيان له في 19 أغسطس، إلى أن "أبرز الأسباب للمقاطعة هو عدم شفافية قانون الانتخابات، والتمويل الهائل لبعض القوى السياسية، وعدم وجود قانون يدقق في الأموال الطائلة المرصودة لبعض المرشحين".
وأكد أن "إمكانيات الدولة تستغل في بعض المحافظات لصالح قوى وجهات متنفذة مع رصيد مالي كبير"، متسائلا: "كيف تكون المنافسة في ظل هذه الأجواء؟".
وعلى نحو آخر، دعا تحالف "المستقلين" في البرلمان، إلى تأجيل الانتخابات المحلية إلى عام 2024 من أجل تحقيق "تنافس حقيقي"، معبرا عن قلقه من "التراجع الكبير في أعداد المرشحين والناخبين، وهو ما قد يُؤثر سلبا على طبيعة تشكيل المجالس وتنوع الأفكار والرؤى التي تمثلها"، بحسب بيانهم في 22 أغسطس.
ومن القوى التي لم تعلن عن مشاركتها في انتخابات مجالس المحافظات، هو التيار الصدري بقيادة رجل الدين، مقتدى الصدر، والذي أمر كتلته البرلمانية للاستقالة من البرلمان في يونيو/ حزيران 2021، وإعلانه بعد شهرين من ذلك اعتزال العمل السياسي "نهائيا".
ورغم تكهن مراقبين باحتمالية دخول الصدريين في قوائم يتزعمها قياديون في التيار الصدري، لكن لم يظهر أي من ذلك حتى موعد إعلان المفوضية العليا إغلاق تسجيل المرشحين والتحالفات الانتخابية.
فقدان الثقة
وعلى وقع هذه الانسحابات، تباينت آراء المراقبين والمحللين السياسيين العراقيين بخصوص مدى تأثير ذلك على الانتخابات المرتقبة، وطبيعة تشكيل المجالس المحلية في ضوء مقاطعة أحزاب وتيارات محسوبة على خانة القوى المعارضة للأحزاب التي تمسك بالسلطة منذ عام 2003.
وقال الباحث في الشأن العراقي، لؤي العزاوي، إن "المجتمع عاطفي وثوري، لكنه يعاني من نقمة النسيان، لذلك فإن ثقة الشعب بالعملية السياسية ورموزها تزداد تصدعا يوما بعد آخر".
ولفت العزاوي في حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "الشعب ينشد صدقا وجهدا وإخلاصا، وذلك لا يتوفر إلا عند القليل جدا من القوى السياسية العاملة على الساحة، والتي هي حاليا ضعيفة، وليست بقوة من يمتلك المال والسلاح والنفوذ بالسلطة".
وأشار إلى أن "الحس الوطني ما زال مرتفعا في النفسية العراقية رغم تراكمات الأحداث التي أضعفت كثيرا هويته الوطنية، لذلك نأمل المشاركة بالانتخابات -المتوقع ضعف الإقبال عليها- وأن يصوّت للأصلح والنزيه، لأن العملية الانتخابية ماضية ولن يجري تأجيلها".
ويصل عدد من يحق لهم المشاركة في الانتخابات المحلية إلى أكثر من 23 مليون ناخب، منهم نحو 6 مليون في العاصمة بغداد، حسب البيانات الصادرة عن المفوضية العليا للانتخابات.
ووفقا لأرقام المفوضية، فإن 900 مركز انتخابي في عموم العراق منها 209 مراكز انتخابية في بغداد ستكون متاحة أمام الناخبين للإدلاء بأصواتهم في 18 ديسمبر 2023.
وبلغت نسبة مقاطعة التصويت في الانتخابات البرلمانية العراقية عام 2021 نحو 59 بالمئة، إذ أعلنت المفوضية العليا في حينها أن نسبة المشاركة تقدر بـ41 بالمئة، ووفق هذه الأرقام فإن نسبة المقاطعة تجاوزت تلك التي سجلت في انتخابات عام 2018، التي شارك فيها نحو 44.52 بالمئة.
مقاطعة سلبية
من جانبه، قال المحلل السياسي العراقي، أحمد الشريفي، إن "كل المعطيات والمعلومات تؤكد أن التيار الصدري لن يشارك في الانتخابات المحلية، وسيبقى مصرا على موقفه في العزلة السياسية، وهذا ما دفع قوى أخرى إلى المقاطعة".
لكن الشريفي رأى خلال تصريح لصحيفة "العربي الجديد" في 21 أغسطس 2023، أن "هذه المقاطعات لن تؤثر على سير العملية الانتخابية من الناحية القانونية"، مبينا أن "تراجع نسبة المشاركين أمر مؤكد".
ورأى أن هذا التراجع في المشاركة بالعملية الانتخابية "سيكون في صالح القوى السياسية المتنفذة، التي ستدفع بجمهورها بقوة نحو صناديق الاقتراع".
وتوقع الشريفي أن تشهد الأيام المقبلة "إعلان قوى سياسية جديدة مقاطعة الانتخابات، كما أن بعضها قد تقاطع كونها تعلم جيدا أنها لن تحصل على أي شيء، خصوصا وأن قانون الانتخابات الحالي فصّل بشكل كبير لصالح الكتل والأحزاب الكبيرة".
ومرر البرلمان العراقي في مارس 2023، قانون الانتخابات الجديد الذي دمج انتخابات مجالس المحافظات، والانتخابات التشريعية (متوقع أن تجرى عام 2025) بقانون واحد، وباعتماد نظام الدائرة الواحدة وفق آلية "سانت ليغو" (1.7).
"سانت ليغو" هي طريقة رياضية في توزيع أصوات الناخبين على القوائم الانتخابية، فتقسم الأصوات على 1.3 تصاعديا، حينها تحصل القوائم الصغيرة على فرص أكبر للفوز، فيما إذا ارتفع القاسم الانتخابي إلى 1.7 أو أكثر زادت مقاعد الائتلافات الكبيرة.
واعتمدت انتخابات عام 2021، على نظام الدوائر الانتخابية المتعددة، والذي قسّم البلاد إلى 83 دائرة انتخابية، توزع على عدد المحافظات وبحسب نسبها السكانية، وقسمت العاصمة بغداد إلى 17 دائرة بحكم عدد سكانها الأكثر الذي يناهز الثمانية ملايين نسمة.
وأسهم اعتماد "الدوائر المتعددة" في انتخابات عام 2021 بتقليل الملصقات والحملات الانتخابية بالنسبة للمرشح الواحد في عموم المحافظة والاكتفاء بتكثيف حملته الانتخابية في الدائرة المرشح عنها.
وتراجع أعداد المرشحين بتقدير أن الأحزاب والتحالفات تسعى إلى حصر مرشحيها في الدائرة الواحدة بمرشح واحد أو اثنين أو 3 في أعلى الحالات، بهدف ضمان الفوز وعدم تشتيت أصوات الناخبين المؤيدين له.