تحملت العبء لصالح الدول المنتجة.. كيف تؤثر سياسة خفض إنتاج النفط على السعودية؟ 

12

طباعة

مشاركة

يلقي ثقل الحفاظ على أسعار النفط المرتفعة بظلاله على أهداف السعودية المتعلقة بنموها الاقتصادي رغم تمديد منتجي "أوبك"، السعودية وروسيا خفض الإنتاج مرة أخرى حتى سبتمبر / أيلول 2023. 

ورغم استمرار ارتفاع أسعار النفط لنحو شهرين، ومع توقع وصول الطلب على الخام إلى أعلى مستوياته في عام 2023، إلا أن عبء الحفاظ على استقرار أسعار النفط يضع المملكة تحت ضغط متزايد.

وفي 3 أغسطس/آب 2023، أعلنت السعودية، تمديد خفضها الطوعي لإنتاج النفط، البالغ مليون برميل من النفط يوميا، لشهر آخر على الأقل، والذي بدأت تطبيقه في يوليو/ تموز 2023، ليشمل بذلك سبتمبر، وعليه، فإن إنتاج المملكة من النفط، خلال سبتمبر 2023، سيصل إلى نحو 9 مليون برميل يوميا.

قيود متنوعة

ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر رسمي قوله إن "هذا الخفض الطوعي الإضافي يأتي لتعزيز الجهود الاحترازية التي تبذلها دول أوبك بلس بهدف دعم استقرار وتوازن أسواق النفط".

وكانت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية قد أوضحت أن "النفط شهد ارتفاعا لمدة سبعة أسابيع، وهو أطول منحنى مرتفع منذ أكثر من عام، مع صعود النفط الخام بنحو 20 بالمئة، منذ أواخر يونيو/ حزيران 2023".

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يصل الطلب على النفط إلى مستويات قياسية، حيث إنه يرتفع بمقدار 2.2 مليون برميل يوميا إلى 102.2 مليون برميل يوميا عام 2023، وفقا لتقرير سوق النفط الخاص بأغسطس/ آب 2023، والصادر عن وكالة الطاقة الدولية (IEA).

ويرى موقع "المونيتور" الأميركي أن 70 بالمئة من نمو الطلب راجع إلى ارتفاع نشاط البتروكيماويات في الصين.

وأكد الموقع أن "هذه كلها أخبار سارة للسعودية، لكن الخبراء يعتقدون أن المملكة ما زالت تواجه عقبات مستمرة".

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، ماثيو باي، إن "هناك العديد من القيود المتنوعة التي تمنع السعودية من الحفاظ على المستوى المرجو لأسعار النفط في المستقبل".

وتابع: "هناك كمية أكبر من النفط تدخل السوق العالمية، فالولايات المتحدة لا تزال قادرة على تلبية متطلباتها إلى حد ما، وهناك أيضا زيادة في إنتاج النفط القادم من البرازيل وجمهورية غيانا، ومناطق أخرى، هذا بالإضافة إلى التباطؤ الاقتصادي المتوقع".

فيما أضاف "المونيتور" أن "روسيا، شريكة المملكة في (أوبك بلس)، تستطيع تصدير النفط بمعدل الحد الأقصى للأسعار المتفق عليه مع دول مجموعة السبع، والبالغ 60 دولارا للبرميل، إلا أنها تجاوزت هذا الحد في يوليو/ تموز إلى 64.41 دولارا للبرميل، وفقا لتقرير وكالة الطاقة الدولية".

وقال الموقع الأميركي: "رغم أن الرياض وموسكو تعملان معا لتمديد خفض الإنتاج والحفاظ على أسعار النفط، إلا أن السعي المستمر لروسيا، للحفاظ على حصتها في سوق النفط نتيجة محدودية خياراتها، يعمل ضد مصالح المملكة".

قلق متزايد

ولفت باي إلى أن "روسيا يمكنها التصدير إلى ستة مستهلكين رئيسين -أبرزهم تركيا والهند والصين- وهذا بدوره يؤثر على إيرادات المملكة مستقبلا".

وأوضح أنه "من المحتمل أيضا أن هناك قلقا لدى السعودية من أن حصتها في السوق -والتي من المعتاد أن تكون في حالة نمو- قد تبدأ في التناقص على المدى البعيد، أو على الأقل قد تصل إلى مستوى لا تستطيع تجاوزه".

وخلص باي إلى أنه "رغم المنافسة بين روسيا والسعودية على مستهلكي النفط الخام، فإن كلا البلدين يحتاج إلى مواصلة العمل معا للحفاظ على حصة أوبك وحلفائها في السوق العالمية، وللتعامل بشكل أفضل مع أسعار النفط على المدى الطويل".

وأوضح المونيتور أن "هذه الضرورة تزداد تأكيدا بفعل الضغوط الإضافية من الدول الغربية، التي تسعى إلى تقليل استخدام الوقود الأحفوري عالميا".

وقال الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة والخدمات المالية، عمرو زكريا عبده، إن "هدف المملكة هو إبقاء أسعار النفط فوق 80 دولارا للبرميل".

وأردف: "لم يشهد الاستهلاك في الصين ارتفاعا كما كان متوقعا، ولذلك يشعر السعوديون بالقلق من أن ينخفض سعر النفط بشكل سريع جدا، مما قد يؤدي إلى تأخير خططهم للإنفاق المالي المحلي على القطاعات غير النفطية".

ووفق المونيتور، فقد تفوقت روسيا على السعودية كأكبر مورد للخام للصين في النصف الأول من عام 2023.

واستوردت الصين 2.13 مليون برميل يوميا من النفط من روسيا خلال تلك الفترة، بينما استوردت 1.88 مليون برميل يوميا من السعودية، وفق تقرير الموقع الأميركي.

وأشار إلى أن "المصافي الصينية طلبت كميات أقل من النفط من شركة أرامكو السعودية، خلال الأشهر الثلاثة الماضية؛ بسبب ارتفاع أسعار النفط، وبدلا من ذلك زادت إمداداتها من الأميريكتين وغرب إفريقيا".

ومع ذلك، فقد حدثت تطورات لصالح السعودية أخيرا، حيث تستعد الصين للحصول على حوالي 40 بالمئة من النفط الخام من المملكة في سبتمبر/ أيلول 2023، بموجب صفقة جديدة تنفذها شركة تكرير صينية عملاقة، حسبما أوردت وكالة "بلومبيرغ".

كما أبلغت شركة "أرامكو" العملاء في شمال آسيا بأنهم سيحصلون على كميات كاملة من النفط الخام الذي طلبوه لسبتمبر 2023، وفق وكالة "رويترز" نقلا عن مصادر عدة لم تحددها.

ضغط سلبي

وأشار الخبير الإستراتيجي، عبده، إلى أن "القوة الرئيسة الأخرى التي تسعى لخفض أسعار النفط هي الولايات المتحدة، بعد أن سحبت عرضا لشراء ستة ملايين برميل من النفط المخزن في الاحتياطي البترولي الإستراتيجي، في الأول من أغسطس/ آب 2023".

بالإضافة إلى ذلك، أطلقت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، ما يقارب 180 مليون برميل من الاحتياطي النفطي العالمي خلال عام 2022 لخفض الأسعار، بعد غزو روسيا لأوكرانيا، بالتزامن مع عمل وزارة الطاقة الأميركية على شراء 6.3 ملايين برميل في الأشهر الأخيرة.

وقال عبده إن "أكبر سحب للولايات المتحدة من الاحتياطي منذ الثمانينيات أدى إلى انخفاض السعر، رغم كونه طفيفا".

وأعلنت إدارة بايدن أنها ستؤجل تجديد الاحتياطي لديها، حتى تصل الأسعار إلى مستوى بين 67 و72 دولارا للبرميل.

وأكد عبده أن "ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يفرض ضغطا سلبيا على أسعار النفط".

وتزامن رفع الاحتياطي الفيدرالي ربع نقطة مئوية في يوليو/ تموز 2023، مع هبوط في أسعار النفط بنحو 1 بالمئة، بحسب رويترز.

وأشار المونيتور إلى أن "رفع سعر الفائدة يؤدي إلى خفض الطلب العالمي على النفط، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وزيادة تكاليف الاقتراض، لا سيما في البلدان التي ترتبط عملاتها بالدولار".

ونتيجة لذلك، رفع البنك المركزي السعودي سعر الفائدة في يوليو 2023، مما جعل اقتراض الأموال أكثر تكلفة، وهو ما قد يعوق هدف المملكة المتمثل في جذب الشركات الأجنبية.

وذكرت وكالة رويترز في أواخر يوليو/ تموز 2023، أن انخفاض أسعار النفط، واحتمال استمرار تخفيضات إنتاج النفط، قد أدى إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي للسعودية.

وحسب عبده، فإن المملكة تحملت عبء الحفاظ على أسعار النفط، لصالح الدول المنتجة للنفط من خلال خفض الإنتاج بشكل طوعي، جنبا إلى جنب مع روسيا، لكن استمرار تبني هذا النهج سيكون حلا ذا تكلفة عالية على المدى البعيد.