الفلسطينيون أكثر المتضررين.. كيف يكون شكل إسرائيل عقب الانقلاب القضائي؟
بعد زلزال أحدثه تحركه الأخير في مساعيه للسيطرة على القضاء، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خطوته القادمة التي يعتزم ائتلافه الحكومي تنفيذها، في ظل استمرار الاحتجاجات في دولة الاحتلال.
وأعلن نتنياهو في 6 أغسطس/آب 2023، أنه سيعمل على تغيير لجنة تعيين القضاة، وسيواصل تنفيذ خطته القضائية من خلال التشريعات التي يصوت عليها الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، ويملك ائتلافه فيه الأغلبية.
وقال نتنياهو في مقابلة مع وكالة "بلومبيرغ" الأميركية: "إن الخطوة القادمة من المرجح أن تكون تشكيل اللجنة التي تختار القضاة، مع ضرورة الدفع بتشريعات أخرى".
وتتألف لجنة تعيين القضاة من 9 أعضاء، ودورها تعيينهم، بما في ذلك قضاة المحكمة العليا. ويسعى وزير القضاء، ياريف ليفين، إلى تغيير تشكيلة اللجنة، بحيث يحتفظ الائتلاف لنفسه بأغلبية تلقائية في تشكيلتها.
إضعاف القضاء
ويأتي الكشف عن الخطوة المرتقبة عقب مصادقة الكنيست الإسرائيلي في 24 يوليو/تموز 2023، بشكل نهائي على إلغاء قانون ذريعة عدم المعقولية.
وهو قانون يتيح للمحكمة الإسرائيلية العليا مراقبة ومراجعة القرارات الحكومية، وإبطال مفعول بعضها في حال لم تتوافق مع الصالح العام.
وينص قانون "ذريعة المعقولية" على منح السلطة القضائية الصلاحية القانونية والإدارية لرفض القرارات الحكومية، سواء فيما يتعلق بالتعيينات في السلك العام من الوزارات، وغيرها أم قرارات عامة أخرى تتعارض مع الصالح العام، ولا تعطي المصلحة العامة الوزن المناسب.
الجدير بالذكر أن القانون استخدم في رفض تعيين وزراء ومسؤولين أمنيين، بينهم مسؤول الشاباك (جهاز الأمن العام) الأسبق "يوسي غينوسار"، الذي رُفض قرار تعيينه مديرا عاما لوزارة البناء والإسكان عام 1993، بعد توجيه تهم ضده.
وفي نفس العام، أصدرت المحكمة العليا قرارا ببطلان تعيين "آريه درعي" وزيرا في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين بعد أن قدمت بحقه لائحة اتهام.
ولذلك، فإن من شأن القانون أن يمنع المحاكم الإسرائيلية بما فيها المحكمة العليا، من تطبيق ما يُعرَف باسم "معيار المعقولية" على القرارات التي يتخذها المسؤولون المنتخَبون.
وقانون "الحد من المعقولية" هو واحد من 8 مشاريع قوانين طرحتها الحكومة في إطار "إحداث التوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية"، ضمن خطة "إصلاح القضاء" التي تصفها المعارضة بـ"الانقلاب"، وتتظاهر احتجاجا عليها منذ نحو 30 أسبوعا.
وينتظر دولة الاحتلال الإسرائيلي شلل تام، ضمن الخطوات الاحتجاجية المنتظرة التي أعلنتها المعارضة الإسرائيلية في أعقاب إقرار الكنيست الأخير.
وأعلن قادة الاحتجاجات في بيان 12 أغسطس/آب 2023، أنه في حال عدم التزام الحكومة الإسرائيلية بقرارات المحكمة العليا، فإنهم سيسعون لـ "شلل تام للدولة" وإضراب عام في سوق العمل.
وتتواصل الاحتجاجات على خطة إضعاف القضاء، حيث تتجاوز أعداد المحتجين حاجز الـ 100 ألف بشكل شبه يومي، بجانب إعلان المئات من الجنود العصيان العسكري والاستنكاف عن الخدمة العسكرية في ظل استمرار الخطة.
ومع تواصل التظاهرات والتصادمات، تزداد التحذيرات داخل دولة الاحتلال من احتمالية اندلاع حرب أهلية.
وأظهر استطلاعان للرأي العام الإسرائيلي أن المضي قدما في التشريعات القضائية سيرسخ الانقسام الحاد الذي يشهده المجتمع، وأن غالبية الإسرائيليين يخشون من "حرب أهلية" وتضرر الوضع الأمني الداخلي، وفق القناة 12 العبرية.
وبحسب استطلاع للقناة 13 فإن ما يقرب من ثلث الإسرائيليين يفكرون في مغادرة الأراضي المحتلة، كما يخشى 54 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع من تضرر الوضع الأمني في إسرائيل، عقب "التعديلات القضائية".
معيار سياسي
ومن جانبه، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور صالح النعامي، إن قانون ذريعة عدم المعقولية كان يمنح المحكمة العليا في دولة الاحتلال الحق في النظر في قرارا وسياسات الحكومة بالإلغاء أو التجميد أو الأمر بتعديله، وكذلك الرقابة على التعيينات.
وأضاف لـ"الاستقلال" أنه "بمجرد أن تصدر المحكمة قرارا بأن التعيين الحكومي غير معقول قانونيا يتم إلغاؤه، ولكن عقب إلغاء هذا القانون والصلاحية بتصويت الكنيست، انتهت سلطة المحكمة على أعمال الحكومة، وأصبحت يد نتنياهو واليمين مطلقة".
وأوضح المختص أن هذا القانون بمثابة حجر أساس وتمهيد للانطلاق بسلسلة من القوانين والقرارات؛ التي ستفضي لتغيير الوضع القضائي والقانوني والحكومي في دولة الاحتلال تماما.
وشدد على أن القادم سيكون أكثر صعوبة وتوترا في الساحة الإسرائيلية، حيث يخطط نتنياهو لتمرير قانون تشكيل لجنة القضاة من قبل الحكومة، وعليه سيكون معيار اختيار الجهاز القضائي سياسيا، وليس على أساس الأهلية القانونية.
و"يهدف نتنياهو من خلال هذا القانون لإيجاد قضاة يتماهون مع الحكومة سياسيا ومعه شخصيا، وهو ما سيسهم في إزالة العقبات القانونية من طريقه السياسي".
وتابع أنه "ضمن سلسلة القوانين المرتقبة، سيكون قانون التغلب الذي يلغي رقابة المحكمة العليا على الكنيست الإسرائيلي، بعد إلغائها على الحكومة، لمنع المحكمة من إلغاء أو تعديل أو تجميد قوانين يسنها البرلمان، وهذا سيمنح الائتلاف الحاكم سلطة شبه مطلقة".
وأوضح المختص أن نتنياهو يستهدف أيضا السيطرة على منصب المستشار القضائي للحكومة والذي يجرى تعيينه من قبل المحكمة العليا، ويعيق الكثير من القرارات بمعارضتها قانونيا، لذلك تشمل الخطة تعيين المستشار بشكل سياسي داخل الحكومة.
ويهدف اليمين الإسرائيلي أن يصل في نهاية خطة إضعاف القضاء للتخلص نهائيا من أي رقابة تعارض سياساته وخططه، بحسب تقدير النعامي.
ونوه إلى أن نتنياهو يهدف أيضا للإفلات من المحاكمة على تهم الفساد التي وجهت له، بجانب إعادة زعيم حركة شاس أرييه درعي، للحياة السياسي بعد إقصائه من وزارة الداخلية ثم "الصحة"؛ بسبب تهم بالتهرب الضريبي.
وأكد أن استمرار الاحتجاجات في دولة الاحتلال يبقي احتمال الاشتباك بين أنصار اليمين واليسار قائما في سيناريو كحرب أهلية، خصوصا عندما تطبق كامل الخطة.
وأوضح أن أكثر ما يثير الذعر في الوسط السياسي والأمني الإسرائيلي هو ظاهرة رفض الخدمة العسكرية، وتحديدا سلاح الجو وهو الأهم لدى جيش الاحتلال.
وتابع الكاتب أن "محاصرة المؤسسات العامة وقطع الطرق والإضرابات في القطاع الطبي، وانسحاب شركات كبيرة من الاستثمار في إسرائيل، مع التشظي الحاد في المجتمع لدرجة الوصول لمحاولة دهس متظاهرين من قبل أنصار الحكومة، جميعها أحداث تنذر بما هو أسوأ".
ماذا ينتظر الفلسطينيين؟
وبجانب الشرخ العميق الذي أحدثته خطة نتنياهو لإضعاف القضاء داخل المجتمع الإسرائيلي، فإن تأثيرها لا يتوقف عليهم.
ويرى مراقبون أن المتضرر الأبرز من هذه الخطوات سيكون الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، والقدس، والضفة الغربية، وحتى قطاع غزة.
ورغم اندماج المحكمة العليا في صلب المنظومة الإسرائيلية القامعة للفلسطينيين، والمشرعة للحملات العسكرية الدموية ضدهم؛ فقد اتخذت بعض الخطوات المتماشية مع تشريعات الأمم المتحدة لصالحهم في بعض القضايا، فيما فسره مراقبون بأنه محاولة لادعاء الحياد ونيل الثقة الدولية.
ولطالما اتهمت حركة الصهيونية الدينية المحكمة العليا بأنها لا تسرع تشريع الاستيطان في الضفة الغربية بشكل كاف.
وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية ألغت عام 2020، بشكل نادر قانونا يعطي الشرعية بأثر رجعي لإقامة مستوطنات إسرائيلية على أراض خاصة لفلسطينيين.
مع وقف سلطة المحكمة العليا على قرارات الحكومة، يتوقع أن يجرى إعادة القانون، وسن قوانين جديدة في ذات السبيل.
ومن جانبه، قال المحلل السياسي والكاتب الفلسطيني فايز أبو شمالة، إن التغول الإسرائيلي على الفلسطينيين سيزيد بعد خطوة إلغاء ذريعة عدم المعقولية.
وخاصة بعد انتهاء الرقابة الشكلية للمحكمة على خطوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وإعفاء الحكومة من أي تبعات قانونية.
وأضاف في حديث لـ " الاستقلال" : "الاستيطان كان قبل هذه الخطوة كبيرا وواسعا ولكنه بعدها سيزداد بشكل مجنون وسيطبق وزير المالية والاستيطان بتسلئيل سموتريتش خطته الإجرامية في الضفة، الهادفة لتوسيع سيطرة إسرائيل وضمها".
كما سيفتح الباب لوزير الأمن القومي وزعيم حزب القوة اليهودية المتطرف إيتمار بن غفير لتنفيذ المزيد من المجازر في جنين ونابلس والقدس.
وشدد الكاتب على أن المسجد الأقصى في خطر أكبر والباب أصبح مشرعا لتطبيق خطة بن غفير للبدء ببناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
كما ستزداد نشاطات الجماعات الإرهابية داخل الأقصى والقدس، في سعي واضح لتغيير الوضع القائم للأبد.
وتابع: "حتى شن الحروب على غزة وارتكاب المجازر الدموية سيكون أكثر سلاسة بالنسبة للاحتلال عقب هذا القانون"، وفق تقديره.