صراع عسكري محلي إقليمي يلوح في الأفق بمالي وقد يصل النيجر.. ما القصة؟
ينتشر الطوارق في شمال مالي والنيجر، ويدخلون بين وقت وآخر في صراعات مع السلطات الحاكمة في دولهم، ويبدو أن صراعا جديدا يلوح في الأفق مع زيادة التوترات في مالي ووقوع انقلاب النيجر ضد الرئيس محمد بازوم الذي يعد من قبائل الطوارق.
والطوارق شعب من الرحل، ذو أصول أمازيغية (بربرية)، يتخذ من الصحراء الكبرى الممتدة بين ليبيا والجزائر والنيجر ومالي وبوركينا فاسو موطنا له، ويسمون أنفسهم باسم "أزواد" وأيضا يطلق عليهم "الشعب الأزرق"، نظرا لتعودهم على ارتداء لباس تقليدي بلون أزرق فاتح.
توتر متصاعد
وفي هذا السياق، تناول موقع "TV5 Monde" الفرنسي التوترات الأخيرة في دولة مالي بين الحكومة العسكرية من جهة، وقبائل "الطوارق" من جهة أخرى.
وأوضح الموقع أن متمردين سابقين من "الطوارق"، في شمال مالي، أعلنوا أن قواتهم تعرضت لهجوم، من قِبل جيش مالي، وميليشيا "فاغنر" الروسية.
وقال بيان صادر عن "تنسيقية حركات الأزواد"، التي تضم انفصاليين طوارق سابقين: لقد قامت القوات المسلحة التابعة لـ"تنسيقية حركات الأزواد"، بصد هجوم معقد شُنَّ من قبل القوات المسلحة المالية، وقوات فاغنر".
وأفاد البيان، الصادر في 11 أغسطس/ آب 2023، بأن الهجوم كان على بعد حوالي عشرة كيلومترات إلى الغرب من بلدة بير، الواقعة في منطقة تمبكتو، شمالي مالي.
وأضاف البيان، الذي جاء على لسان المتحدث باسم الحركة، محمد المولود رمضان: "نحن نُشهد المجتمع الدولي على هذه التصرفات الخطيرة، وهذا الانتهاك لجميع الالتزامات والترتيبات الأمنية".
وبشكل عام، يقول الانفصاليون في شمال مالي إنهم يسعون إلى "إخراج شعب أزواد من الاحتلال المالي غير المشروع".
كما أنهم يهدفون إلى إقامة دولة "أزواد" في المنطقة التي تمتد من شمال شرق مالي إلى شمال غرب البلاد، وتُعد هذه منطقة شاسعة، تغطي الصحراء الجزء الأكبر منها.
وقال الموقع الفرنسي: "إذا رأينا أن العلاقة بين المتمردين الطوارق السابقين والجيش المالي متوترة منذ فترة طويلة، فإنها تدهورت بشكل أكبر خلال الأيام الأخيرة".
ففي 10 أغسطس 2023، زعمت "تنسيقية حركات الأزواد" أنها لم تعد آمنة في "باماكو"، عاصمة مالي.
وقال رئيس وفد "تنسيقية حركات الأزواد" في باماكو، عطاي أغ محمد، إنه كان آخر من غادر العاصمة المالية، باماكو، بناء على تعليمات من المنظمة.
وأضاف: "تعتقد إدارتنا أننا لم نعد بأمان في العاصمة، وأن أسباب وجودنا مهددة تماما".
في المقابل، أعلن الجيش المالي أنه "رد بقوة" على "محاولة لاختراق" موقعه، متهما من أسماهم بـ"الإرهابيين" في الحادثة، وهو مصطلح يطلقونه عادةً على الجماعات المسلحة، وفق الموقع.
وأفاد الجيش بأن هذه المواجهة أوقعت قتيلا وأربعة جرحى في صفوفه، بينما "تخلى المسلحون أثناء هروبهم عن أربع جثث، وعدة دراجات نارية، ومعدات عسكرية".
خرق اتفاق السلام
وذكر الموقع الفرنسي أن سبب هذه الأزمة الأخيرة يعود إلى انسحاب بعثة الأمم المتحدة (مينوسما)، وذلك بناءً على طلب السلطات الانتقالية في مالي، المتمثلة في المجلس العسكري.
وتتهم "تنسيقية حركات الأزواد"، التي تسيطر على مناطق شاسعة في الشمال، المجلس العسكري، بمحاولة السيطرة على القواعد التي تركتها "مينوسما" في تلك المناطق.
و"تنسيقية حركات الأزواد"، تضم تحالفا من الجماعات الانفصالية والذاتية الحكم -على رأسها الطوارق، والتي خاضت تمردا ضد الدولة المالية في شمال البلاد عام 2012.
وهي أحد الأطراف في اتفاق السلام، الموقع عام 2015 بالجزائر، مع الحكومة المالية.
وتم توقيع اتفاق "الجزائر" في مايو/ أيار، ويونيو/ حزيران عام 2015، ويُعرف رسميا بـ"اتفاق السلام والمصالحة في مالي".
بدوره، أنهى هذا الاتفاق التصعيد العنيف الذي تسببت فيه التمردات الانفصالية في شمال البلاد منذ عام 2012، والتي كانت تتمثل في المتمردين الطوارق، وحركة أنصار الدين.
وفي تلك الفترة، كانت الحركة الوطنية لتحرير أزواد (MNLA) تطالب بالاستقلال لمنطقة أزواد، والتي تشمل مناطق تومبكتو، وكيدال، وجاو.
بينما على الجانب الآخر، كانت الحكومة المالية تدافع عن وحدة الأراضي والتراب الوطني.
ووفق الموقع، فقد قادت وساطة الجزائر في النهاية إلى الوصول لاتفاق وقعته الحكومة المالية في 15 مايو/ أيار 2015.
ومع ذلك، لم توقعه "تنسيقية حركات الأزواد" بشكل رسمي، إلا في 20 يونيو/ حزيران 2015، إذ كانت تنتظر إجراء بعض التعديلات على الاتفاق.
ويتضمن هذا الاتفاق إنشاء مجالس محلية ذات صلاحيات واسعة، على أن تكون منتخبة بالاقتراع العام والمباشر، مع البقاء كجزء من مالي، أي بدون وجود استقلال ذاتي في شمال البلاد.
كما نص الاتفاق على دمج المقاتلين في الجيش المالي الرسمي، لكنه لا يتضمن اعتراف حكومة باماكو باسم "أزواد"، الذي يطلقه الانفصاليون على شمال مالي.
وأضاف الموقع الفرنسي أن الاتفاق يتضمن أيضا تعزيز سلطة الدولة من خلال تكامل أفضل في عملية اتخاذ القرار، مؤكدا أن "جميع هذه الجوانب السياسية ضرورية للخروج بدولة مالي من أزمتها".
لكن منذ استيلاء الجيش على مالي في عام 2020، تدهورت العلاقات بين متمردي الطوارق السابقين وحكومة مالي بشكل حاد .
لدرجة أنه في ديسمبر/ كانون الأول 2022، أعلنت "تنسيقية حركات الأزواد"، وكذلك جميع الجماعات المسلحة الموقعة تقريبا، تعليق مشاركتها في تنفيذ اتفاق الجزائر.
وذكر بيان لتنسيقية حركات الأزواد أن "التحالف يعرب عن أسفه لعدم وجود إرادة سياسية لدى السلطات الانتقالية، لتطبيق اتفاق السلام والمصالحة في مالي".
"لاسيما وأن السلطات لم تتحرك لمواجهة التحديات الأمنية، التي تسببت في مقتل مئات من الأشخاص وتشريدهم في مناطق ميناكا وغاو وتمبكتو"، وفق البيان.
صراع بالأفق
وفي أوائل أبريل/ نيسان 2023، أعلن الانفصاليون الطوارق في شمالي مالي أنه "لا توجد طريقة لبناء مستقبل مشترك" مع باماكو.
أما الجزائر، المنخرطة في الأمر منذ توقيع الاتفاق فقد تحدثت أخيرا على لسان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، داعية لحل الأزمة.
ففي 31 يوليو/ تموز 2022، دعا تبون العسكريين، الذين يمسكون بزمام الأمور في مالي، لتطبيق اتفاق الجزائر والعودة إلى الشرعية "في أقرب وقت ممكن "، من خلال التحرك نحو الانتخابات.
وأخيرا أعلن الوزير السابق والمتمرد السابق من الطوارق، غيسا أغ بولا، تأسيس "مجلس المقاومة من أجل الجمهورية" في النيجر ضد الانقلاب العسكري.
وقال في خطاب: "ندعو الجنود الذين يحترمون قسمهم والشعب إلى إنهاء التمرد والمضي، دون تأخير".
وحسب الباحث في العلوم السياسية بجامعة باماكو في مالي، محمد أغ إسماعيل، فإن عودة "تمرد الطوارق في مالي والنيجر يرجع إلى أساليب الأنظمة الحاكمة في التعامل مع إقليم أزواد في مالي، وإقليم أزواغ في النيجر".
وأكد الباحث أن "علاقة الحركات الموجودة في إقليم أزواد بالحكومة المالية، متدهورة منذ الانقلاب العسكري المالي عام 2022، لدرجة أنه لم يعد هناك تواصل فعال ولا ثقة بين الطرفين".
ويرى أن " تأسيس "أغ بولا" لحركة سياسية، يشير لمخاوف بعض الطوارق حول ما بعد انقلاب النيجر".
وأفاد إسماعيل أن "الطوارق يخشون على موقعهم في الترتيبات القادمة، خاصة مع وجود صراع دولي وإقليمي يلوح في الأفق".